- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2829
بدء عمليات البناء في مستوطنة "عمونا" الجديدة
في أواخر حزيران/يونيو 2017، بدأ العمل على تهيئة الأرض التي ستُبنى عليها المستوطنة الجديدة لأولئك الذين تمّ إخلاؤهم من البؤرة الاستيطانية "عمونا" في الضفة الغربية التي لطالما اعتبرتها "المحكمة العليا" الإسرائيلية غير شرعية وتمّ تدميرها في النهاية في خريف عام 2016. وستحمل المستوطنة الجديدة اسم "عميحاي"، وهي اختصار للكلمتين العبريتين "عمونا حية". وبينما أعرب سكان "عمونا" السابقون عن ارتياحهم إزاء بدء عمليات البناء، إلّا أنهم أشاروا في الوقت نفسه إلى قلقهم حول إمكانية حصول تأخيرات بيروقراطية أو قانونية أو سياسية لتمديد إقامتهم المؤقتة في "عوفرا"، وهي مستوطنة أخرى في الضفة الغربية. مع ذلك، بدأت أعمال البناء في "عميحاي" بعد أربعة أشهر فقط من الإخلاء الذي استغرق إعداده نحو عقدين من الزمن. ويبدو أن الحكومة تصغي لمطالب سكان "عمونا" السابقين.
الانتظار في "عوفرا"
خلال شباط/فبراير الماضي، نجحت القوات الإسرائيلية بإخراج سكان "عمونا" من مساكنهم قرب "عوفرا". وقد شكل هذا الإخلاء تتويجاً لعقود شهدت صدور أحكام قضائية بحق البؤرة الإستيطانية، وأشهر من المناورات السياسية من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. ورغم الصفعة القصيرة المدى التي تلقاها سكان "عمونا"، إلا أنهم لقوا أذناً صاغية من قبل أعضاء الكنيست اليمينيين الذين يُعتبرون ضروريين للحفاظ على تحالف نتنياهو، الأمر الذي عزّز نفوذ المستوطنين. ففي النهاية، لم يغادر سكان "عمونا" إلا بعد أن قطع لهم نتنياهو وعداً بتأمين مستوطنة جديدة لهم، وأعلن بناء أكثر من خمسة آلاف وحدة سكنية جديدة في الضفة الغربية، كما سمح للكنيست بتمرير قانون - اعتبره المدعي العام الإسرائيلي بأنه لا يمكن الدفاع عنه - يضفي الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضٍ فلسطينية خاصة. وحالياً، إن "المحكمة العليا" بصدد الاستماع إلى حجج حول شرعية القانون.
بعد تركهم "عمونا"، انتقل معظم الأشخاص الذين تم إجلاؤهم منها إلى بيوت الشباب التي تمّ تحويلها إلى مساكن في "عوفرا" القريبة. ويزج من يطلقون على أنفسهم اسم "لاجئين" ستة أولاد في مهاجع منفردة. وفي حين لا تزال معظم الأسر تقيم هناك، إلا أن تلك التي أنجبت أطفال انتقلت مؤخراً إلى مكان آخر. كما لم يحصل أعضاء هذه الجماعة على التعويض الذي وعدتهم به الحكومة، والذي أفادت عنه القناة الثانية الإسرائيلية بأنه يبلغ حوالي 130 ألف دولار للعائلة الواحدة.
وفي موقع "عميحاي"، تقوم الجرافات وآلات أخرى بتسوية الأرض وإعدادها للمزيد من أعمال البناء. وسيعيش سكان "عمونا" السابقون في حي واحد، في حين سيأوي حي منفصل عائلات أخرى، ليبلغ عدد المساكن الإجمالي نحو 100 وحدة سكنية. يُذكر أن "عميحاي" تقع في "وادي شيلو"، جنوب شرق مستوطنة "شيلو" وشمال البؤرة الاستيطانية "شفوت راحيل". ورغم أنه سيكون للبلدة حيّز محدود نسبياً، إلّا أنه خُصصت لها مساحة كبيرة تحيط بها، مما يترك المجال متاحاً أمام إمكانية توسّع البؤر الاستيطانية المجاورة وإضفاء الطابع القانوني عليها بأثر رجعي عبر تصنيفها على أنها "أحياء مجاورة" لـ "عميحاي".
