- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
بروز العلاقات الإسرائيلية الليبية وانهيارها الفوري
أدت الفضيحة التي أحاطت بالاجتماع المفاجئ بين وزيري خارجية إسرائيل وليبيا إلى تبديد الآمال بترقية العلاقات بين البلدين، علماً أنها قد تُسبب عواقب سياسية في ليبيا.
في 27 آب/أغسطس، كشف وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين أنه التقى بنظيرته الليبية نجلاء المنقوش في روما، مما أثار حالة من الفوضى في البلدين وفي الخارج. وعلى الفور اندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء ليبيا، بما في ذلك في محيط وزارة الخارجية ومقر إقامة رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة الذي أذن على الأرجح بعقد الاجتماع. وحاول الدبيبة تهدئة الوضع من خلال إيقاف المنقوش عن العمل وتعيين وزير مؤقت للخارجية، في حين وصفت "حكومة الوحدة الوطنية" التي يرأسها بأن الحادث هو لقاء عارض بحضور وزير الخارجية الإيطالي وليس اجتماعاً معدّاً مسبقاً. ومع استمرار الاحتجاجات في 28 آب/أغسطس، أطل الدبيبة من السفارة الفلسطينية في طرابلس مرتدياً وشاحاً يحمل صورة قبة الصخرة، وأعلن إقالته رسمياً للمنقوش، وأكد إخلاص ليبيا للقضية الفلسطينية. وخوفاً من المزيد من ردود الفعل الغاضبة وأعمال العنف المحتملة، فرت المنقوش إلى إسطنبول.
وفي الواقع، لم تملك المنقوش أي خلفية دبلوماسية، على عكس أسلافها الذين كانوا دبلوماسيين ذوي خبرة ودراية بتعقيدات وزارة الخارجية الليبية. فقد عينها الدبيبة في آذار/مارس 2021، بعد أن تعرضت مرشحة أخرى لانتقادات، وواجهت تحدياً فريداً كامرأة بين وزراء الخارجية الذكور حصراً في جميع أنحاء المنطقة. وافتقرت المنقوش إلى قاعدة دعم خاصة بها، وتمتعت بنفوذ محدود خارج نطاق ما منحه إياها الدبيبة وأوساطه. ولكنها أبدت قدرة على الصمود خلال عامَيها الأول والثاني في منصبها، وتغلّبت على الدعوات لاستقالتها على خلفية تصريحات مثيرة للجدل انتقدت فيها الوجود العسكري التركي في ليبيا، وأشادت بعلاقة روسيا الإيجابية مع "حكومة الوحدة الوطنية"، وتعاونت مع الولايات المتحدة بشأن تسليم المشتبه به في تفجير طائرة "بان أم 103" (انظر أدناه). ومنحتها وزارة الخارجية الأمريكية "الجائزة الدولية للمرأة الشجاعة" لعام 2022، مستشهدةً بعملها مع منظمات المجتمع المدني وخبرتها في حل النزاعات (التي اكتسبتها جزئياً من عملها على أطروحة دكتوراه في "جامعة جورج ميسون").
الجمود الليبي
عُقد اجتماع روما في وقت حساس بالنسبة إلى الدبيبة. فقد تم تعيينه في شباط/فبراير 2021 في منصب رئيس الوزراء المؤقت حتى انعقاد الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في وقت لاحق من ذلك العام، ولكن بعد تأجيل التصويت لأجل غير مسمى، احتفظ بمنصبه بالدرجة الأولى من خلال الإنفاق المشروع وغير المشروع لعائدات النفط الكبيرة للدولة. وشمل ذلك زيادة المدفوعات لمنافسيه في شرق ليبيا في تموز/يوليو 2022 عندما حاصر أمير الحرب خليفة حفتر حقول النفط.
وقد ساهمت ترتيبات التمويل هذه في إبقاء الدبيبة رئيساً للوزراء، على الرغم من أن المفاوضات المتعلقة بتحديد جدول زمني للانتخابات جددت مؤخراً مساعي منافسيه لإقالته من منصبه. ومع أنه تصدى لهذه الجهود حتى الآن، إلا أنه ربما بدأ يفقد الدعم الدولي. وخلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي في 22 آب/أغسطس في نيويورك، ناشد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، عبد الله باتيلي، "جميع القادة لتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية لغلق صفحة الترتيبات المؤقتة التي لا نهاية لها"، في حين صرحت السفيرة الأمريكية ليندا توماس غرينفيلد قائلة: "نحن منفتحون على دعم تشكيل حكومة تصريف أعمال تكنوقراطية تتمثل مهمتها الوحيدة في توجيه البلاد نحو انتخابات حرة ونزيهة". ويمكن اعتبار الملاحظة الأخيرة بمثابة تحذير من تعنت الدبيبة، علماً أنه واحد من بين النخب السياسية المتعددة التي أعاقت التقدم في تنظيم الانتخابات.
