- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
دولة إسلامية متكاملة عالمياً
Also published in "وور أون ذي روكس"
يعد تتبع التغيرات التي طرأت على أنشطة التنظيم وهيكل قيادته وتقييمه بدقة على مدى السنوات الخمس الماضية، أمرًا بالغ الأهمية لاحتواء التهديد المتطور.
يبدو تنظيم "الدولة الإسلامية" اليوم مختلفًا عما كان عليه قبل خمس سنوات، بحيث أصبح أكثر تكاملًا الآن كمنظمة ضمن شبكته العالمية مما كان عليه "تنظيم القاعدة" في أي وقت مضى. فقد مرّت 10 سنوات منذ أن أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" عن ذاته كدولة خلافة، وأكثر من خمس سنوات منذ أن فقد آخر ما تبقى له من الأراضي في سوريا. لكن مع عودة تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى الواجهة نظرًا لتزايد قدرته على تنفيذ العمليات الخارجية (مع هجمات في إيران وتركيا وروسيا هذا العام، بالإضافة إلى العديد من المؤامرات التي تم تفكيكها في أوروبا)، يسود سوء فهم أساسي لكيفية عمل التنظيم اليوم. من عدة نواحٍ، يتم النظر إليه بشكل غير صائب من خلال طريقة عمل "تنظيم القاعدة" (شبكة فرعية لا مركزية)، بما أنه كان في السابق جزءًا من شبكة "القاعدة" العالمية، أو بناءً على كيفية عمل تنظيم "الدولة الإسلامية" عندما كان في ذروته سابقًا عند سيطرته على الأراضي في العراق وسوريا. ويرجَح أن يكون هذا السبب أيضًا هو الذي دفع البعض داخل الحكومة الأمريكية إلى سوء تفسير استخبارات الإشارات من خلال الترويج لفكرة أن عبد القادر مؤمن، زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي تم استهدافه في الصومال في نهاية شهر أيار/مايو، أصبح خليفة التنظيم. لا بد لواضعي السياسات من فهم هذه التغييرات التي شهدتها السنوات الخمس الماضية، لأن الطريقة التي يظهر بها التهديد اليوم ستبدو مختلفة عن طريقة تعامل صناع السياسات مع هذه المشكلة في العقد الماضي عندما كان ينصب معظم التركيز على سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على الأراضي في العراق وسوريا.
إن الهيئة الأكثر أهمية لفهم تنظيم "الدولة الإسلامية" اليوم هي "المديرية العامة للولايات"، التي كان مقرها في السابق في سوريا، لكن المعلومات الجديدة تشير إلى أنها قد تكون حاليًا على الأقل في أعلى مستوياتها متمركزة في الصومال. وعند فهم هذه الهيكلية، تصبح تصرفات تنظيم "الدولة الإسلامية" على الصعيد العالمي أكثر منطقية. ولهذا السبب أيضًا نشهد تفاعلًا واتصالًا بين ولاياته المختلفة اليوم أكثر بكثير مما شهدناه في الماضي. من نواحٍ عديدة، لا تزال الجوانب الرئيسية التي تحرك تنظيم "الدولة الإسلامية" كمنظمة (الحوكمة، وتعبئة المقاتلين الأجانب، والعمليات الخارجية) قائمة، بحيث انتقل للتو من كونه متمركزًا بشكل أساسي انطلاقًا من موقعه الأصلي في العراق وسوريا أو محكومًا بهذا الموقع إلى الانتشار عبر شبكة ولاياته العالمية. وتبقى أهدافه هي نفسها، حتى لو تكيّف التنظيم مع بيئة متغيرة. ولهذا السبب أيضًا، يختلف التحدي الذي يمثله تنظيم "الدولة الإسلامية" اليوم عن الماضي وقد أصبح الآن أكثر مرونة من ذي قبل في مواجهة الضغوط.
وهذا يجعل تحدي تنظيم "الدولة الإسلامية" أكثر صعوبة من منظور أمني مما كان عليه في الماضي عندما كانت القدرة متاحة للتركيز بشكل أساسي على جهوده في العراق وسوريا. واليوم، سيؤدي التركيز فقط على العراق وسوريا أو أي ولاية أخرى بمعزل عن فهم علاقاته بأجزاء أخرى من الشبكة العالمية للتنظيم إلى غض النظر عن تفاصيل حاسمة بسبب النفعية. ولهذا السبب، على الرغم من أنه من المفهوم أن الولايات المتحدة قد حولت الكثير من قوتها البشرية وميزانيتها إلى مجموعات مشاكل أكثر وجودية وأكبر مثل الصين وروسيا، سيكون من الخطأ إهمال تنظيم "الدولة الإسلامية" كتحدٍ أمني مستمر ولكن متطور. لذلك، لا يزال من المفيد الإبقاء على المناصب الحكومية الممولة أو إضافتها عبر مختلف الوكالات والإدارات للتركيز على تتبع هذا التهديد من أجل استباق المفاجأة التالية بشكل أفضل، وإلا ستُرتكب أخطاء متمثلة بسوء التفسير كما حدث في الماضي.
هل يكرر التاريخ نفسه؟
من دون هذا الفهم، من المعقول أن يفسر صناع السياسات ما يفعله تنظيم "الدولة الإسلامية" اليوم بشكل مختلف عما هو عليه الواقع داخل التنظيم. كما أن ذلك ليس مستبعدًا. فقد شهدنا موقفًا مماثلًا من قبل. إذ وقبل عودة ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" في عام 2013، اعتقد العديد من المسؤولين الحكوميين والباحثين أن التنظيم قد هُزم. ولا يزال الكثيرون يشيرون إليه باسم "تنظيم القاعدة في العراق" على الرغم من إعادة تسميته بـتنظيم "دولة العراق الإسلامية" قبل سبع سنوات. وكذلك، بينما كان تنظيم “الدولة الإسلامية” يتجه نحو السيطرة على الأراضي في العراق وسوريا في كانون الثاني/يناير 2014، أطلق الرئيس باراك أوباما على تنظيم "الدولة الإسلامية" تسمية "الفريق الثانوي" خلافًا لتنظيم القاعدة "الجامعي" المفترض.