ما هي الخطوة التالية
خلال الأشهر القليلة المقبلة، سينتهي العمال الذين تموّلهم الحكومة من تسوية الموقع وتركيب البنية التحتية للإمدادات الكهربائية والصرف الصحي والنقل. ثم ستقْدِم الحكومة على بيع الأراضي إلى الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من "عمونا" وغيرهم من الذين يرغبون في [الانتقال إلى "عميجاي"]. ونقلاً عن متحدثين باسم سكان البؤرة الاستيطانية، تتوقع الأسر التي كانت تعيش سابقاً في "عمونا" شراء الأراضي وبناء منازلها من خلال الموارد المالية الشخصية وتعويضات الحكومة. وكان العديد من سكان المجتمع قد استأجروا المساكن في "عمونا" بدلاً من تملّكها، لذا يبقى احتمال قيام جماعات خارجية بشراء مساكن وبنائها وتأجيرها في "عميحاي" قائماً.
وعلى الرغم من التقدّم المحرز حتى الآن، من شأن عدة قضايا أن تعقّد عملية البناء في "عميحاي". أولاً، لم يتلق سكان "عمونا" السابقون حتى الآن، وكما ذُكر، تعويضات حكومية وسيحشدون على الأرجح حلفاءهم السياسيين إذا اعتبروا أن هناك تأخير غير مقبول أو عدم توفر الأموال الكافية. ثانياً، تهدد التحديات البيروقراطية والتنظيمية المحيطة بالبنية التحتية لـ "عميحاي" بتأخير البناء، على غرار النقاش حول ما إذا كانت المستوطنة بحاجة إلى محطة للصرف الصحي خاصة بها وأين يجب إنشاؤها. ثالثاً، قد يمنع أي تحرك قانوني من جانب مالكي الأراضي الفلسطينيين عملية تشييد مبانٍ دائمة. فالعديد من الأراضي الفلسطينية الخاصة تقع داخل حدود "عميحاي" الأوسع نطاقاً، رغم أن المدينة الأساسية لن تبنى على هذه الأراضي. وقد ترددت "المحكمة العليا" في إسرائيل في منع أعمال البناء إن لم تحصل هذه الأعمال مباشرة على أرض خاصة، غير أن دعوى أقامتها المنظمة غير الحكومية الإسرائيلية "حقل" ومالكو أراضٍ فلسطينيون ربما لا تزال تؤخر ذلك البناء. لكن من المستبعد أن تؤدي الدعوى الأكثر بروزاً المقامة من قبل المنظمة غير الحكومية الإسرائيلية "ييش دين" إلى تجميد أعمال البناء في الموقع، لأنها لا تطالب بتعويضات عن أرض "عميحاي" بل تسعى بدلاً من ذلك إلى إشراك مالكي أراضٍ فلسطينيين في عملية التقسيم [المخصصة] للمستوطنات.
عواقب أوسع نطاقاً
بالنسبة لأي مراقب للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني الذي يَعتبر أن التوسع الاستيطاني يعيق عملية السلام، لا تزال قضية "عمونا" تطرح إشكالية. فابتداءً من عام 1997 أصدرت "المحكمة العليا" في إسرائيل أمراً يقضي بهدم "عمونا" أو تقليص حجمها بواقع ثلاث مرات قبل أن تقوم قوات الأمن أخيراً بإخلاء البؤرة الاستيطانية في عام 2016. ولا شكّ في أن انطلاقة العمل السريعة في "عميحاي" وخطط بناء وحدات استيطانية أخرى قد ساعدت على التخفيف من الصفعة السياسية الناجمة عن عملية الإخلاء. وفي غضون ذلك، ورغم التزام نتنياهو نفسه بفكرة حل الدولتين وتفاوض حول ذلك مع الحكومات الأمريكية المتعاقبة، يستمر المستوطنون ومؤيدوهم في خلق وقائع على الأرض في الضفة الغربية بمساندة الحكومة.
