- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
ضمان تحقيق السلام
على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي انعقدت في نيويورك في خريف هذا العام سُئل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن التزامه بحل الدولتين للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. وأعطى نتنياهو أساساً الإجابة نفسها إلى كل من دونالد ترامب والعديد من وسائل الإعلام الأمريكية، إذ قال للإذاعة الوطنية العامة "أن بي آر" (NPR): " إنّ نظرتي لأي اتفاق محتمل تقضي بأن يتمتع الفلسطينيون بجميع الصلاحيات ليحكموا أنفسهم، ولكن من دون أي صلاحيات قد تسمح لهم بتهديدنا". وأضاف: "إنّ الصلاحيات الرئيسية التي لا يجب. . . أن تصل إلى أيديهم هي تلك المعنية بالأمن. ففي المنطقة الصغيرة التي تمتد من غرب نهر الأردن حتى البحر الأبيض المتوسط. . . على إسرائيل أن تتحمل المسؤولية الأمنية الملحّة".
لقد كان من الواضح غياب القضايا التي كان يصفها سابقاً رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنها عقبات تحول دون إحلال السلام، مثل عدم اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية، والتحريض، ودفع الرواتب لعائلات الأسرى و"الشهداء"، وعمليات الانسحاب المحتملة من المستوطنات، ومستقبل القدس. فقد اكتفى بالتحدث عن قلق واحد، وهو الأمن غرب نهر الأردن.
ولا شك في أن الأمن كان عنصراً رئيسياً في المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية السابقة، مع التشديد على الحفاظ على وجود عسكري إسرائيلي في منطقة حدود وادي الأردن وغيرها من البؤر الاستيطانية الاستراتيجية في الضفة الغربية. فالخوف المتجذر منذ عقود هو من حدوث غزو من الشرق عبر نهر الأردن - غير أن هذا السيناريو أصبح أقل وطأة بعد سقوط صدام حسين في العراق عام 2003. وفي الآونة الأخيرة، أثارت انتفاضات "الربيع العربي" مخاوف من انعدام الاستقرار والإرهاب إلى الضفة الغربية.
***
وهناك العديد من الخطط التي طُرحت لتهدئة هذا القلق الإسرائيلي على وجه التحديد، وكان آخرها من قبل بعثة أمريكية برئاسة الجنرال جون ألن، بالإضافة إلى مجموعة من ضباط الأمن الإسرائيليين المتقاعدين الذين يُطلق عليهم اسم قادة الأمن الإسرائيلي. وفي حين أن هذه الجهود لم ترضِ حكومة نتنياهو، إلّا أن أمن الحدود - بما في ذلك الوجود المستمر لـ"جيش الدفاع الإسرائيلي" في وادي الأردن - يجب أن يكون مسألةً قابلة للحل. وأسوأ ما يمكن قوله عن هذا الموضوع هو أنه لا يرتقي إلى مستوى استعصاء قضايا أخرى تتعلق بالوضع النهائي، مثل السيادة الفلسطينية في القدس أو إخلاء المستوطنين الإسرائيليين من الخليل.
وبالفعل، إن المطلب الذي لطالما نادت به إسرائيل الذي يقضي بإنشاء دولة فلسطينية "منزوعة السلاح" - والذي شدّد عليه نتنياهو مراراً خلال الخريف الأخير - هو تسمية خاطئة من ناحيتين. أولاً، لقد تنازل الفلسطينيون في الواقع عن هذا الجدل، استناداً إلى بيانات وتسريبات من جولات المفاوضات السابقة. ففي إطار أي سيناريو، لن يكون لدولة فلسطينية مستقبلية جيش مجهز بأسلحة هجومية ثقيلة ومدرعات وقوة جوية وما شابه. ثانياً، وخلافاً للنقطة الأولى، لا يعني نزع السلاح غياب قوة أمنية.
وفي هذا السياق، إنّ التصريحات الأخيرة التي أدلى بها نتنياهو وعدد من كبار وزرائه، حيث قاموا بمقارنة دولة فلسطينية مستقبلية بكوستاريكا (التي تشتهر بعدم وجود جيش فيها على الإطلاق) هي في غير محلّها. ففي إشارة إلى دول نموذجية أخرى والحاجة إلى نزع السلاح، قال نتنياهو لشبكة "سي أن أن" (CNN)، "يختلف معنى كلمة «دول» من شخص إلى آخر"، وأضاف: "بدلاً من الحديث عن التسميات، أودّ التحدث عن المضمون".
