- تحليل السياسات
- محاضرة حول مكافحة الإرهاب
دور العراق في مواجهة تمويل تنظيم «الدولة الإسلامية»
Part of a series: Counterterrorism Lecture Series
or see Part 1: U.S. Efforts against Terrorism Financing: A View from the Private Sector
"في 16 تشرين الأول/أكتوبر، خاطب علي محسن العلاق منتدى سياسي في معهد واشنطن كجزء من "سلسلة محاضرات ستاين" حول مكافحة الإرهاب التي بدأت منذ فترة طويلة. ويشغل الدكتور العلاق، الخبير المالي، وصانع القرار، والأكاديمي منصب محافظ "البنك المركزي العراقي" منذ عام 2014. وفيما يلي نسخة معدّلة من كلمته".
"صباح الخير. أنا مسرور جداً أن تتاح لي الفرصة للقاء معكم اليوم. أود أن أسلّط الضوء على بعض المسائل المهمة في بلدنا العراق. أولاً وقبل كل شئ، أود أن أقول إنه بعد سنوات من الصبر والعزم والجهود المكلفة، تتجلى صورة واضحة للعراق. إنها صورة بلد يتمتع بقدرة متزايدة لإدارة شؤونه بطريقة عصرية للغاية وتنفيذ الاستثمارات الضرورية لضمان مستقبل أفضل. وخلال بناء دولة - عراق جديد سلمي - نحرز تقدّماً على عدة أصعدة، حيث أن الجبهتين الأمنية والاقتصادية هما الأبرز بينها.
لكن على الرغم من كل هذا التقدّم، لا تزال التحديات قائمة. فكل يوم تقريباً، وفقاً للتقارير الإخبارية الواردة من العراق يتجلّى الدعم العسكري الذي تتلقاه البلاد من شركاء أجانب. فالتحالف العسكري المتحد الذي يسعى لتدمير تنظيم «الدولة الإسلامية» يضمّ 68 دولة. غير أن الدعم الدولي للعراق يتخطى الدعم العسكري ليشمل التعاون الاقتصادي والمالي أيضاً. فعملية إعادة الإعمار مدعومة من جهات معنية دولية رئيسية، ويأمل العراق أن يؤدي مؤتمر الجهات المانحة الذي سيُعقد في الكويت خلال الأشهر المقبلة إلى مساعدة البلاد. وبالفعل، تسبّب الصراع مع تنظيم «الدولة الإسلامية» في حدوث اضطرابات واسعة النطاق، شملت ظهور نحو ثلاثة ملايين شخص مشردين داخلياً.
والآن، إذا ما أمعنا النظر في صورة الاقتصاد الكلي، أود التحدث عن بعض المؤشرات من أحدث تقرير صدر عن "صندوق النقد الدولي" في أيلول/سبتمبر 2017. فوفقاً لتقرير "الصندوق"، لا يزال التضخم منخفضاً للغاية عند ما دون 1 في المائة، وكان [نمو] "الناتج المحلي الإجمالي" الفعلي يناهز 11 في المائة في عام 2016. أما ميزان المدفوعات الإجمالي، فكان أفضل من البرنامج خلال النصف الأول من عام 2017. وكذلك، تراجع الفارق بين سعر صرف الدولار الرسمي والموازي من 10 في المائة في كانون الأول/ديسمبر 2016 إلى 6.7 في المائة في أيلول/سبتمبر 2017. ونجح العراق في إصدار سندات "اليورو" بقيمة مليار دولار أمريكي في مطلع آب/أغسطس 2017، وحظي بطلب من المستثمرين ناهزت قيمته 6.7 مليار دولار - مما يشير إلى توقعات ائتمانية إيجابية جداً للبلاد. وحتى الآن، تجاوز المخزون من إجمالي احتياطيات "البنك المركزي العراقي" القاع المتفق عليه في البرنامج بنحو 4 مليارات دولار لعام 2017. وبقي الدين العام الإجمالي دون السقف المقترح في البرنامج.
وكانت الحكومة، التي تأثّرت كثيراً بسبب هبوط أسعار النفط وظهور تنظيم «الدولة الإسلامية»، قد باشرت بتطبيق برنامج للحفاظ على المالية العامة من أجل المحافظة على الديون والاستدامة الخارجية. ونظراً إلى توقعات أسعار النفط الحالية وتطبيق الحفاظ على المالية العامة و"اتفاقات الاستعداد الائتماني"، ينبغي إزالة العجز في الحساب المالي والحساب الجاري بحلول عام 2022، وهو أمر يسير وفقاً للجدول الزمني المحدد للبرنامج.
