- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
بوادر تصدّعٍ في الأردن
تشكل المملكة الأردنية الهاشمية الموالية للغرب قاعدة العمليات الرئيسية للحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة لدحر تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») في سوريا. ومع ذلك، فإن الأردن نفسه يصبح أكثر فأكثر هدفاً لضربات التنظيم، فقد شهدت المملكة خلال الأشهر الماضية ارتفاعاً حاداً في النشاط الإرهابي لـ تنظيم «الدولة الإسلامية». ومما يبعث على القلق، أن أداء الاستخبارات وقوات الأمن الأردنية في مواجهة هذا التحدي - وهي التي لطالما اعتُبرت المعيار الذهبي في العالم العربي - كان دون المستوى، الأمر الذي يثير التساؤلات حول كفاءتها.
فعلى سبيل المثال، تعرضت المرافق الأمنية الأردنية مرتين للخطر في شهر حزيران/يونيو وكان لهذا الأمر عواقب مميتة. ففي السادس من حزيران/يونيو دخل مهاجم منفرد مقراً لـ "دائرة المخابرات العامة الأردنية" يقع على بعد 20 دقيقة شمال عمان وقام بإطلاق النار على الضباط المتواجدين فيه وأودى بحياة خمسةٍ منهم قبل أن يلوذ بالفرار. وبعد أسبوعين، أقدم التنظيم على تفجير سيارة مفخخة في قاعدة عسكرية أردنية عند الحدود السورية أدت إلى مقتل ستة جنود. وفي كلتا الحادثتين أفادت بعض التقارير أن عناصر الأمن الأردنيين كانوا يغطون في النوم خلال الحراسة.
وقبل ذلك ببضعة أشهر، أي في آذار/مارس، قامت وحدة من نخبة الدرك والمغاوير تابعة لـ "كتيبة مكافحة الإرهاب الـ 71" التي تتبجح بها المملكة بمداهمة خلية تابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في مدينة إربد شمال الأردن. وبينما نجح الجنود بقتل ثمانية من إرهابيي تنظيم «داعش»، استغرقت العملية العسكرية أكثر من 12 ساعة وقيل إنها تعرضت لمعوقات كبيرة بسبب انقطاع التواصل بين الأجهزة الأمنية. حتى أن أحد المراقبين الأجانب المتواجدين في المملكة وصف الهجوم بـ "فوضى عارمة".
وما زاد الطين بلة هو اختفاء 87 ألف رصاصة عيار 5.56 من رصاصات حلف "الناتو" المعيارية والتابعة للجيش البريطاني من أحد المستودعات خلال تدريبات مشتركة في الصحراء مع الأمريكيين في شهر نيسان/أبريل. وكانت القوات البريطانية متمركزة آنذاك في قاعدة عسكرية أردنية قريبة من مطار العقبة عندما تم الاستحواذ على الذخيرة وتحميلها بالشاحنات. ولا يزال مصير الرصاصات المسروقة مجهولاً حتى اليوم، لكن ثمة خوف من أن ينتهي بها المطاف في أسلحة تنظيم «الدولة الإسلامية».
ومع ذلك، فربما الأمر الأكثر إثارة للقلق من هذه الثغرات الأمنية هو المعلومات التي تتسرب بطيئاً عن وجود ما يشبه الفساد المستشري في صفوف المخابرات الأردنية التي تحظى باحترامٍ كبير. وقد ظهرت على العلن المشاكل التي يعاني منها هذا الجهاز الأمني الأجنبي والمحلي المهم حين تمت إدانة اثنين من رؤسائه السابقين، بينما يمضي أحدهم عقوبة السجن لفترة طويلة بتهمة الفساد.
وفي حزيران/يونيو، صدر تقرير في صحيفة "نيويورك تايمز" يؤكد صحة الشائعات التي انتشرت طويلاً عن قيام "دائرة المخابرات العامة الأردنية" ببيع آلاف البنادق الهجومية من نوع "إي كي-47" ("كلاشنيكوف") والمقدرة بملايين الدورلات والتي كانت "وكالة الاستخبارات المركزية" الأمريكية قد وفّرتها لتسليح المتمردين السوريين المعتدلين. ووفقاً لبعض التقارير استُخدمت أرباح البيع لشراء "سيارات رباعية الدفع باهظة الثمن، وهواتف آيفون، وغيرها من السلع الفاخرة". وعلى الرغم من تنفيذ بعض الاعتقالات، لا تزال درجة تفشي الفساد في المراكز العليا من هذا الجهاز غير واضحة.
