- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2905
إيران تساعد «حزب الله» على السيطرة من خلال تعزيزها للاستقرار في لبنان
في وقت سابق من هذا الشهر، زار قيس الخزعلي - زعيم الميليشيا العراقية التي تدعمها إيران «عصائب أهل الحق» - جنوب لبنان لإطلاق تهديدات ضد إسرائيل يرافقه مقاتلون من زملائه الشيعة من «حزب الله». وللوهلة الأولى، بدا الفيديو الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة وكأنه يشير إلى أنّ طهران قد توسع أنشطتها العسكرية في سوريا لتشمل الجارة لبنان. فقد أعلن الخزعلي، وهو يحدق على طول الحدود، أن ميليشياته "مستعدة تماماً للعمل يداً واحدة مع الشعب اللبناني والقضية الفلسطينية". ومن الناحية البلاغية، جاءت هذه الخطوة بمثابة رسالة الى رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري، الذي عاد مؤخراً إلى لبنان من المملكة العربية السعودية وتراجع عن استقالته، وأعاد تأكيد سياسة بلاده المتمثلة في "النأي بالنفس" عن الصراعات الإقليمية. وعلى الرغم من خطابات طهران القاسية، إلّا أنها لا تريد أن تشعل نيران الحرب في لبنان، رغم أن التحول إلى ساحة قتال أخرى يصبّ في مصلحة إيران - على الأقل ليس قبل أن يعزز «حزب الله» قبضته هناك في الأشهر المقبلة.
الاستقرار، ولكن بأي ثمن؟
تزامن شريط فيديو زيارة الخزعلي، وهي الزيارة التي تشكّل انتهاكاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي حظّر دخول القوات الأجنبية إلى لبنان بدون موافقة حكومته، مع اجتماع 8 كانون الأول/ديسمبر لـ"مجموعة الدعم الدولية للبنان" الذي عقد في باريس وحضره مسؤولون من بريطانيا والصين وألمانيا وإيطاليا وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة و"البنك الدولي". وبالإضافة إلى التشديد على تنفيذ قراري مجلس الأمن رقم 1559 و1701، دعا المشاركون الحكومة اللبنانية والأطراف الفردية إلى الحفاظ على الاستقرار من خلال البقاء خارج الصراعات الخارجية. ومع ذلك، فإن سياسة بيروت المتمثلة في النأي بالنفس لن تجبر «حزب الله» على الانسحاب من الحرب السورية أو غيرها من الاشتباكات الإقليمية. وعلى الرغم من موافقة وزراء «حزب الله» على السياسة، إلا أنهم لم يسحبوا مقاتليهم ومستشاريهم من ساحات القتال في سوريا أو العراق أو اليمن، ولا يبدو أن أي تفويض سياسي لبناني سيجبرهم على القيام بذلك.
وقد أَرسلت ردود الفعل الدولية عن غير قصد إشارةً مماثلة إلى «حزب الله». فبعد استقالة الحريري المتقلبة من منصبه ومغادرته، تدخّل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لإعادته الى لبنان في حين أصدر كل من البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية تصريحات تدعمه كرئيس وزراء لبنان بتسليطها الضوء على أهمية الاستقرار في تلك البلاد. وكانت الرسالة واضحة بالنسبة إلى «حزب الله»: ما دام لبنان مستقراً، سيُترك الحزب وشأنه لمواصلة سيطرته هناك. وفي الوقت نفسه، لا يزال «حزب الله» وإيران بحاجة إلى التأكيد من جديد على أنه لا يمكن لأحد في لبنان أن يمنع الحزب من التدخل أينما ومتى شاء. من هنا جاء نشر فيديو الخزعلي.
وباختصار، أكّدت الأسابيع القليلة الماضية ببساطة المفهوم القائل بأن لا أحد يرغب في تغيير الوضع الراهن في لبنان. إذ يشعر الأوروبيون بالقلق إزاء موجة أخرى من اللاجئين، حيث يستضيف لبنان أكثر من 1.5 مليون نازح سوري. وكانت السعودية منشغلة جداً مع اليمن وعاجزة عن مواصلة دورها في مسرحية الاستقالة، في حين أعلن مسؤولون أمريكيون عن حزمة مساعدات عسكرية جديدة بقيمة 120 مليون دولار بعد اجتماعهم مع الحريري الأسبوع الماضي. ولكن هذا النوع من الاستقرار سيأتي على حساب مساعدة «حزب الله» الذي يعرف قادته أن خوف المجتمع الدولي من تعطيل الديناميات السياسية في لبنان أقوى من رغبته في احتواء النفوذ الإيراني هناك.
الخطوة المقبلة لـ «حزب الله»
حمت عودة الحريري «حزب الله» من أزمة كان يفضل عدم مواجهتها في الوقت الراهن. فقبل استقالته، تمكّن الحزب من إبقائه رئيساً لـ "حكومة الوحدة الوطنية" التي وفّرت بدورها غطاءً سياسياً لعمليات «حزب الله» داخل البلاد وخارجها. وقد حافظ قرار الحريري بتغيير رأيه على هذا الغطاء، ومنذ عودته إلى بلاده كان الحريري أكثر انتقاداً لحلفائه من «حزب الله». وفي 30 تشرين الثاني/نوفمبر، صرّح لمجلة "باريس ماتش" بأنّ الجماعة هي مشكلة إقليمية وليست محلية وقال: "لـ «حزب الله» دور سياسي في لبنان. فهو بالطبع يملك السلاح، ولكنه لا يستخدمه داخل الأراضي اللبنانية". وقد أثار ذلك سخطاً بين مؤيديه الذين سارعوا إلى الإشارة بأن عناصر من «حزب الله» استخدمت أسلحة ضد الشعب اللبناني خلال الاضطرابات الداخلية التي وقعت في أيار/مايو 2008 ولا تزال حتى اليوم متّهمة باغتيال رفيق الحريري عام 2005.
