- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
في ذكرى التفجير، إيران تواصل نشاطها غير المشروع
صادفت هذا الأسبوع الذكرى الثالثة والعشرين لتفجير مبنى "الجمعية التعاضدية اليهودية الأرجنتينية" [أو "الرابطة الأرجنتينية الإسرائيلية المشتركة"] ("آميا") في بوينس آيرس عام 1994، الذي أسفر عن مقتل 85 شخصاً وإصابة 300 آخرين بجروح. وقد طبعت إيران هذه الذكرى بإهانة ضحايا الاعتداء عبر تقديم عرض فارغ للمساعدة، رغم أنها توفر الملجأ لكبار الإيرانيين المتهمين بالجريمة.
وفي الواقع، تواصل إيران الانخراط في مجموعة كبيرة من الأنشطة غير المشروعة والقتالية في مختلف أنحاء العالم. فهذا الأسبوع على سبيل المثال، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على 16 كياناً وأفراداً إيرانيين مسؤولين عن دعم الجيش الإيراني و «الحرس الثوري الإسلامي»، في خطوة تؤكد مرة أخرى على التزام إيران بأنشطتها غير المشروعة منذ عام 1994.
في عام 1994، عمد وكلاء إيرانيون وإرهابيو «حزب الله» إلى تفجير مركز مجتمعي يهودي في الأرجنتين. وبعد مرور 23 عاماً على الحادثة، تقول طهران الآن إنها مستعدة للتعاون مع "الإنتربول" لحل القضية، رغم إصرارها على أن التحقيق لا يزال حتى الآن خاضعاً إلى حدّ كبير "لمصالح سياسية" - في إشارة شبه واضحة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل. لكن تماماً كالعروض الإيرانية الماضية للتعاون في هذه القضية، لا يجب اعتبار هذا العرض مسعىً حقيقياً لحل الجريمة، بل محاولة من جانب إيران للتملص من ضلوعها في عمل إرهابي شنيع.
وبعد سنوات على عرقلة التحقيق في الاعتداء وتوفير الدعم المستمر لـ«حزب الله»، ليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن دعوة طهران للتعاون هذا العام هي صادقة أكثر مما كانت عليه في السنوات الماضية.
وفي أعقاب اعتداء "آميا"، أجرت السلطات الأرجنتينية والدولية تحقيقاً موسعاً عن التفجير، وخلُصت إلى أن "قرار تنفيذ الهجوم على مبنى "الجمعية التعاضدية اليهودية الأرجنتينية"، فضلاً عن تنسيقه، قد تم اتخاذه من قبل أرفع المسؤولين في جمهورية إيران الإسلامية في ذلك الوقت، وأن هؤلاء المسؤولين أوعزوا إلى «حزب الله» اللبناني -- وهي مجموعة خضعت تاريخياً للمصالح الاقتصادية والسياسية لنظام طهران -- لتنفيذ الهجوم".
واتهم المدعون محسن رباني بأنه العقل المدبر للهجوم. كما حددوا هوية عميلين إيرانيين عملا مباشرةً لصالحه. واستناداً إلى ممثلي الادعاء، كانت تقارير المراقبة التى أصدرها رباني "عاملاً حاسماً في اتخاذ قرار تنفيذ الاعتداء على مبنى «آميا»". وعلاوةً على ذلك، أرسلت إيران أموالاً لتنفيذ المخطط إلى ثلاثة حسابات مصرفية شخصية مختلفة في الأرجنتين.
وقد استخدم رباني هذه الأموال لشراء الشاحنة التي استُخدمت لتنفيذ التفجير إلى جانب مواد دقيقة وأساسية أخرى. وقبل يومين من التفجير، أجرى رباني مكالمة هاتفية مع "مؤسسة التجارة الحكومية" الإيرانية، التي كان يُعتقد أنها غطاء للاستخبارات الإيرانية. وأجرى مكالمته بالقرب من المرآب الذي كانت الشاحنة مركونة فيه، بجوار مركز "آميا". وعلى الرغم من اتهام رباني لضلوعه في التفجير وهروبه إلى إيران، إلّا أنه واصل دعم العمليات الإيرانية في أمريكا الجنوبية.
وفي عام 2011، اتفقت الأرجنتين وإيران على تشكيل "لجنة تقصي الحقائق" تتولى التحقيق بشكل مشترك في الاعتداء على مبنى "الجمعية التعاضدية اليهودية الأرجنتينية". وكانت نزاهة هذه اللجنة موضع شك منذ البداية، نظراً إلى الاتهامات المعلقة التي وجهتها الأرجنتين إلى المسؤولين الإيرانيين. وفي كانون الثاني/يناير 2015، تفاقم الوضع عندما عُثر فجأة على المدعي العام ألبرتو نيسمان مقتولاً في شقته في ظروف مشبوهة للغاية.
