- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
بعد الحسابات الخاطئة لـ "حزب الله"، فقد الحزب الكثير من قوته
Also published in "غلوب آند ميل"
يثبت التقييم الخاطئ للحزب حول هشاشة إسرائيل في زمن الحرب أنه أكثر تكلفة يوماً بعد يوم.
"حزب الله" - الميليشيا الشيعية القوية في لبنان، والتي شكلت لسنوات التهديد الاستراتيجي الأكثر إلحاحاً لإسرائيل - أصبح فجأة ظلاً لما كان عليه سابقاً. ففي غضون أيام، أدت سلسلة مذهلة من المناورات الاستخباراتية والعسكرية الإسرائيلية إلى تدهور شديد في القدرة القتالية للحزب وتفكيك كادر قيادته.
ففي أعقاب قصف مقر القيادة العسكرية لـ "حزب الله" ومقتل زعيمه حسن نصر الله، ليس من المبالغة القول إن الحزب الذي كان قائماً قبل أسبوعين لم يعد موجوداً اليوم. وبما أن "حزب الله" كان العمود الفقري لشبكة إيران من الوكلاء المتشددين، ما يسمى بـ "محور المقاومة"، فإن استراتيجية إيران في تسليح ونشر جماعات بالوكالة في جميع أنحاء المنطقة أصبحت فجأة معرضة للخطر أيضاً.
ولم يكن أحد (خارج مقرات الاستخبارات الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي) يتوقع ذلك، وبالتأكيد ليس "حزب الله"، الذي كان يعتقد أن ترسانته الضخمة من الصواريخ والقذائف تشكل رادعاً أمام أي هجوم إسرائيلي على قواته في لبنان. وفي العام الماضي، وقبل ثلاثة أشهر من (هجمات) 7 تشرين الأول/أكتوبر، هدد نصر الله إسرائيل بعبارات لا لبس فيها، قائلاً: "سوف تعودون إلى العصر الحجري إذا ذهبتم إلى الحرب".
ولكن على مدى الأحد عشر شهراً الماضية، أصبحت إسرائيل أقل ردعاً. فقد جاء أولاً الهجوم المروع الذي شنته "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ثم تبعه التأثير التراكمي لهجمات "حزب الله" شبه اليومية بالصواريخ على شمال إسرائيل. وكانت هجمات الحزب تهدف إلى وضع ضغوط متزايدة على إسرائيل، كما كان مقصوداً، إلا أن تلك الضغوط لم تدفع الإسرائيليين إلى التوقف عن استهداف "حماس"، بقدر ما أدت إلى تقليص مخاوف إسرائيل بشأن تكلفة العمل العسكري ضد التهديدات العسكرية التي يفرضها "حزب الله". وفي حين أن صدمة هجوم "حماس" لا تزال جرحاً مفتوحاً بسبب الرهائن الإسرائيليين العديدين الذين لا تزال الحركة تحتجزهم في غزة، إلّا أن الإسرائيليين ما زالوا يكافحون أيضاً الهجمات الصاروخية لـ "حزب الله"، والواقع المتمثل في أنه بعد ما يقرب من عام من الحرب لا يزال أكثر من 60,000 مدني إسرائيلي نازحين من منازلهم في المجتمعات على طول الحدود.
لقد استنتج المجتمع الإسرائيلي تدريجياً بأن الوضع في شمال البلاد لا يطاق، ومع بدء الجيش الإسرائيلي في تقليص عملياته العسكرية الكبرى ضد "حماس"، ازدادت الدعوات لدعم الفكرة بأن الجيش يجب أن يقوم بما يلزم لتمكين المدنيين من العودة إلى منازلهم. وتحقيقاً لهذه الغاية، وقبل العملية التي استهدفت معدات الاتصالات الحربية لـ "حزب الله"، وسّعت حكومة الحرب الإسرائيلية أهداف الحرب لتشمل عودة المدنيين النازحين إلى ديارهم. ولم يكن الهدف الجديد تدمير "حزب الله" أو حتى إضعاف ترسانته الصاروخية، مما يعني أنه لو توقف الحزب عن إطلاق الصواريخ على إسرائيل، لكان نصر الله لا يزال على قيد الحياة، ولكان "حزب الله" لا يزال منظمة فعالة.
