
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3997
فوز روسيا في أوكرانيا سيشكل خسارة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط

مع انطلاق المحادثات التحضيرية للسلام على قدم وساق ودخول الحرب عامها الرابع، يتعين على واشنطن أن تتبنى نهجاً براغماتياً في حشد الدعم العربي وضمان ألا تؤدي نتائج الصراع إلى تعزيز نفوذ موسكو وإيران في المنطقة.
يُصادف يوم 24 فبراير/شباط الذكرى السنوية الثالثة للغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، وهو ما تعتبره موسكو معركة عالمية ضد الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، في سياق صراع بين رؤى متباينة للنظام العالمي. من وجهة نظر روسيا، النظام المفضل هو عالم مقسم بين القوى العظمى التي لها حرية التصرف بحصانة في مناطق نفوذها.
وقد فرضت الدول الغربية عقوبات باهظة الثمن على هذا العدوان غير المبرر، إلا أن هذه العقوبات لم تكن كافية. فبسبب عدم عزلها عالمياً تمكنت موسكو من تأمين موارد كافية من الخارج لمواصلة جهودها الحربية، ولعل أبرزها تلك التي وفرتها منطقة الشرق الأوسط. ففي سعيها لتعزيز مواردها ونفوذها في المنطقة، سعت روسيا إلى التقارب مع إيران ووكلائها، وعملت بنشاط على تأجيج الفوضى في مناطق مختلفة لإشغال الغرب وإضعاف موقفه. وفي المقابل، أبدى شركاء الولايات المتحدة الإقليميون تردداً، بل وحتى عدم تعاون، في تعاملهم مع هذه الحرب، إذ انصب تركيزهم على تحقيق مصالحهم الخاصة، ولم يقدموا سوى دعم محدود، إن وُجد.
وبالفعل، فإن قرار إدارة ترامب بتركيز دبلوماسيتها الأولية في قضية أوكرانيا على الشرق الأوسط يشير الى أهمية المنطقة بالنسبة للحرب وللأمن الأوروبي الأوسع نطاقًا. وفي وقت سابق من اليوم، التقى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بنظيره الروسي سيرغي لافروف في المملكة العربية السعودية، حيث يُتوقع أن يعقد الرئيس ترامب في نهاية المطاف أول اجتماع له مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، يخطط الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للقيام بجولة تشمل الرياض والإمارات العربية المتحدة وتركيا، على الرغم من أنه لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت واشنطن ستدعوه للمشاركة في اجتماعاتها الاستكشافية مع روسيا.
إدانة سطحية وأولويات متباينة
بشكل عام، لم تقدم حكومات الشرق الأوسط سوى إدانة سطحية للغزو الروسي في المحافل الدولية، مثل التصويت لصالح قرارات غير ملزمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي محافل دولية أخرى، كانت أكثر حذراً. فبعد الغزو مباشرةً، على سبيل المثال، أعربت جامعة الدول العربية عن "قلقها الشديد" إزاء الوضع ودعت إلى "الحوار والدبلوماسية"، دون إدانة روسيا مباشرة. وبحلول تموز/يوليو 2024، أمتنعت دول إقليمية رئيسية مثل مصر والمملكة العربية السعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة حتى عن التصويت على قرار الجمعية العامة التي طالب بانسحاب روسي غير مشروط من الأراضي الأوكرانية.
عندما أخفق الشركاء الشرق أوسطيون في دعم العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، لم تفرض الولايات المتحدة عقوبات ضدهم، كما أنهم لم يجدوا مصلحةً تُذكر في مواجهة موسكو بمفردهم. وفي لقاءاتهم المغلقة، شدد المسؤولون الإقليميون، مراراً وتكراراً على رغبتهم في النأي بأنفسهم عن الصراع، مع الحفاظ على توازن في علاقاتهم الجيدة مع كل من واشنطن وروسيا، التي يرونها قوة عظمى إلى جانب الصين. وبالإضافة إلى تركيزهم على مصالحهم البراغماتية الخاصة، شعر بعض المسؤولين الإقليميين بأن واشنطن كانت متناقضة في مواقفها؛ إذ سارعت لمساعدة أوكرانيا، بينما لم تبذل الجهد نفسه لدعم شركائها في الشرق الأوسط في أوقات حاجتهم.
وفي الوقت عينه، كان للرواية الروسية حول الحرب صدى واسع في العالم العربي، واستمر الاهتمام الإقليمي بالأسلحة الروسية، ولم يكن هناك ما يعوق شراء المزيد منها سوى العقوبات الأمريكية والمخاوف بشأن قدرة موسكو على الوفاء بالتزاماتها في العقود المبرمة. لم يمرّ الأداء العسكري الروسي الضعيف في أوكرانيا مرور الكرام في الشرق الأوسط، لكن الأسلحة التي كانت الأقل كفاءة - مثل الدبابات والمركبات القتالية المدرعة - ليست من بين الصادرات الروسية الأساسية للمنطقة. بدلاً من ذلك، يظهر العملاء في الشرق الأوسط اهتماماً أكبر بشراء الطائرات ومحركات الطائرات والصواريخ، التي أظهرت أداءً مقبولاً نسبياً في أوكرانيا.