وخلال اجتماعه الأول مع نتيناهو في شباط/فبراير، طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من رئيس الوزراء الإسرائيلي "تأجيل" بناء المستوطنات. لكن لا يبدو أن هذا الطلب قد أدى إلى تجميد عملية الاستيطان. ففي مقابلة علنية، أشار وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إلى أن إدارة ترامب وافقت على ما يبدو على رؤية الحكومة بشأن بناء المستوطنات. ويشير ذلك إلى أن المستوطنين الذين يشكون من تجميد أعمال البناء يعترضون في الواقع على موقع البناء وحجمه، حيث يفضلون على الأرجح مناطق متنازع عليها بشكل أكبر. وعموماً، وفقاً لـ "دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية"، بدأ بناء المستوطنات يزداد بنسبة 70 في المائة خلال الفترة الممتدة من نيسان/أبريل 2016 ولغاية آذار/مارس 2017، مقابل الأشهر الاثني عشر التي سبقتها.
وربما يكون نتنياهو قد أقنع المحاورين الأمريكيين بأن البناء في "عميحاي" وفي كتل كبيرة يحمي معسكراته السياسية من دون الإضرار بحل الدولتين. وبغض النظر عن ذلك، يعتبر القادة الفلسطينيون أن بناء المستوطنات مؤشراً على أن إسرائيل تفتقد إلى الاهتمام أو الإرادة السياسية الضروريين من أجل التنازل عن مساحات واسعة من أراضي الضفة الغربية، كما يتطلب اتفاق سلام شامل. ومن شأن دبلوماسية فعالة أن تغيّر الأعمال الإسرائيلية والتصورات الفلسطينية، لكن الإذن الضمني [الذي تمنحه] الولايات المتحدة لإسرائيل في بناء [المستوطنات] من دون انتزاع تنازلات موازية لصالح الفلسطينيين قد يقوّض مصداقية المفاوضين الأمريكيين في رام الله.
وعلى المدى الطويل، يتسبّب البناء في "عميحاي" وغيرها بمشاكل تعيق عملية إحلال السلام. وفي حين أن البناء في كتل استيطانية كبيرة على مقربة من حدود عام 1967 لا يهدّد بشكل مباشر أي اتفاق مستقبلي، بإمكان إسرائيل التخفيف من شكوك الفلسطينيين عبر التوصّل إلى تفاهمات مع الولايات المتحدة تحدّد حدود الكتل بما يصبّ في مصلحة بناء الدولتين في نهاية المطاف. فضلاً عن ذلك، تُظهر البحوث التي أجرتها الحركة السياسية الإسرائيلية غير الحزبية "مستقبل أزرق أبيض" أن التعويض والدعم الشعبي عقب اتفاق بناء دولتين قد يقنع ما يصل إلى 60 في المائة من نحو 100 ألف مستوطن يعيشون شرقي الحاجز الأمني للضفة الغربية بالانتقال طوعاً. غير أن تغيّر تنازلي في هذه النسبة يهدّد بجعل المفاوضات صعبة ويتسبّب بانسحابات عنيفة في وقت لاحق.
قد يُسمح لبعض المستوطنين اليهود المقيمين شرقي الحاجز بالعيش تحت الحكم الفلسطيني، لكن هذه المجتمعات قد تواجه صعوبات في الاندماج مع جيرانها بعد سنوات من التوترات وقد تتطلب شكلاً من أشكال الأمن الإسرائيلي. وقد يسفر ذلك عن جيوب يهودية تحدّ من حرية التنقل ووصول الفلسطينيين إلى الموارد في دولتهم الخاصة. إن "عميحاي" وحدها لا تعيق أي مساعٍ حالية أو مستقبلية لإحلال السلام، لكنها جزء من منحى أوسع نطاقاً قد يظلّل الصورة.
ميتشل هوخبرغ باحث في معهد واشنطن وحاصل على درجة الماجستير من برنامج الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون.