- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
أزمة الرهائن في كنيس يهودي تذكرنا بأن النازيين الجدد ليسوا الوحيدين الذين يستهدفون اليهود
Also published in "إن بي سي نيوز"
على الرغم من أن التطرف في الولايات المتحدة قد برز كتهديد إرهابي أكبر على البلاد، إلا أن التهديد الذي يطرحه العنف الجهادي من الخارج لا يزال الأكثر حدة.
عندما احتجز رجل مسلح مصلين يهود كرهائن في كنيس في تكساس صباح يوم السبت الخامس عشر من كانون الثاني/يناير، كنتُ على بعد أكثر من ألف ميل عن مكان وقوع الحادث، أقف خارج كنيس آخر كحارس أمن متطوع إلى جانب ضابط شرطة خارج الخدمة. أما الواقع المرير في جميع أنحاء الولايات المتحدة، فهو أن اليهود الأمريكيين لا يمكنهم التجمع للصلاة دون اتخاذ احتياطات السلامة الوقائية لحماية أنفسهم من جائحة متنامية من نوع آخر، وهي معاداة السامية.
وبفضل التدريب الأمني الذي تلقاه الحاخام وأعضاء الكنيس لديه في تكساس بسبب انتشار هذه التهديدات، تمكّن الرهائن الأربع من الفرار دون أن يصابوا بأذى من المواجهة في مجمع "بيت إسرائيل" في كوليفيل. وكانت الضحية الوحيدة هو المهاجم نفسه، مواطن بريطاني يُدعى مالك فيصل أكرم، أرداه فريق إنقاذ الرهائن التابع لـ"مكتب التحقيقات الفيدرالي" قتيلاً حين نفذ الهجوم بعد فرار الرهائن.
وجاءت أزمة الرهائن هذه في أعقاب سلسلة من هجمات المتعصبين البيض والنازيين الجدد التي استهدفت اليهود في بيتسبرغ؛ وفي باواي، كاليفورنيا؛ وفي كانساس سيتي، كانساس، على سبيل المثال لا الحصر. وناهيك عن مسيرة المتعصبين البيض في عام 2017 في شارلوتسفيل، فيرجينيا، حيث قَتل أحد المشاركين شخصاً خلال قيادة سيارته وسط الحشود وحيث ردّد النازيون الجدد شعار: "اليهود لن يحلوا محلنا".
وفي حين أن الجماعات اليمينية المتطرفة مسؤولة عن قسم كبير من أعمال العنف الأخيرة الموجهة ضد اليهود - فضلاً عن تركيز الكثير من وسائل الإعلام على الحوادث المعادية للسامية في أمريكا - فإن هجوم يوم السبت هو بمثابة تذكير بأن معاداة السامية هي النقطة المشتركة النادرة التي تتناقلها بقوة الأطياف اليمينية المتطرفة واليسارية المتطرفة والإيديولوجية الجهادية. ولا يزال التهديد الذي يطرحه التطرف الجهادي خطيراً، رغم أن التطرف المحلي قد برز الآن كتهديد إرهابي داخلي أكبر في الولايات المتحدة.
لقد بدأتُ مسيرتي المهنية كمحلل لمكافحة الإرهاب في "مكتب التحقيقات الفدرالي" وانتهى بي الأمر في قيادة أحد الفرق التحليلية في مقر "المكتب" في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. ففي ذلك الحين، قبل 20 عاماً، بدأت المعابد اليهودية في أمريكا ولأول مرة بتشكيل لجان أمنية. وفي ذلك الوقت، نشأ التهديد الأكثر إلحاحاً - على الجالية اليهودية وعلى أمريكا على نطاق أوسع - عن الإرهاب الجهادي العابر للحدود.
