- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2684
فريق أوباما يجعل الخطوات المُبَرَّرة بشأن إيران تبدو مريبة
في السابع من أيلول/سبتمبر، أفادت وسائل الإعلام أن الولايات المتحدة قد اتخذت ترتيبات لدفع مبلغ 1.7 مليار دولار أمريكي نقداً هذا العام بدلاً من 400 مليون دولار الذي أُعلن عنه سابقاً، لتُضاف هذه الخطوة إلى مجموعة مطّردة من الأخبار المثيرة للجدل بشأن تعاملات إدارة أوباما مع طهران. فمن خلال إخفاء مثل هذه الترتيبات والتكتّم عليها، جعلت الإدارة الأمريكية خطواتها إزاء إيران تبدو مريبة في أحسن الأحوال، متناسيةً بذلك الدرس الأساسي بشأن سياسات واشنطن ألا وهو أن التستّر غالباً ما يصبح هو الجريمة. وبعدما وعد فريق أوباما بأن «خطة العمل المشتركة الشاملة» ستؤدّي إلى شفافية منقطعة النظير، لجأ بدلاً من ذلك إلى نوع مربك من السرّية منذ إبرام الاتفاق النووي العام الماضي. والمفارقة هي أنه يمكن تبرير الكثير من خطوات هذا الفريق، حتى كونها تحقّق في بعض الحالات أهداف الولايات المتحدة الطويلة المدى.
تحويل الهدف الأمريكي إلى هزيمة
طوال خمسة وعشرين عاماً على الأقل سعت واشنطن إلى تسوية النزاع بشأن الدفعات المسبقة التي سدّدتها إيران قبل الثورة لقاء شراء أسلحة أمريكية، إلا أن طهران رفضت مراراً هذا الأمر. وفي النهاية نجحت إدارة أوباما في تحقيق هذا الهدف، لكنها ما لبثت أن أخفت خطواتها بطريقة جعلت هذا الإنجاز الكبير يبدو الآن غامضاً ويشوبه الشكّ بالنسبة للعديد من المراقبين، حتى أن البعض يصنّفه على أنه فدية صريحة لقاء سجناء أمريكيين أُطلق سراحهم حين تمّ تسديد الدفعة الأولى في كانون الثاني/يناير المنصرم.
يُذكر أن "اتفاقات الجزائر" التي وُقعت عام 1981، أنهت أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية [في طهران] وأسفرت عن إقامة "محكمة المطالبات بين إيران والولايات المتحدة" في لاهاي لتسوية الدعاوى القضائية الناتجة وغيرها من النزاعات. غير أن سجلّ هذه الهيئة غير الفعال على نحو كبير شكّل فضيحة على مدى عقود من الزمن. وبالطبع، لا يعمل قضاة هذه المحكمة التسعة وأعضاءها أوقات إضافية، علماً أن دافعي الضرائب الأمريكيين يغطون نصف رواتبهم الهائلة. فخلال السنوات الخمس الماضية أصدروا حكماً واحداً فقط. لذلك إذا كانت تسوية مثل هذه النزاعات تستغرق محكمة ما خمسة وثلاثين عاماً لإكمالها، فلا تشكل هذه المحكمة مثالاً للعدالة الدولية إنما مدعاة للإحراج.
فضلاً عن ذلك، إن العديد من القضايا المتبقّية هي مجرّد هراء سياسي. فعلى سبيل المثال، تزعم "القضية رقم A30" أن الولايات المتحدة انتهكت "اتفاقات الجزائر" عبر إقدام "وكالة المخابرات المركزية" الأمريكية على تنفيذ عمليات سرّية ضدّ إيران. وتستخدم طهران هذه القضايا للاستفادة إلى أقصى حدّ من القيمة الدعائية لهذه العمليات وتعزيز مزاعمها بأن واشنطن لم تتقيّد بالتزاماتها.
