- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2902
دوافع مقنعة على انتهاك إيران للعقوبات في اليمن
في 14 كانون الأول/ديسمبر، كشفت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هالي النقاب عن أدلة جديدة على تسليم أسلحة إيرانية إلى المتمردين الحوثيين في اليمن. ففي مركز عسكري داخل "القاعدة المشتركة «أناكوستيا بولينغ»" في واشنطن العاصمة، عرضت هالي ومسؤولون في البنتاغون قطعاً من صاروخ وصوراً لمجموعة من منظومات أسلحة إيرانية الصنع تمّ اكتشافها في اليمن. وإلى جانب الطائرات بدون طيار من طراز "قاسف -1" وصواريخ "طوفان" الموجهة المضادة للدبابات التي يستخدمها الحوثيون- وتنطبق عليها تماماً مواصفات المنظومات الإيرانية الصنع - تركّزت الإحاطة الإعلامية على سلاحين متقدمين، هما: صاروخ "قيام-1" البالستي القصير المدى والمراكب "الموجهة عن بعد" المتفجرة الذاتية التوجيه من طراز "شارك-33".
صادرات صواريخ "قيام-1" إلى اليمن
تَرَكَّز عرض هالي على أجزاء من صاروخين إيرانيي الصنع من نوع "قيام-1" أُطلقا على السعودية - أحدهما باتجاه ينبع في 22 تموز/ يوليو والآخر باتجاه الرياض في 4 تشرين الثاني/نوفمبر. وكانا نسختين معدلتين خصيصاً من صاروخ "قيام-1" برأس حربي أصغر حجماً وكمية قصوى من الألمنيوم لاكتساب مدى إضافياً. وإذ يطلق عليها الحوثيون تسمية "بركان H2"، تكتسي صواريخ "قيام-1" أهمية لأنها تمثل قفزة إلى الأمام على صعيد القدرات التي يستخدمها المتمردون الحوثيون، وتتيح تنفيذ هجمات تصل إلى مدى يزيد عن 1000 كيلومتر، مما يجعل بالتالي السعودية وكافة دول الخليج تقريباً في مرمى النيران الحوثية. وقد أثنى زعيم المتمردين عبدالملك الحوثي على هذه القدرات الجديدة، الذي زعم في 14 أيلول/سبتمبر أن الإمارات العربية المتحدة "أصبحت الآن في مرمى صواريخنا".
وفي 7 تشرين الثاني/نوفمبر، قدمت السعودية إلى هالي أدلة دامغة على تقديم إيران لنظم "قيام-1" للحوثيين. وبالفعل، تطابقت العلامات الموجودة على الصواريخ التي سقطت في السعودية تماماً مع تلك الموجودة في منظومات "قيام-1" التي بثت "وكالة أنباء فارس" الإيرانية، تقريراً عنها، والتي تعرض قسم الذيل مع فوهات دوارة نفاثة ذات ريش عوضاً عن زعانف الذيل. ويتميز صاروخ "قيام-1"، الذي تنفرد إيران بتصنيعه وتشغيله عن باقي الصواريخ المنتمية إلى الفئة ذاتها بأنه لا يحتوي على زعانف. وتجدر الإشارة إلى أن كافة الصواريخ التي تشكّل مخزون اليمن من صواريخ "إس إس - 1 سي الروسية/ هواسونغ-5 من صنع كوريا الشمالية (سكود -B)" وصواريخ "إس إس - 1 دي الروسية/هواسونغ-6 من صنع كوريا الشمالية (سكود -C)" الطويلة المدى، تتمتع بزعانف على ذيولها، مما يشير إلى أن الصواريخ التي ضربت ينبع والرياض قد تم استوردت من إيران، وليست منظومات يمنية جرى تحويلها.
وشملت عناصر الصواريخ عدداً من "الأدلة الدامغة" على أنها إيرانية الصنع. فقد حمل المشغل الميكانيكي لأحد الصواريخ - وهو الجزء الذي يتحكم بالوضعية - شعار "مجموعة الشهيد باقري الصناعية"، وهي شركة دفاع إيرانية تخضع لعقوبات فرضتها عليها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. كما دُمغت لوحة الدارة الموجودة ضمن وحدة قياس عطالية لصاروخ محطم على أنها منتج "مجموعة الشهيد همّت الصناعية"، وهي هيئة أخرى تخضع لعقوبات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، ذكرت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية لورا سيل، أن "الهدف من هذا العرض هو إظهار أن إيران وحدها هي التي تقوم بصنع هذا الصاروخ. ولم يزوده الإيرانيون لأي عناصر أخرى، فلم نرَ أحداً يستعمله إلا إيران والحوثيين".