والآن، يتعرض هؤلاء النقاد لهجوم لاذع. إذ أدلى الحريري بتصريحات عدائية ضد وزير العدل السابق أشرف ريفي ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، بينما استدعت السلطات الأمنية شخصيات عامة وصحفيين مرتبطين بـ «تحالف 14 آذار» من أجل التحقيق معهم. كما تجري محاكمة عدد من الأشخاص من بينهم رئيس حزب "الكتائب" سامي الجميل، والعضو في «تحالف 14 آذار» فارس سعَيد، والصحافي مارسيل غانم لانتقادهم الحريري والرئيس ميشال عون وكذلك استجواب رئيس الوزراء حول شائعة الشراكة التجارية بينه وبين حليف «حزب الله» وزير الخارجية جبران باسيل.
وفي خضم هذا السياق المرهِب، بإمكان «حزب الله» الآن المضي قدماً للاستفادة من الدعم الدولي للبنان بهدف التحضير لخطوته المقبلة. وقد تُكسِب التغطية، التي توفرها سياسة النأي بالنفس، الوقت الكافي لـ «حزب الله» لتأهيل نفسه للفوز في الانتخابات البرلمانية في أيار/مايو 2018. ومع القانون الانتخابي الجديد الذي أقرته حكومة الحريري هذا الصيف، ربما سيتمكن «حزب الله» من جلب حلفائه إلى البرلمان وتوطيد سلطته بشكل ديمقراطي. وهذا بدوره سيسمح له باختيار رئيس الوزراء والرئيس القادميْن، وتعيين كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين، وحتى تغيير الدستور كما يراه مناسباً.
على سبيل المثال، يمكن لـ «حزب الله» أن يغير توزيع السلطة في البرلمان من نصف مسيحي/نصف مسلم إلى نظام ثلاثي بين المسيحيين والسنّة والشيعة، وبالتالي يضمن لنفسه السلطة الدائمة في مؤسسات لبنان. وقد كشف الحزب عن هذه الفكرة في الماضي لكنه فشل في تنفيذها لانعدام أغلبية برلمانية. وقد لا يكون ذلك مشكلة في الانتخابات القادمة - ومن هنا، تأتي أهمية تشجيع الدعم الجاد للمرشحين المناهضين لـ «حزب الله» بين جميع الطوائف، بما فيها الطائفة الشيعية.
المحصلة
لا يريد «حزب الله» وراعيه الإيراني الحرب في لبنان لأسباب كثيرة، وبالتالي فإن الوضع الراهن يعمل لصالحهما بشكل جيد على المدى القصير. ولا تزال طهران تحاول تثبيت وجودها في سوريا في انتظار الانتخابات البرلمانية العراقية في نيسان/أبريل 2018، التي تأمل أن تساهم في تعزيز نفوذها في بغداد. ومع ذلك، يُعتبَر لبنان أكثر أهميةً من تلك البلدان الأخرى لأن إيران تريد مواصلة استخدامه كجهاز عمليات مستقر للصراعات الإقليمية. لذلك تُعتبر الجولة المرئية للخزعلي مجرد غيض من فيض. إذ تتمتّع جميع الميليشيات الشيعية الإيرانية بوجود قوي في لبنان، وتقوم على نحو متزايد بإنشاء مكاتب سياسية ومؤسسات إعلامية داخل الضاحية الجنوبية في بيروت. كما أنها تتلقى تدريباً عسكرياً في المخيمات في لبنان، غالباً على يد عناصر من «حزب الله».
ويبقى الحفاظ على استقرار لبنان مهماً في منطقة تعجّ بالحروب الطائفية. ولكن أي حالة من الهدوء تؤدي إلى تمكين إيران ولا تتمكن من مواجهة «حزب الله» لن تكون سوى مرحلة انتقالية. وبالمثل، لا يمكن للاستقرار أن يحمي السياسة أو الاقتصاد في لبنان إذا كان يمسّ بالحريات الديمقراطية ويعزز الفساد. بل على العكس من ذلك، سيؤدي إلى زيادة حدّة التوتر بين الطوائف وسيلحق الضرر بالمؤسسات اللبنانية. لذلك، يتعين على المجتمع الدولي أن يكثف دعمه للاستقرار مع التركيز على إصلاح مؤسسات الدولة من أجل حماية قيم الحرية والتنوع التي يعتزّ بها لبنان. ولعل الأهم من ذلك أنه يجب أن تكون سياسة النأي بالنفس التي يتبعها الحريري مصحوبةً بتدابير أكثر حدّة ضد «حزب الله» وعملياته الإقليمية، على الرغم من أن ذلك يبدو مستبعداً نظراً لخطواته الأخيرة.
حنين غدار، صحفية وباحثة لبنانية مخضرمة، وزميلة زائرة في زمالة "فريدمان" الافتتاحية في معهد واشنطن.