- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4015
بروز المملكة العربية السعودية كوسيط دبلوماسي
أظهرت الرياض استعدادها وقدرتها على لعب دور دبلوماسي أكبر في الشرق الأوسط وخارجه، لذلك ينبغي على واشنطن دعم هذه التطلعات مع الحفاظ على توازن علاقاتها مع بقية دول الخليج، وضمان مساهمة الرياض بصورة بنّاءة.
في إطار جهودها لترسيخ مكانتها كقوة دبلوماسية عالمية، وإصلاح علاقاتها مع جيرانها، استضافت المملكة العربية السعودية عددًا كبيرًا من الاجتماعات الدولية هذا العام. وتستند استراتيجية "رؤية 2030" الطموحة لتنويع الاقتصاد السعودي على سعي المملكة إلى أن تصبح طرفًا فاعلًا قادرًا على قيادة الدبلوماسية في الأزمات الدولية، وممارسة النفوذ في مختلف القطاعات، واستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية. كما أن تحقيق هذه المكانة من شأنه أن يمنح الرياض دورًا أكثر تأثيرًا في ضمان استقرار الشرق الأوسط، وتعزيز نفوذها على القوى الإقليمية الأخرى، لا سيما تجاه إيران. ومن خلال الاستفادة من علاقاتها الاستراتيجية الراسخة مع الرياض وطموحاتها المتزايدة، تمتلك الولايات المتحدة فرصة للتأثير في نهج المملكة بشأن القضايا المحورية.
الانخراط الدبلوماسي السعودي في عام 2025
على الرغم من أن سعي الرياض للظهور على الساحة العالمية بدأ منذ سنوات، غير أن وتيرته تسارعت بشكل ملحوظ هذا العام، حيث استضافت المملكة عدة لقاءات ثنائية ومتعددة الأطراف منذ يناير/كانون الثاني الماضي. وقد شملت هذه الاجتماعات أول لقاء مباشر رفيع المستوى بين روسيا والولايات المتحدة منذ سنوات، وقمة عربية طارئة لجامعة الدول العربية لمناقشة خطط إعادة إعمار غزة بعد الحرب، واجتماعًا دوليًا لتأمين المساعدات لسوريا في مرحلة ما بعد الأسد. بالإضافة إلى الرحلات الخارجية الأولى للرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع والرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون. ومؤخرًا، استضافت الرياض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هذا الأسبوع، وسط مناقشات أمريكية رفيعة المستوى حول سبل إيجاد حل للحرب الأوكرانية. ومن المتوقع أن تُعقد قمة متابعة بين الرئيسين ترامب وبوتين هناك أيضًا.
سوريا.
على الرغم من قيام الرياض بحملة نشطة لإعادة قبول نظام الأسد في جامعة الدول العربية وإعادة فتح السفارة السعودية في دمشق في عام 2023، إلا أنها سرعان ما أصدرت بيانًا لدعم الشعب السوري بمجرد الإطاحة بالنظام. بالإضافة إلى ذلك، فتحت المملكة جسرًا جويًا لنقل المساعدات الإنسانية العاجلة، وأرسلت وفدًا من الديوان الملكي لمناقشة الدعم الاقتصادي للحكومة السورية الجديدة، إضافة إلى استضافتها اجتماعًا دوليًا لمناقشة رفع العقوبات حضرته دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى إلى جانب ألمانيا وسوريا وتركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وغيرها. وقد كانت المملكة العربية السعودية أول دولة تُجري زيارات متبادلة على مستوى وزراء الخارجية مع حكومة الرئيس الشرع الجديدة.