نشأ جزء من سوء الفهم الأساسي هذا من سياسات غزو العراق وحربه عام 2003، وهو فصل أراد المسؤولون وغيرهم تخطيه. وقد أدى مقتل أسامة بن لادن في عام 2011 إلى توفير سياق إضافي، ما أضعف الاهتمام العام بملاحقة الحركة الجهادية بشكل عام و"دولة العراق الإسلامية" بشكل خاص. ثم تمحور التركيز الأكاديمي لخبراء مكافحة الإرهاب حول "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية" و"حركة الشباب المجاهدين" المتمركزة في شرق أفريقيا، لأن هذه الجماعات ضمت مقاتلين أجانب غربيين أو ألهمت متطرفين محليين في الغرب للتخطيط لشن هجمات في بلادهم.
كان أحد أبرز مجالات النقص المعرفي خلال عودة ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" يُعنى بتطور التنظيم مع مرور الوقت. فقد أدى هذا النقص في الفهم التاريخي إلى تفسيرات خاطئة منتشرة على نطاق واسع. وتم تقييم التنظيم بشكل خاطئ، وبطرق مختلفة، كواجهة للبعثيين الانتقاميين، وموطن للعدميين الذين يفتقرون للأيديولوجية، وحركة ألفية غير مهتمة بالحكم في العالم الحقيقي، وحركة ذات تركيز محلي من دون أي خطط لعمليات خارجية.
الآن، وفي أعقاب خسارة تنظيم "الدولة الإسلامية" للأراضي في العراق وسوريا في عام 2019، يعيد التاريخ نفسه إلى حد ما. وقد تحوّل العديد من داخل الحكومة الأمريكية وخارجها الذين عملوا سابقًا على ملف تنظيم "الدولة الإسلامية" و"الحركة الجهادية" إلى مشاكل أكثر إلحاحًا، مثل صعود اليمين المتطرف في الدول الغربية، والغزو الروسي لأوكرانيا، والمخاوف بشأن القوة العسكرية المتنامية للصين والتحريف الجيوسياسي في ما يتعلق بالنظام العالمي الحالي. لا شك في أن الاهتمام المتزايد بمثل هذه القضايا له ما يبرره، ولكن لا ينبغي اعتبار "الهدوء" بين عمليات التعبئة الجهادية نهاية لهذا التحدي.
"المديرية العامة للولايات"
في أعقاب إعلان تنظيم "الدولة الإسلامية" عن توسعه خارج العراق وسوريا في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2014 إلى الجزائر ومصر وليبيا والمملكة العربية السعودية واليمن، أنشأ هيكلية تسمى "إدارة الولايات البعيدة". تسلط تسمية الهيكلية الضوء على أنها كانت كيانًا منفصلًا عن طريقة إدارة تنظيم "الدولة الإسلامية" لولاياته المختلفة في العراق وسوريا في قلب أراضيه في ذلك الوقت. وتشمل هذه الهيئة الولايات الأخرى التي قد يضيفها تنظيم "الدولة الإسلامية" في السنوات اللاحقة مثل تلك الواقعة في نيجيريا، وأفغانستان/باكستان، والقوقاز، والصومال، إلخ. لكنّ تصميم طريقة عمل تنظيم "الدولة الإسلامية" داخليًا تغيّر مع فقدانه السيطرة على الأراضي في العراق وسوريا. وبينما يركّز الكثيرون على آذار/مارس 2019، عندما خسر تنظيم "الدولة الإسلامية" آخر جزء من أراضيه، كان الأهم في بعض النواحي فقدانه معاقله في مدينتي الموصل بالعراق والرقة بسوريا في صيف وخريف عام 2017.
كان تنظيم "الدولة الإسلامية" يستعد أصلًا لإجراء تغييرات منذ ربيع عام 2016 عندما بدأت العلامات الأولى لفقدانه السيطرة على العراق وسوريا تصبح أكثر وضوحًا. فعلى سبيل المثال، في خطاب ألقاه المتحدث باسم التنظيم أبو محمد العدناني في أيار/مايو 2016، قام بتحضير أنصار التنظيم لتحمل هزيمة تكتيكية أخرى:
النصر هو هزيمة الخصم. هل انهزمنا عندما فقدنا مدن العراق وكنا في الصحراء بلا مدينة ولا أرض؟ وهل سنُهزم [إذا فقدنا] الموصل أو سرت أو الرقة؟ بالتأكيد لا! فالهزيمة الحقيقية هي فقدان الإرادة والرغبة في القتال.
وأعقب ذلك مقال افتتاحي في النشرة الإخبارية الأسبوعية للتنظيم "النبأ" في منتصف آب/أغسطس 2016، يناقش استراتيجية الانسحاب إلى الصحراء كما فعل التنظيم سابقًا في العراق في أعقاب الصحوة القبلية وزيادة عدد القوات الأمريكية، قبل عودته كجهة فاعلة مهمة في عام 2013 أولًا في سوريا ثم في العراق. وقد شهدنا على قيام تنظيم "الدولة الإسلامية" بذلك إلى حد ما في مناطق البادية الصحراوية وسط سوريا منذ عام 2019.