إلى ذلك، تتمثّل إحدى الوسائل الجلية لتخطي جميع هذه الإجراءات الرسمية العقيمة في تكرار اتفاق عام 1990 على نطاق أوسع، ذلك الاتفاق الذي يسمح بتسوية شاملة لكافة الشكاوى الصغيرة. وفي ذلك الوقت، حوّلت إيران 105 ملايين دولار إلى الحكومة الأمريكية لتوزيعها على المدّعين في شكاوى قانونية مشروعة تقلّ قيمتها عن 250 ألف دولار. وهناك أيضاً سابقة بين الطرفيْن تمثّلت بالاتفاق على تسوية مختلف القضايا المرتبطة بنزاع مبيعات الأسلحة، بما فيها دفعة أمريكية جزئية بقيمة 278 مليون دولار في عام 1991.
ومن هذا المنطلق، اعتُبر اتفاق كانون الثاني/يناير إنجازاً كبيراً تطلّب عملاً جاداً من جانب إدارة أوباما لترجمته إلى صفقة مريبة. ولهذا الغرض، اضطرّت الإدارة الأمريكية إلى التكتّم عن كيفية تسديد الدفعات ومن ثم نفت حصولها إلى حين تم الإفراج عن الرهائن الأمريكيين. كما توجّب عليها الاقتضاب في دفاعها عن الصفقة، بإصدارها بياناً صحفياً يتضمن 254 كلمة خالياً من أي تفاصيل حول المحكمة أو تاريخ إيران الطويل في المماطلة.
وإذا كانت الإدارة الأمريكية قد بذلت جهداً أقل في إخفاء أعمالها واتّخذت نهجاً أكثر بساطة وأكثر شفافية، لكان بإمكانها تجنّب الكثير من الجدل والشكوك الناتجة عن خطواتها. على سبيل المثال، كان يمكن جلب الفريق الأمريكي العامل في المحكمة إلى واشنطن لشرح العملية الطويلة والصعبة التي تتطلّبها حضّ إيران على الموافقة على التسوية. وكان يمكن الطلب من المسؤولين في الإدارات الخمس الماضية، الذين سعوا دون جدوى لإنهاء إجراءات المحكمة، أن يقوموا بتفسير عمليات التأخير غير المنطقية وإعطاء فكرة عن هذا الإنجاز.
زرع بذور الشك بشأن الاتفاق النووي
أنشأت «خطة العمل المشتركة الشاملة» "لجنة مشتركة" تضم إيران ومجموعة «دول الخمسة زائد واحد». ولم تعترض الحكومة الأمريكية على التقارير التي صدرت مؤخّراً حول ما سمحت "اللجنة المشتركة" لإيران فعله، بل اكتفت فقط بالاعتراض على المزاعم بأن هذه الخطوات هي [مجرد] "استثناءات".
ومع ذلك، فقد جاءت جميع خطوات "اللجنة المشتركة" التي كُشف عنها الستار مواتية لإيران، حيث تسمح لها في بعض الحالات بالقيام بأعمال غير مصرح بها بموجب «خطة العمل المشتركة الشاملة». وفي الواقع، أشارت التقارير الإخبارية إلى أنه كلّما كانت إيران على وشك انتهاك الاتفاق، كلما كانت تطلب تنازلاً وتحصل عليه؛ بمعنى آخر، التزمت بالاتفاق فقط بسبب منحها تنازلات. ويثير هذا الأمر القلق من أن مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» قد "توافق" على كل طلب إيراني، ويعني ذلك أنه لا يمكن على الإطلاق أن تخالف طهران هذا الاتفاق لأنه سيتمّ التنازل عن أي انتهاك.
بالإضافة إلى ذلك، حافظت "اللجنة المشتركة" على سرّية قراراتها، وهي ممارسة تثير للقلق حيث أرغمت المراقبين على الاعتماد على الإيمان بأن المسؤولين لا يزالون ملتزمين بشروط «خطة العمل المشتركة الشاملة». ويشير مفهوم السرّية إلى أن أحد الأطراف لا يرغب في أن يعلم عامة الناس ما الذي يجري، الأمر الذي يزيد الشكوك بأن عملية التطبيق تنطوي على بعض الفساد. ونظراً إلى أن القرارات سرّية، لا أحد يستطيع أن يجزم إذا كانوا على علم بكل ما تم إقراره: فمن الممكن أن تكون هناك أمور أخرى أكثر إثارة للجدل لم تَظهر بعد إلى العلن. ويقيناً، تُحدد «خطة العمل المشتركة الشاملة» بأنه يتوجب أن تكون كافة القرارات سرّية إلا إذا قررت اللجنة خلاف ذلك. بيد، تنص الاتفاقية أيضاً على عمل اللجنة بتوافق الآراء، ويعني ذلك أنه بإمكان واشنطن إجبارها من جانب واحد على أن تكشف القرارات علناً عبر التهديد بعرقلتها (باستثناء الحالات التي تكون فيها السرّية مناسبة للحفاظ على الأسرار التجارية).