ومع استمرار الحرب، أصبحت الدول العربية أكثر قلقاً بشأن التهديد الذي تشكله العلاقات الوطيدة بين روسيا وإيران. وبدلاً من تحدي موسكو على هذه الجبهة، اختارت هذه الدول اتباع سياسة المهادنة - ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنها تنظر إلى شراكاتها مع الولايات المتحدة باعتبارها غير مستقرة. كان هذا النمط جلياً قبل سنوات من غزو أوكرانيا، فبعد أن تمكنت روسيا من ترسيخ نفوذها في سوريا، على سبيل المثال، عملت المملكة العربية السعودية على زيادة انخراطها مع موسكو وعرضت عليها حوافز اقتصادية أملاً (عبثًا في نهاية المطاف) في إبعادها عن إيران.
الوساطة والمساعدة الإنسانية
كجزء من استراتيجيتها المتمثلة في عدم الانحياز إلى أي طرف في الحرب، نصّبت دول الخليج نفسها مرارا ًوتكراراً كوسيط بين موسكو وكييف، إذ أشرفت على عملية تبادل كبيرة للأسرى في أيلول/سبتمبر 2022، وقدمت أكثر من 400 مليون دولار من المساعدات الإنسانية لأوكرانيا، واستضافت قمة سلام دولية في أب/أغسطس 2023. وبالمثل، توسطت الإمارات العربية المتحدة في عملية تبادل 180 سجينًا في حزيران/يونيو 2024، ثم تفاوضت على نقل 300 سجين آخر في نهاية العام. كما ساهمت قطر بأكثر من 100 مليون دولار كمساعدات إنسانية لأوكرانيا لدعم الصحة والتعليم وإزالة الألغام، علاوة على دعمها مؤخراً برنامج "حبوب من أوكرانيا" الذي يهدف إلى مساعدة الدول الأفريقية على الحصول على القمح والسلع الأخرى من كييف.
والواقع أن الحرب جعلت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عرضة بشكل خاص لانعدام الأمن الغذائي. وبالتعاون مع الأمم المتحدة، ساعدت تركيا في التوسط في مبادرة البحر الأسود الهامة للحبوب في وقت مبكر من الصراع، والتي ساعدت في التخفيف من أزمة الغذاء العالمية الناتجة عن ذلك. ومع ذلك، انهار الاتفاق في تموز/يوليو 2023 بعد أن انسحبت روسيا من الاتفاق. وغالباً ما استغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مثل هذه الوساطة للعب دور توازن دقيق بين أوكرانيا وروسيا وحلف شمال الأطلسي، مع سعيه في الوقت نفسه إلى تعزيز موقفه المحلي من خلال هذه الجهود.
التركيز على العلاقات التجارية مع روسيا
بعيدًا عن فرض عقوبات على روسيا، عمل العالم العربي وتركيا على تعميق علاقاتهما التجارية مع موسكو على مدى السنوات الثلاث الماضية، مع تركيز خاص على السعودية والإمارات العربية المتحدة بوصفهما منتجين رئيسيين للطاقة. وقد ساعد ذلك الكرملين على توليد إيرادات إضافية لتمويل حربه. على سبيل المثال
- برزت تركيا والإمارات العربية المتحدة كوجهتين رئيسيتين للأوليغارشية الروسية التي تشملها للعقوبات.
- استمرت التجارة بين روسيا وتركيا في النمو خلال الحرب، حيث أكد أردوغان من جديد التزامه بزيادة التجارة الثنائية من 55 مليار دولار إلى 100 مليار دولار.
- أفادت التقارير أن التجارة بين روسيا ومصر وصلت إلى مستوى قياسي جديد بلغ 8 مليارات دولار العام الماضي، بزيادة أكثر من الضعف من 2.9 مليار دولار في عام 2022.
- شهدت التجارة بين روسيا والإمارات العربية المتحدة نمواً كبيراً، حيث زادت بنحو ستة أضعاف خلال السنوات الخمس الماضية وفقًا للإحصاءات الرسمية الروسية. وبحلول أوائل عام 2023، قفزت الإمارات العربية المتحدة من المرتبة الحادية والأربعين إلى المرتبة الثامنة بين أسواق التصدير الروسية، حيث بلغ حجم التبادل التجاري 11.4 مليار دولار. وفي أواخر العام الماضي، أشاد الرئيس بوتين شخصياً بهذا النمو، بينما أعلن المسؤول الرفيع ميخائيل إيفانوف أن الإمارات العربية المتحدة هي أكبر شريك تجاري لروسيا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا سيما في قطاع الطاقة. وأثارت تجارة الإمارات في السلع ذات الاستخدام المزدوج، التي تدعم القاعدة الصناعية الدفاعية الروسية مثل رقائق الحاسوب والإلكترونيات وغيرها من المنتجات الخاضعة للعقوبات، قلقاً خاصاً لدى الغرب. وفي كانون الأول/ديسمبر، وضعت أبو ظبي اللمسات الأخيرة على اتفاقية اقتصادية مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تقوده روسيا، مما يشير إلى تعاون تجاري أعمق على المستوى الاستراتيجي.