بما أن تنظيم "الدولة الإسلامية" كان مستعدًا للتغيير قبل انهياره الإقليمي الكامل، لا ينبغي أن يكون مفاجئًا أننا بدأنا نشهد تطور هيكليته الإقليمية داخل العراق وسوريا مرة أخرى. ففي منتصف تموز/يوليو 2018، توقف تنظيم "الدولة الإسلامية" عن وصف ولاياته المتعددة في العراق (بغداد، شمال بغداد، الأنبار، ديالى، كركوك، صلاح الدين، نينوى، جنوب، الفلوجة، دجلة، والجزيرة) وسوريا (الرقة، البركة، الخير، حمص، حلب، إدلب، حماة، الشام، اللاذقية، الفرات) على هذا النحو. وقام تنظيم "الدولة الإسلامية" بتغيير التسمية إلى ولاية الشام وولاية العراق فقط. ومن المرجح أن يكون ذلك قد حدث في الوقت الذي انتقل فيه تنظيم "الدولة الإسلامية" من فصل مناطقه الأساسية عن ولاياته الخارجية من خلال إنشاء "المديرية العامة للولايات". ويعتقد الباحث الدنماركي توري هامينغ أن ذلك تزامن مع إنشاء تنظيم "الدولة الإسلامية" لولايات جديدة في أفريقيا الوسطى وتركيا والهند في ربيع عام 2019. وكانت النقطة الأساسية المتعلقة بهذا التغيير أن إدارة التنظيم في العراق وسوريا لم تعد منفصلة عن بقية ولاياته العالمية. وأصبحت جميع ولايات تنظيم "الدولة الإسلامية" الآن على قدم المساواة مع بعضها البعض.
لكن مع إنشاء "المديرية العامة للولايات" ظهرت أيضًا طبقة إضافية من البيروقراطية. فقد أنشأت هيكلية فوقية تشرف الآن على الولايات بحد ذاتها، مع امتلاك المديرية العامة للولايات مكاتبها الخاصة. واستنادًا إلى وثائق داخلية مسربة لتنظيم "الدولة الإسلامية"، تشمل هذه المكاتب: مكتب "الأرض المباركة" الذي يشرف على نشاط تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا؛ ومكتب "الصديق" الذي يغطي أفغانستان، وباكستان، وإيران، والهند، وبقية دول جنوب آسيا؛ ومكتب "الكرار" الذي يدير الصومال وجمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق وأجزاء أخرى من شرق ووسط وجنوب أفريقيا؛ ومكتب "الفرقان" الذي يدير حوض بحيرة تشاد ومنطقة الساحل؛ ومكتب "أم القرى" الذي يتولى شؤون اليمن والمملكة العربية السعودية والخليج؛ ومكتب "ذو النورين" الذي يركّز على مصر والسودان؛ ومكتب "الفاروق" الذي ينظم تركيا وجورجيا والقوقاز وروسيا وأوروبا. وفي السابق، كان هناك أيضًا مكتب "الأنفال" الذي يغطي ليبيا وشمال أفريقيا، لكنه لم يعد يعمل اليوم وتم دمجه على الأرجح ضمن مكتب "الفرقان". وكان هناك أيضًا مكتب "بلاد الرافدين" المنفصل للعراق، ولكن تم دمجه منذ ذلك الحين في مكتب "الأرض المباركة".
واليوم، يشير المعتقد السائد لدى الأشخاص داخل حكومة الولايات المتحدة عند التحدث ضمن دوائر مغلقة إلى أن تنظيم "الدولة الإسلامية" هو مسألة يمكن التحكم فيها، لا سيما في ما يتعلق بالعراق وسوريا، وأكثر تشتتًا من كونها مركزية. إلّا أنّ هذه الافتراضات قد تكون أكثر ارتباطًا بالرغبة في التركيز على تحديات أخرى متعلقة بالسياسات غير الواقع على الأرض، بما أن تنظيم "الدولة الإسلامية" أعاد بناء نفسه خلال السنوات الخمس الماضية. وهو تحدٍ أكثر تعقيدًا لأن الطريقة التي أعاد بها التنظيم بناء نفسه تختلف عن الطريقة التي شهدنا بها على انتعاشه منذ أكثر من عقد من الزمن في العراق وسوريا. وبالتالي، ستبدو الطريقة التي يظهر بها التهديد الآن مختلفة بالنسبة لصانعي السياسات عما كانت عليه من قبل، عندما كان التنظيم يركز بشكل أساسي على سيطرته الإقليمية في العراق وسوريا. وبدلًا من ذلك، نظرًا للتكامل الأكبر بين ولايات تنظيم "الدولة الإسلامية"، فإن اعتبار واحدة أو اثنتين منها فقط تهديدًا يعكس سوء فهم لواقع أن توزيع المسؤوليات والموارد داخل الشبكة العالمية للتنظيم قد انتشر، ما يوفر مرونة على المدى الأطول.
بالتالي، عند مناقشة ملف تنظيم "الدولة الإسلامية" اليوم على صعيد العالم، من المنطقي في بعض النواحي وصف هذه المكاتب وكيفية تواصلها مع بعضها البعض بدلًا من النظر إليها من منظور الولايات المتميزة فحسب، كما كنا نفعل لسنوات. ويصح ذلك أيضًا بما أن زعيم كل ولاية من ولايات "الدولة الإسلامية" المختلفة يقدم تقاريره إلى رئيس مكاتب "المديرية العامة للولايات" التابعة لمنطقة ذلك الفرد. ومن عدة نواحٍ، يساعد ذلك بشكل أفضل في تسليط الضوء على قضية مؤمن، والعمليات الخارجية لتنظيم "الدولة الإسلامية"، وتمويله اليوم، وكذلك اهتمام تنظيم "الدولة الإسلامية "المستمر بمشاريع الحكم وتعبئة المقاتلين الأجانب حتى لو لم تكن بالمستويات ذاتها كما في الماضي.