تجدر الملاحظة إلى أن "البنك المركزي العراقي" ملتزم بإبقاء ربط عملته بالدولار الأمريكي؛ علماً بأن هذا الربط يوفّر ركيزة اسمية أساسية في بيئة غير مستقرة إلى حدّ كبير حيث تتأثّر قدرة السياسة بالصراع مع تنظيم «الدولة الإسلامية». وكان "البنك المركزي العراقي" قد رفع جميع القيود المفروضة على أسعار الصرف وممارسات العملات المتعددة. ومن أجل الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، تلتزم الحكومة بمواصلة مساعيها في الحفاظ على المالية العامة لجعل الإنفاق متوافقاً مع الموارد المتاحة في عام 2017. وبغية تقليص أثر الحفاظ على المالية العامة على السكان، ستواصل الحكومة حماية النفقات الاجتماعية، مثل الصحة والتعليم وشبكات الضمان الاجتماعي.
والآن، أود أن أتحدث عن أداء "البنك المركزي العراقي" خلال أوقات عدم الاستقرار، في بيئات مضطربة. ربما لم أكن محظوظاً جداً عند انتقالي إلى "البنك المركزي" في نهاية عام 2014، لأننا واجهنا صدمتين كبيرتين: إحداهما، كما تعلمون، تنظيم «الدولة الإسلامية»، والثانية الانخفاض الحاد في أسعار النفط. فقد تراجعت هذه الأسعار خلال عام 2015 بنحو 40 في المائة وفي عام 2016 بنسبة 70 في المائة. لذا شكّل ذلك تحدياً كبيراً وفعلياً بالنسبة لـ "البنك المركزي العراقي". وبسبب كافة هذه التحديات، انتقلنا في "البنك المركزي" من الاستقرار النقدي إلى الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي من أجل التعامل مع التحديات التي أسفرت عنها هاتان الصدمتان. وقد اتخذنا العديد من التدابير ذات الصلة. على سبيل المثال، عملنا جاهدين مع الحكومة من أجل تخطي الصعوبات المالية في تلك الفترة من خلال التيسير الكمي. ونتيجةً لذلك، خصم "البنك المركزي" سندات خزينة من الحكومة تناهز قيمتها 20 مليار دولار حتى الآن، وهو مبلغ كبير قياساً بإجمالي الميزانية الوطنية. كما شملت الخطوات المتخذة تحسين القطاع المصرفي الخاص ودعمه، وحماية القطاع المالي من الجرائم المالية وغسل الأموال، وكذلك تطوير الإستراتيجية الوطنية لمكافحة غسل الأموال ومواجهة تمويل الإرهاب. وقد نتج عن هذه الأخيرة تطوير الإستراتيجية الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتطبيق هذا القانون ضمن "البنك المركزي" وكذلك إنشاء مجلس مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الوطني. وفي هذا الصدد، أعتقد أننا قمنا بالكثير مع شركائنا الدوليين في أوقات عصيبة للغاية بغية مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية». لذلك بذلنا قصارى جهدنا من أجل إقصاء كافة شبكات تمويل [تنظيم «الدولة الإسلامية»] من نظامنا، بما في ذلك مئات من محلات الصرف [المشبوهة] وشركات التحويل الإلكتروني. ورفعنا أيضاً بعض الحالات إلى المحاكم، لنسهّل بذلك قيام سابقة بالنسبة لبلادنا وهي: جلسات استماع لمثل هذه القضايا أمام المحكمة ... مما يقدّم مؤشراً على أن القوانين الجديدة التي تمّ سنّها، والتدابير والأنظمة الجديدة، وكذلك الإشراف على القطاع المصرفي، قد تمّ تشديدها جميعاً للسماح بالوصول إلى مثل هذه النتيجة.
أعتقد أننا أنجزنا الكثير بمساعدة شركائنا الدوليين. فنحن نتشارك المعلومات على أساس يومي مع هؤلاء الشركاء، حيث نساعد جميع الأطراف المشاركة على بلوغ مستويات التعاون الحالية. وفي هذا السياق، جاء التقرير الأخير الصادر عن "فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية" إيجابياً للغاية فعلاً - مما يعكس أن البلاد اتخذت العديد من الخطوات في هذا الصدد.
ومن أجل تعزيز اقتصادنا بشكل عام، ننفذ مبادرة رئيسية ترمي إلى تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم. ولهذا الغرض، أي البرنامج الأكبر في تاريخ البلاد، خصصنا نحو 6 مليارات دولار من أجل تمويل هذه المشاريع. كما اتخذنا خطوات جدية للغاية ضمن "البنك المركزي" من أجل إنشاء وحدات جديدة للتعامل مع مهام ووظائف لم يسبق أن غطاها "البنك المركزي" من قبل - مثل الإدماج المالي، وإدارة المخاطر، والامتثال، وحماية المستهلك، والأنظمة الخاصة بالمحافظات، إلى جانب عمليات التدقيق القائمة على المخاطر. وأعتقد أنه من خلال هذه التدابير، انتقل "البنك المركزي" فعلياً من القرن العشرين إلى القرن الواحد والعشرين. ومن خلال إضافة هذه الوظائف، جعلنا من "البنك المركزي" مؤسسة تتعامل مع كافة التحديات والمهام الجديدة التي غطتها المصارف المركزية الأخرى على مدى التاريخ.