- ساهمت المملكة العربية السعودية في تقويض العقوبات الغربية بشكل غير مباشر من خلال التنسيق مع روسيا في قضايا النفط، بما في ذلك خفض الإنتاج الذي أبقى أسعار النفط مرتفعة ووفر إيرادات إضافية لآلة الحرب الروسية.
توصيات سياسية
تُعد رغبة الرئيس ترامب في إنهاء الحرب الأوكرانية والجهود الاستباقية التي تبذلها إدارته لتسريع هذه العملية جديرة بالثناء. ومع ذلك، فإن الطريقة التي ستنتهي بها الحرب سيكون لها تأثير مباشر على مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، من بين عواقب أخرى. فإذا خرجت روسيا منتصرة، ستتضاءل مصداقية الولايات المتحدة وقيادتها العالمية، وسيكون لدى القادة الإقليميين حافز إضافي للتودد إلى موسكو باعتبارها الشريك الأكثر موثوقية. كما سيكون لدى بوتين أيضاً المزيد من الوقت والموارد لتكريسها للشرق الأوسط - بما في ذلك شحنات الأسلحة - بالإضافة إلى المزيد من الوسائل لتقويض المصالح الأمريكية هناك. ونظراً لأن حشد الدعم الإقليمي لأوكرانيا في مواجهة موسكو كان مهمة صعبة ، ينبغي على واشنطن التركيز على المصالح البراغماتية المشتركة عند التحدث مع الشركاء حول الجهود المبذولة لتفادي أسوأ النتائج المترتبة على انتصار روسي.
على سبيل المثال، قد يُضعف انتصار روسيا موقف الولايات المتحدة في أي مفاوضات نووية مستقبلية مع إيران، رغم أن قدرات طهران على استعراض القوة تراجعت بشكل كبير خلال العام الماضي. وللمضي قدماً، يتعين على واشنطن أن تدرك أن موسكو وطهران تشكلان كتلة استراتيجية واحد- فإذا تم تعزيز نفوذ أي منهما، فإن ذلك سيعزز نفوذ الأخرى أيضًا. وفى حين شكل سقوط نظام الأسد في سوريا فشلاً ذريعاُ لكليهما، إلا أن العلاقة بين إيران وروسيا تتجاوز الآن تلك الجبهة. ومن المؤكد أن بعض الاحتكاكات لا تزال بارزة، كما رأينا في خطاب سُرِّب مؤخراً لضابط عسكري إيراني رفيع المستوى، بهروز اثباتي، يتهم روسيا بالضلوع في انهيار سوريا. غير أن موسكو وطهران وقّعتا أيضاً معاهدة شراكة استراتيجية شاملة الشهر الماضي تشمل تعزيز التعاون الدفاعي بينهما.
يجب على واشنطن أن تشدد على هذه النقاط المرتبطة بإيران مع شركائها. كما يجب أن تستفيد من الفرصة الراهنة للانخراط في سوريا ما بعد الأسد ومنع عودة روسيا إلى الواجهة هناك، خاصة وأن موسكو لم تخرج من اللعبة بعد ولا تزال لديها أوراق تلعبها في دمشق. ومن شأن التحرك الأمريكي في سوريا أن يبعث برسالة إلى جميع أنحاء المنطقة مفادها أن موسكو ليست الشريك الموثوق الذي تدّعيه، مؤكداً على الدرس المستفاد من تخلي بوتين عن بشار الأسد. وعلى الرغم من أن حروب ترامب التجارية الأخيرة وحالة عدم اليقين الاقتصادي المستمرة قد تعطي الشركاء الإقليميين أسباباً أخرى غير مقصودة للتقرب من روسيا (والصين)، إلا أن أهم ما يمكن للولايات المتحدة القيام به هو ضمان فوز أوكرانيا.
والأهم من ذلك، يجب أن يعترف المسؤولون الأمريكيون بأنه لا يمكن إعلان مثل هذا النصر - ناهيك عن تحقيقه - دون حماية أمن أوكرانيا وأوروبا. وهذا يعني إثبات أن روسيا فشلت في إخضاع أوكرانيا، وأنها دفعت ثمناً باهظاً لغزوها. يتطلب الهدف الأول تهيئة الظروف الأمنية التي تضمن عدم قدرة روسيا على مهاجمة أوكرانيا مجددًا، وتمكين أوكرانيا من البقاء دولة قوية ومستقلة وديمقراطية. وحتى أكثر من مجرد الاستيلاء على الأراضي، تهدف موسكو إلى إبقاء أوكرانيا غير مستقرة وعرضة لنفوذها. ومع اقتراب موعد محادثات السلام، يقف النظام الإقليمي والعالمي عند مفترق طرق حاسم، ويتعين على المسؤولين الأمريكيين أن يحددوا أولويات تفاوضهم وفقًا لذلك.
آنا بورشفسكايا هي زميلة أقدم في "برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر حول منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط" في معهد واشنطن، وتركز في عملها على السياسة الروسية في الشرق الأوسط وتساهم أيضًا في شركة "أوكسفورد أناليتيكا" الاستشارية.