لكن جوهرياً، تعمل قوة أمنية فلسطينية كبيرة، يبلغ عددها اليوم نحو 30 ألف فرد، على مدى أكثر من عقدين في غرب نهر الأردن. وبصورة جوهرية أيضاً، تخلت إسرائيل بالفعل عن السيطرة الأمنية على جيوب كبيرة من الضفة الغربية لصالح "السلطة الفلسطينية". فعلى مدى العقد الماضي، عملت قوات الأمن التابعة لـ"السلطة الفلسطينية"، التي دربتها الولايات المتحدة وشركاء دوليون آخرون، في تعاون وثيق مع "جيش الدفاع الإسرائيلي" من أجل الحفاظ على الاستقرار. وتُعتبر هذه القوى، في الكثير من النواحي، الجانب الأكثر إيجابيةً في مشروع عملية السلام برمّته. فالأمن ليس العائق بحد ذاته، لكنه قد يساعد على إرساء أسس السلام الإسرائيلي-الفلسطيني.
***
منذ الاتفاقات الأولى التي تم توقيعها كجزء من "اتفاقيات أوسلو"، تم منح قوةً أمنية لـ "السلطة الفلسطينية"، التي تمّ تصورها ككيان مؤقت للحكم الذاتي. وبحلول أيار/ مايو 1994، تحوّلت التصورات إلى حقيقة عندما عاد ياسر عرفات وعناصر من "جيش التحرير الفلسطيني" القديم إلى قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية لتولي سلطات الحكم من القوات الإسرائيلية التي تخلي مواقعها. وكانت المصطلحات المستخدمة في البداية عبارة عن "قوة شرطة قوية" لتوفير "النظام العام والأمن الداخلي" للسكان الفلسطينيين - وقد سُمح لهم بحمل الأسلحة النارية. غير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين أوضح الهدف الأكبر عندما قال في تعليقه الساخر: "ستحارب الشرطة الفلسطينية حركة «حماس» [أي الإرهاب] من دون منظمة «بتسيليم»، ومن دون «المحكمة العليا»، وبدون منظمة «أمهات ضد الصمت»"- أي أنها أكثر فعاليةً من دون القيود المفروضة على إسرائيل من قبل المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان والنظام القضائي.
وحيث مُنح كل من عرفات و"السلطة الفلسطينية" المزيد من الأراضي للسيطرة عليها، والمزيد من السلطة، نمت قوات أمن "السلطة الفلسطينية"["القوات"] بشكل كبير، فارتفعت من أربعة فروع أولية إلى 12 فرعاً بحلول عام 2000. وفي عام 2004، ازداد عدد الفروع ليصل إلى 15 وفقاً لأحد الإحصاءات، ووصل في وقت لاحق إلى 17 فرع. وبحلول أواخر تسعينات القرن المنصرم، أصبحت نسبة عدد أفراد الشرطة إلى عدد السكان ١: ٥٠ (1:50) في المناطق التي تسيطر عليها "السلطة الفلسطينية"، مما جعل شبه الدولة موضع البحث إحدى أكثر المناطق خضوعاً لحراسة مشددة في العالم.
لكن على الرغم من وفرة الأعداد، لم تقم قوات أمن "السلطة الفلسطينية" التابعة لعرفات في التسعينيات بما كان من المفترض أن تقوم به، ولم يقتصر ذلك على تضييق الخناق على «حماس» والجماعات الإرهابية الرافضة الأخرى، بل شمل أيضاً بشكل واضح فرْض احتكار عام لوسائل العنف في الأراضي الفلسطينية. وفي هذا الصدد، أشار الباحث الراحل المختص في شؤون الشرق الأوسط باري روبين إلى أن "عرفات عمل بصورة متعاقبة من خلال اعتقال قادة «حماس» وتعريضهم للترهيب ثمّ الإثناء عليهم وإطلاق سراحهم بعد ذلك. كما أنه سمح لهم بالحفاظ على مؤسساتهم وشبكاتهم العسكرية أيضاً". فقد كانت موجات التفجيرات الانتحارية داخل إسرائيل خلال تلك الفترة خير برهان، حيث لم يبرز أي شيء آخر أكثر دلالةً على فشل "السلطة الفلسطينية" المطلق في هذا المجال. ولم يتم نزع سلاح الجماعات الإرهابية والميليشيات الخارجية (بمن فيها تلك التابعة لحركة «فتح» التي يتزعمها عرفات نفسه)، كما تمت المطالبة بها مراراً وتكراراً في الاتفاقيات الإسرائيلية-الفلسطينية. وحتى المسؤولون الفلسطينيون أعربوا عن أسفهم لأن "السلطة الفلسطينية"، البعيدة كل البعد عن كونها دولة نموذجية، أصبحت تشبه الصومال وأفغانستان أو "الغرب الأمريكي قبل 200 عام".