وأخيراً، أود الإشارة إلى التطورات الأخيرة في كردستان، التي نشعر بالحزن الشديد إزاءها. لقد أوشكنا على هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية»؛ وتعمل البلاد جاهدةً على إعادة البناء والسماح للناس بالعودة إلى منازلهم. ولسوء الحظ، نواجه الآن تحدياً آخر، نأمل حلّه بطريقة سياسية وليس عن طريق الصراع، حيث سيكون هذا المسار الأخير صعباً للغاية بالنسبة للبلاد التي تكبّدت أثماناً باهظة خلال العقود الثلاثة الماضية.
وعقب الاستفتاء، نحن في "البنك المركزي" راسلنا على الفور رئيس وزراء «حكومة إقليم كردستان» سائلين عما إذا كان بإمكاننا، كبنك مركزي، مواصلة القيام بعملنا هناك. ويعود السبب إلى ذلك لأننا عملنا بجد مع «حكومة الإقليم» لنحو عام من أجل ممارسة رقابتنا ضمن «إقليم كردستان العراق». وقبل ذلك، كان الإقليم فعلياً خارج نظام الرقابة الذي يطبقه "البنك المركزي العراقي". لذلك، شخصياً، عقدتُ العديد من الاجتماعات مع رئيس وزراء «حكومة إقليم كردستان» بهدف تطبيقنا الرقابة والإشراف على القطاع المصرفي في الإقليم. وبعدها وقّعنا اتفاقاً، قبل شهرين أو ثلاثة أشهر فقط، لفتح فرع لـ "البنك المركزي" في أربيل. وكنا نعدّ كافة الترتيبات اللوجستية من أجل بدء العمل هناك - وبالفعل بدأنا هذا العمل. ومن ثم، حين حصل الاستفتاء، أرسلتُ كتاباً إلى رئيس الوزراء سائلاً إياه، كما قلتُ، عما إذا كان بإمكاننا مواصلة عملنا. وجاء الردّ إيجابياً. نعم، يمكنكم مواصلة عملكم. لذلك أوضحنا من جانبنا أنه لا مانع لدينا. تحدثتُ إلى الحكومة، وإلى رئيس الوزراء، وأيضاً إلى مجلس النواب، بشأن احتمالات ربط كردستان بدستورنا، بحيث كلما كانت لدينا استجابة إيجابية، وهو ما يُعتبر مؤشراً جيداً، يمكننا الاستمرار في القيام بعملنا هناك.
وبالتالي، نشعر في "البنك المركزي" أنه إذا كان لا يزال بإمكاننا القيام بعملنا، فلا مانع لدينا. فلن نتعامل مع الوضع هناك بطريقة سلبية. ولكن التصعيد يسير بشكل سريع حالياً، لا سيما في وسائل الإعلام، لذلك علينا أن نرى أين ستنتهي الأمور. ونأمل، كما أقول، أن تنتهي بشكل سلمي.
بصراحة، أشعر أن ما حصل مؤسف للغاية، لكن يمكنه أن يؤدي إلى حلول دائمة لعلاقتنا بين الإنماء الاتحادي و«حكومة إقليم كردستان» - لأن أشياء كثيرة حدثت خلال الأعوام الماضية خارج حدود دستورنا. وقد حصلت معظم هذه الأنشطة بموجب ترتيبات سياسية، وهو ما يُعتبر برأيي مساراً محفوفاً بالمخاطر - وهذا ما نراه في الوقت الحالي. لقد عبّرتُ شخصياً عن وجهة النظر هذه في عدة مناسبات، فقد سبق أن شغلت منصب الأمين العام لمجلس الوزراء لمدة ثماني سنوات، وفي ذلك الوقت استمريت بالقول إنه يجب أن نلتزم بدستورنا لكي لا نراكم مشاكل يمكنها أن تؤدي إلى أزمة مستقبلية. وهذا ما نواجهه الآن.
لذلك نأمل أن يؤدي ما يحدث حالياً إلى حلول دائمة، وترتيبات دائمة، تمشياً مع دستورنا - حتى لا نواجه هذه الأنواع من المشاكل في كل مرة.
شكراً جزيلاً لكم".