- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3807
بعد غزة، إعادة النظر في التوقعات في أوروبا الجيوسياسية
Part of a series: Tracking International Reactions to the Hamas-Israel War
or see Part 1: International Reactions to the Hamas Attack on Israel
رافق الرد الأوروبي على الغزو الروسي لأوكرانيا قدر كبير من التفاؤل، ولكن هجمات "حماس" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر وما أعقبها، قد تؤدي إلى إضعاف التطلعات إلى الوحدة الأوروبية على الساحة الدولية.
في 26 تشرين الأول/أكتوبر، اعتمد "المجلس الأوروبي" مجموعة جديدة من الاستنتاجات المتعلقة بالحرب في غزة. وهذه الاستنتاجات أعادت التأكيد بشكل ملحوظ على إدانة "حماس"، وحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بما يتماشى مع القانون الدولي، والدعوات إلى إطلاق سراح جميع الرهائن، والقلق على حياة جميع المدنيين، والحاجة إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، والالتزام بتحقيق حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وبالتالي، بدا أن التنافر الأوروبي السابق فيما يتصل بالصراع في غزة قد حل محله تواصل أكثر وضوحاً. لكن الوحدة الأوروبية قد يتم اختبارها مجدداً عما قريب، لا سيما فيما يتعلق بالرسائل الإنسانية، التي لا يتم التوافق حولها بسهولة أكبر مما قد يظهر للعيان.
وعلى نطاق أوسع، بينما ولّدت الحرب في أوكرانيا تفاؤلاً بشأن ظهور "أوروبا جيوسياسية" - "اتحاد أوروبي" قادر على تحديد الأهداف الدولية الاستراتيجية المشتركة ونشر وسائل عملياتية ملموسة لتحقيق هذه الأهداف - كشفت الأحداث التي أعقبت هجمات "حماس" انقسامات داخل المؤسسات الأوروبية وسلّطت الضوء على غياب نهج استراتيجي واضح في الجوار الجنوبي، مما قد يقوض القدرة على تحقيق هذه الأهداف.
عدم تناسق رسائل "الاتحاد الأوروبي"
في 9 تشرين الأول/أكتوبر، أعلن أوليفر فارهيلي، المسؤول المجري الذي يشغل منصب مفوض سياسات الجوار والتوسع في "الاتحاد الأوروبي"، على موقع X، "تويتر" سابقاً، أن جميع المساعدات التنموية المقدمة للفلسطينيين - والتي تصل إلى 691 مليون يورو (729 مليون دولار أمريكي) - تخضع للمراجعة وأنه سيتم تعليق جميع المدفوعات على الفور، مما تَسبَب في ارتباك كبير فيما يتعلق بالرد الأوروبي.
فقد قررت ألمانيا والنمسا والدنمارك والسويد تعليق التمويل من أجل التحقق من الجهة النهائية التي ستستلم الأموال، في حين أوضحت بلجيكا وفرنسا وإيطاليا ومالطا أنها لن تفعل ذلك. ومن غير المرجح أن تعلق أيرلندا ولوكسمبرغ والبرتغال التمويل أيضاً، نظراً للبيانات التي انتقدت فيها فارهيلي. حتى أن إسبانيا أعلنت عن زيادة المساعدات الإنسانية والتعاون مع "السلطة الفلسطينية". وفي نهاية المطاف، اضطرت "المفوضية الأوروبية" إلى التنصل من بيان فارهيلي، ولكن الضرر الذي لحق بالرسائل المتسقة "للاتحاد الأوروبي" كان قد وقع. وأدت الزيارة التي قامت بها رئيسة "المفوضية الأوروبية" أورسولا فون دير لاين إلى إسرائيل في 13 تشرين الأول/أكتوبر إلى زيادة الاستياء في صفوف الأوروبيين، مما أثار الشكوك حول الانتهازية السياسية في مرحلة خطيرة بشكل خاص.
وبعد العمل على الحد من الأضرار لإعادة الوضوح إلى المواقف الأوروبية، دعا مسؤول السياسة الخارجية في "المجموعة الأوروبية"، جوزيب بوريل، "الاتحاد الأوروبي" إلى اتخاذ موقف أقل تأييداً لإسرائيل، معرباً عن قلقه بشأن ما اعتبره نظرة سلبية في الدول العربية و"بلدان الجنوب" تجاه الدعم غير المشروط لإسرائيل، والذي رأى أن ذلك قد يصب في مصلحة روسيا في النهاية.