وفي هذا الصدد، وقعت حوادث عنف خطيرة شنتها قوات أمن "السلطة الفلسطينية" ضد "جيش الدفاع الإسرائيلي" خلال فترة اتفاقيات أوسلو، بدءاً من عام 1994. فقد أدّى افتتاح نفق سياحي في أيلول/ سبتمبر 1996 بالقرب من حائط المبكى/ مجمّع الحرم الشريف في القدس إلى إطلاق العنان لأعمال التصعيد الأكثر خطورة. فخلال أعمال الشغب التي أصبحت معروفة بـ "هبّة النفق"، استخدم أفراد من قوات أمن "السلطة الفلسطينية" للمرة الأولى الذخيرة الحية ضد القوات الإسرائيلية على نطاق واسع. واستمرت الاضطرابات لمدة ثلاثة أيام، راح ضحيتها 69 فلسطينياً و14 جندياً إسرائيلياً (من بينهم سبعة من كبار الضباط). غير أنّ تلك الهبّة لم تكن سوى تدريباً لما حدث بعد أربع سنوات مع اندلاع الانتفاضة الثانية (2000-2005).
لقد أصبح واضحاً أنّ عرفات لم يتخلّ قطّ عن الخيار العسكري تجاه إسرائيل. فقد أصبح أفراد قوات أمن "السلطة الفلسطينية" ورجال ميليشيا «فتح» (حيث ازدادت صعوبة تمييز الخط الفاصل بينهما) متورطين بشكل مباشر في سنوات الرعب التي استمرت بلا هوادة. ورداً على ذلك، أطلقت إسرائيل "عملية الدرع الواقي" في عام 2002، واستعادت معظم مدن الضفة الغربية التي كان قد تم تسليمها إلى "السلطة الفلسطينية". وعملياً، توقفت قوات أمن "السلطة الفلسطينية" عن ممارسة عملياتها بكافة أهدافها وأغراضها، إذ أهلكتها التدابير المضادة الإسرائيلية وحالة الفوضى الداخلية والاضطرابات. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2004 توفي عرفات، مما مهّد الطريق أمام محمود عباس لتولي رئاسة "السلطة الفلسطينية". وبحلول ذلك الوقت، كانت إسرائيل قد أعادت الانتشار بالفعل خارج معظم المناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية، أو "المنطقة أ" في الضفة الغربية كما وصفتها "اتفاقيات أوسلو". ولكن في العام التالي، في أيلول/سبتمبر 2005، سحب رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون جميع المستوطنين والقوات الإسرائيلية من غزة.
ويطارد شبح انسحاب إسرائيل من غزة عملية السلام بشكل لم يسبق له مثيل من قبل أو منذ ذلك الحين. ففي النهاية، [أمر] شارون بهدم المستوطنات وإعادة إسرائيل إلى خطوط عام 1967 المعترف بها دولياً. لكن بعد مرور عامين، أطاحت «حماس» بعنف بـ"السلطة الفلسطينية" داخل غزة، وما زالت تداعياتها محسوسة على الرغم من مرور أكثر من عقد من الزمن - وثلاثة حروب. وفي وقت لاحق، قال نتنياهو "لقد انسحبنا من غزة، فماذا كانت النتيجة؟"، وأضاف: "هذا الإبهام الصغير. . . أصبح مرْكزاً لإسلام متطرف مدعوم من إيران، فقد أطلقوا 4 آلاف صاروخ علينا، وليس على بئر السبع وأشدود فحسب، بل على تل أبيب والقدس. . . . لماذا حصل ذلك؟ لأننا لسنا هناك".
***
ولا يتخذ نتنياهو وسياسيون إسرائيليون يمينيون آخرون هذا الموقف ذاته ويروّجون له فحسب، بل هو أيضاً اعتقاد شائع لدى الكثير من الإسرائيليين. فالانسحاب الأحادي الجانب من الأراضي، الذي يطالب به جزء كبير من العالم (أي إنهاء الاحتلال)، قد تم تجربته وكل ما فعله هو تمهيد الطريق لوجود "حماستان" العدائية على الطرف الجنوبي لإسرائيل. وبالنسبة للكثيرين، إنّ الاعتراض على قدرة "السلطة الفلسطينية" على الاحتفاظ بالأراضي (في ظلّ غياب "جيش الدفاع الإسرائيلي") أمر لا يرقى إليه الشك تقريباً. ويبقى الدرس، كما أضاف نتنياهو، بأنه يتوجب على إسرائيل "أن تكون هناك طوال الوقت، ولهذا فإن الضفة الغربية [اليوم] ليست غزة".
ومن دون إعفاء "السلطة الفلسطينية" من مسؤوليّتها الخاصة عن الفشل الذريع في غزة، يكتسي السياق الذي حدث ضمنه فكّ الارتباط أهميّة أيضاً: فـ "الوقت" الذي تم خلاله تنفيذ فك الارتباط يشكّل نقطةً حاسمةً غالباً ما تغيب عن الأحاديث المتداولة، وربما تُعتبر أكثر أهمّية من مجرد "الطريقة" التي تم فيها تنفيذه.
