- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
بايدن سيكتشف أن بينيت لا يشبه نتنياهو
Also published in "ذي هيل"
بين تركيز رئيس وزراء إسرائيل نفتالي بينيت على الشراكة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة ورغبة الرئيس الأمريكي بايدن في الحصول على أخبار جيدة بعد أفغانستان، يتمتع الزعيمان بمجال واسع للتعامل مع القضايا الإقليمية الشائكة بطريقة بناءة.
سيستقبل البيت الأبيض يوم الخميس رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت. وكان الكثيرون في الولايات المتحدة يعتبرون سلفه بنيامين نتنياهو مرادفاً لإسرائيل، بما أنه تولى قيادة البلاد لعشرات السنين. وفي حين أن القائدين لديهما توجه متشدد على صعيد السياسة الخارجية ويجيدان اللغة الإنكليزية تماماً كالعبرية، سيكون من الخطأ اعتبار أن استبدال قائد بآخر أمر ممكن. فمن الضروري إدراك الفوارق الرئيسية بينهما.
يقود بينيت حكومة هجينة تغطي ظلالها الطيف السياسي الإسرائيلي بشكل متميز. وهي تضم غالبية ضئيلة جداً، الأمر الذي جعل بحث بينيت عن أرضية مشتركة وسط مجموعة من الأحزاب اليمينية والوسطية واليسارية الميول مهماً. وهذا يعني تجنب المسائل الساخنة والتعامل مع المشاكل التي عليها إجماع محلياً على غرار مواجهة جائحة "كورونا" وشؤون الصحة والتعليم. وهو يختلف بذلك كثيراً عن نتنياهو الذي غالباً ما سعى إلى تسليط الضوء على الفوارق الإيديولوجية مع المعارضة كأساس لشعبيته.
وعليه، يريد بينيت أن يوضح لبايدن أنه مختلف عن نتنياهو. وعند المدرج أثناء مغادرته تل أبيب إلى واشنطن، أعرب عن رغبته بـ"روح تعاون جديدة" مع إدارة بايدن، في إشارة إلى المواجهات الماضية بين سلفه والولايات المتحدة. فهو قادم ليؤكد أنه ما من تصادم علني مع بايدن كالذي حصل عام 2015 مع إدارة أوباما عندما بلغ الخلاف حول الاتفاق النووي مع إيران أوجه. وبحسب محادثاتي مع كبار المسؤولين الإسرائيليين، تبين أن بينيت ووزير الخارجية يائير لبيد يعتقدان أن هذا الصدام قوّض الهدف المشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل المتمثل في ضمان عدم اقتراب إيران من الحصول على قنبلة نووية.
غير أن تنامي الشعور بأن الحكومة الإيرانية الجديدة غير مهتمة باتفاق فيينا يعني أنه على الولايات المتحدة وإسرائيل أن يقلقا إزاء وضع إيران جدول زمني معجّل لتطوير برنامجها النووي في عهد الرئيس إبراهيم رئيسي من دون التقيّد بشروط أي اتفاق. وثمة أدلة على أن بينيت يريد القيام بمشاورات وطيدة مع الولايات المتحدة بشأن هذا الاحتمال. وقد أوضح أن التعامل مع إيران يحتل أولوية قصوى خلال زيارته إلى البيت الأبيض. ومن المرجح أن يحض الولايات المتحدة على الاستفادة من تقارب العلاقات الإقليمية بين إسرائيل والدول الخليجية لضمان تعزيز التعاون في المنطقة بقيادة الولايات المتحدة من أجل التعامل مع إيران في مجالات على غرار الاستخبارات والأمن السيبراني وأشكال أخرى من العلاقات.
واستناداً إلى المحادثات التي أجريتها مع كبار المسؤولين الإسرائيليين، يتضح أن بينيت يعتقد أن موقف نتنياهو العلني خلال الاتفاق النووي المبرم عام 2015 واحتضانه الإقصائي للرئيس ترامب نفّر الديمقراطيين. فقد قالوا لي إن بينيت يفهم أن النجاح الذي حققته إسرائيل لعقود من الزمن متجذر في الثنائية الحزبية الأمريكية وأنه بحاجة إلى العودة إلى هذه المقاربة. كما يدرك أن الشعب الإسرائيلي ينظر تاريخياً إلى العلاقات الناجحة مع واشنطن على أنها مقياس أساسي لنجاح أي رئيس وزارء.
علاوةً على ذلك، لطالما نظر بايدن - باعتباره نائب رئيس لعدة ولايات ورئيس "لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ" - إلى العلاقات الشخصية القريبة مع القادة الخارجيين كجزء من علامته الخاصة التي تطبع السياسة الخارجية. وفي أعقاب سيطرة "حركة طالبان" على أفغانستان، سيكون بينيت أول زائر أجنبي إلى البيت الأبيض. وبما أن إسرائيل تُعرف بكونها تضرب الإرهاب بقبضة من حديد، من المرجح أن يدفع إعراب بينيت عن ثقته بأن الولايات المتحدة حليف موثوق، بالإدارة الأمريكية إلى الاعتراف بالجميل، لا سيما وسط الصدمة التي تعرضت لها هذه الأخيرة بسبب التطورات في كابول. ولربما كان نتنياهو يدخل البيت الأبيض معتمداً أسلوب الوعظ بدلاً من الوثوق بالتحالفات، لكن من المستبعد أن يفعل بينيت ذلك.