وجهات نظر وطنية متباينة بشأن الصراع
كانت فوضى التواصل في أوروبا أكثر إثارة للدهشة، لا سيما وأن الدول الأعضاء، على الرغم من مواقفها وحساسياتها المختلفة للغاية، أعربت بالإجمال عن رسائل متسقة داخلياً. وعلى وجه التحديد، في 8 تشرين الأول/أكتوبر، وقّع جوزيب بوريل إعلاناً بالنيابة عن "الاتحاد الأوروبي" يحدد العناصر الأساسية لموقف مشترك، والذي تم تأكيده في "المفوضية الأوروبية" في 17 تشرين الأول/أكتوبر:
• إدانة حازمة لحركة "حماس" ودعوة لإطلاق سراح الرهائن
• دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وفقاً للقانون الإنساني الدولي
• استمرار الاتصالات مع الشركاء الإقليميين والدوليين لاحتواء خطر التصعيد الإقليمي
• تقديم مساعدات إنسانية عاجلة
• إعادة إحياء عملية السلام من أجل التوصل إلى حل الدولتين
وتاريخياً، ينتمي "الاتحاد الأوروبي" إلى "اللجنة الرباعية الدولية" (إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا)، التي تم تشكيلها في عام 2002 لتحقيق حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والذي يحظى بإجماع الدول الأعضاء. وحتى أن "اللجنة الرباعية" نشرت بعثة للمساعدة الحدودية التي لم تدم طويلاً في رفح عملت مع "السلطة الفلسطينية" وتم تعليقها في عام 2007.
ومع ذلك، لم يكن التوصل إلى موقف مشترك بشأن هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر أمراً بديهياً على الإطلاق. فما هي الأسس المشتركة بين السويد - التي اعترفت بفلسطين كدولة في عام 2014، حتى مع انتقاد الحكومة الحالية لهذا القرار - والمجر أو الجمهورية التشيكية، التي يشاع بانتظام أنها في صدد نقل سفاراتها إلى القدس في أعقاب قرار الولايات المتحدة عام 2018 بالقيام بذلك؟
وبعيداً عن الاختلافات السياسية بين الحكومات الوطنية في "الاتحاد الأوروبي"، يحدد التاريخ الحديث للدول الأوروبية تصوراتها المختلفة اختلافاً جذرياً للصراع في بعض الأحيان: هل يمكن التوفيق بين موقف ألمانيا وموقف أيرلندا، حيث يتردد صدى القضية الفلسطينية نظراً لنضال البلاد من أجل التحرير الوطني، وحيث أعلنت الحكومة في أواخر أيلول/سبتمبر أنها تستعد للاعتراف بفلسطين؟
بالإضافة إلى ذلك، تختلف التداعيات المحلية لهذه القضية من دولة عضو إلى أخرى. فخطر التفكك الاجتماعي يؤخذ على محمل الجد في دول مثل فرنسا، التي تضم أكبر جالية يهودية في أوروبا، بما في ذلك الكثير من المواطنين الذين يحملون الجنسيتين الفرنسية والإسرائيلية، وعدداً كبيراً من المواطنين المسلمين. وربما تفسر وجهات النظر المختلفة هذه الأسباب التي دفعت فرنسا وألمانيا وإيطاليا إلى إصدار بيانات مع الولايات المتحدة وبريطانيا، التي انضمت إليها كندا فيما بعد، بدلاً من الاقتصار على البيانات المشتركة مع "الاتحاد الأوروبي".
من المرجح أن يتم اختبار الوحدة الأوروبية
لطالما كان "الاتحاد الأوروبي" أكبر جهة مانحة للأراضي الفلسطينية، وبعد تردد أولي، أعلنت "المفوضية الأوروبية" في 14 تشرين الأول/أكتوبر عن زيادة المساعدات الإنسانية لغزة بثلاثة أضعاف (75 مليون يورو، أو 79 مليون دولار أمريكي). ولكن لا يزال من الصعب الوصول وتسليم المساعدات، على الرغم من فتح معبر رفح. ونتيجة لذلك، دخلت فكرة "الهدنة الإنسانية" - التي طرحتها البرازيل للمرة الأولى في مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي والتي رفضتها الولايات المتحدة قبل أن يؤيدها بوريل بشكل نشط - إلى المناقشة الأوروبية. وتشير الاستنتاجات الأخيرة لـ "المجلس الأوروبي" إلى هذه الهدنة من خلال الدعوة إلى "وصول المساعدات الإنسانية بشكل مستمر وسريع وآمن ودون عوائق إلى المحتاجين من خلال جميع التدابير اللازمة بما في ذلك الممرات الإنسانية والهدن لتلبية الاحتياجات الإنسانية".