أمّا الانتفاضة الثانية، كما ذُكِر، فقد أهلكت قوات أمن "السلطة الفلسطينية" وكذلك "السلطة الفلسطينية" بشكل أوسع. فقد تم نزع سلاح هذه "القوات" وتحطيم بنيتها التحتية ومعداتها، ولم يبقَ منها سوى هيكل مؤسسي في الكثير من المناطق. كما تجوّل مسلحون من مختلف الفصائل في الشوارع، وأخذوا القانون بيدهم وغالباً ما كانوا يقومون بأعمال الحماية المحلية. وفي هذا السياق، أظهرت استطلاعات الرأي عشية فك الارتباط في غزة عام 2005 أن الجمهور الفلسطيني وضع ثقةً أكبر في الجناحين المسلحين لحركتَي «حماس» و«الجهاد الإسلامي في فلسطين» بدلاً من اهتمامه بمختلف خدمات قوات أمن "السلطة الفلسطينية". فهذه الجماعات المقاتلة، التي أصبحت أكثر تشدداً بعد سنوات من القتال ضد "جيش الدفاع الإسرائيلي" خلال الانتفاضة الثانية، كانت تزداد قوة. وفي الواقع، حتى قبل [قرار] فك الارتباط، كان رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قد قدّر بالفعل أن «حماس» أنشأت "سلطةً موازية لـ «السلطة الفلسطينية» في غزة".
وعلى صعيد آخر، كانت حركة «فتح» تعاني من مشاحنات داخلية، ومعارك انتزاع النفوذ، ومسائل سياسية تافهة. وعلى نحو متزايد، لم يعد بإمكان كوادر «فتح» حتى حماية أنفسهم، ناهيك عن حماية أراضي الشرطة. فقبل أيام من مغادرة آخر إسرائيلي من الجيب الساحلي، اقتحم 100 رجل مدججين بالسلاح منزل موسى عرفات، ابن عم الرئيس الراحل وكبير قادة الأمن في "السلطة الفلسطينية"، في غزة. وبعد هجوم دام نصف ساعة، تم جر عرفات إلى الشارع وأُعدم مع أول خيط من خيوط الفجر. ويشار إلى أن مكاتب خدمة قوات أمن "السلطة الفلسطينية" المنافسة كانت على مقربة من الحادث، ومع ذلك لم يتدخل أي من عناصرها. ولم يكن مقتل موسى عرفات حالةً معزولة، بل كان مجرد مثال واحد على انعدام التماسك والتضامن داخل صفوف «فتح»/"السلطة الفلسطينية". وقد ثبت أنه كان مكلفاً للغاية.
وفي حزيران/يونيو 2007، وبعد مرور عامين من المواجهات المسلحة الداخلية بين «فتح» و«حماس»، لا سيّما داخل غزة، بلغت الأمور ذروتها. ففي غضون ستة أيام فقط، تمكنت قوة تُقدّر بعدة آلاف من عناصر «حماس» في القطاع من دحر معارضة أكبر بكثير لقوات أمن "السلطة الفلسطينية"/حركة «فتح» التي تشكّلت من قوى مشتركة قوامها 20,000 مقاتل. ومع ذلك، كانت القوى "المشتركة" مجرد مفهوم نظري. ففي الحقيقة، كانت هذه القوات مجزأةً وافتقرت إلى القيادة والتنظيم والأسلحة وروح الانتماء. وقد أعرب محمد دحلان، الرجل القوي في حركة «فتح»، (الذي كان في الخارج أثناء الانقلاب) عن أسفه قائلاً: "سيكون من السهل جداً على عدد قليل من المقاتلين الذين لديهم هدف بتحقيق النجاح على جيش كبير لا يملك الهدف وليس لديه أسلحة مناسبة". وباختصار، قد لا يكون سقوط غزة مجرد موت تم التنبؤ به، لكن يمكن القول إنه كان يجب أن يكون كذلك.
لنتقدم بالزمن بسرعة إلى الأمام لحوالي عقد تقريباً. ففي يوم شتاء قاتم خارج بيت لحم في أوائل عام 2016، كنتُ برفقة المقدم يائير بينتو، قائد كتيبة في "جيش الدفاع الإسرائيلي" مسؤول عن هذا القطاع في جنوب الضفة الغربية، في سيارة جيب منفردة، وكنا نمرّ عبر قرى فلسطينية مختلفة. فأشار إلى ممر عِلوي للطريق السريع يستخدمه المراهقون المحليون لرشق الحجارة على السيارات الإسرائيلية في الأسفل. وعندما سألته عن التدابير المضادة المتخذة، قال بينتو، وهو محارب مخضرم في الانتفاضة الثانية: "من المتوقع أن تتولى قوات أمن «السلطة الفلسطينية» الأمر"، وأضاف: "لا أعتقد أنه ليس هناك شخص لا يمكن الوثوق به على الجانب الآخر".
