- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3576
إيران تتخذ الخطوات التالية في مجال تكنولوجيا الصواريخ
إلى جانب برنامج إطلاق المركبات الفضائية العلني الذي يقوده الجيش الإيراني، يملك «الحرس الثوري الإسلامي» برنامجه الخاص الذي يُظهر قدرة متزايدة على تصنيع صواريخ كبيرة ذات مراحل تقوم على محركات تعمل بالوقود الصلب.
في 9 شباط/فبراير، وفي الوقت الذي وصلت فيه المحادثات النووية في فيينا إلى مرحلة حساسة، كشفت إيران عن صاروخ "خَيْبَر شكن" ("كاسر خَيْبَر")، الذي يبلغ مداه المزعوم 1450 كيلومتراً. ويوضح هذا التطور الهام، أكثر من أي شيء آخر، الحجم والمدى المتزايدين للصواريخ الإيرانية ذات المحركات العاملة بالوقود الصلب والإطلاق المائل. وفي غضون ذلك، تشير تسمية "خَيْبَر" إلى معركة دارت في القرن السابع بين جيش محمد والمجتمعات اليهودية بالقرب من المدينة المكرمة، التي رفض أفرادها اعتناق الإسلام وتعرضوا للهزيمة بعد اكتساح قلاعهم المحصنة.
وجاء الكشف عن الصاروخ بعد ستة أيام فقط من "اليوم الوطني لتكنولوجيا الفضاء" في إيران، الذي يخلّد ذكرى إطلاق أول قمر صناعي في البلاد "أميد" في عام 2009، إلى مدار الأرض على متن صاروخ "سفير" محلي الصنع يعمل بالوقود السائل. وينتمي "سفير" إلى عائلة الصواريخ الباليستية أرض-أرض المتوسطة المدى من طراز "شهاب 3" القائمة على تصميم صاروخ "نودونغ" الكوري الشمالي. ووفقاً لمستندات "محفظات إيران النووية" التي وضعت إسرائيل يدها عليها في كانون الثاني/يناير 2018، كان يهدف "شهاب 3" إلى حمل أول أسلحة نووية للبلاد. ومنذ ذلك الحين، تمّ استبدال "سفير" بتصميمات أخرى، من بينها صاروخ "سيمورغ" الأكبر حجماً، ولكنه لم ينجح بعد في وضع قمر صناعي في المدار على الرغم من خمس محاولات على الأقل منذ عام 2016. ومن الواضح أن إيران لم تتمكن بعد من "تثبيت" مركبات إطلاق الأقمار الصناعية التي تعمل بالوقود السائل.
مسار إيران غير الواضح إلى الفضاء
سجل إطلاق صاروخ "سفير" في عام 2009 الإنجاز الأول لبرنامج إيران الفضائي، الذي بادرت به بسرية تامة وزارة الدفاع و "لوجستيات القوات المسلحة" في مطلع هذا العقد. وكان الهدف هو إطلاق سواتل اتصالات (أقمار صناعية) ثقيلة إلى مدار أرضي جغرافي متزامن على بعد 36 ألف كيلومتر. ومع ذلك، فقد ثبت حتى الآن أن مثل هذا الطموح يمثل تحدياً تقنياً كبيراً، نظراً لأنه يتطلب صواريخ متعددة المراحل أقوى بكثير مما اختبرته أو أطلقته إيران حتى الآن.
ولكن مع ذلك تعمل إيران جاهدةً لتعزيز قدراتها وتحقيق هدفها المُعلن. وتتولى مسؤولية هذه المهمة مجموعة الفضاء في "منظمة الصناعات الفضائية الجوية" التابعة لوزارة الدفاع، وهي الجهة المطورة والمنتجة لمعظم الصواريخ والقاذفات الإيرانية. وتعمل هذه المجموعة على سلسلة من الصواريخ الأكبر حجماً والأقوى بكثير لتبلغ ذروتها في صاروخ ثقيل مكوّن من معجلات صاروخية يدعى "سروش 2". ويكمن الهدف بعد ذلك في إرسال قمر صناعي يبلغ وزنه 2.5 طن إلى المدار الأرضي الجغرافي المتزامن أو عدة أقمار صناعية أصغر حجماً إلى المدار الأرضي المنخفض لإنشاء مجموعات مترابطة. وعلى سبيل المقارنة، يمكن لصاروخ "فالكون 9" من شركة "سبيس إكس" حمل وزن يصل إلى 8.3 أطنان إلى مدار النقل الثابت بالنسبة للأرض الواقع على علو أكثر انخفاضاً من المدار الأرضي الجغرافي المتزامن.
