- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3599
بين القانون البحري والسياسة في شرق البحر الأبيض المتوسط
بالنظر إلى التاريخ المشحون لمنطقة الشرق الأوسط والأطر القانونية المرحلية، يجب على الأطراف وحلفائهم التركيز بصورة أكثر على المخاوف السياسية والاقتصادية والأمنية الكامنة وراء نزاعاتهم القانونية.
في 9 آذار/مارس، التقى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ بنظيره التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة، في أول زيارة علنية على المستوى الرئاسي منذ نحو 15 عاماً. ورغم أن العلاقات الثنائية بين البلدين شهدت تقلبات هائلة خلال تلك السنوات، إلا أن البلدين حافظا على الروباط بينهما في عدة مجالات، برز إحداها خلال زيارة هرتسوغ وهي: أمن الطاقة. ولم يكن ذلك مفاجئاً نظراً للأهمية العاجلة لإمدادات الموارد الهيدروكربونية في المنطقة في خضم الحرب الروسية-الأوكرانية، ولكن كانت لدى تركيا وإسرائيل أسباب ملحة لمناقشة مثل هذه القضايا قبل اندلاع الأزمة الحالية بفترة طويلة. فخلال السنوات القليلة الماضية، بدت الادعاءات القانونية المتعلقة باستغلال الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط وكأنها تضع الحكومتين في خلاف، لاسيما بعد أن أظهرت إسرائيل تعاونها مع اليونان وقبرص - وهما دولتان لهما علاقات سيئة مع تركيا في معظم الأحيان.
لذلك فالآن هو الوقت المناسب لدراسة التحركات القانونية التي قامت بها إسرائيل وتركيا وغيرها من الدول في مجال الطاقة والشؤون البحرية. ومن أجل فهم الاتفاقات الثنائية المختلفة التي تشكلت أو نشأت عن هذا النشاط بشكل أفضل، من المهم أولاً النظر في المعاهدة الدولية التي شكلت الأساس لمعظمها.
"اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار" و "اتفاقية عام 1994"
من المفهوم على نطاق واسع أن القانون البحري الدولي المعاصر يستند إلى "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار "("الاتفاقية") لعام 1982 و"الاتفاقية المتعلقة بتطبيق الجزء الحادي عشر" لعام 1994. ولإقناع المزيد من الجهات بالمصادقة على "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار"، تمحورت اتفاقية عام 1994 حول مجموعة محدودة ومخففة إلى حدّ كبير من بنود اتفاقية عام 1982 في ما يخص المسائل المتعلقة بقاع البحر. ومع ذلك، فإن الالتزام لا يزال غير شامل: ِفهناك 168 دولة وقّعت على "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار" و 150 دولة صادقت على اتفاقية 1994. وجميع هذه الأطراف هي دول أعضاء في الأمم المتحدة باستثناء جزر كوك ونييوي (كلاهما في ارتباط حر مع نيوزيلندا)، و"السلطة الفلسطينية"، و "الاتحاد الأوروبي".
وفي شرق البحر الأبيض المتوسط، لم توقع بعض الدول على "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار" أو تصبح طرفاً فيها؛ والأمر سيان بالنسبة للولايات المتحدة، رغم أنها وقعت على اتفاقية عام 1994. ووفقاً لبعض علماء القانون الدوليين، تنص "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار" على قانون عرفي، وبالتالي فهي ذات صلة بالدول والجهات التي ليست طرفاً فيها، لكن هذه النظرية ليست جامعة وشاملة.