هل مؤمن هو الخليفة؟
في 31 أيار/مايو، أعلنت القيادة الأمريكية في أفريقيا أنها استهدفت ولاية الصومال التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" في "منطقة نائية بالقرب من داردار، على بعد حوالي 81 كلم جنوب شرق بوصاصو" وادعت أنها قتلت ثلاثة من مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية". وأعقب ذلك في وقت لاحق تسريب من قبل موظف في وزارة الدفاع ادعى في منتصف حزيران/يونيو أن أحد الأهداف كان مؤمن، الذي يُزعم أنه آخر خليفة لـ"الدولة الإسلامية". كان مؤمن هو والي (حاكم) ولاية الصومال التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" منذ أن انفصل هو وآخرون عن "حركة الشباب" وانضموا إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" في تشرين الأول/أكتوبر 2015. واليوم، يُقال إن مؤمن أصبح أمير (زعيم) مكتب "الكرار" وتمت ترقية عبد الرحمن فاهي عيسى محمد، وهو نائبه السابق في ولاية الصومال التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية"، إلى منصب الوالي. وعلى الرغم من أن تقرير منتصف حزيران/يونيو يشير إلى أن الحكومة الأمريكية غير متأكدة مما إذا كانت الغارة الجوية قد قتلت مؤمن، إلا أنه أكد أنهم "أحضروا الخليفة إلى تلك المنطقة".
لكنّ الشائعات المحلية التي تفيد بأنّ خليفة تنظيم "الدولة الإسلامية" الحالي، أبو حفص الهاشمي القرشي، سافر من سوريا أو العراق ثم عبر اليمن إلى منطقة بونتلاند التي تتمتع بحكم شبه ذاتي في شمال شرق الصومال، هي غير منطقية من منظور لوجستي. فقد كان مؤمن متواجدًا دائمًا في الصومال من قبل، وبالتالي من غير المنطقي أن يكون قد سافر إلى البلاد بما أنه كان متواجدًا فيها أصلًا. بالإضافة إلى ذلك، من منظور أيديولوجي، يجب أن يأتي الخليفة من سلالة قريش القبلية التي ينتمي إليها النبي محمد، أي أن يكون شخصًا من خلفية عربية في المقام الأول وليس شخصًا من الصومال غير مرتبط بالسلالة. بالطبع، تنص تقاليد صومالية على أن عبد الرحمن بن إسماعيل الجبرتي، الجد المشترك المزعوم لقبيلة دارود الصومالية (التي ينتمي إليها مؤمن) من القرن العاشر أو الحادي عشر، ينحدر من عقيل بن أبي طالب، أحد أفراد قبيلة بني هاشم داخل قريش وابن عم محمد. لكن يُرجَح أن تكون هذه القصص مجرد تقاليد وأساطير. كما أنها مستبعدة في سياق الأسئلة المطروحة حول الخليفة الثاني لتنظيم "الدولة الإسلامية" أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، والتي تناقش ما إذا كان عربيًا أم تركمانيًا. ويشير أيمن التميمي، الباحث في شؤون تنظيم "الدولة الإسلامية" ووثائقه الداخلية، إلى أنه كان "تركمانيًا باللغة، وليس بالضرورة بالنسب العرقي". في الحالتين، لمَ قد يُقدم تنظيم "الدولة الإسلامية" على خطوة يُحتمل أن تكون مثيرة للجدل وتقوّض نظرته الأيديولوجية النقية للعالم في قضية مؤمن؟ انطلاقًا مما نعرفه عن تنظيم "الدولة الإسلامية"، من غير المرجح أن يربط التنظيم مسألة مهمة مثل منصب الخليفة بقضية لا يمكن إثباتها بشكل كامل، سيما وأن ذلك من شأنه أن يقوّض مشروع التنظيم نظرًا للطبيعة المتشددة لكيفية ضبطه لأيديولوجيته ونظرته للعالم.
لكن لا يسعني إلا أن أتساءل عما إذا كان هناك بعض التفسير الخاطئ لاستخبارات الإشارات المتعلقة بمؤمن. في كافة الأحوال، استنادًا إلى ما هو معروف اليوم عن الهيكلية التنظيمية لتنظيم "الدولة الإسلامية" ونزعاته الأيديولوجية، من المرجح أن يكون مؤمن إما رئيس "المديرية العامة للولايات" أو الرجل الثاني. وهذا منطقي أكثر بكثير من الناحية الأيديولوجية والتنظيمية من كونه الخليفة. فمؤمن هو أحد القادة العالميين القلائل المتبقين ضمن شبكة تنظيم "الدولة الإسلامية" اليوم والذين لم يُقتلوا في العقد الماضي. لذلك، لن يكون من المستغرب أن يحظى بالثقة على أعلى المستويات في هيكلية السلطة لدى تنظيم "الدولة الإسلامية" اليوم.
يمكن أن يكون عيسى محمود يوسف، منسق الأسلحة والخدمات اللوجستية لولاية الصومال التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية"، قد سهّل هذا التغيير في هيكلية القيادة والذي مكّن مؤمن من الوصول إلى هذا المنصب. فوزارة الخزانة الأمريكية تزعم أنه ساعد في أوائل عام 2022 في تسهيل سفر المسلحين على متن مركبه الشراعي (سفينة شراعية تقليدية تُستخدم في البحر الأحمر والمحيط الهندي) من الشرق الأوسط إلى الصومال لحضور اجتماعات حول إعادة هيكلة القيادة الصومالية للتنظيم وتكتيكاته واستراتيجياته.