ويمكن القول إن الجهود الإيرانية ستتطلب تمويلاً هائلاً والكثير من الموارد، خاصةً لمكونات الدفع (الدسر)، وهي نتيجة تبدو الآن أكثر ترجيحاً بالنظر إلى الاهتمام الملحوظ للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بالموضوع. ويمكن أن يؤدي إحياء الاتفاق النووي الإيراني في النهاية ورفع العقوبات ذات الصلة إلى تقليل العقبات السياسية وتحرير الأموال الضرورية لتحقيق المشاريع الصاروخية الطموحة للنظام الإيراني.
وحين تولى رئيسي سدّة الرئاسة في عام 2021، وعد بإحياء برنامج الفضاء "السابت" جزئياً الذي تقوده وزارة الدفاع، ولهذه الغاية، ترأس أول اجتماع لـ "المجلس الأعلى للفضاء" في 11 عاماً في 26 تشرين الثاني/نوفمبر. وخلال ذلك الاجتماع، حدد رئيسي الهدف الطموح المتمثل بإرسال قمر صناعي إلى المدار الأرضي الجغرافي المتزامن في غضون 4 سنوات، ولكن فقط بعد أن يُثبت الجيش الإيراني قدرته المستمرة على وضع أقمار صناعية في المدار الأرضي المنخفض، أي على ارتفاع ما بين 200 و 2000 كيلومتر. ومع ذلك، فقد ثبت أن هذا الهدف على المدى القريب بعيد المنال، وقد واجهت إيران صعوبات في تطوير محركاتها التي تعمل بالوقود السائل. وبعد 8 عمليات إطلاق فقط، تمّ وقف العمل بمركبات إطلاق الأقمار الصناعية "سفير" التي سجلت نسبة نجاح أقل من 50 بالمائة. وفي غضون ذلك، لم يضع بعد صاروخ "سيمروغ" الأكبر حجماً قمراً صناعياً في المدار في أعقاب 5 اختبارات على الأقل، حتى أن تصاميم "سرير" و"سروش 1" و"سروش 2" الأكبر حجماً لم تظهر على منصة الإطلاق. وستحتاج إيران أيضاً إلى اختبار الحافلة المدارية الجديدة "سامان"، أو مرحلة المناورة، المصممة لدفع الحمولات نحو مدارات أعلى، وإلى إكمال ميناء جابهار لأبحاث الفضاء على ساحل خليج عُمان، مما سيتيح عمليات إطلاق فضائية أكثر كفاءة بشكل ملحوظ.
وعلى الرغم من الدعاية المحيطة بالمساعي على صعيد المدار الأرضي الجغرافي المتزامن، لم يخصص "الاتحاد الدولي للاتصالات" التابع للأمم المتحدة سوى "موقف" واحد لإيران في المدار الأرضي الجغرافي المتزامن، ومن غير المرجح إلى حدّ كبير أن تدخل البلاد السوق التجارية لإطلاق الأقمار الصناعية في أي وقت قريب. لذلك، قد يكون مصير برنامج طهران الفضائي "المدني" شبيهاً إلى حدّ كبير ببرنامجها النووي، الذي يتلقى استثمارات غير متكافئة في ظل إحرازه تقدّم غير متوازن، بينما يؤدي كل ذلك إلى نتائج مشكوك فيها.
