في شهر آب/أغسطس، طمأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما للبنتاغون بأنّ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») سوف "يُهزم لا محالة". ويتناقش المسؤولون الحكوميون والجنرالات والنقاد في الولايات المتحدة، حول ما سيحصل عند هزيمة التنظيم في العراق وسوريا، كما ويعملون بجد على كتابة وفيات أعضاء تنظيم «الدولة الإسلامية». ووفقاً لـ دراسة قمت بها حديثاً، وهي المراجعة المنهجية الأولى لأكثر من 150 من المنشورات التي أصدرتها الجماعة باللغة العربية منذ إعلانها الخلافة في حزيران/يونيو 2014 (والتي تضمّنت ما يناهز 100 كتاب مدرسي أصدرها في الخريف المنصرم)، يبدو أنّ تنظيم «داعش» كفكرة قاتلة ستبقى قائمة لفترة طويلة حتى بعد إخراج الجماعة من الرقة.
وبعبارة أخرى، رغم أنّ [صلاحية] تنظيم «الدولة الإسلامية» كدولة سوف تنتهي في النهاية، إلا أنّ التنظيم سيستمرّ في "إلهام" الإرهاب كفكرة لها تداعيات مميتة. وفي الواقع، ربما لكي يضمن استمرار الترسانة الفكرية التي يقوم ببنائها رغم خسارة أراضيه، نشر التنظيم تعليقات طويلة وكتيّبات في الإرشاد الديني تزامناً مع تعرّضه لكبرى هزائمه على مدى الأشهر القليلة الماضية. لهذا فإنّ فكرة الخلافة المنتظرة سوف تستمرّ في إلهام الهجمات حتى لو لم تكن هناك أي خلافة.
ولن يختفي تنظيم «الدولة الإسلامية» من دون مَعقليْه في الرقة في سوريا والموصل في العراق، ولكنّه سيتجزّأ إلى فروع وأراضي إرهابية. فبإمكان جيوب «داعش» أن تعيد تنظيم صفوفها في مناطق غير مستقرّة في المنطقة، كما سبق وأن تبيّن ذلك في ليبيا، أو تثير المشاكل في أماكن ذات وقع رمزي، كتركيا والسعودية. بالإضافة إلى ذلك، قد تُسوّق هذه الفروع أنفسها على أنّها أكثر أصولية من تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي كان يحتفظ بأراضي، لكي تنال شعبية في أوساط الجهاديّين.
ومع ذلك، سيختلف تنظيم «داعش» عن الجماعات التابعة لـ تنظيم «القاعدة» في قدرته على إلهام هجمات فردية، وهي استراتيجية ترويج فريدة من نوعها ابتكرها عن طريق إنشاء مجموعة من القواعد المكتوبة، ليس حول العنف فحسب بل حول أكثر الجوانب الدنيوية لتعريف التنظيم الحصري للإسلام، كما وثّقتُ ذلك في تقريري. وبينما ستتعثّر الاستراتيجية المتعَمّدة لـ تنظيم «داعش» لبناء دولة الخلافة الاقليمية، إلا أن استراتيجيته الناشئة ستركز بشكل أكبر على كيفية إدارة صورته والترويج لها.
وفي الوقت نفسه، ستزيد الجماعات الإرهابية المتفرّعة من تركيز تنظيم «الدولة الإسلامية» على حشد أتباعه في الغرب والشرق الأوسط من أجل إلهامهم لتنفيذ هجمات في الخارج ضد أهداف طائفية وغربية مختارة. وستبارك قيادة الجماعة أي نشاط يُنفّذ وفق المبدأ التوجيهي الأوسع نطاقاً لـ تنظيم «داعش»، وهو "البقاء والتوسّع". فصمود فروع تنظيم «الدولة الإسلامية» وتوسّعها المقترنان بأفراد "يصبحون متطرفين ذاتياً" في الغرب، سوف تعزز رواية القتال نيابة عن المُثل الأسمى لخلافة تنظيم «داعش» بهدف إنشاء "خلافة ثانية" في أي موقع يقدّم أفضل مزيج من عدم الاستقرار الإقليمي والروح الرمزية - مثل سوريا أو ربما حتى تركيا و/أو المملكة العربية السعودية في ظل الظروف المناسبة.