***
كانت خسارة غزة وتقسيم الأراضي الفلسطينية بمثابة نداء صحوة لقيادة "السلطة الفلسطينية". فقد كانت «حماس» تشكل تهديداً واضحاً وحاضراً وحقيقياً على هيمنة «فتح». فكانت اللعبة المزدوجة في زمن ياسر عرفات وانهيار الانتفاضة الثانية قد بلغت ذروتها في حضيض غزة. وقد أصبح التغيير حالياً شاغلاً أساسياً، بدءاً بقوات أمن "السلطة الفلسطينية" وما يصفه الفلسطينيون بـ"الفوضى الأمنية" في صفوفهم. لذلك، شرع محمود عباس ورئيس الوزراء [في ذلك الحين] سلام فياض في تنفيذ برنامج إصلاحي في النهاية يتمثل بـ "سلاح واحد، قانون واحد، سلطة واحدة" - حتى لو كان ذلك في الضفة الغربية فقط.
وقد أوجدت الجهود التي بُذلت في السنوات العشر الماضية واقعاً في غرب نهر الأردن يختلف تماماً عن السنوات السابقة له. فتم إعادة تشكيل كتائب قوات أمن "السلطة الفلسطينية" وإعادة تدريبهم وإعادة نشرهم في المراكز السكانية الفلسطينية بدعم أمريكي وثيق وموافقة إسرائيلية. (الأمر صحيح الآن وفي محله، مثلما كان في الماضي وسيكون في المستقبل: إسرائيل لا تريد أن تتحمل التكلفة الباهظة، من الناحية العسكرية أو السياسية أو المالية، المتمثلة في قيام جنودها بحراسة الفلسطينيين يومياً). فعلى عكس حقبة ياسر عرفات، كانت جهود الإصلاح صادقة، مما أدى إلى تعزيز جهاز مترامي الأطراف وغير منضبط في ثمانية أقسام محددة بوضوح وهي: الشرطة المدنية، وقوة الأمن الوطني، والحرس الرئاسي، والمخابرات العامة، والأمن الوقائي، والمخابرات العسكرية، ومكتب تنسيق المناطق، والدفاع المدني.
وبدأت هذه القوات، التي زاولت عملها بعد وقت قصير من انقلاب غزة، بتنفيذ ثلاث عمليات مترابطة: أولاً، حملة من أجل "القانون والنظام" بهدف إخراج الميليشيات المسلحة من الشوارع وإعادة الشعور بالسلامة الشخصية للمدنيين؛ ثانياً، حملة مكافحة الإرهاب "المناهضة لـ «حماس»" تستهدف العدو المركزي لـ"السلطة الفلسطينية"؛ وثالثاً (حملة متعلقة بالأولى والثانية)، هي "التنسيق الأمني" الوثيق مع إسرائيل. وفي حين لم تكن "السلطة الفلسطينية" مثاليةً أو كاملةً بأي شكل من الأشكال، إلّا أنّها خطت خطوات واسعة في جميع المجالات الثلاثة.
ووفقاً لمعظم المصادر، لم يعُد المسلّحون يتجولون بحرية في وسط المدن الفلسطينية، وانخفض معدّل الجرائم، وعادت الثقة إلى الأعمال التجارية. وحتى آفة ميليشيات «فتح» التي انتشرت آنذاك - "التنظيم" وفرعه الإرهابي، «كتائب شهداء الأقصى» - أصبحت راقدةً، من خلال مزيج من الإقناع والإكراه، ومحصورة في إقطاعيات صغيرة في مختلف مخيمات اللاجئين والمدن الداخلية. أمّا «حماس» في الضفة الغربية فهي ظلٌّ لما كانت عليه في الماضي عسكرياً ومؤسسياً، حيث كانت قوات أمن "السلطة الفلسطينية" (والقوات الإسرائيلية أيضاً) ترهقها باستمرار. فالتحول من جانب "السلطة الفلسطينية" واضح من الناحية العملية ولكن أيضاً من حيث المفاهيم. وفي هذا الصدد، قال لي أكرم الرجوب، حاكم نابلس، في عام 2016 إنه "قبل ' حالة الانقسام ' [في حزيران/ يونيو 2007، كانت "السلطة الفلسطينية"] على علم بأسلحة «حماس» ولكنها لم تكن صارمةً". وأضاف: "كانت أسلحة «حماس» أداةً سياسيةً استُخدمت بوحشية ضد «فتح». . . . ويمكننا أن نرى الفرق في طريقة التعامل معهم قبل الانقلاب وبعده".