الوقود الصلب كبديل مفضل
إلى جانب خيارات الوقود السائل، سعت إيران إلى اتباع مسار آخر عبر برنامج فضاء موازٍ عموماً تديره "منظمة الأبحاث والاكتفاء الذاتي" التابعة لـ "القوة الجوية" في «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني. ولطالما عملت الذراع الفضائية في «الحرس الثوري»، باعتبارها المستفيد الفعلي من أي موارد إضافية مستقبلية، على تطوير قدراتها الخاصة لإطلاق الأقمار الصناعية باستخدام صواريخ قوية تعمل بالوقود الصلب، بهدف وضع قمر صناعي ثقيل في مدار متزامن مع الشمس، محدد على ارتفاع 1000 كيلومتر، والأكثر ملاءمة لالتقاط الصور بهدف الاستطلاع والتجسس. ويسمح هذا الارتفاع للقمر الصناعي بالتحليق فوق الموقع نفسه كل بضعة أيام وفي الوقت نفسه من اليوم، مما يسهل وجود زوايا ظل ثابتة أو انعكاسات نهارية.
بالإضافة إلى ذلك، في كل مرة يُكمل فيها قمر صناعي متزامن مع الشمس مداره في غضون 90 دقيقة إلى ساعتيْن تقريباً، فإنه يبتعد عن مساره قليلاً، مما يسمح لأجهزة الاستشعار الخاصة به بالتقاط مشاهد خارج المسار قليلاً. ويساعد هذا الأمر في الحصول على المزيد من البيانات أو الصور الأكثر إثارة للاهتمام التي لا تحجبها الظلال أو الغطاء السحابي. ومن الناحية التقنية، تُعرف القدرة على الحصول على صور تعاقبية بـ"التحليل الزمني" إذ يعادل ازدياد دقة التحليل سرعة أكبر في العودة إلى النقطة نفسها، التي يتم قياسها بالأيام.
وتتمثل إحدى طرق تحسين هذه الدقة في مجموعات الأقمار الصناعية لرصد الأرض الصغيرة الحجم والمترابطة في المدارات الأكثر انخفاضاً، مما يجعل العودة إلى النقطة نفسها إلى ساعات بدلاً من أيام. ومن المعروف أن إيران تبدي اهتماماً متزايداً بإنشاء مجموعات من الأقمار الصناعية المتناهية الصغر أو النانوية للتصوير أو الملاحة أو الاتصالات الرخيصة. وعند ترابطها، يمكن أن توفر قدرات عسكرية كبيرة لدعم الأنشطة الضارة للنظام الإيراني في المنطقة، مثل تعقب حركة الشحن الدولية أو المساعدة في قيادة/استهداف الطائرات المسيرة الانتحارية، وكذلك أنشطة وكلائها.
إطلاق مركبات إطلاق الأقمار الصناعية في نيسان/أبريل 2020
يشكل الدور المهيمن الذي لعبه الجيش في تطوير مركبات إطلاق الأقمار الصناعية الإيرانية المترافق مع غياب الشفافية المعتاد في كل ما له علاقة بالجمهورية الإسلامية، مصدراً كافياً للقلق. ولكن في 22 نيسان/أبريل 2020، ازدادت الأدلة بشكل ملموس عندما أعلن «الحرس الثوري» الإيراني عن إطلاق قمره الصناعي الخاص باستخدام صاروخ "قاصد" الحامل للأقمار الصناعية. وحتى اليوم، لا يرد هذا النموذج ضمن مخططات التطوير الرسمية لدراسة وتصميم الصواريخ الفضائية الإيرانية، والتي كانت تعتمد حتى وقت قريب على المرحلتين الأولى والثانية اللتين تستخدمان الوقود السائل "الأقل كفاءة". ومع ذلك، فإن الوضع يتغير، واعتباراً من أوائل عام 2021، تم اختبار صاروخ جديد مفاجئ حتى من قبل "منظمة الصناعات الفضائية الجوية"، يسمى "ذو الجناح" في مهمة شبه مدارية. وخلال المرحلتين الأولى والثانية، استخدم "ذو الجناح" محركاً يعمل بالوقود الصلب بقطر يبلغ 1.5 متر وقوة دفع تعادل 74 طناً وفقاً لبعض التقارير، ومن المتوقع أن يتمكّن من حمل قمر صناعي يزن 210 كيلوغرامات إلى مدار 500 كيلومتر.