كما أن السرّية محيّرة أيضاً لأن بعض تنازلات اللجنة تغطي المسائل التقنية التي لا تبدو ذات أهمية بشكل خاص للوهلة الأولى. فعلى سبيل المثال، من الصعب الشعور بالحماس حول القرار الذي يسمح لإيران باستثناء بقايا الأوارنيوم المتبقّية في آلات التخصيب، من السقف الذي فرضته «خطة العمل المشتركة الشاملة» على الأورانيوم المنخفض التخصيب. ومع ذلك، تنصّ «خطة العمل المشتركة الشاملة» صراحةً على ضرورة إدراج هذه البقايا في أي تعداد لإجمالي المواد المنخفضة التخصيب في إيران. ومن الواضح أنه لن يصعب على الجمهورية الإسلامية استخراج المواد من الآلة إذا اختارت ذلك، لذا فإنه ليس من الواضح لماذا ينبغي استثناءها من السقف. إذاً، ما فعلته "اللجنة المشتركة" هو تقديم تنازلات لإيران تتجاوز ما تضمّنته «خطة العمل المشتركة الشاملة» من دون مبرّرات واضحة تُذكر، الأمر الذي يؤدّي بالتالي إلى إثارة الشكوك حول التنازلات الأخرى التي قُدّمت.
وتُعتبر قرارات أخرى صادرة عن اللجنة مثيرة للقلق بحدّ ذاتها، مثل السماح لإيران بتشغيل تسع عشرة "خلية ساخنة" كبيرة يمكن استخدامها لاستخراج البلوتونيوم، وهي طريقة أخرى لصنع سلاح نووي. إن حجم هذه الخلايا المسموح بها يتجاوز إلى حدّ كبير ما هو ضروري لإنتاج نظائر طبية، وهو التبرير الافتراضي الذي تقدّمه إيران لطلبها.
كيفية إعادة الثقة في سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران
بشكل عام، إن خطوات الإدارة الأمريكية منذ العام الماضي - أي الحفاظ على سرية القرارات، والموافقة على كافة طلبات طهران - تجعل علاقاتها مع إيران تبدو وكأنها تنتقل من سيئ إلى أسوأ. وإذا كانت قرارات "اللجنة المشتركة" مجرد إيضاحات تقنية ليس إلا، فعندئذ يتعيّن على واشنطن والحكومات الأخرى في مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» أن تُعلن ذلك صراحةً. وإذا كان استخدام الدفعات النقدية لتسوية مبيعات الأسلحة مجرد نتيجة لعجز إيران عن الالتزام بالقيود المصرفية الأمريكية الصارمة، فعندئذٍ كان لا بدّ من الإعلان عن هذا الواقع صراحةً، وليس إبقائه سرّاً، ثم نفيه عقب كشفه من قبل وسائل الإعلام والاعتراف به مؤخراً فقظ تحت ضغط الأسئلة.
وفي المرحلة القادمة، يجدر بالمسؤولين في الإدارة الأمريكية إجراء تحقيق دقيق حول ما لم يتم بعد الكشف عنه من أمور أخرى وشرحها بأنفسهم علناً. وبذلك، يمكنهم ضمان أن أي إفصاحات إخبارية أخرى ستكون مجرد مواد إعلامية صغيرة ولن تحتل الصفحات الأولى والعناوين الرئيسية، كما أنها لن تكون أيضاً موضوع جلسات استماع أمام الكونغرس.
پاتريك كلاوسون هو زميل أقدم في زمالة "مورنينغستار" ومدير الأبحاث في معهد واشنطن.