- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3877
بعيداً عن صندوق الاقتراع: أولويات الولايات المتحدة في انتخابات شمال أفريقيا لعام 2024
من خلال إدراك قيود العمليات الانتخابية في دول مثل الجزائر وليبيا وتونس، بإمكان واشنطن التركيز بشكل أكبر على معالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية، وإدارة الديناميكيات الإقليمية، والانخراط بشكل استراتيجي مع المنافسين العالميين.
وصف بعض المراقبين عام 2024 بـ"عام الانتخابات"، وتنطبق هذه التسمية بشكل خاص على شمال أفريقيا، حيث من المقرر إجراء انتخابات رئاسية في الجزائر وموريتانيا، كما تم التخطيط لها مبدئياً في تونس وليبيا، على الرغم من أن جدولها الزمني الدقيق لا يزال في حالة تغير مستمر. وستسلط هذه الحملات الانتخابية الضوء على المشهد المتطور للانخراط الغربي في هذه المنطقة التي غالباً ما يتم تجاهلها. فبالإضافة إلى الدعم التقليدي للعمليات الديمقراطية، سيتعين على السياسة الأمريكية التكيف مع تعقيدات الواقع السياسي لكل دولة أثناء التعامل مع بيئة جيوسياسية تتسم بتنافسية متزايدة - من النفوذ الصيني والروسي المتزايد إلى تدهور الوضع المقلق في منطقة الساحل. ويستلزم ذلك استراتيجية أمريكية أكثر شمولية تعالج المخاوف الاقتصادية والأمنية الأوسع نطاقاً.
الانتخابات لم تكن كافية
في موريتانيا، سيسعى الرئيس محمد ولد الغزواني إلى الفوز بولاية ثانية في 29 حزيران/يونيو. وتخطط تونس من جهتها إجراء انتخاباتها الرئاسية في الخريف، بينما تعتزم الجزائر إجراء انتخاباتها في 7 أيلول/سبتمبر. وفي ليبيا، دعا بعض المشرعين إلى التصويت بحلول نهاية هذا العام، إلا أن الجهود اللامتناهية على ما يبدو للاتفاق على خارطة طريق للانتخابات الرئاسية والبرلمانية لم تؤتِ ثمارها بعد.
وحتى في البلدان التي تم تحديد الجداول الزمنية لانتخاباتها بشكل مبدئي، يطغى عدم اليقين على المشهد الانتخابي. ففي الجزائر، أثار قرار الرئيس عبد المجيد تبون بإجراء الانتخابات في أيلول/سبتمبر، أي قبل ثلاثة أشهر من انتهاء ولايته الحالية، تساؤلات حول دوافعه. وفي تونس، أعرب الرئيس قيس سعيّد عن نيته الترشح مجدداً دون الإعلان رسمياً عن ترشحه، وزاد من غموض هذا الوضع عدم تحديد موعد للانتخابات أو قانون انتخابي واضح.
ويُعتبر الوضع في ليبيا غير ثابت بشكل خاص. فقد ألقى العجز المتكرر عن الالتزام بالمواعيد النهائية للانتخابات برعاية الأمم المتحدة بظلال من الشك على جدوى إجراء انتخابات وطنية ذات مصداقية. كما يتساءل المراقبون عن تأثير التصويت في مثل هذه البيئة المتقلبة، وما إذا كانت نتيجته ستضفي أي مظهر من الشرعية على النخبة الحاكمة الحالية (انظر أدناه).
وتوضح هذه المسارات السياسية السبب الذي يتعين بموجبه على صناع السياسات في الولايات المتحدة تكريس المزيد من الاهتمام خارج صناديق الاقتراع للقضايا العامة التي تؤثر على الاستقرار والتنمية في شمال أفريقيا، على سبيل المثال الهشاشة الاقتصادية وانعدام الأمن والهجرة غير النظامية. فقد أوضحت الفترة التي أعقبت "الربيع العربي" عام 2011 قيود التركيز الضيق على الانتخابات. ففي مصر، كانت الانتخابات الرئاسية عام 2012 تنافسية، غير أنها فشلت في منع العودة إلى الحكم العسكري. وبالنسبة للانتخابات الليبية في عامَي 2012 و 2014، التي أُجريت وسط تزايد انعدام الأمن والانقسام السياسي، فإنها لم تسهم في تحقيق الاستقرار في البلاد أو قيام حكومة مركزية فاعلة. وأجرت تونس من جانبها، ثلاث دورات انتخابية حرة ونزيهة (في الأعوام 2011 و 2014 و 2019)، لكنها فشلت في النهاية في منع سعيّد من فرض أسلوب حكم شخصي واستبدادي بشكل متزايد. وقد أسفرت الانتخابات الرئاسية الجزائرية لعام 2019 عن فوز رئيس وزراء سابق ووصوله إلى السلطة بعد احتجاجات حاشدة، حيث فشلت في الاستجابة لدعوات حركة المعارضة المفككة لتغيير الوضع الراهن.
التوقعات الانتخابية الحالية
نظراً لهذا السجل الحافل، لا تقدم الانتخابات المقبلة سوى احتمالات ضئيلة لتغيير القيادة في أي من هذه البلدان أو تعزيز المؤسسات الديمقراطية فيها. ففي ليبيا، تم إحراز بعض التقدم فيما يتعلق بإنشاء إطار دستوري وقانوني، ولكن الخلافات السياسية المستمرة أدت إلى عرقلة التقدم وساهمت في استقالة الممثل الخاص المحبَط للأمين العام للأمم المتحدة في السادس عشر من نيسان/أبريل. وحتى لو جرت الانتخابات، فستعتمد على تسوية سياسية هشة، وحسن نية الميليشيات المدججة بالسلاح الغارقة في صراع مستمر على السلطة منذ سنوات، ونوع من التنازل من جانب الزعيم في شرق البلاد خليفة حفتر، الذي يسعى لتبوء سدة الرئاسة. بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما يعتمد نجاح التحولات الديمقراطية على عوامل متعددة تتجاوز المواثيق الانتخابية، مثل الاستقرار الاقتصادي، والعدالة الانتقالية، وقوة السلطة القضائية ومؤسسات الدولة الأخرى. وبالتالي، قد تؤدي الانتخابات المبكرة في النهاية إلى تفاقم التوترات في ليبيا، كما حدث في عام 2014.
وتبدو آفاق التغيير في تونس قاتمة على حد سواء. فقد قام الرئيس سعيّد بسجن العديد من الشخصيات المعارِضة، مما أدى فعلياً إلى تثبيط عزيمة منافسيه المحتملين، كما أن خطاباته التي تقترح استبعاد أولئك الذين يعملون "في أحضان الأجانب" لا تؤدي سوى إلى تفاقم مناخ الترهيب وعدم اليقين. وقد تشهد نسبة إقبال الناخبين أيضاً المزيد من الانخفاض، في ظل المخاوف الاقتصادية، وخيبة الأمل السياسية، والمقاطعة المخطط لها في يوم الانتخابات. وبالتالي، حتى لو حقق سعيّد فوزاً آخراً كما هو متوقع، إلّا أن ولايته الثانية ستفتقر إلى حد كبير للشرعية الانتخابية.
وعلى نطاق أوسع، ستستند الانتخابات المقبلة في تونس على ميثاق عام 2022 الذي اعتُمد بشكل مثير للجدل والذي يشير إلى الابتعاد عن العمليات الديمقراطية الشاملة. ويؤدي تقويض استقلالية اللجنة الانتخابية والتعاملات الأخيرة مع لجنة الانتخابات المركزية الروسية إلى تراجع الثقة بصورة أكثر في نزاهة التصويت. ومن عجيب المفارقات هنا أن وقف هذه العملية التراجعية قد يدعم الديمقراطية أكثر من السماح بتنظيم الانتخابات الحالية في ظل مثل هذه الظروف التي تشوبها العيوب.
وفي الجزائر، تمثل الانتخابات المبكرة على ما يبدو محاولة لتوطيد السلطة وليس لتعزيز النمو الديمقراطي. وينطوي أحد الاحتمالات على الأمل الذي ينتظره تبون في منع ترشح المنافسين المحتملين من خلال تسريع الجدول الزمني. ولعله يسعى أيضاً إلى الحد من خطر تنظيم احتجاجات وسط استياء سياسي واقتصادي واسع النطاق. ولكن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أنه يرد على النزاع الداخلي العشائري الذي يشارك فيه الجيش (القوة السياسية الأقوى تقليدياً في البلاد) ويحاول إضعاف مراكز السلطة الأخرى.
على أي حال، تبدو النتيجة محددة سلفاً في هذه المرحلة. فمن ناحية، حقق تاريخياً الرؤساء المنتهية ولايتهم انتصارات ساحقة في الجزائر. فضلاً عن ذلك، أدت سنوات من القمع الهادف والاستقطاب الاستراتيجي إلى إضعاف المعارضة، مما قوض إمكانية تنظيم عملية ديمقراطية قوية. كما أن سيطرة الحكومة على وسائل الإعلام والساحة السياسية، إلى جانب الأسئلة العالقة حول نفوذ الجيش في السياسة، تلقي بظلال الشك على نزاهة العملية الانتخابية وشفافيتها. وبينما أشار تبون إلى مستوى معين من الانفتاح الاجتماعي والاقتصادي، إلّا أن سياساته لا تساهم في معالجة المظالم التي أشعلت شرارة الحركة الاحتجاجية عام 2019، والتي دعت إلى المزيد من الحريات السياسية، وإجراءات مكافحة الفساد، والانتقال نحو دولة مدنية لا يقودها الجيش. ولتأمين دعم أكبر لأجندته، لجأت السلطات إلى تكتيكات قومية مثل استحضار شبح العدوان من جانب المغرب المجاور.