وفي كانون الثاني/يناير 2022 أيضاً، نشر «الحرس الثوري» الإيراني مقطعاً مصوراً عن اختبار أرضي ناجح لمحرك أكبر وأقوى كثيراً يعمل بالوقود الصلب ومزود بفوهات دوارة قادرة على توجيه الدفع ضمن منطقة التجارب "شاهرود". وإذ حمل اسم "رافع"، خُصص الصاروخ المغلف المركب والقوي لتشغيل المرحلة الأولى من الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى ومركبات إطلاق الأقمار الصناعية على حد سواء. وفي سياق تاريخي، في رسالة رُفعت عنها السرية مؤخراً تعود إلى 12 كانون الأول/ديسمبر 2015، وموجهة إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، من المدير السابق لبرنامج الصواريخ وإطلاق المركبات الفضائية التابع لـ «الحرس الثوري»، الجنرال حسن طهراني مقدّم - الذي قُتل في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 في تفجير ضخم بينما كان يعمل على مشروع خاص بدفع الصواريخ - تحدث في جملة واحدة عن إنجاز كل من صاروخ "فائق السرعة" يتمتع بمدى كاف للوصول إلى إسرائيل ومركبة لإطلاق الأقمار الصناعية. وفي حين قد يكون الأول صاروخ "سجيل" الذي يعمل بالوقود الصلب والذي تمّ كشف النقاب عنه في عام 2008، قد يكون الثاني صاروخ "سفير" أو "قاصد" أو تصميماً أكثر قوة.
باختصار، فإلى جانب برنامج إطلاق المركبات الفضائية العلني الذي يقوده الجيش الإيراني، يملك «الحرس الثوري» الإيراني برنامجه الخاص الذي يُظهر قدرة متزايدة على تصنيع صواريخ كبيرة ذات مراحل تقوم على محركات تعمل بالوقود الصلب، بقطر يصل كل منها إلى 3.5 أمتار. وقد نشأ هذا التطور المحتمل عن مشروع مركبات إطلاق الأقمار الصناعية بصواريخ "قائم" المزودة بمحركات تعمل بالوقود الصلب والمؤلفة من أربع مراحل، الذي نفذه أيضاً طهراني مقدم. وبالفعل، في 3 شباط/فبراير، أعلنت إيران عن خطة لإطلاق قمرين صناعيين تجريبيين إلى المدار بواسطة مركبات إطلاق الأقمار الصناعية التي تستخدم صاورخي "ذو الجناح" و"قائم".
الخاتمة
بغض النظر عن الوضع الحالي للمحادثات النووية [مع إيران]، على الولايات المتحدة مراقبة برنامج إيران الفضائي عن كثب، ولا سيما برنامجها الخاص بإطلاق مركبات فضائية تعمل بالوقود الصلب، وذلك لأن «الحرس الثوري» الإيراني والكيانات التابعة له يلعبون دوراً مركزياً في مراقبة مثل هذه الأنشطة ولأن هذا البرنامج يعود بفائدة مباشرة على مشاريع الصواريخ الإيرانية الطويلة المدى، بما في ذلك أي صواريخ باليستية مستقبلية متوسطة المدى قادرة على الوصول إلى جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي. ويقيناً، من غير المرجح أن تتخلى الجمهورية الإسلامية عن تطلعاتها الإقليمية التي تقوم على إجبار الولايات المتحدة على الخروج من الشرق الأوسط والقضاء على إسرائيل تماماً.
وفي حين يجب أن تتمتع كل دولة بحق الاستخدام السلمي للفضاء - مع عدم استثناء الشعب والمجتمع العلمي الإيراني - إلا أنه لا ينبغي الوثوق بالنظام الإسلامي الإيديولوجي في طهران الذي يضع استراتيجية وقائية لإخفاء نواياه الحقيقية، بدعم من التكنولوجيات الحساسة التي قد تعود بالفائدة على برامجه للصواريخ والطائرات المسيرة المثيرة للقلق، مما قد يخلّف آثاراً مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط وخارجه.
فرزين نديمي هو زميل مشارك في معهد واشنطن، ومتخصص في شؤون الأمن والدفاع المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج.