فصائل "المقاومة" العراقية تحوّل اتجاهاتها نحو حملة قمع واسعة النطاق ضد الفضاءات الإعلامية
بعد أن توقفت الميليشيات العراقية عن مقاومة القوات الأمريكية (التي ردت بإطلاق النار)، أخذت هذه الميليشيات تركز على العناصر غير المسلحة فيما يبدو أنها حملة قمع منسقة ضد حرية التعبير.
منذ "احتجاجات تشرين" في العراق عام 2019، والتي قمعتها "المقاومة" بوحشية، كثّفتت الميليشيات المتحالفة مع إيران حملتها شديدة القسوة لإسكات أي معارضة في وسائل الإعلام. وشهدت الأسابيع الأخيرة هجمات منسقة على الناشطين في مجال مكافحة الفساد من قبل فصائل إرهابية وميليشيات في السلطة القضائية ومجلس النواب والحكومة، وهو ما رددته المنصات الإعلامية "للمقاومة".
حشد السلطة القضائية
في 18 شباط/فبراير، بعث رئيس "المحكمة الاتحادية العليا" جاسم محمد عبود برسالة إلى الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد جاء فيها "وحيث إن المركز الخبري على تطبيق الواتساب الذي يديره (مصطفى كامل وجماعته) منصباً نفسه لتقييم الجهات الحكومية والقائمين عليها لأسباب وغايات معروفة للجميع بما لا تتفق مع النظام العام والآداب حيث يقوم هو وقسم ممن يشارك فيه بتوجيه الاتهامات واستخدام عبارات لا أخلاقية، ومنهم (يحيى الكبيسي)" (الشكل 1 أ). وتستمر الرسالة: "ويلاحظ بأن عدد من أصحاب المراكز الحساسة في الدولة مشاركين فيه وإن كل ذلك يخالف أحكام المادة (226) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل والتي نصت على (يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على 7 سنوات أو بالحبس والغرامة من أهان بإحدى الطرق العلانية مجلس الأمة أو الحكومة أو المحاكم أو القوات المسلحة أو غير ذلك من الهيئات النظامية أو السلطات العامة أو المصالح أو الدوائر الرسمية أو شبه الرسمية). إن هذه المحكمة سوف تتخذ الإجراءات القانونية اللازمة بشأن ذلك" (الشكل 1ب).
ويبدو أن الرسالة تطرح الفكرة بأن عبود هو المشتكي والقاضي في هذه القضية. ونُشرت الوثيقة على الإنترنت، ربما عن عمد، ولاقت إشادة من وسائل إعلام "المقاومة"، التي كانت بلا شك ترغب في ترهيب النشطاء ومنعهم من الظهور إعلامياً أو التعبير عن آرائهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وبشكل أكثر تحديداً، أشار عبود إلى أن "المادة (226)" من قانون النشر من زمن البعث، والتي تحظر انتقاد أجهزة الدولة، سيتم تطبيقها على أساس أكثر انتظاماً في المستقبل.
انضمام رئيس الوزراء ومجلس النواب إلى الهجمات على المعلقين الإعلاميين
في السنوات الأخيرة، اعتاد العراقيون على قيام "هيئة الاتصالات والإعلام" بمنع الناشطين من الظهور على شاشات التلفزيون بناء على اتهامات مثل الترويج لحزب البعث أو التعامل مع إسرائيل. ومن الشخصيات البارزة التي خضعت لهذه الرقابة، يحيى الكبيسي المذكور أعلاه، إلى جانب ربيع الجواري، وعلاء النشوع، وعمر عبد الستار، وأحمد الأبيض، وعماد باجلان.
لكن هذا العام، بدأ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في رفع قضايا "المادة (226)" ضد المعلقين الإعلاميين الذين ينتقدونه شخصياً:
- في 14 كانون الثاني/يناير، كان السوداني هو صاحب الشكوى عندما اعتقلت قوات الأمن العراقية المعلق محمد نعناع المقرب من التيار الصدري بتهمة إهانة رئيس الوزراء على شاشات التلفزيون. وتم إطلاق سراح نعناع من السجن في 29 كانون الثاني/يناير بعد ضغوط إعلامية وجماهيرية هائلة اتهمت السوداني بأنه دكتاتور.
- في 26 شباط/فبراير، ألقت قوات الأمن القبض على المؤثر عبر الإنترنت ياسر الجبوري في مطار بغداد أثناء مغادرته إلى أيرلندا، كونه مواطن إيرلندي. وهنا أيضاً، كان مكتب رئيس الوزراء هو صاحب الشكوى، مدعياً انتهاك "المادة (226)" بناءً على تعليق (تم حذفه منذ ذلك الحين) نشره الجبوري على منصة "تويتر" حول عادة المحسوبية التي يتبعها السوداني المتمثلة في تعيين أقاربه في المكاتب الحكومية. والجدير بالذكر أن الشكوى صدرت فور رفض الجبوري الامتثال لأمر مدير المكتب الإعلامي للسوداني ربيع نادر الذي يطالبه ببدء العمل كوكيل عبر الإنترنت لمكتب رئيس الوزراء (الشكل 2).
- وفي 27 شباط/فبراير، اتخذ محسن المندلاوي - رئيس مجلس النواب بالنيابة والذي يرتبط بشكل وثيق بـ "منظمة بدر" المدعومة من إيران - خطوة مماثلة، حيث أمر "الدائرة القانونية" في البرلمان بإقامة دعوى قضائية ضد أي مؤسسة أو فرد يسئ للمؤسسة التشريعية وأعضاء مجلس النواب (الشكل 3).
اغتيال المعلقين: من السهل القيام به، ومن الصعب ذكره في وسائل الإعلام العراقية
في 22 شباط/فبراير، نجا فخري كريم، رئيس "مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون"، من محاولة اغتيال على يد مجموعة مسلحة مجهولة في منطقة القادسية المسوّرة ببغداد. وفي اليوم التالي، غرد رئيس تحرير صحيفة "الشرق الأوسط" الأجنبية الرائدة، غسان شربل، قائلاً إن بغداد أصبحت "مصنعاً للاغتيالات".
ورداً على ذلك، أجرت "قناة العهد" العراقية، التي تديرها "عصائب أهل الحق"، والتي صنفتها الولايات المتحدة جماعة إرهابية، مقابلة مع المتحدث السابق باسم القائد العام للقوات المسلحة عبد الكريم خلف، الذي قال إنه "يجب مقاضاة شربل... لا ينبغي أن يمر ذلك (مرور الكرام)، التغريدة استهداف واضح" (الشكل 4).
اتجاه واضح ومثير للقلق
يجري الآن إعداد "المادة (226)" من "قانون العقوبات" القديم من زمن البعث لاستخدامها على نطاق واسع ضد منتقدي حكومة السوداني. بعبارة أخرى، إن الديمقراطية التي ساعدت الولايات المتحدة في بنائها تخطط لإعادة حرية التعبير إلى عصر الدكتاتورية الوحشية. وتحاول الجماعات والميليشيات الإرهابية المدعومة من إيران، والتي تسيطر على السوداني وحكومته، التخلص من جميع الانتقادات العلنية للانتهاكات التي يرتكبها أفرادها، وأجهزة الدولة التي يديرونها، وحتى رئيس الوزراء نفسه.
وتتطلب هذه الانتهاكات وجهود الرقابة ردود دولية كبيرة، ربما تشمل قيام الولايات المتحدة بتأجيل الزيارة المقررة للسوداني إلى البيت الأبيض في نيسان/أبريل. وإذا لم تنجح هذه الخطوة، فسوف تستنتج الجماعات الإرهابية بأن لديها الضوء الأخضر لتحويل حربها ضد القوات الأمريكية إلى حرب ضد جميع أولئك الذين يعارضون حكم الميليشيات في العراق. ويستطيع الجيش الأمريكي أن يحمي نفسه، لكن المواطنين العراقيين غير المسلحين لا يستطيعون ذلك؛ إنهم بحاجة إلى جهات فاعلة دولية للدفاع عنهم.