قارب "موجه عن بعد" مرتبط بإيران
قدّمت هالي أيضاً أدلة، جمعها التحالف الذي تقوده السعودية، على قيام إيران بمدّ الحوثيين بمراكب "موجهة عن بعد" متفجرة ذاتية التوجيه من نوع "شارك-33"، والتي يمكن برمجتها لتتقدم على مسار محدد أو توجيهها نحو هدف عبر استخدام نظام التوجيه بواسطة كاميرا تلفزيونية كهروضوئية. وتدّعي الحكومة السعودية أن هذا الجهاز استُخدم لضرب فرقاطة سعودية في 30 كانون الثاني/يناير 2017، مما أدى إلى إصابة ما لا يقل عن خمسة أفراد. وعلى الرغم من أنه كان يُعرف عن وجود هذا النوع من المراكب "الموجهة عن بعد" منذ شباط/ فبراير 2017، وجرى توثيقه من قبل "مركز أبحاث التسلح والصراعات" البريطاني في أوائل كانون الأول/ديسمبر 2017، إلا أن الحكومة الأمريكية نشرت تفاصيل جديدة عنه في 14 كانون الأول/ديسمبر.
وتظهر هذه البيانات التي تم حجبها سابقاً، منذ 29 آذار/مارس 2016، حين اعترضت سفينة "يو أس أس سيروكو"- وهي سفينة دورية تبحر في المياه بين إيران واليمن- قارب "إدريس" الإيراني واستولت على الأسلحة التي كانت على متنه- ستة عدادات مشابهة لتلك الموجودة في "شارك-33". (يُذكر أن العدادات تُبقي محولات إطلاق النار والأسلاك في مكانها). وتدّعي الحكومة الأمريكية أنها تملك مستندات تؤكد أن العدادات هي من صنع "مجموعة الشهيد جولاي البحرية" في طهران التي تُعتبر أكبر شركة لتصنيع المراكب "الموجهة عن بعد". (وحمل قارب "إدريس" أيضاً عشرات من قاذفات الصواريخ الإيرانية الصنع من طراز "آر بي جي 7" وبنادق رشاشة). هذا واحتوت مراكب "شارك-33" على دارة كهربائية وبرمجيات مرتبطة بشركة التصنيع الإيرانية "أف أتش أم إلكترونيكس". والأسوأ من ذلك بكثير، أن القرص الصلب في حاسوب مركب "شارك-33" احتوى على أكثر من 90 مجموعة من الإحداثيات للمواقع في إيران واليمن والبحر الأحمر. ويعود أحد الموقعين في طهران لمنظمة «جهاد الاكتفاء الذاتي» التابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، التي تفرض عليها الولايات المتحدة عقوبات. وقد أظهرت صور كاميرا الحاسوب الموجود على متنها منشأة وقبعة تحمل شارة «الحرس الثوري الإسلامي» على إحدى المناضد.
توصيات للسياسة الأمريكية
ينص قراران منفصلان لمجلس الأمن الدولي - رقم 2216 (نيسان/أبريل 2015) و2266 (شباط/فبراير 2016) - على أن تتخذ الدول الأعضاء " التدابير الضرورية" لمنع نقل الأسلحة إلى الحوثيين وحلفائهم المحليين. ويدعو القرار الذي صادق على الاتفاق النووي مع إيران بقيادة الولايات المتحدة، أي قرار مجلس الأمن رقم 2231 (تموز/يوليو 2015)، الدول "إلى اتخاذ التدابير اللازمة لمنع، إلا إذا قرر مجلس الأمن خلاف ذلك مسبقاً على أساس كل حالة على حدة، إمداد أو بيع أو نقل الأسلحة أو المواد ذات الصلة من إيران عبر رعاياها أو بواسطة السفن أو الطائرات التي تحمل أعلامها، وسواء كان منشأها في أراضي إيران أم لا". وتبيّن الأدلة التي قدمتها هالي عن صاروخ "قيام-1" بشكل قاطع أن إيران صدّرت على الأقل صاروخين بطول 16 متراً، وبوزن 13,569 رطلاً إلى اليمن. (ويدّعي الحوثيون أنهم أطلقوا أربعة صواريخ من هذا النوع).