وفيما يتعلق بترسيم حدود المناطق البحرية، فإن "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار" تُميز بين: البحار الإقليمية (ما يصل إلى 12 ميلاً بحرياً من "خطوط الأساس" للدولة الساحلية، والتي تُعرّف بأنها خطوط المياه المنخفضة على طول الساحل كما هو موضح في المخططات الرسمية)؛ و"المناطق الاقتصادية الخالصة" (ما يصل إلى 200 ميل بحري من خطوط الأساس)؛ والجرف القاري (محدد من الناحية الجيولوجية ويمتد إلى ما يتخطى 200 ميل بحري). وبموجب "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار"، تتمتع دولة ساحلية بسيادة شبه كاملة على بحرها الإقليمي، لكن الحقوق السيادية على "المنطقة الاقتصادية الخالصة" أو الجرف القاري تتعلق باستكشاف الموارد الطبيعية واستغلالها، وبالتالي فهي ذات طبيعة اقتصادية. وفي حال رفع مطالبات من قبل دول ساحلية متقابلة أو متجاورة، تنص "الاتفاقية" على أنه يجب رسم حدود هذه المناطق "بالاتفاق... من أجل تحقيق حل عادل" (المادتان 74 (1) و 83 (1)).
الاتفاقيات الإقليمية
نظراً إلى الطبيعة القارية في الغالب لشرق البحر المتوسط، شعرت العديد من الدول الساحلية بضرورة إبرام اتفاقيات مختلفة على مدى العقدين الماضيين من أجل ترسيم حدود "مناطقها الاقتصادية الخالصة" وجرفها القاري. وفي عام 2003، كانت قبرص ومصر أول دولتين في المنطقة تبرمان اتفاقية ترسم حدود "منطقتيهما الاقتصاديتين الخالصتين". كما وقعت قبرص اتفاقاً مع لبنان بشأن "المنطقة الاقتصادية الخالصة" عام 2007 - في خطوة واجهت اعتراضات شديدة من المسؤولين الأتراك، الذين اعتبروا أن "الإدارة القبرصية اليونانية في قبرص الجنوبية" (حكومة الجزيرة المعترف بها دولياً) لا تمثل جميع السكان وأن "الجمهورية التركية في قبرص الشمالية" لديها مطالب أيضاً تتعلق بالمناطق البحرية المحيطة.
في غضون ذلك، بدا أن لبنان حاول التحايل على الاتفاق مع قبرص في السنوات اللاحقة. فبعد عجزها عن تصديق الاتفاقية، أرسلت بيروت بشكل أحادي لوائح إحداثيات "منطقتها الاقتصادية الخالصة" إلى الأمين العام للأمم المتحدة في عام 2010، التي جرى تعديلها عام 2011. ولم تكن هذه اللوائح مختلفة عن الاتفاق مع قبرص فحسب، بل تجاوزت أيضاً حدود ما تعتبره إسرائيل "المنطقة الاقتصادية الخالصة" الخاصة بها. تجدر الملاحظة أن قبرص وإسرائيل وقعتا اتفاقاً لترسيم حدود "المناطق الاقتصادية الخالصة" بهما في كانون الأول/ديسمبر 2010 بعد أن أصبح الامتداد الكبير لاحتياطيات الغاز في المياه بينهما واضحاً. وكان حقلا الغاز "تمار" و"ليفياثان" الإسرائيليان أول حقلين بدآ بالإنتاج، لتكتشف قبرص حقل "أفروديت" في عام 2011 (لا يزال في انتظار الإنتاج). وفي عام 2015، تم اكتشاف حقل "ظُهر" المصري (قيد الإنتاج حالياً).
وفي هذا السياق، تعزّزت الروابط الجيوسياسية الأوسع نطاقاً بين قبرص ومصر واليونان وإسرائيل دون مشاركة تركية. وخلال الحرب الأهلية الليبية وغيرها من التطورات في المنطقة، وجدت هذه البلدان الأربعة وتركيا نفسها تدعم (بالأفعال أو الأقوال) أطرافاً متعارضة بشكل متزايد. وبالتالي، لم يكن من المفاجئ أن تقترح مذكرة التفاهم التي وقعتها أنقرة في عام 2019 مع "حكومة الوفاق الوطني" الليبية مناطق بحرية متاخمة على مسافة 18 ميلاً بحرياً، لتقطع بالتالي أي مناطق قبرصية ومصرية وإسرائيلية ولبنانية وفلسطينية وسورية عن اليونان وباقي دول أوروبا. وبعد عام، جاء الردّ اليوناني والمصري من خلال اتفاق ثنائي على ترسيم جزئي لحدود "المناطق الاقتصادية الخالصة".