وفي هذا السياق، اعتبر الدبيبة التواصل مع كوهين على الأرجح كإشارة إلى الولايات المتحدة بأنه مستعد للتفاعل مع إسرائيل، على الرغم من دعم بلاده تاريخياً للقضية الفلسطينية. وعلى نحو مماثل، عندما واجه ضغوطاً سياسية في الداخل في أواخر العام الماضي، استجاب للطلب الذي تقدمت به واشنطن منذ فترة طويلة باعتقال وتسليم المشتبه به في تفجير طائرة "بان آم 103"، أبو عجيلة مسعود، وواجه نتيجة ذلك احتجاجات مناهضة له واتهامات بتجاوز القانون.
لكن في الحالة الراهنة، ارتكب الدبيبة والمنقوش وكوهين جميعهم أخطاء أبطلت القيمة المحتملة لاجتماع روما. فمن ناحية، انتهك كوهين على الفور شرط السرية الواضح عندما أدلى ببيان علني بشأن المحادثات. وفي وقت لاحق، اعتبرت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن التسريبات كانت وراء قرار كوهين بالإعلان عن اللقاء، علماً أنه كان من الممكن للدبيبة و"حكومة الوحدة الوطنية" نفي بسهولة أي تسريبات من هذا القبيل. فضلاً عن ذلك، كان ينبغي بالمنقوش ووزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني أن يضعا قواعد أساسية أكثر وضوحاً للنقاش، والتي كان من الممكن أن تمنع كوهين من القضاء على أي آفاق لمسار إسرائيلي ليبي جدي على المدى القريب، وهي النتيجة الفعلية الوحيدة لمحاولته الواضحة تلميع صورته الدبلوماسية.
هل تتحمل واشنطن جزءا من المسؤولية؟
يشير عاملان إلى أن إدارة بايدن ربما كانت على علم بلقاء محتمل ولكنها لم تُنظّم اجتماع روما. أولاً، تنيط إسرائيل الإدارة الوثيقة لملف التطبيع العربي بمكتب رئاسة الوزراء، وليس بوزارة الخارجية (ينخرط جهاز "الموساد" أيضاً في الموضوع أحياناً). وقد حاول كوهين والمدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية (دون جدوى) العمل على التطبيع في أفريقيا، لكن مكتب رئاسة الوزراء يظل المحاور الرئيسي لواشنطن بشأن هذه القضايا. وبالتالي، من غير المرجح أن يكون المسؤولون الأمريكيون قد خططوا لعقد مثل هذا الاجتماع الحساس مع كوهين، لاسيما نظراً إلى المخاوف المتعلقة بالتسريبات.
ثانياً، على الرغم من التعليقات التي تسلط الضوء على التطبيع الإقليمي كهدف شامل لإدارة بايدن، الّا أن إعطاء الأولوية لليبيا في هذه العملية سيكون منافياً للمنطق. فمن الصعب بالفعل تنسيق التفاعل الدبلوماسي مع حكومة عربية راسخة، فكيف بالحري مع دولة غير واضحة المعالم السياسية ومؤيدة بشدة للفلسطينيين، ناهيك عن واقع أن إسرائيل تقودها الآن الحكومة اليمينية الأكثر تشدداً في تاريخها، إذ يدلي المسؤولون بانتظام بتصريحات تحريضية ضد الفلسطينيين. ويقال إن أوساط حفتر تقدمت بعروض خاصة لإسرائيل على مدى العامين الماضيين بهدف الحصول على أسلحة أو دعم سياسي، وقد يكون هذا النهج مستساغاً في ليبيا، لا سيما وأن حفتر يسيطر على الفضاء المعلوماتي في الشرق. ولكن عقد اجتماع رسمي بين وزيري الخارجية تجاوز بطبيعة الحال حدود المعقول وقد يتبين أنه يتعذر إصلاح الوضع بالنسبة إلى الدبيبة.
ولا شك في أن هذا الحدث الناجم عن سوء تقدير سيؤخر التقارب بين إسرائيل وليبيا لسنوات، إذا كانت الفكرة مطروحة على الإطلاق. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو إلى أي مدى يمكن للدبيبة أن يصمد، وما إذا كان هذا الجدل سيجدد الضغط لإجراء انتخابات في ليبيا.
بين فيشمان هو زميل أقدم في معهد واشنطن ومدير سابق لـ "شؤون شمال إفريقيا" في "مجلس الأمن القومي" الأمريكي.