وفي حين أن الطريقة التي سحبت بها إسرائيل البساط من تحت أقدام "حزب الله" بهذه السرعة مذهلة، فإن واقع اتخاذها إجراءً ضد "حزب الله" في النهاية لم يكن مفاجئاً. فلعدة أشهر، صرح المسؤولون الإسرائيليون علناً أنه إذا لم تنجح الجهود الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة لدفع "حزب الله" إلى إعادة نشر قواته بعيداً عن الحدود والتوقف عن قصف إسرائيل، فإن إسرائيل سوف تعيد انتشار الحزب بالقوة بعيداً عن الحدود.
ومع ذلك، فوجئ "حزب الله" بشكل كبير. فقد وضع حسن نصر الله نفسه في موقف لا يمكن تحمله عندما ربط وقف هجمات "حزب الله" الصاروخية بوقف إطلاق النار مع "حماس". وقد أدى ذلك إلى وضع نفوذ إضافي في يد زعيم "حماس" يحيى السنوار، الذي، وفقاً لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، "تنصل من الالتزامات" التي قدمتها "حماس" في جولات المفاوضات السابقة. (ثم شدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موقفه التفاوضي أيضاً). وفي الوقت نفسه، واصل نصر الله تكرار التهديدات التي كان يعتقد أنها ستستمر في ردع إسرائيل عن مهاجمة "حزب الله". ففي حزيران/يونيو، حذر من أن إسرائيل "تعلم جيداً أنه لن يكون هناك مكان آمن من صواريخنا وطائراتنا بدون طيار" في حال نشوب حرب. ولكن بحلول ذلك الوقت، كان القادة العسكريون والسياسيون الإسرائيليون قد تجاوزوا نقطة الخوف ولم يعودوا يعتبرون مثل هذه التهديدات سبباً لعدم الهجوم، بل اعتبروها مبرراً للقيام بذلك بالقوة.
ولم يكن فقدان صبر الإسرائيليين بمرور الوقت تجاه الهجمات الصاروخية المستمرة لـ "حزب الله" هو العامل الوحيد الذي يفسر كيف فشل نصر الله في إدراك أن قدرة "حزب الله" على ردع إسرائيل قد تدهورت بشكل كبير. بل كان الأمر أيضاً نتيجة إيمانه العميق بتقييمه الخاص، الذي بدا أن أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر وما أعقبتها من عمليات تؤكد صحته، بأن إسرائيل - على حد تعبير نصر الله - "أضعف من بيت العنكبوت". لقد كان نصر الله يجادل لسنوات بأن المجتمع الإسرائيلي وجيشه يبدوان قويين، ولكن بمرور الوقت سيتم هزيمتهما بسهولة.
وأعاد نصر الله إحياء "نظرية العنكبوت" مجدداً العام الماضي، أي قبل حوالي ثمانية أشهر من هجمات "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر، حيث جادل بأن النزاعات الداخلية في إسرائيل حول الإصلاح القضائي والقضايا الاجتماعية والسياسية الأخرى كانت تمزق نسيج المجتمع الإسرائيلي، في حين أن "حزب الله" كان يستعد تدريجياً للتصدي للتفوق العسكري الإسرائيلي - بدءً من تسليم أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، التي أكد نصر الله أنها "أضعفت تفوق سلاح الجو الإسرائيلي في سماء لبنان"، وإلى بناء أبراج المراقبة لـ "حزب الله" (التي تعمل تحت غطاء منظمة بيئية تابعة لـ "حزب الله") على طول الحدود مع إسرائيل. ومع ذلك، فخلال الأشهر القليلة الماضية، دمر الجيش الإسرائيلي جميع البنية الأساسية لـ "حزب الله" تقريباً على طول الحدود، من بينها أبراج المراقبة المذكورة هنا، كما استمرت الطائرات الحربية الإسرائيلية في الهيمنة على الأجواء اللبنانية. ومع ذلك، ظل تشبيه بيت العنكبوت قائماً وتردد صداه من قبل قادة آخرين في "حزب الله".
في أيلول/سبتمبر الأخير، وفي أعقاب انفجار أجهزة النداء والاتصال اللاسلكية الخاصة بـ "حزب الله"، ظهر نصر الله على القناة الفضائية للحزب وأكد بهدوء أن "الحساب سيأتي". وبالفعل، جاء الحساب، ولكن لنصر الله نفسه وللتنظيم الذي كان يقوده.
ماثيو ليفيت هو "زميل فرومر-ويكسلر الأقدم" ومدير "برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب" في معهد واشنطن. نُشر هذا المقال في الأصل على موقع "غلوب آند ميل".