وتضمنت التطورات الأخرى في عام 2020 توقيع اليونان على اتفاقية لبناء "خط أنابيب شرق البحر الأبيض المتوسط" مع قبرص وإسرائيل (بدعم من "الاتحاد الأوروبي" والولايات المتحدة في البداية، ذلك الدعم الذي تم سحبه لاحقاً). كما أضفت هذه الدول الثلاث طابعاً مؤسسياً على روابطها في قطاع الطاقة من خلال إبرام شراكة مع مصر وإيطاليا والأردن و"السلطة الفلسطينية" لتأسيس "منتدى غاز الشرق الأوسط". وانضمت فرنسا والولايات المتحدة إلى المنتدى في عام 2021 كعضو ومراقب على التوالي.
القانون الدولي أم السياسة؟
لا يزال الأساس القانوني للترسيم الاقتصادي في شرق البحر الأبيض المتوسط تدريجياً. فإسرائيل وسوريا وتركيا ليست أطرافاً في "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار"، والسبب بالنسبة لتركيا هو أن معاملة المعاهدة للجزر تجعلها في وضع غير مؤات فيما يتعلق باليونان. فضلاً عن ذلك، تكون حالة اتفاقيات الترسيم الحالية في بعض الأحيان غير واضحة أو غير حاسمة، كما يظهر من اتفاق لبنان غير المصدّق مع قبرص والترسيم الجزئي لحدود "المناطق الاقتصادية الخالصة" الذي توصلت إليه مصر واليونان. أما بالنسبة لـ"المذكرة" بين تركيا وليبيا، فيعتبرها القادة السياسيون في جميع أنحاء العالم مثيرة للجدل، فقد استغرق الطرفان ما يقرب من عشرة أشهر لمجرد تسجيلها لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة، كما قضت محكمة وطنية ليبية أنها غير مبرمة من قبل سلطة مختصة، مما يعكس الصراع الداخلي المتواصل على السلطة في البلاد.
وفي مثل هذه الظروف، غالباً ما تطغى المبررات السياسية على الاعتبارات القانونية. على سبيل المثال، لا يمكن مناقشة تطلّع تركيا إلى التعاون مع إسرائيل في مجال الطاقة بمعزل عن قضايا تتعلق بحرب أوكرانيا والاعتماد الدولي على الغاز الروسي. وبالمثل، سيتوقف السؤال عما إذا كانت العلاقات المتجددة بين إسرائيل وتركيا ستؤدي إلى مزيد من الوضوح القانوني، وأن التعاون الاقتصادي في شرق البحر المتوسط من المحتم أن يعتمد على التطورات السياسية قبل أي موضوع آخر. والجدير بالملاحظة أن الرئيس الإسرائيلي مثَّل بلاده في الاجتماع الأخير الذي عُقد في أنقرة، في حين لم يحضره وزراء الحكومة الذين يحددون السياسة.
وعموماً، يجب على المراقبين أن يضعوا في اعتبارهم أن الجهات الفاعلة في شرق البحر الأبيض المتوسط لديها تاريخ مشحون ومجموعات معقدة من التحالفات والخصومات، بحيث تميل مجموعة كبيرة من الاعتبارات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية إلى التأثير على سلوكها. ويشمل ذلك استخدام القانون الدولي كأداة لإضفاء الشرعية على الخطوات الاستراتيجية. وبالتالي، يبدو من الحِكمة عدم التركيز كثيراً على النواحي الفنية لخلافاتها القانونية، بل على تبديد المخاوف السياسية والاقتصادية والأمنية الكامنة بشكل مباشر.
الدكتور ألكسندر لونجاروف هو زميل زائر في برنامج القانون الدولي والأوروبي في جامعة "Vrije Universiteit Brussel" ومسؤول سابق في "اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية". وهذا المرصد السياسي يعبّر عن آرائه فقط ولا يعكس بأي شكل من الأشكال رأي اللجنة المذكورة أعلاه أو "الاتحاد الأوروبي"، الذي لا يمكن تحميله المسؤولية عن أي استخدام لإسمه.