وفي كلتا الحملتين، تعمل قوات أمن "السلطة الفلسطينية" ضمن إطار تنسيق أمني مع إسرائيل يحمل في طيّاته عدة مكوّنات هي: الحوار وتبادل المعلومات الاستخبارية، ومكافحة الإرهاب، وتفادي التصادم خلال اقتحامات "جيش الدفاع الإسرائيلي" لـ "المنطقة أ"، ومكافحة الشغب، والعودة الآمنة للمواطنين الإسرائيليين، والدفاع المدني (وتحديداً مقاومة النار بصورة مشتركة والاستجابة الأولى للطوارئ). وفي عدة مناسبات وصف عباس هذه السياسة بأنها "مقدسة"، الأمر الذي يدعم قراره الاستراتيجي الأوسع نطاقاً في اتباع سياسة اللاعنف "المعارِضة" لسياسة عرفات.
وتجدر الإشارة إلى أن الضباط الإسرائيليين والفلسطينيين يتواصلون مع بعضهم البعض ويجتمعون بانتظام، ويتشاركون المعلومات الاستخبارية حول التهديدات المشتركة - وأولها «حماس» - التي يمكن، كما أخبرني مسؤول أمني رفيع المستوى في "السلطة الفلسطينية"، أن "تؤثر على الوضع الأمني المستقر على كلا الجانبين". ويُعرف عن قوات أمن "السلطة الفلسطينية" بأنها ساعدت إسرائيل خلال العديد من المطاردات البارزة جداً ضد الإرهابيين افي السنوات الأخيرة. فخلال "هَبَّة" الهجمات الإرهابية التي قامت بها "الذئاب المنفردة" في الفترة 2015-2016، عملت قوات أمن "السلطة الفلسطينية" في وقت مبكر على اعتراض المهاجمين - ومعظمهم من الشباب الفلسطينيين. وبحلول نهاية عام 2016، وفقاً لأحد الإحصاءات، كانت قوات أمن "السلطة الفلسطينية" مسؤولةً عن ثلث مجموع العمليات التي ألقي فيها القبض على المشتبه بهم في قضايا الإرهاب.
إلا أن إسرائيل تحافظ على حرية تصرف كبيرة فيما تتخذه من إجراءات بشأن مداهمات التوقيف والعمليات الأمنية التي تقوم بها داخل المدن الفلسطينية. كما يتم تنسيقها مسبقاً من خلال آلية رسمية لتفادي التصادم مع قوات أمن "السلطة الفلسطينية" التي تعمل بصورة عامة بشكل جيد للغاية، وتقوم باحتواء خطر وقوع اشتباكات مسلحة بين الجانبين. وفي أواخر عام 2015، صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك موشيه يعلون قائلاً "في السابق، كنا بحاجة إلى كتيبة لدخول جنين، وقبل يومين، قمنا بذلك بواسطة قوة صغيرة."
أما على الجانب الشعبي، فتقوم "السلطة الفلسطينية" بنشر وحدات مكافحة الشغب بشكل مكثّف لمنع التظاهرات الواسعة النطاق من التصاعد في مناطق التماس الحساسة الواقعة بين السيطرة الإسرائيلية والفلسطينية (مثل الطرق السريعة ونقاط التفتيش والمستوطنات)، بما في ذلك منع المتظاهرين المسلحين من الوصول إلى الخطوط الأمامية. وفي هذا السياق، امتنعت "السلطة الفلسطينية" أيضاً عن حشد شعبها للنزول إلى الشوارع منذ سنوات.
وأخيراً، تعيد قوات أمن "السلطة الفلسطينية" المواطنين الإسرائيليين اليهود التائهين داخل القرى والمدن الفلسطينية بأمان. ووفقاً للسلطات الإسرائيلية، فقد تم إرجاع ما يقدر بنحو 300 إسرائيلي على هذا المنوال في عام 2016. كما أعاد الفلسطينيون أكثر من 500 إسرائيلي في عام 2017 وحده. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك ما حدث في شباط/ فبراير 2018، عندما قاد اثنان من أفراد "جيش الدفاع الإسرائيلي"، يرتديان الزي الرسمي، سيارة جيب عسكرية واضحة المعالم إلى داخل جنين في منتصف النهار. وسرعان ما انتشر ضباط من قوات أمن "السلطة الفلسطينية" في مكان الحادث، وأطلقوا النار في الهواء ودفعوا بأجسادهم مئات السكان المحليين الذين قاموا بأعمال شغب [في المنطقة]. وباستثناء بعض الإصابات الطفيفة، تم إنقاذ الجنود الإسرائيليين سالمين. وتجدر الإشارة إلى أنّ كل واحد من هذه الحوادث قد ينتهي بالقتل - فهذا ما كان يحصل غالباً في الماضي. ولا تزال واقعة خطف وقتل اثنين من جنود الاحتياط التابعَين لـ"جيش الدفاع الإسرائيلي" في رام الله في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2000، اللذين كانا محتجزين في مركز للشرطة الفلسطينية في بداية الانتفاضة الثانية، محفوراً في ذاكرة الإسرائيليين.