وكل ذلك يطرح السؤال: لماذا فكرة الخلافة مهمة كثيراً لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» ومؤيّديه؟ كبداية، إن ما تروّج له الجماعة لا سابقة له ومحدّد جداً - وهو دمج دولة خلافة سلفية (سنّية متشدّدة) مروّعة وشديدة البطش. ويختلف هذا الهدف عن ذلك الذي يعتمده تنظيم «القاعدة»، والذي، على الرغم من كونه يرتكز على التكوين السلفي-الجهادي، يهتم أساساً بمهاجمة الغرب والأهداف الغربية. فالمشاريع الإقليمية لـ تنظيم «القاعدة» في اليمن وسوريا لا تختلف في فرضها التفسيرات المتشددة والحرفية للإسلام، إلا أنه لم يكن لها أهدافاً توسّعية كما لم تدّعي بأنها خلافة. وتحقيقاً لهذه الغاية، يبذل تنظيم «داعش» جهوداً كبيرة للتحكم بتبريرات فكره الديني من أجل الحفاظ على جاذبيته لتجنيد العقائديّين الأصوليين (وبالتالي، أولئك الأكثر التزاماً للعمل بإسمه، كما يتوقع المرء).
إنّ مفهوم "خلافة" تنظيم «الدولة الإسلامية» فريد من نوعه وعملي وفعّال في أهدافه. وقد ركّز البرنامج التربوي التعليمي لـ تنظيم «داعش» الذي تقصّيته على ما يُطلق عليه تسمية "الجيل الجهاديّ". والهدف هو تدريب الجميع، من الأطفال إلى البالغين، على أن يتقنوا، على حدّ سواء، حفظ النصوص والمعتقدات فضلاً عن تشفير برامج الحاسوب واستخدام الأسلحة، كلّ ذلك باسم "خلافة على المنهجية النبوية" كما في شعاره.
وسيبقى نشر هذا المسار أكثر أهمية للجماعة من أي وقت مضى، في مرحلتها الانتقالية التي ستلي هزائمها الاقليمية الوشيكة. وسيروّج تنظيم «الدولة الإسلامية» للاستشهاد، واستهداف عواصم غربية، وترهيب مراكز مدنية. وربما الأهم من ذلك، ستستمرّ الجماعة في نشر كتيّبات حول الشعائر الدينية وتعليقات حول أجهزة العلوم الدينية في القرون الوسطى. وبذلك، سيحافظ التنظيم على ترسانته الفكرية التي بناها لتأمين الأسلحة الفكرية التي يتابعها أنصاره.
لننظر إلى ما يمكن أن يحدث في العراق وسوريا بعد [فترة] تنظيم «الدولة الإسلامية»؛ فبينما هناك أهمية كبرى لتطبيق استراتيجية "فعالة بل مؤقتة" لإزاحة تنظيم «داعش» من ساحة المعركة، إلا أنها لن تكون كافية سوى لعرقلة استراتيجية التنظيم المتعمّدة على الأرض. إن مواجهة استراتيجيته الناشئة ستتطلّب فهم واستغلال حملته الترويجية وعرقلتها. وللقيام بذلك، لا يكفي مجرّد التصدّي للتنظيم، بل يجب زرع القلق في ما يدعو إليه وفي المكان الذي يستخدمه لفعل ذلك.
ولن يتطلب زرع الفتنة في رسالة الجماعة استهداف الرسالة بحدّ ذاتها، بل وسائل الإعلام التي تعمل على نشرها. فوسائل التواصل الإجتماعي والإنترنت والنطاق الإلكتروني تشكّل جميعها حدوداً طالما استخدمها تنظيم «الدولة الإسلامية»، وستستخدمها قريباً جماعات جهادية أخرى، لابتكار حملة ترويجية أكثر صلة بالموضوع. وستحقق جهودنا الوقع الأكبر في وضع حدّ لـ تنظيم «داعش» الجديد، من خلال التشويه في مصداقية الكيفية التي يتم بموجبها نقل الرسالة وجهة نقلها.
يعقوب أوليدورت، هو زميل "سوريف" في معهد واشنطن، حيث يركز على السلفية والجماعات الإسلامية في الشرق الأوسط، وهو أستاذ مساعد في "كلية إليوت للشؤون الدولية" في جامعة "جورج واشنطن". وقد قضى أوليدورت ما يقرب من عامين في منطقة الشرق الأوسط، من بينها حصوله على "منحة فولبرايت" [للدراسة] في دولة الإمارات العربية المتحدة وقيامه بعمل ميداني حول السلفية في الأردن.
"سايفر بريف"