وعلى الرغم من هذه الأدلة، لا تزال العديد من الدول متشككة للغاية في المواد التي توفرها أجهزة المعلومات الاستخباراتية بعد الإخفاقات المسجلة عبر التاريخ على غرار تقديم دليل في عام 2003 على أسلحة الدمار الشامل العراقية في الأمم المتحدة. ولدى بعض الدول أسبابها الخاصة لوضع معايير عالية جداً من الأدلة المقدمة من أجل فرض عقوبات على إيران، مثل سعيها الوطني لاغتنام فرص العمل في إيران. وحتى أن الأمم المتحدة ذاتها تتوخى الحذر في هذا الشأن. فقد خلُص تقرير صدر في 24 تشرين الثاني/نوفمبر عن "لجنة خبراء الأمم المتحدة" حول اليمن إلى أن أربعة صواريخ أُطلقت على السعودية في عام 2017 هي إيرانية الصنع، ولكن "لم يكن هناك دليل على هوية الوسيط أو المزود". وعلى الولايات المتحدة وشركائها ضمان تقديم مثل هذه الأدلة إلى الأمم المتحدة عند توافرها، ولن تقدم على المساومة حيال مصادر المعلومات الاستخباراتية أو أساليب جمعها. وفي أعقاب عرض هالي في 14 كانون الأول/ديسمبر، قال سفير السويد لدى الأمم المتحدة، أولوف سكوغ، في معرض حديثه عن الشكوك الدولية، إن الولايات المتحدة "ربما تملك أدلة لم أراها. فالمعلومات التي بحوزتي حتى الآن أقل وضوحاً".
ويجب أن تتمثل إحدى العبر بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في أنه يجب تعزيز الشفافية إلى أقصى حدّ وتقديم المعلومات الاستخباراتية بشكل أكثر شمولية ووضوحاً، مع بذل جهود إضافية لوضع المعلومات الخارجية ضمن سياقها الصحيح بدلاً من استبعادها. وفي هذا الإطار، شكّل انفتاح السعودية في منح "لجنة خبراء الأمم المتحدة" نفاذاً مباشراً إلى حطام "قيام-1" قراراً ذكياً. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر إقدام الولايات المتحدة على نشر المعلومات التي تمّ جمعها من "إدريس" خطوة كبيرة، مما سمح بإقامة رابط جديد بين سفينة شراعية إيرانية تحمل الأسلحة ولوحات الصمامات (العدادات) المستخدمة في المركب "الموجه عن بعد" الذي يحمل اسم "شارك-33". ولكن في حين تمكّن خبراء الأمم المتحدة من إلقاء نظرة مباشرة على حطام "قيام-1"، إلّا أنّهم لم يحظوا بفرصة رؤية المركب "شارك -33" ومعاينة قرصه الصلب المهم أو رؤية لوحات الصمامات التي كانت تنقلها "إدريس". وبالتالي، لن تأخذ الأمم المتحدة في الحسبان هذه الأدلة الهامة في تقييمها لامتثال إيران لقرار مجلس الأمن رقم 2231 في الأسبوع الثالث من كانون الأول/ديسمبر الحالي. فضلاً عن ذلك، في حين نشرت الولايات المتحدة بعض المعلومات حول الاستيلاء على "إدريس"، إلّا أنّها لم تمنح الأمم المتحدة نفاذاً إلى أنظمة التموضع العالمي من السفينة أو تزودها بسجل عن إحداثيات السفينة المعروفة قبل الصعود عليها، وهي معلومات تحتفظ بها الولايات المتحدة من دون شك. وعلى الرغم من أهمية مشاركة التحالف الأمريكي- الخليجي مع شركات بحوث موثوقة على غرار "مركز أبحاث التسلح والصراعات"، إلّا أنه لا يوجد بديل عن الأمم المتحدة كشريك في تصديق انتهاك العقوبات المفروضة على إيران. كما يتعين على الولايات المتحدة وشركائها تقديم دليل في أسرع وقت ممكن، بالنظر إلى أن مستندات الأمم المتحدة تُختبر عبر عملية مراجعة وترجمة طويلة.