وعلى غرار قائد الكتيبة الذي سبق واقتبسنا أقواله، فإن مسؤولي الأمن الإسرائيليين إلى أرفع المستويات يدركون هذه التغيرات الشاسعة. ومن دون المبالغة في القدرات الفلسطينية، نجحت "السلطة الفلسطينية" على مدى العقد الماضي بشكل ملحوظ في تحقيق "النظام العام والاستقرار في الضفة الغربية"، كما قال لي أحد المسؤولين. وتجدر الإشارة إلى أن قوات أمن "السلطة الفلسطينية" كمؤسسة، وبخلاف الفترات السابقة، احتفظت بتماسكها ومهنيتها، ومنعت حدوث أزمات أمنية ودبلوماسية إسرائيلية -فلسطينية لا تحصى. فالأوامر الصادرة من مقرّ "المقاطعة" الرئاسي في رام الله إلى مختلف قادة الأمن، وصولاً إلى المستوى الميداني، تُنفّذ بحذافيرها.
وفي الأوقات التي يشعر فيها السياسيون الإسرائيليون بالوعي الذاتي، يعترفون هم أيضاً بقيمة التنسيق الأمني - ولكنهم في كثير من الأحيان يقللون من الدور الفلسطيني أو يحرّفونه. وفي هذا الصدد، قال نتنياهو للإذاعة الوطنية العامة "أن بي آر" (NPR): "كيف لا ترون الإرهاب متفشياً في الضفة الغربية؟ أولاً، لدينا تنسيق أمني مع [السلطة الفلسطينية]. وهذا أمر جيد". ولكنه أضاف أن "معظم العمليات الأمنية تتم من جانبنا"، مدعياً أن إسرائيل اضطرت إلى "إرسال جنودنا إلى هناك" و"المخاطرة" لأن "السلطة الفلسطينية" لم تريد القيام بذلك. وقال نتنياهو إن "السلطة الفلسطينية" "تريد منا رعاية أمنها ثم تهاجمنا دولياً".
وإذا وضعنا جانباً الأوجه العديدة الأخرى للعلاقة الأمنية المذكورة آنفاً، والتي تساهم في تحقيق الاستقرار في الضفة الغربية، فإن الفلسطينيين يطلبون باستمرار فعل المزيد. فلا شيء يخلق احتكاكاً بين إسرائيل والسكان الفلسطينيين مثل عمليات الاعتقال التي ينفذها "جيش الدفاع الإسرائيلي" في المنطقة "أ". فهم المصدر الرئيسي لعدم شرعية قوات أمن "السلطة الفلسطينية" في نظر جمهورهم. وحيث أن هذه "القوات" ملطخة السمعة لكونها "متعاقدة من الباطن مع الاحتلال" ولكوْن أفرادها "كلاباً لليهود"، فإن عليها النظر من على الهامش بينما يأخذ "جيش الدفاع الإسرائيلي" زمام الأمور بأيديه بشكل منتظم - وفي بعض الأحيان لأسباب منطقية بسبب تعقيد عمليات معينة وحساسية بعض المعلومات الاستخبارية، ولكن في أحيان أخرى، وفقاً لمسؤول أمني إسرائيلي سابق، بسبب الهمود والعادة.
وفي مقابلة مع تلفزيون إسرائيلي في عام 2016، قال الرئيس محمود عباس "امنحوني المسؤولية. جرّبوني لمدة أسبوع". وأضاف، "إن لم أفِ بمسؤولياتي، عودوا من جديد. . . تريدون مني أن أكون موظفاً لديكم، وكيلاً لكم. لا أقبل بذلك. أريد أن أقوم بذلك بنفسي."
وفي الواقع، عادت "السلطة الفلسطينية" على مدى العقد الماضي بهدوء إلى العديد من مراكز الشرطة التي أنشئت خلال حقبة أوسلو في القرى النائية (أي داخل "المنطقة "ب" "، التي هي تحت السيطرة المدنية لـ"السلطة الفلسطينية" ولكن تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية العامة). وبتعبير أوضح، في السنوات القليلة الماضية، فتحت مراكز الشرطة الفلسطينية أبوابها في عدة أحياء فلسطينية بالقرب من القدس الشرقية وفي القدس الشرقية نفسها، أي تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، وتحت سيادتها في حالة بلدية القدس. وكان الهدف من هذه الخطوات هو الواقع العملي، لأن هذه "الأراضي المتنازع عليها" بين إسرائيل و"السلطة الفلسطينية" أصبحت ملاذاً آمناً للنشاط الإجرامي. ولكن يقيناً، كان هناك أيضاً بُعد سياسي، إذ يَسمح لـ"السلطة الفلسطينية" بأن يُنظر إليها على أنها "توفر" أمناً أفضل لشعبها.