ومع ذلك، فإن تفاؤل بوريل بشأن "تزايد الدعم الأوروبي" للهدنة قد يكون غير مبرر. ففي 24 تشرين الأول/أكتوبر، دعت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، في مجلس الأمن، المجتمع الدولي إلى "المطالبة بإقامة هدنة إنسانية يمكن أن تؤدي في النهاية إلى وقف إطلاق النار". وبعد يومين، ولتأكيد الانقسام، امتنعت الأغلبية - بما في ذلك ألمانيا - في الجمعية العامة للأمم المتحدة عن التصويت على قرار أردني يدعو لمثل هذه الهدنة، في حين صوتت مجموعة ثانية لصالحه (فرنسا، بلجيكا، إسبانيا، البرتغال، مالطا، أيرلندا، فرنسا ولوكسمبورغ) وصوتت مجموعة ثالثة ضده (النمسا، كرواتيا، جمهورية التشيك و المجر).
الصورة الأكبر
تترتب عن الوضع الحالي الكثير من العواقب الطويلة الأمد إلى حد ما بالنسبة "للاتحاد الأوروبي". ومن الناحية الإجرائية، ستؤدي الانتخابات الأوروبية المقرر إجراؤها في حزيران/يونيو إلى تجديد عدد من المؤسسات الرئيسية، بما في ذلك "المفوضية الأوروبية". ولا بد من أن تشكل المسؤولية والحكمة في الشؤون الدولية معياراً بحد ذاتهما عند تخصيص المناصب والحقائب الوزارية المرتبطة ارتباطاً مباشراً بالعمل الخارجي "للاتحاد الأوروبي".
وفي الواقع، أن الانحرافات عن مؤسسات "الاتحاد الأوروبي" فيما يتعلق بالشؤون الدولية، بصرف النظر عن جوهرها، تمثل خروجاً خطيراً عن الإطار الذي يحدد بشكل صارم صلاحيات السياسة الخارجية "للاتحاد الأوروبي". ويقيناً، عملت المعاهدات الأوروبية منذ فترة طويلة على إضفاء طابع رسمي على سياسة خارجية وأمنية مشتركة، وقد دارت أحاديث في بعض الأحيان عن "مفوضية جيوسياسية للاتحاد الأوروبي". ومع ذلك، تظل الحقيقة أنه ليس هناك ما يُسمّى بسياسة خارجية أوروبية، لأن صنع القرار يقتصر على الدول الأعضاء، ويخضع التصويت لقاعدة الإجماع.
وعلى المدى الطويل، سوف يكون من الأهمية بمكان أن تتبنى أوروبا استراتيجية حقيقية في التعامل مع جوارها الجنوبي. وبجدر بالذكر أن اتفاقيات الهجرة أصبحت في الوقت الحالي مجالاً رئيسياً لتعاون أوروبا مع الدول المجاورة لها في شرق البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا، ولكنها تخضع لاعتبارات قصيرة الأجل.
وفي المستقبل المنظور، من غير المرجح على ما يبدو تحقيق رؤية جيوسياسية مشتركة في الجوار الجنوبي. ويجب أن يدعو ذلك إلى اتباع نهج حذر لتعزيز الآليات المؤسسية لأوروبا الجيوسياسية، لا سيما من خلال التخلي عن قاعدة الإجماع لصالح صنع القرار من قبل أغلبية مؤهلة في الشؤون الدولية، كما تدعو ألمانيا والدول ذات التوجه المماثل. والواقع أن الإصلاحات المؤسسية التي تتجاهل الوقائع السياسية لن تؤدي إلا إلى تعميق الانقسامات وتفاقمها.
وفي غضون ذلك، من المرجح أن يستمر العمل الأوروبي في المنطقة وفق صيغ محدودة، كما هي الحال مع إيران. وفي هذا الصدد، قد تشهد مرحلة ما بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر تقارب مواقف مجموعة الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وألمانيا وإيطاليا) والولايات المتحدة لصالح موقف أكثر صرامة تجاه إيران، وهو نهج لم تفضله واشنطن حتى الآن.
سيلين أويسال هي زميلة زائرة في معهد واشنطن للفترة 2023-2024، ودبلوماسية في الإقامة من قبل "الوزارة الفرنسية لأوروبا والشؤون الخارجية".