ويشار إلى أن حادثة البيع غير المشروعة لهذه الأسلحة ظهرت على الملأ حينما أقدم شرطي أردني كان قد تبنّى التطرف الذاتي على استعمال إحدى تلك البنادق من نوع "الكلاشنيكوف" المشتراة في السوق السوداء، لقتل مواطنَين أمريكيين واثنين من المدرّبين من جنوب أفريقيا، فضلاً عن اثنين من زملائه الأردنيين، في مركز لتدريب الشرطة في المملكة خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
ومع أن هذه الحوادث مقلقة، إلا أنها لا توحي بوجود مشكلة جوهرية بين واشنطن وأفضل حلفائها العرب. وفي الواقع، لا تزال عمّان شريكاً حاسماً في الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية» حيث أنها توفّر القواعد والدعم اللوجستي اللازم للولايات المتحدة وقوات التحالف، كما أنها تشارك بفاعلية في العمليات الجوية فوق سوريا. كما لا يزال الأردن ملتزماً بمعاهدة السلام الموقعة مع إسرائيل عام 1994، وهو يعتبر داعماً هاماً للاعتدال السياسي والديني في المنطقة. وحيث تدرك واشنطن أهمية المملكة للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، ستقدّم هذا العام أكثر من 1.6 مليار دولار إلى الأردن، من بينها مساعدات عسكرية ومساعدات لمكافحة الإرهاب قدرها 800 مليون دولار، أي ما يعادل تقريباً 10 في المائة من الميزانية السنوية للأردن.
وعلى الرغم من هذه المساعدات الضخمة، يواجه الأردن تحديات هائلة. فعلاوةً على التهديدات الأمنية، تستضيف المملكة حالياً أكثر من مليون لاجئ سوري، وتبلغ نسبة البطالة فيها 15 في المائة، فيما تناهز نسبة بطالة الشباب الـ 40 في المائة. وحتى اليوم، وصل عدد الأردنيين الذين انضموا إلى الجهاد في سوريا إلى حوالي 2500 شخص، من بينهم ثلاثة من أبناء النواب. ومن الصعب التصور أن هذه التوقعات الاقتصادية القاتمة - والقتل المتواصل للمسلمين السُّنة في سوريا - لن تساهم في انتشار التطرف بين سكان الأردن الذين لطالما اعتُبروا معتدلين.
في خضم هذه المحنة، أثبت الأردن حتى الآن تحلّيه بمرونة ملفتة. فالأمن مستتب و"دائرة المخابرات العامة" والجيش وأمن الحدود لا تزال متمسكة بالتزاماتها حيث تتكبد الخسائر المتكررة وتحارب تنظيم «الدولة الإسلامية» في الوقت نفسه. وحتى مع ذلك، توحي التطورات الأخيرة أن المملكة غير مستعدة للتعامل مع هجوم إرهابي جماعي معقد على غرار الهجوم الذي تعرضت له باريس أو مومباي.
ولطالما كان بديهياً أن الأجهزة الأمنية في الأردن هي الأفضل في العالم العربي. وفي حين أن هذا الرأي لا يزال صحيحاً على الأرجح، أظهرت أحداث العام الماضي أنه لا يمكن اعتبار الأمن في الأردن أمراً مفروغاً منه. ونظراً إلى المسار الحالي، أصبح من المؤكد أن الأردن سيواجه تكثيفاً في الأعمال الإرهابية من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية» خلال الأشهر أو ربما السنوات المقبلة.
وفي منطقةٍ تزداد فيها الفوضى يوماً بعد يوم، تعتمد مصالح الولايات المتحدة إلى حد كبير على استقرار المملكة الهاشمية وازدهارها. من هنا ينبغي على واشنطن الاستمرار بالعمل بشكل وثيق مع عمان لتعزيز قدرات جهاز الأمن الأردني. ولكن في النهاية سيكون أمن المملكة، بخلاف العراق، رهناً بشرط واحد دون سواه، وهو ما إذا كانت القوى الأمنية في الأردن أهلاً لتحمّل هذه المسؤولية.
ديفيد شينكر هو زميل "أوفزين" ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.
"أمريكان إنترست"