ويتمثل أحد أوجه الاختلاف الأخرى ذو الصلة بين بينيت ونتنياهو والذي يمكن أن يؤثر على لقاء بايدن في أن الأول يدرك أن الجمود التام على صعيد القضية الفلسطينية لا يصبّ في مصلحة إسرائيل. واستناداً إلى محادثاتي العديدة مع بينيت في السنوات القليلة الماضية، اتضح لي أنه على دراية بهذا الواقع. وقد أخبرني مراراً أنه يفضل منح الفلسطينيين الذين يعيشون في المدن الفلسطينية وضواحيها، ولو في جزء فقط من الضفة الغربية "حكماً ذاتياً على منشطات". وصحيح أن خطة اقتصادية تشمل أكثر من 80 في المائة من فلسطينيي الضفة الغربية الذي يعيشون في هذه المناطق لن تحل النزاع بعد عقد من الجمود، إلا أنها يمكن أن تشكل انطلاقة جيدة. في هذا السياق، ألمح مسؤولون خليجيون كبار تحدثت معهم إلى أن بعض الدول العربية الرئيسية قد تدعم مبادرة صادرة عن القطاع الخاص، ما قد يعزز اهتمام الولايات المتحدة بتوسيع رقعة التطبيع العربي-الإسرائيلي.
والجدير ذكره أن بينيت لا يبدو متمسكاً بفكرة نتنياهو القاضية بضرورة حكم الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل منفصل: أي أن تخضع الضفة الغربية لقيادة "السلطة الفلسطينية" وغزة لقيادة حركة "حماس". ورغم أن نتنياهو لم يكن من مؤيدي الحركة، إلا أنه لم يعتبر أن من شأنه دعم "السلطة الفلسطينية" على حساب "حماس". وفي الظروف الراهنة، إن مكانة "السلطة الفلسطينية" في الأوساط الفلسطينية متزعزعة، وكان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس أوضح مراراً أن هذا الأمر ليس في مصلحة بلاده.
مع ذلك، يتضح لبايدن أن حكومة بينيت تتحدث عن "تقليص حدّة النزاع" مع الفلسطينيين، وهي نقطة تقع في الوسط ما بين حلٍ للنزاع تستبعد الحكومة التوصل إليه من جهة وإدارةٍ للنزاع غير مرغوب فيها من جهة أخرى. وتعني هذه المقاربة الحد من نقاط الخلاف مع الفلسطينيين، الأمر الذي يتناسب بشكل جيد مع تقييم إدارة بايدن للنزاع. وعليه، يؤيد فريق بايدن إحراز تقدم تدريجي في العلاقة الإسرائيلية-الفلسطينية ولكنه يعطي الأولوية لفيروس كورونا والصين وتغير المناخ.
إن إدارة بايدن على دراية بأن بينيت ينحدر من اليمين الإسرائيلي. هذا صحيح، فقد كان سابقاً رئيس حركة المستوطنين قبل عقد من الزمن وعاش في مستوطنة لفترة قصيرة، ولكنه سرعان ما انتقل إلى ضواحي تل أبيب. وصحيح أيضاً أنه أيّد في ما مضى الضمّ الأحادي حين كان في المعارضة، ولكنه قال حينها إنه لا يتعين على إسرائيل السعي إلى تطبيق ذلك في أي وقت قريب، نظراً إلى تعهدها أمام الدول الخليجية بأن يكون ذلك ثمن روابط التطبيع.
لا بايدن ولا بينيت يرغبان في عودة نتنياهو. وهذا سبب آخر يحضهما على اغتنام لقائهما المقبل من أجل التعاون والتعامل مع التحديات الإقليمية المشتركة الكبيرة التي ستواجههما في المستقبل.
غير أن مقياس العلاقة الناجحة بين بايدن وبينيت لا يتمثل في كراهيتهما لنتنياهو، إنما في قدرتهما على التعاون خلال هذه المرحلة الجديدة ما بعد الانسحاب من أفغانستان بشأن مسائل تتراوح من إيران إلى العمل مع الفلسطينيين لضمان عدم خروج "حماس" منتصرة. وسيكون ذلك أيضاً انتقاداً للسردية الجديدة بأن الولايات المتحدة تخلت عن محاربة التطرف.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير "مشروع كوريت" للعلاقات العربية الإسرائيلية في معهد واشنطن. وخدم في مكتب وزير الخارجية الأمريكية كمستشار أول لـ "المبعوث الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية" في الفترة 2013-2014. ويعمل أستاذاً مساعداً في "كلية بول إتش نيتز للدراسات الدولية المتقدمة" بـ "جامعة جونز هوبكنز". وهو أيضاً منتج برنامج البث الصوتي "نقاط القرار".