وتقدم موريتانيا سردية مختلفة، إلا أنها ليست مثالية إطلاقاً. فالانتقال السلمي نسبياً للسلطة إلى الرئيس الغزواني في عام 2019 اعتُبر على نطاق واسع حراً وعادلاً وشكّل خطوة مهمة للابتعاد عن الحكم العسكري. فالغزواني هو جنرال سابق مستعد للترشح لولاية ثانية ضد معارضة ضعيفة، مدعوماً بسجل حزبه الحافل بالانتصارات الانتخابية. وقد حافظت إدارته على الاستقرار بينما تعاني دول أخرى الأمرّين في منطقة الساحل المضطربة. كما نفذ سياسات تهدف إلى الحد من الفقر وتحسين الرعاية الاجتماعية، مما أدى إلى تعزيز دعم عامة الناس له على الرغم من بعض الانتقادات على خلفية القوانين التقييدية التي تؤثر في حرية التعبير.
لكن فرص إحراز تقدم كبير في المؤسسات الديمقراطية في البلاد ضئيلة نظراً لمحدودية المنافسة السياسية وتَركّز السلطة ضمن الحزب الحاكم. وتواجه موريتانيا أيضاً تحديات أوسع نطاقاً، مثل تعزيز التماسك الاجتماعي، ومعالجة انتهاكات حقوق الإنسان السابقة، وضمان التوزيع العادل للموارد. ويتطلب تحسين المسار الديمقراطي في البلاد بذل جهود نشطة لإصلاح قانون الإعلام، وتعزيز استقلالية القضاء، وضمان عملية انتخابية أكثر شفافية وشمولاً، من بين تدابير أخرى. ولكن نظراً لموعد الانتخابات الوشيك، فإن النتيجة الأكثر ترجيحاً هي تصويت لا يترافق مع منافسة تُذكر من المعارضة. وعلى الرغم من ذلك، يمكن اعتبار الانتخابات السلمية والمنفذة بشكل جيد خطوة إيجابية بالنسبة لموريتانيا، لا سيما في منطقة يشهد فيها الاستقرار السياسي تقلبات مستمرة.
التداعيات السياسية
يثير ضعف احتمال أن تشهد هذه البلدان الأربعة قدراً كبيراً من الإصلاح السياسي أو التغيير في القيادة هذا العام تساؤلات حول مدى فعالية الانتخابات كأداة لإرساء الديمقراطية والتنمية الفعلية في المنطقة. كما تهدد الخطابات التي تزداد عدائية والمواقف العسكرية بين بعض هذه الحكومات الاستقرار والتقدم في شمال أفريقيا، حيث تحاول الجزائر تشكيل كتلة سياسية جديدة مع تونس وليبيا المترددة، تهدف بشكل رئيسي إلى عزل المغرب.
وتؤكد هذه التطورات ضرورة اتباع الولايات المتحدة نهجاً استباقياً لمنع المزيد من التشرذم الإقليمي. وبفضل تعامل إدارة بايدن النشط مع حكومة تبون، على الرغم من الانتكاسات الأخيرة في مجلس الأمن، فهي في وضع يخوّلها العمل مع الجزائر على تعزيز وقف التصعيد الإقليمي. لكن ينبغي أيضاً الاستفادة من هذه الجهود الدبلوماسية لتعزيز رؤية مشتركة مستقرة ومتكاملة لشمال أفريقيا.
وبينما تتعامل واشنطن مع المشهد الإقليمي المتغير، عليها أن تدرك بوضوح قيود العمليات الانتخابية كأداة لتعزيز الديمقراطية، مع الاعتراف في الوقت نفسه بالنفوذ المتعاظم للقوى العالمية والتحديات التي تفرضها المنافسات الإقليمية. بإمكان الولايات المتحدة الإضطلاع بدور أكثر فعالية في تعزيز مصالحها في شمال أفريقيا ودعم التطلعات طويلة الأمد للشعوب التي تعيش هناك. لكن القيام بذلك يتطلب اتباع نهج أكثر شمولية وقدرة على التكيف، يركز على توفير الدعم الانتخابي الهادف، والتصدي بقوة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية، وإدارة الديناميكيات الإقليمية، والانخراط بشكل استراتيجي مع المنافسين العالميين.
سابينا هينبرج هي "زميلة سوريف" في معهد واشنطن. أمين الغوليدي هو باحث في الجغرافيا السياسية والأمنية في جامعة "كينغز كوليدج" في لندن.