وهذا كله أساسي من منظور السياسات. فجهل كيفية عمل الهيكلية القيادية لتنظيم "الدولة الإسلامية" أو أهليته لمنصب الخليفة (مضت عشر سنوات على إعلان التنظيم عن خلافته للمرة الأولى!) سيؤدي إلى تقييمات تحليلية غير صحيحة وبالتالي يُقوّض أي مهمة عند قتال التنظيم. ولن تكون هذه المرة الأولى التي يؤدي فيها التفسير الخاطئ لقيادة تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى قرارات سيئة في صنع السياسات أيضًا. ففي أعقاب إعلان التنظيم عن نفسه على أنه "دولة العراق الإسلامية" في تشرين الأول/أكتوبر 2006، كان الزعيم الجديد للتنظيم هو أبي عمر البغدادي. وقد أعلن الجيش الأمريكي في تموز/يوليو 2007 أن هذا الأخير هو من نسج الخيال، ولم يكن موجودًا في الواقع، وأن الرسائل الصوتية التي أرسلتها "دولة العراق الإسلامية" باسمه كانت من قِبَل ممثل عراقي. لكنه كان موجودًا في الواقع، ولكن هذا التقييم دفع الكثيرين داخل الحكومة وخارجها إلى الاعتقاد بأن التهديد الذي تمثله "دولة العراق الإسلامية" قد تبدد. ولا شك في أن "دولة العراق الإسلامية" كانت في موقف ضعيف، ولكن كما اعتبر هارورو إنغرام، وكريغ وايتسايد، وتشارلي وينتر، ساعدت قيادة أبو عمر في أصعب أوقاتها التنظيم على البقاء وإعادة بناء صفوفه من أجل ظهوره من جديد في المستقبل. وقد فعل ذلك من خلال جعل التنظيم أكثر مرونة محليًا في العراق، قبل أن يُقتل في عام 2010 ويخلفه أبو بكر البغدادي الأكثر شهرة. وبالنظر إلى الوراء، فإن عدم فهم دور أبو عمر المهم في ربط "دولة العراق الإسلامية" منذ حقبتها الماضية تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي بتاريخها الأكثر شهرة منذ عام 2013، عكس فشل صنّاع السياسات والباحثين في فهم "دولة العراق الإسلامية" وقيادتها.
بالتالي، إذا قُتل مؤمن فعلًا، سيظل لمقتله وقع كبير داخل الهيكلية التنظيمية لـ"الدولة الإسلامية" حتى لو لم يكن الخليفة، لأنه كان مديرًا رئيسيًا بين مختلف ولاياتها العالمية. وسيكتسي مقتله أهمية أكبر كونه سيسلط الضوء على كيفية قيام تنظيم "الدولة الإسلامية" بتجريد العراقيين بشكل رئيسي، وبدرجة أقل السوريين، من الأدوار القيادية (مع استثناءات مثل كبار القادة العسكريين السابقين وهم الجيورجي أبو عمر الشيشاني والطاجيكي جول مراد حليموف)، ما يُظهر دمجًا أكبر داخل الهيكلية القيادية لتنظيم "الدولة الإسلامية" لأولئك القادمين من خارج أراضيه الأصلية في العراق وسوريا. ولن يكون مفاجئًا أيضًا أن يكون مؤمن قد تولى مثل هذا الدور داخل تنظيم "الدولة الإسلامية". ففي السنوات الأخيرة، برز مكتب "الكرار"، المدرج فوق ولاية الصومال، ليصبح أحد أهم المكاتب ضمن النظام بأكمله. ويرجع ذلك إلى أنه أصبح عقدة رئيسية داخل الشبكات المالية لتنظيم "الدولة الإسلامية"، وفقًا للأمم المتحدة. فهو يساعد في التعامل مع أي فائض في الإيرادات من المنطقة التي تسيطر عليها ولاية الصومال حول سلسلة جبال عل مسكاد عن طريق تحويل مئات الآلاف من الدولارات (إن لم يكن أكثر) إلى مراكز تنظيم "الدولة الإسلامية" في جنوب أفريقيا. ويتم إرسال الأموال أيضًا إلى كينيا وأوغندا وتنزانيا ثم يُعاد توجيهها إلى ولايات أخرى تابعة لمكتب "الكرار" (ولاية وسط أفريقيا في جمهورية الكونغو الديمقراطية وولاية موزمبيق)، ثم تُوزَع على مكاتب أخرى مثل "الصديق" و"أم القرى" و"الفاروق"، التي تقدّم بعد ذلك التمويل لولاياتها في أفغانستان واليمن وتركيا.
وهذا الاتجاه ليس بجديد أيضًا. فعلى سبيل المثال، تم تسريب رسالة إدارية داخلية لتنظيم "الدولة الإسلامية" من مؤمن إلى أمير إدارة الولايات البعيدة التابعة لـ"الدولة الإسلامية" في تشرين الثاني/نوفمبر 2018 تناقش مسألة إرسال الأموال إلى أعضاء التنظيم في تركيا واليمن. بالإضافة إلى ذلك، وفقًا للحكومة الأمريكية، ساعد بلال السوداني، الذي كان مسؤولًا عن شبكة التمويل العالمية لمكتب "الكرار" حتى مقتله في كانون الثاني/يناير 2023، في تمويل هجوم تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي أودى بحياة 13 من أفراد الخدمة الأمريكية في بوابة "آبي غايت" في مطار كابل الدولي في آب/أغسطس 2021 أثناء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. وعندما نفكّر في بيئة التهديد الحالية المتعلقة بولاية خراسان التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" والعمليات الخارجية خارج مسرح أفغانستان وباكستان، من المفيد إعادة تقييم ما إذا كانت ولاية خراسان فقط هي التي تشارك في هذه العمليات الخارجية. ومن الجدير النظر في ما إذا كان من المنطقي التحدث أكثر عن شبكة عمليات خارجية تشمل جميع الولايات يتم التخطيط لها عبر مكاتب "المديرية العامة للولايات"، والتي يمكن أن تساعد بشكل أفضل في تنسيق الهجمات والمؤامرات المختلفة بين مختلف الولايات.