وبغض النظر عن التقدم الذي أحرزته الولايات المتحدة في إحباط الهجمات الإرهابية - الذي يندرج في إطاره جزئياً السبب الذي دفع كبار المسؤولين عن إنفاذ القانون في العام الماضي إلى اعتبار أن المتعصبين البيض يمثلون التهديد الأكبر - أظهر أكرم أن معاداة السامية الخطيرة التي تساهم في الجهاد لا تزال قائمة. ففي عام 2020، صنّف "جهاز الأمن الداخلي" البريطاني،"MI5" أكرم على أنه "موضوع اهتمام" ولكنه أغلق تحقيقه بعد أن خلص إلى أنه لم يشكل تهديداً إرهابياً في ذلك الوقت. وفي كانون الأول/ديسمبر، سافر أكرم إلى نيويورك وبعد ذلك بأسبوعين، احتجز أربع يهود كرهائن في كنيس في تكساس.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا استهدف أكرم تجمّع "بيت إسرائيل"؟ لم يكن السبب فقط قربه من المنشأة الفدرالية التي تُحتجز فيها عافية صديقي، مواطنة باكستانية تقضي عقوبة بالسجن 86 عاماً لمحاولتها قتل مواطنين أمريكيين، والتي طالب أكرم بإطلاق سراحها مقابل إفراجه عن الرهائن. ولو كان ذلك هدفه، لكان بإمكانه استهداف أي مؤسسة قريبة من السجن.
لكن أكرم كان مقتنعاً، كما أخبر الرهائن، بأن اليهود يسيطرون على المجتمع ويملكون سلطة كبيرة. وكما استذكر جيفري كوهين، أحد الرهائن، اعتقد أكرم أن بإمكانهم "الاتصال بالرئيس بايدن وهو سيفعل ذلك. يمكننا الاتصال بالرئيس ترامب وهو سيفعل ذلك، لأن اليهود يسيطرون على كل شيء". اعتَقَدَ أن هؤلاء اليهود الأربعة يمكنهم ضمان إطلاق سراح صديقي لأن "اليهود يسيطرون على العالم، واليهود يسيطرون على وسائل الإعلام، واليهود يسيطرون على المصارف".
وفي حين أن صديقي، السبب الرئيسي وراء خطوة أكرم، تقبع في السجن بسبب إطلاقها النار على ضابط بالجيش الأمريكي وأعربت عن رغبتها في قتل أمريكيين، فهي أيضاً معروفة بإطلاق مؤامرات معادية للسامية. فخلال محاكمتها في كانون الثاني/يناير 2010، دعت علناً إلى إخضاع كامل هيئة المحلفين إلى اختبار جيني لاستثناء اليهود. وقالت صديقي: "إذا كانت لديهم خلفية صهيونية أو إسرائيلية... فجميعهم غاضبون مني. يجب استبعادهم". ولاحقاً، أعلنت أن الحكم بتجريمها "يأتي من إسرائيل وليس من أمريكا".
وأكرم ليس الشخص الوحيد الذي يدعم قضية صديقي: فقد سعى كل من تنظيم "القاعدة" وحركة "طالبان" وتنظيم "الدولة الإسلامية" إلى إطلاق سراحها، كما فعلت حكومة باكستان. كذلك أيّدت قضيتها جماعات في الولايات المتحدة، مثل "مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية". فقد وصف فرع "المجلس" في دالاس-فورت ورث إدانة صديقي على أنها "واحدة من أبرز الأمثلة على الظلم في تاريخ الولايات المتحدة".
وسرعان ما شجب "مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية" هجوم كوليفيل ووصفه بأنه معاد للسامية و"عمل شرير غير مقبول" في نهاية الأسبوع المنصرم. غير أن مسؤولي "المجلس" أنفسهم روّجوا لمواضيع وأفكار معادية للسامية. ففي تشرين الثاني/نوفمبر، ألقت زهرة بيلو، المديرة التنفيذية لفرع "المجلس" في سان فرنسيسكو، خطاباً لم تدن فيه التعصب المعادي للإسلام والجماعات اليمينية المتطرفة فحسب، بل أيضاً "الصهاينة المهذبين" - بمن فيهم المنظمات اليهودية الرئيسية مثل "رابطة مكافحة التشهير"، التي تحارب معاداة السامية، و"هيلل"، وهي منظمة لطلاب الجامعات اليهود - وكذلك "المعابد الصهيونية".