حرب غزة والتطبيع العربي الإسرائيلي
لعبت الرياض دورًا تاريخيًا بارزًا في دعم الفلسطينيين، مستغلة نفوذها الإقليمي لحشد التأييد للعمل العربي المشترك بشأن إقامة الدولة الفلسطينية وغيرها من القضايا. واليوم، تواصل المملكة هذا الدور القيادي. فعقب اقتراح الرئيس ترامب بأن تساعد الولايات المتحدة في إنهاء الحرب على غزة من خلال تهجير أكثر من مليوني نسمة وتحويل القطاع إلى "ريفييرا" أخرى، دعا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان القادة العرب إلى الرياض لمناقشة خطة بديلة صاغتها مصر. وقد أظهرت قيادة المملكة قدرتها على توحيد الحكومات العربية للالتفاف حول مقترح موحد، في مشهد نادر من الانسجام الإقليمي قلما تشهده المنطقة. ولسوء الحظ، يبدو أن اجتماع المتابعة في القاهرة لم يسفر عن خطة تحظى بقبول الولايات المتحدة أو إسرائيل - وهي نتيجة توقعتها الرياض على ما يبدو من خلال إيفاد وزير خارجيتها لحضور الاجتماع بدلاً من الأمير محمد بن سلمان، القائد الفعلي للبلاد. وفي الوقت ذاته، يُتوقع أن يواصل السعوديون مساعيهم نحو التطبيع مع إسرائيل بعد انتهاء حرب غزة، كما سعوا إلى ذلك من خلال إدارة بايدن، وهو هدف من شأنه أن يفتح المجال أمام فرص أمنية واقتصادية غير مسبوقة في المنطقة.
لبنان
بعد ثماني سنوات من التوترات الناجمة عن استياء الرياض من النفوذ الإيراني المتزايد في لبنان، شهدت بيروت في الأسابيع الأخيرة تحولًا ملحوظًا، حيث تم تشكيل حكومة تعهدت بالحد من تأثير "حزب الله"، الذراع الأبرز لطهران في البلاد. وفي استجابة لهذا التطور، يبدو أن الأمير محمد بن سلمان قد شرع في عملية إعادة ضبط العلاقات الثنائية، حيث استضاف الرئيس عون الأسبوع الماضي وأعاد تفعيل حزمة مساعدات أمنية بقيمة 3 مليارات دولار للجيش اللبناني كانت قد عُلقت منذ عام 2016 بسبب تصاعد الخلاف حول إيران. كما أكد البيان المشترك على ضرورة نزع سلاح جميع الجماعات غير الحكومية (في إشارة إلى "حزب الله")، بالإضافة إلى المطالبة بانسحاب إسرائيل الكامل من كافة الأراضي اللبنانية.
حرب أوكرانيا
في 18 شباط/فبراير الماضي، استضافت الرياض محادثات أمريكية-روسية بين وفدين برئاسة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، حيث اتفقت الحكومتان على العمل معاً لإنهاء الحرب في أوكرانيا وتحسين علاقاتهما الاقتصادية والدبلوماسية. ورغم استبعاد أوكرانيا بشكل ملحوظ من تلك المحادثات، إلا أن المملكة رحبت بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في وقت سابق من هذا الأسبوع، واستضافت محادثات الوفدين الأمريكي والأوكراني، الأمر الذي قد يمهد الطريق لعقد قمة بين ترامب وبوتين. ومما لا شك فيه أن الرياض تشعر بالرضا حيال التقارير التي تفيد بأن المحادثات كانت ناجحة، حيث أسفرت عن قبول الأوكرانيين لوقف إطلاق النار لمدة ثلاثين يومًا (بشرط التزام روسيا) واستئناف واشنطن مساعداتها الأمنية وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع كييف. ومن الجدير بالذكر أن قرار الرياض بالالتزام بالحياد إزاء الحرب منذ بدايتها، وحرصها على تجنب استعداء أي من الأطراف المعنية، قد ساهم في ترسيخ المملكة كمكان مقبول لإجراء هذه المفاوضات، مما يشكل إنجازًا بارزًا في مساعيها لتثبيت دورها كوسيط عالمي معترف به.
التداعيات الإقليمية
ليست الرياض هي الطرف الخليجي الوحيد الذي سعى لتعزيز مكانتها الدبلوماسية – بل حاولت قطر والإمارات العربية المتحدة لعب دور الوسيط العالمي أيضًا. وقد شغلت الدوحة مكانة الوساطة مع جهات فاعلة غير مستساغة مثل حركة "حماس" و"حزب الله" وحركة "طالبان" وإيران، ويبدو أنها اكتفت بدور ثانوي أمام طموحات الرياض الأكبر. فعلى سبيل المثال، على الرغم من أن قطر كانت المعارض الوحيد في الجامعة العربية لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد، إلا أنها سمحت للسعوديين بقيادة جهود الانخراط مع الحكومة السورية الجديدة - ربما بدافع الرغبة في التركيز على تجنب أي تصعيد جديد مع جيرانها، مثل التوتر الذي أدى إلى الحصار الخليجي ضد قطر عام 2017 بدلاً من التنافس على مكانة الوسيط الأكبر.
غير أن التنافس الدبلوماسي بين السعودية والإمارات العربية المتحدة يبدو أكثر احتمالًا. فالدولتان تتنافسان بالفعل على جذب الاستثمارات الأجنبية، وبالتالي، ليس من المستغرب أن تتنافسا أيضًا على المكانة الدبلوماسية العالمية. وحتى الآن، أكدت الإمارات العربية المتحدة دورها القيادي من خلال صياغة اتفاقات "إبراهيم" مع إسرائيل، واستضافة منتدى النقب لتعزيز التعاون العربي الإسرائيلي، وكذلك التوسط في اتفاقيات إقليمية رئيسية مثل اتفاق إريتريا وإثيوبيا لعام 2018 (بمساعدة سعودية بشكل خاص)، وتسهيل عملية تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا.
ومع ذلك، فإن تأثيرهما المتزايد المتبادل يمكن أن يخلق توترات بين الرياض وأبو ظبي في المستقبل، مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الديناميكيات الخليجية الأوسع نطاقًا. وقد يظهر لسيناريوهات المحتملة بعد انتهاء حرب غزة، عندما تستأنف السعودية على الأرجح استكشاف الحوافز التي يمكن أن تحصل عليها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وإذا كانت حزمة الرياض أفضل مما حصلت عليه الإمارات العربية المتحدة مقابل اتفاقات "إبراهيم" (على سبيل المثال، معاهدة دفاع مشترك)، فقد تتصاعد التوترات.
أولويات السياسة الأمريكية
بشكل عام، تنطوي القيادة الإقليمية الناشئة للمملكة على فرص واعدة لتعزيز المصالح الأمريكية، لكن يتعين على واشنطن أن تبقى يقظة من تلك الحالات التي تتباعد فيها المصالح الأمريكية والسعودية. كما يجب على المسؤولين أن يتنبهوا إلى ضرورة تجنب المفاضلة عند موازنة علاقاتهم الخليجية. وعليه، ينبغي على الولايات المتحدة أن تبذل جهدًا كبيرًا لتجنب الاعتماد المفرط على أي دولة خليجية واحدة، لأن ذلك قد يؤدي إلى تعقيد الأولويات الأخرى في المنطقة. وتتمثل المقاربة الأفضل في الاستفادة من العلاقات القائمة وتحديد فرص الوساطة المحتملة لمختلف دول الخليج بناءً على الأدوار التي تنسجم بشكل أفضل مع نقاط قوتها ومصالحها – وبما يتوافق مع مصالح الولايات المتحدة.
وفي حالة المملكة العربية السعودية، فقد أظهرت الرياض الرغبة والقدرة على أداء دور دبلوماسي أكبر، وتعد مثل هذه الجهات الفاعلة ضرورية لحل المشاكل المزمنة في الشرق الأوسط - ولا سيما الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لذلك يجب على واشنطن أن تدعم هذه التطلعات مع ضمان مساهمة الرياض بشكل بنّاء في مختلف مجالات الاستقرار الإقليمي. ومن خلال التركيز على إشراك القيادة السعودية وتشجيعها، يمكن للولايات المتحدة مساعدة الرياض - وكذلك الشركاء الإقليميين الذين تستقطبهم - على أن تصبح أكثر اعتمادًا على الذات وأكثر استباقية في معالجة النزاعات.
وعلى الساحة العالمية، فإن اللجوء إلى الوساطة السعودية خلال الأزمات مثل الحرب الأوكرانية يمكن أن يخدم الهدف المزدوج المتمثل في تحسين فرص التوصل إلى حل إيجابي ومنح المملكة الثقة التي تحتاجها لاكتساب مكانة دولية مرموقة. وبالفعل، تنسجم المملكة العربية السعودية المستقرة والمزدهرة تمامًا مع المصالح الأمريكية العليا المتمثلة في تعزيز الأمن والازدهار الاقتصادي في الشرق الأوسط وخارجه. ومن خلال منح المزيد من الثقة للشركاء الذين تربطهم علاقات وطيدة مع الولايات المتحدة منذ سنوات، يمكن لواشنطن أن تسمح للقوى الإقليمية بتحمل مسؤولية أكبر دون المساس بالنفوذ الأمريكي أو المصالح الاستراتيجية الأمريكية.
إليزابيث دينت هي زميلة أقدم في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، حيث تركز على السياسة الخارجية والدفاعية الأمريكية تجاه دول الخليج العربي والعراق وسوريا.