تشمل العمليات الخارجية لتنظيم "الدولة الإسلامية" جميع الولايات
في ظل حملة العمليات الخارجية لتنظيم "الدولة الإسلامية" في ولاية خراسان والهجمات الناجحة التي نسبتها إليها الحكومات التي تعرضت للهجوم في إيران وتركيا وروسيا هذا العام، كان هناك الكثير من التركيز غير المفاجئ على هذا التنظيم. لكن التركيز عليه فقط، في بعض النواحي، يحجب فهمنا لشبكة العمليات الخارجية لتنظيم "الدولة الإسلامية" اليوم، بدلًا من أن يزيده حدة. فعندما كان تنظيم "الدولة الإسلامية" في ذروته، كانت معظم عملياته الخارجية من عام 2014 إلى عام 2019 مرتبطة بسوريا (سواء كانت موجهة أو مستوحاة)، مع بعض الاستثناءات المرتبطة بتنظيم "الدولة الإسلامية" في ليبيا في عام 2015 و2016.
لكن بخلاف معظم الحالات السابقة للعمليات الجهادية الخارجية حيث كان الملاذ الآمن أساسيًا، تمثلت مفارقة في تقويض "إمارة طالبان الإسلامية" فعليًا للكثير من القدرات المحلية لتنظيم "الدولة الإسلامية" في ولاية خراسان في أفغانستان. ويُعنى جزء كبير من التخطيط للعمليات الخارجية المرتبطة بتنظيم "الدولة الإسلامية" في ولاية خراسان بالتجنيد والإلهام عبر الإنترنت والتوجيه من خلال التطبيقات المشفرة أكثر من سفر فرد إلى الخارج لاكتساب خبرة قتالية وتدريبية ثم عودته إلى وطنه لإعداد المؤامرات. على الرغم من أن هذا النموذج ليس جديدًا، إلا أنها المرة الأولى التي نشهد فيها على نجاحه في ظل عدم سيطرة التنظيم على الأراضي وتقلص قدراته المحلية. ويشير ذلك إلى أنه تتم إدارة العمليات الخارجية لتنظيم "الدولة الإسلامية" اليوم على الأرجح من خلال "المديرية العامة للولايات"، التي تنسق بين مكاتبه وولاياته لجعل حملة عملياته الخارجية أكثر مرونة من مجرد قيام ولاية واحدة بالتخطيط والتحكم بزمام الأمور.
ومن المهم أيضًا أن نتذكر أن تنظيم "الدولة الإسلامية" لم يعلن مسؤوليته عن أي من الهجمات في إيران أو تركيا أو روسيا باعتبار أن ولاية خراسان نفذتها، بل أعلنت وسائل الإعلام المركزية لتنظيم "الدولة الإسلامية" مسؤوليتها عن هجمات إيران وروسيا تحت خانة "إيران" و"روسيا"، وليس ولاية، فيما أعلنت ولاية تركيا التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" مسؤوليتها عن الهجوم الذي وقع في تركيا. وهذا التمييز مهم لأن تنظيم "الدولة الإسلامية" لطالما كان دقيقًا في طريقة نشره المعلومات بشأن هجماته وأيديولوجيته بشكل عام، والتي لا تُعد عشوائية بأي شكل من الأشكال، ما يدل على وجود عنصر آخر ضمن اللعبة، سيما وأنه في الماضي، على سبيل المثال، أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" في ولاية خراسان فعليًا مسؤوليته عن هجوم سابق للتنظيم في إيران في أيلول/سبتمبر 2018. ويشير ذلك إلى أن طريقة إعلان تنظيم "الدولة الإسلامية" مسؤوليته عن الهجمات لها دلالتها من منظور تنظيمي.
فضلًا عن ذلك، كشف ادعاء ولاية تركيا واقع أن الهجوم لم يكن من صنع تنظيم "الدولة الإسلامية" في ولاية خراسان فقط، حتى لو نسبت الحكومات في إيران وتركيا وروسيا المسؤولية إليه مباشرةً. وما من شك في أنه كان لديه دور ما، لا سيما مع تجنيد الأفراد عبر الإنترنت من خلال شبكات المقاتلين الأجانب المتبقية في آسيا الوسطى من التعبئة السورية المتبقية في تركيا. كما أنه استفاد من الأفراد المحبطين داخل مجتمعات المهاجرين من آسيا الوسطى في الخارج في دول مثل إيران وتركيا وروسيا وألمانيا.