ومنذ عام 2015 على الأقل، يتفاوض المسؤولون الأمنيون التابعون لـ"السلطة الفلسطينية" وكبار ضباط "جيش الدفاع الإسرائيلي" من أجل زيادة سلطة قوات أمن "السلطة الفلسطينية" وقدرتها في الضفة الغربية، ويشمل ذلك توفير معدات أكثر تطوراً. كما يُعتقد أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية هي أكثر تقبلاً لهذه التحركات على وجه التحديد لأنها تدرك كلاً من القيمة العملية لوجود شريك فلسطيني قوي - كما قال أحد كبار ضباط جيش الدفاع الإسرائيلي، "كلما زاد عمل قوات الأمن الفلسطينية، قلّ عملنا" - فضلاً عن قيمة هذا الشريك كرمز سياسي.
إن التسريبات المحسوبة إلى الصحافة، التي عادة ما تكون إسرائيلية، غالباً ما احبطت هذه الخطط وخطط أخرى بعيدة المدى، مثل النقاشات حول تقليل الغارات الإسرائيلية وحصرها في "المنطقة أ". وكما صرّح مصدر قريب من وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت، إنّ "نقل سلطة الأمن على المنطقتين «أ» و «ب» لمصادر خارجية هو بمثابة الاستعانة بـ [السلطة الفلسطينية] لتوفير الأمن للمواطنين الإسرائيليين . . . إن «جيش الدفاع الإسرائيلي» وحده هو الذي سيدافع عن المواطنين الإسرائيليين".
ولهذا السبب، لم يجرِ حتى الآن اختبار طلب عباس في أن تتم "تجربته"، على الرغم من شبه الإجماع على الإشادة بعمل قوات أمن "السلطة الفلسطينية" والتنسيق الأمني الجاري. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل هذا الوضع، القائم على مدى العقد الماضي، مستدام، بالنظر إلى التزام نتنياهو المعلن بأن الأمن في غرب نهر الأردن سيظل إلى الأبد وبصورة كاملة في أيدي الإسرائيليين (ناهيك عن أنه من الناحية العملية، كما رأينا، تم التحذير من ذلك بشكل كبير).
وعلى الرغم من كل شئ، لا يفعل الفلسطينيون كل هذا كخدمةً لإسرائيل. فالأمر أبعد ما يكون عن ذلك. فهم ينظرون إلى كل من قوات أمن "السلطة الفلسطينية" والتنسيق مع إسرائيل كوسيلة لتحقيق غاية واحدة، ألا وهي: بناء دولة. وفي هذا الإطار، قال رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج لمجلة "ديفينس نيوز" في عام 2016: "قاتلنا لعدة عقود بطريقة مختلفة. والآن، نقاتل من أجل السلام". وأضاف، "لذلك سأواصل القتال للحفاظ على هذا الجسر ضد التطرف والعنف، والذي من شأنه أن يقودنا إلى استقلالنا".
ويرتبط الأمن - ومعه السيطرة الفلسطينية على المزيد من الأراضي، والمزيد من التحكم على حياة الفلسطينيين، وتجاوز أقلّ للجيش الإسرائيلي - ارتباطاً وثيقاً بمسألة بناء دولة فلسطينية. وبالتالي، فإن التوتر غير ناجم عن إعاقة الأمن للسياسة ("جميع سلطات السيادة أساساً.... باستثناء السلطات الأمنية") كما يقول نتنياهو، بل ناجم بالأحرى عن السياسة التي يمكن أن تقوّض الأمن.
ومن دون وجود أفق دبلوماسي حقيقي نحو حل الدولتين، فقد تذهب المكاسب الحقيقية التي تم تحقيقها خلال العقد الماضي هباء. فبدلاً من استخدام المنطق الأمني كذريعة لعدم إحراز تقدم، من الحكمة أن تقوم إسرائيل باختبار عباس. وبالطبع، لن يغادر "جيش الدفاع الإسرائيلي" الضفة الغربية غداً، لذلك يمكن إيجاد صيغة لضمان الأمن الشامل لإسرائيل - لا سيّما التنسيق المستمر مع قوات أمن قوية وذات خبرة ومتماسكة تابعة لـ"السلطة الفلسطينية". فالرهان الأساسي لعملية السلام لا يزال قائماً: الأرض مقابل السلام، وضمان قيام دولة [فلسطينية] داخل حدود آمنة. وكما قال نتنياهو "قد يختلف معنى كلمة «دولة» من شخص لآخر"، لكن من غير المحتمل أن يكون تعريفه لـ "للأمن" مرناً إلى هذه الدرجة أيضاً.
نيري زيلبر صحفي يعمل في تل أبيب وزميل مساعد في معهد واشنطن، ومؤلف مشارك (مع غيث العمري) للمقالة "دولة بلا جيش، جيش بلا دولة: تطور قوات أمن السلطة الفلسطينية، 1994-2018".
"ذي أمريكان إنترست"