أما الدرس الثاني فهو أن الحظر البحري يؤتي ثماره على ما يبدو، وأنه يجب تمديده وإتمامه بحل شامل لفرض النظام بشأن الحدود بين سلطنة عُمان واليمن. وقد اضطرت إيران إلى تطوير عمليات تهريب برية بسبب هشاشة الشحنات البحرية وقدرة الجهات الفاعلة الأخرى على تعقبها بشكل حاسم وصولاً إلى المصدر. وستخلص تقارير الولايات المتحدة والأمم المتحدة إلى أن "قيام-1" يحمل دليلاً على تعرضه "لتفكيك ميداني من أجل نقله بطريقة غير شرعية"، مما يعني أنه يتمّ تجزئة الصواريخ من أجل تهريبها إلى اليمن. وقد بيّن أحد أجزاء "قيام-1" آثار "لحام ميداني" من خزان أكسدة الوقود، مما يشير بشدة إلى أن "قيام-1" أعيد تجميعه في اليمن من قبل الحوثيين في ورشة عمل محلية لتجميع الصواريخ، وليس في منشأة إيرانية حيث كان يمكن أن يُستخدم فيه "لحاماً صناعياً" أكثر اتقاناً. وتشير أدلة من عمليات حظر سابقة مرتبطة بالصواريخ لواردات عُمانية في مأرب، اليمن، إلى أن خزانات أكسدة الوقود، وخلايا الوقود، وأغلفة الصواريخ، والرؤوس الحربية كانت تحطّ في سلطنة عُمان وتُنقل إلى اليمن في صناديق لا تزيد مساحتها عن ثلاثة أمتار مربعة ـ مما يجعلها سهلة التحميل في شاحنات.
يجب على الولايات المتحدة وحلفائها منح الأولوية لاستخدام الضغوط الدبلوماسية والحوافز الاقتصادية والمنصات الاستخباراتية، إضافةً إلى الكشف عن المعلومات الاستخباراتية وتوفير المستشارين العسكريين إلى جانب الإمارات والسعودية واليمن وسلطنة عُمان من أجل اعتراض تدفق الأسلحة الإيرانية إلى سلطنة عُمان ومنها إلى اليمن. كما يجب التركيز على منع استخدام المهربين للخط الساحلي اليمني الجنوبي الشرقي في محافظة المهرة وغيرها، بما فيها ما تبقى من مرافئ الحوثيين كالحديدة. وسيتطلب الحفاظ على الحظر حلاً للتضييق غير المقصود على المساعدات الإنسانية. ونتيجةً لذلك، على واشنطن وحلفائها العمل بشكل متضافر لحض الأمم المتحدة على إدارة المرافئ اليمنية وتقديم الإمدادات المدنية من أجل تجنب اندلاع أزمة إنسانية أكثر خطورةً. ومن شأن ترتيبات مماثلة في المطارات - ومراقبة صارمة للحركة الجوية - أن تسبق أي فتح للممرات الجوية من جديد. ومن الممكن تقويض قدرة إيران على تهريب الأسلحة عبر سلطنة عُمان: ففي حالة السودان الأكثر صعوبة، أدى الجهد الذي قادته السعودية بشكل فعال في فصل الخرطوم عن النفوذ الإيراني بين عامي 2014 و 2016.
وأخيراً، على واشنطن أن تسعى إلى توسيع نطاق العقوبات المنصوص عليها في قراري "مجلس الأمن رقم 2216 و 2266" لكي تحظر نقل الأسلحة إلى جميع الحوثيين والقوات الحليفة، وليس فقط إلى قادة محددين. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للإدارة الأمريكية النظر في استغلال سلطتها المحلية بموجب القرار التنفيذي رقم 13611- الذي وَقّع عليه في أيار/ مايو 2012 الرئيس السابق باراك أوباما بهدف وضع حدّ لأعمال العنف في اليمن - من أجل فرض عقوبات على أفراد محددين منتمين إلى وكالات أسلحة على غرار "مجموعة الشهيد همّت الصناعية" و"مجموعة الشهيد باقري الصناعية" وغيرهما من الشركات المتورطة في نقل الأسلحة. ومثلما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على علي أكبر طباطبایی - قائد «الفريق الأفريقي» في «قوة القدس» التابعة لـ «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» - في 27 آذار/مارس 2012، على الوزارة فرض عقوبات جديدة على "الرعايا الخاضعين لإدراج خاص"، ومن بينهم الأفراد الإيرانيون واللبنانيون المنتمون إلى «حزب الله» والذين ثبت ارتباطهم بعمليات تهريب الأسلحة إلى اليمن.
مايكل نايتس هو زميل "ليفر" في معهد واشنطن الذي عمل في اليمن وقضى بعض الوقت ملحقاً بقوات الأمن في البلاد.