ومن الأمثلة الجديرة بالذكر على هذه الشبكات العالمية المتشابكة الهجوم على قاعة كروكوس في موسكو في آذار/مارس 2024 والمؤامرة التي أحبطتها ألمانيا في كولونيا في حزيران/يونيو 2024 والتي كانت تسعى لاستهداف بطولة كرة القدم الأوروبية الحالية. في كلتي الحالتين، سافر الفرد (الأفراد) المتورط (المتورطون) إلى تركيا قبل تنفيذ الهجوم في روسيا وتفكيك المؤامرة في ألمانيا. وبناءً على ذلك، من الممكن في كلتي الحالتين أن يكون هناك عملاء لتنظيم "الدولة الإسلامية" متواجدين في تركيا للمساعدة أو تقديم التعليمات النهائية لأي تحضير للهجمات في اللحظة الأخيرة. وفي حين أنه من الممكن أن يكون ذلك من قبيل الصدفة، أصبحت تركيا مركزًا لمؤامرات تنظيم "الدولة الإسلامية،" بحيث شهدت البلاد أكبر عدد من الاعتقالات المتعلقة بتنظيم "الدولة الإسلامية" على مستوى العالم في العام الماضي. ويستمر أيضًا استهداف شبكات ولاية تركيا، بما في ذلك ثلاث مرات حتى الآن في عام 2024، في ما يتعلق بمخططات التمويل والتهريب من قبل وزارة الخزانة الأمريكية. عند الابتعاد عن التفكير في المسألة من منظور نظام الولايات التقليدي لـ"الدولة الإسلامية"، والتفكير فيها بدلًا من ذلك من منظور شبكة مكاتب "المديرية العامة للولايات"، تتبلور المسألة بعض الشيء. فألمانيا وروسيا وتركيا تندرج جميعها ضمن خانة مكتب "الفاروق" داخل "المديرية العامة للولايات".
علاوةً على ذلك، على الرغم من عدم ارتباطه بهجمات تنظيم "الدولة الإسلامية" الناجحة في الخارج هذا العام، تدّعي الحكومة الإيرانية أن الشخص الرئيسي المتورط في هجوم منتصف آب/أغسطس 2023 في شيراز، وهو مواطن طاجيكي يُدعى رحمة الله نوروزوف، قد تدرّب سابقًا مع تنظيم "الدولة الإسلامية" في تركيا (كذلك تنظيم "الدولة الإسلامية" في ولاية خراسان في أفغانستان)، ما يُبرز دور تركيا كعقدة رئيسية ضمن الشبكة العالمية لتنظيم "الدولة الإسلامية". كما أنه يسلّط الضوء على التداخل بين المناطق الإقليمية، ما قد يوضح لنا أن شبكات العمليات الخارجية هذه يمكن أن تكون شاملة للولايات ويُثبت أنه يجري تنسيقها على مستوى "المديرية العامة للولايات". وعند مقارنة قيادة تنظيم "الدولة الإسلامية" مع ما تم وصفه أصلًا حول الشبكات المالية التي تتجاوز المناطق الإقليمية وتساعد في تمويل العمليات في الخارج إلى جانب النشاط المحلي، يتضح أن هذه القيادة هي أكثر تكاملًا وتنسيقًا بكثير على مختلف المستويات مما هو متعارف عليه.
وحتى بين شبكات مؤيدي تنظيم "الدولة الإسلامية"، هناك تقاطع بين تلك المرتبطة بأجزاء مختلفة من الشبكة العالمية لتنظيم الدولة الإسلامية أو التي هي على اتصال بها. فعلى سبيل المثال، في منتصف كانون الأول/ديسمبر 2023، ألقت إسبانيا القبض على 11 فردًا متورطين في شبكة دولية لدعم تنظيم "الدولة الإسلامية" بدأت في عام 2021. ووفقًا لوزارة الداخلية الإسبانية، تبيّن أن اثنين من قادة الشبكة هما جزء من شبكة أكبر من أنصار تنظيم "الدولة الإسلامية" الذين لهم صلات بفروع في أفغانستان (مكتب الصديق)، والساحل (مكتب الفرقان)، والشام (مكتب الأرض المباركة)، وأوروبا (مكتب الفاروق)، والتي جمع أعضاؤها الأموال من خلال أنشطة إجرامية في أوروبا لتمويل الهجمات الإرهابية وحشد أتباع جدد. وقد قامت هذه الشبكة بنقل الأموال عبر العملات المشفرة والشحنات الدولية إلى فروع تنظيم "الدولة الإسلامية" المختلفة حول العالم.
فضلًا عن ذلك، تجدر الإشارة إلى أن العديد من الشبكات المالية لتنظيم "الدولة الإسلامية" في تركيا تساعد في نشاطه داخل سوريا. وهذا يُظهر أنه حتى لو لم يعد يُنظر إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا بالخطورة التي كان عليها من قبل، لا يزال مرتبطًا إلى حد كبير بشبكته العالمية من خلال مكتب "الأرض المباركة" داخل "المديرية العامة للولايات". على سبيل المثال، في نيسان/أبريل 2024، اعتقلت "قوات سوريا الديمقراطية" منسقَين ماليين تابعين لتنظيم "الدولة الإسلامية" هما أحمد فواز الرحمن ومحمد أمين خليل العبيد. فقد تلقيا أموالًا من تنظيم "الدولة الإسلامية" في تركيا (ولبنان) عبر شركة "روهين للحوالات المالية" لاستخدامها في العمليات المحلية من خلال "كتيبة الزبير بن العوام"، وهي فرقة سرية تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" مقرها الحسكة، سوريا. (في هذه المقالة، استبعدت النقاش حول مركزية العمليات الإعلامية لتنظيم "الدولة الإسلامية" بين جميع الولايات منذ توسعه إلى ما هو أبعد من العراق وسوريا بما أن ذلك متفق عليه بين الباحثين).