وأوضحت بيلو قائلة: "عندما نتحدث عن كراهية الإسلام، غالباً ما نفكر بالفاشيين العنيفين. ولكن دعونا لا نغفل عن الصهاينة المهذبين الذين يقولون ’فلنتقاسم الخبز معاً‘". واتهمتهم بأنهم جزء من شبكة مترابطة من المنظمات الداعمة للصهيونية التي تحاول إلحاق الأذى بالمسلمين، وحذرت قائلةً "هم ليسوا أصدقاءكم".
(تجدر الملاحظة أن بيلو لم تجب على طلبات الإدلاء بتعليقات قدمتها مؤسسات إعلامية عندما انتشرت أخبار تصريحاتها. ومع ذلك، فرداً على وصف رئيس "رابطة مكافحة التشهير" لتعليقاتها بأنها معادية للسامية، نشر الحساب الوطني لـ"مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية" على موقع "توتير" ما مفاده: "تلجأون إلى مزاعم كاذبة بمعاداة السامية لتشويه سمعة المسلمين").
وإذا لم يدين "مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية" مثل هذه الأفكار المعادية للسامية - بأنه لا يمكن الوثوق باليهود، هم جزء من شبكة منظمة تكره الإسلام، لا تتقاسموا الخبز مع الصهاينة المهذبين - فهو بذلك لا يعارض فعلياً معاداة السامية والأسباب الجذرية للتي تستند إليها أعمال العنف هذه ضد اليهود. وبالفعل، يجب أن تكون العبرة من هذا الهجوم الأخير أن للكلمات أهمية وأنه يجب ردع كافة الأفكار المعادية للسامية - سواء كانت "اليهود لن يحلوا محلنا" أو "اليهود يسيطرون على المصارف" أو "لا تتقاسموا الخبز مع الصهاينة المهذبين".
إن عواقب التساهل يمكن أن تكون مدمّرة. فـ وفقاً لـ "مكتب التحقيقات الفدرالي" في عام 2019، تم استهداف نسبة كبيرة بلغت 60 في المائة من كافة ضحايا جرائم الكراهية المعادية للدين بشكل خاص بسبب ميول المهاجم المعادية لليهود، مقارنةً بنسبة 13.2 في المائة بسبب الميول المعادية للمسلمين و3.8 في المائة بسبب الميول المعادية للكاثوليك.
وفي حين أظهرت دراسة أجراها "الائتلاف الوطني لدراسة الإرهاب والتصدي للإرهاب" في جامعة ماريلاند أن جرائم الكراهية القائمة على الدين في الولايات المتحدة تميل إلى أن تكون أقل عنفاً (ينطوي الكثير منها على تخريب أماكن العبادة) من الأنواع الأخرى لجرائم الكراهية، فإن الأهداف اليهودية كانت "ممثلة بشكل كبير جداً ومصوّرة كضحايا لهجمات مصممة لإحداث إصابات جماعية بالمقارنة مع أنواع أخرى من جرائم العنف". ويشكل المهاجمون المعادون للسامية 10.4 في المائة فقط من المجرمين في مجموعة البيانات، ولكنهم يمثلون 38.1 في المائة من الذين خططوا أو ارتكبوا هجمات تسفر عن إصابات جماعية.
لهذا السبب وجدتُ نفسي أقف حارساً خارج كنيس يهودي صباح يوم السبت الماضي في البرد القارس ولهذا السبب تُوفّر المعابد اليهودية في جميع أنحاء الولايات المتحدة دورات تدريبية فعلية لأفرادها للرد على أحداث إطلاق النار. وبالنسبة لليهود في أمريكا، فإن الاستعداد للهرب أو الاختباء أو القتال - أحد الجوانب الرئيسية لمثل هذه الدورات - ليس تدريباً أكاديمياً وحسب.
يجب أن يستمر دعم المجتمعات اليهودية بالأموال لحماية معابدهم، و على جميع أماكن العبادة إعطاء الأولوية للحصول على التدريب حول إنقاذ الأرواح الذي أنقذ حياة الرهائن في "بيت إسرائيل". وفي خلال ذلك، سنواصل أنا وجيراني مهمة الحراسة.
ماثيو ليفيت هو زميل "فرومر- ويكسلر" ومدير برنامج "راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب" في معهد واشنطن. تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع "إن بي سي نيوز".