بعيدًا عما يبدو أنه شبكة تخطيط للعمليات الخارجية المشتركة، متداخلة ضمن ولايات خراسان والصومال وتركيا، أظهرت مؤامرات أخرى تم تفكيكها روابط مباشرة مع ولايات أخرى تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية". وهذا يوضح أيضًا أن العمليات الخارجية لتنظيم "الدولة الإسلامية" ليست ثابتة لناحية مصدرها، بل هي عبارة عن هجوم منسق عبر "المديرية العامة للولايات". وقد تم تفكيك ثلاث مؤامرات (اثنتان في ألمانيا وواحدة في الكويت) متعلقة بعناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" الذين تم إرسالهم من العراق لشن هجمات، مع تلقي الفرد في إحدى المؤامرات في ألمانيا 2500 دولار مباشرةً من تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق. وكذلك، شهدنا مؤامرات مرتبطة بتنظيم "الدولة الإسلامية" في إسرائيل وفرنسا والسويد والهند في الأشهر الأربعة الماضية، ذات صلة مباشرة بعملاء تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا والصومال وباكستان. وبما أن هذه الحالات لم تحدث إلا مؤخرًا، فلن يكون مفاجئًا إذا بدأت مؤامرات أو هجمات أخرى تنطلق من ولايات "الدولة الإسلامية" الأخرى أيضًا في العام المقبل، حيث تقوم "المديرية العامة للولايات" بتنسيق هذه الخطط المختلفة.
بالنسبة لصناع السياسات، فإن التركيز فقط على تنظيم "الدولة الإسلامية" في ولاية خراسان باعتباره الفاعل الرئيسي في العمليات الخارجية لتنظيم "الدولة الإسلامية" اليوم يعني تجاهل الصورة الأوسع. وبالتالي يساعد توسيع النطاق لفهم طريقة عمل "المديرية العامة للولايات" والتنسيق داخل شبكة ولايات تنظيم "الدولة الإسلامية" في الإضاءة أكثر على هيكليته التنظيمية الحالية. في بعض النواحي، أصبح تنظيم "الدولة الإسلامية" اليوم أكثر تكاملًا بكثير مما كان عليه قبل خمس سنوات بعد أن فقد سيطرته الإقليمية في العراق وسوريا. لكن من منظور السياسات، لا بد من إدراك أهمية تركيز تنظيم "الدولة الإسلامية" على الحكم، وتعبئة المقاتلين الأجانب، والعمليات الخارجية، وأن هذا التركيز لم يتبدد. وقد تسجَلت الظاهرتان السابقتان بشكل رئيسي على مستويات مختلفة في مالي ونيجيريا والصومال وموزمبيق اليوم. ولا يحظى ذلك بالكثير من الاهتمام على الأرجح لأنه يُعتبر هامشيًا بالمقارنة مع مصالح الولايات المتحدة ولا يشكل تهديدًا مباشرًا للوطن. بالإضافة إلى ذلك، في حالة مالي، تؤدي هيمنة روسيا الحالية على مجال مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل إلى عرقلة أي جهد لتغيير مجرى الأمور اليوم. وقد تحوّل التركيز الأخير على العمليات الخارجية فعليًا من التخطيط بشكل رئيسي انطلاقًا من سوريا إلى نموذج أكثر مرونة مع انتشار التخطيط والتنسيق عبر الشبكة التنظيمية العالمية لتنظيم "الدولة الإسلامية".
يُظهر فهم هذه المسائل التحديات التي تنتظر صنّاع السياسات وأولئك الذين يعملون داخل البلدان من حول العالم التي لا تزال تحاول إضعاف و/أو هزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" أو في محيط هذه البلدان. فتنظيم "الدولة الإسلامية" اليوم يختلف عن تنظيم "الدولة الإسلامية" في الماضي، وقد تمكّن حتى الآن من التكيّف مع الضغوط التي تُمارَس عليه من خلال سيطرته على أراضٍ في أربع دول أفريقية، إلى جانب تجديد قدرته على تنفيذ العمليات الخارجية، وإبدائه اهتمامًا أكبر، وإن كان لا يزال صغيرًا، بتعبئة المقاتلين الأجانب الجدد. ويسلّط هذا الضوء على أنّ استخدام قواعد اللعبة ذاتها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا قد لا ينجح في أماكن أخرى، سيما وأن الولايات المتحدة لديها أولويات أخرى لناحية السياسات وهي لا تتمتع بالضرورة بالقدرة ذاتها على التصرف في أجزاء معيّنة من العالم، نظرًا للتحديات التي يطرحها الخصوم في بعض الأماكن، مثل سيطرة روسيا على مسرح مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل. ولن يؤدي تجاهل هذا الواقع الجديد إلا إلى احتمال دفع تنظيم "الدولة الإسلامية" مرة أخرى إلى مرتبة أعلى على أجندة السياسات. كما سيحوّل الوقت والموارد بعيدًا عن قضايا السياسات الأخرى التي قد تكون أهم لأمن الولايات المتحدة على المدى الطويل. وبالتالي، لا بد اليوم من فهم واقع تنظيم "الدولة الإسلامية" بشكل صحيح أكثر من أي وقت مضى، ومن الأفضل تخصيص المزيد من الموارد لتحقيق هذا الهدف الآن بدلًا من تخصيص مبلغ أكبر لاحقًا عندما قد تطرأ أزمة مستقبلية.
الدكتور هارون ي. زيلين هو زميل أقدم في برنامج الزمالة "غلوريا وكين ليفي" في "برنامج جانيت وايلي راينهارد لمكافحة الإرهاب والاستخبارات" في معهد واشنطن، حيث يتركز بحثه على الجماعات الجهادية العربية السنية في شمال أفريقيا وسوريا، وعلى نزعة المقاتلين الأجانب والجهادية الإلكترونية عبر الإنترنت. وتم نشر هذه المقالة في الأصل على الموقع الإلكتروني لـ "وور أون ذي روكس".