وقد قُتل مباشرةً بعد توجيهه اتهامات بأن الإدارة الأرجنتينية، لا سيما كريستينا كيرشنير [رئيسة الأرجنتين في ذلك الحين] ووزير الخارجية هكتور تيمرمان، خططت لإخفاء دور إيران و«حزب الله» في تفجير مبنى "آميا" مقابل صفقة سياسية بين حكومتي إيران والأرجنتين.
وفي أيار/مايو 2015، صرح رباني للتلفزيون الأرجنتيني أن تحقيق نيسمان لم يكن مستنداً سوى على "تلفيقات الصحف من دون أي دليل يدين إيران". وفي الواقع، إن أقوى دليل ضد إيران هو القرائن التي تبين الدور الخاص الذي أدّاه رباني في المؤامرة، انطلاقاً من إدارة شبكة من عملاء المخابرات في بوينس آيرس، إلى شراء الشاحنة التي استُخدمت في النهاية كسيارة مفخخة لتفجير مركز "آميا".
ومن المرجح أن تكون ثقة رباني بادعاء البراءة نابعة من جهود عميليه على الأرض، هما خليل وباز، اللذان كانا يتآمران لزرع "أدلة جديدة" مزيفة وتغطية الأدلة الفعلية التي ستكشف مسؤولية ايران عن التفجير.
إن الظهور العلني للعملاء الإيرانيين وعناصر «حزب الله» في اعتداء مبنى "آميا" القاتل ينبغي أن يوفر سبباً كافياً للتشكيك في العرض الأخيرالذي قدمته إيران لتجديد التحقيقات. ومع ذلك، فمنذ عام 1994، واصلت إيران دعم «حزب الله» في جهوده لارتكاب الإرهاب في جميع أنحاء العالم، مما يُظهر أكثر فأكثر نفاق العرض الإيراني الأخير للتعاون في تحقيق"آميا".
فعلى سبيل المثال، في 18 تموز/يوليو 2012 - أي بعد مرور 18 عاماً على تفجير مبنى "الجمعية التعاضدية اليهودية الأرجنتينية" - نفذ عملاء «حزب الله» تفجيراً بواسطة حافلة في مطار بورغاس في بلغاريا، مما أدى إلى مقتل ستة أشخاص وجرح الكثيرين غيرهم. وفي حين لم يكن هذا الهجوم الأول من نوعه لـ «حزب الله» في أوروبا، إلّا أن الحادث سلّط الضوء على حجم عمليات الحزب في القارة العجوز.
وفي خارج أوروبا، استمرت أنشطة «حزب الله» بلا هوادة في أمريكا الجنوبية. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2014، تم إحباط مخطط للحزب في بيرو. ومؤخراً، أرسل «حزب الله» أحد عناصره المقيمين في الولايات المتحدة للقيام بمراقبة حرة مناسبة في بنما.
ويواصل «حزب الله» جمع مبالغ كبيرة من الأموال من خلال أعماله غير المشروعة وعمليات التهريب في منطقة الحدود الثلاثية بين البرازيل وباراغواي والأرجنتين، وفي مناطق أخرى للتجارة الحرة هناك. وفي حزيران/يونيو الماضي، جرى تسليم علي عيسى شمص - شخص مشتبه في انتمائه لـ «حزب الله» - إلى الولايات المتحدة من باراغواي ووجهت إليه "محكمة ميامي الفدرالية" تهمة التآمر لتصدير الكوكايين عبر الولايات المتحدة.
وخلال الأشهر الخمسة الماضية، تم القبض على العديد من العملاء المشتبه بهم الآخرين في الولايات المتحدة إثر ادعاءات بوجود روابط مالية تجمعهم بـ«حزب الله». فقد سلّم المغرب قاسم تاج الدين إلى الولايات المتحدة في آذار/مارس 2017، واتُهم بأنه "ممول مهم لمنظمة «حزب الله» الإرهابية". وفي حزيران/يونيو، ألقي القبض على علي كوراني وسامر الدبق في نيويورك وميشيغان على التوالي، نتيجة مزاعم بضلوعهما في أنشطة داعمة للحزب. وقد اعتقلا بتهمة "توفير ومحاولة والتآمر لتوفير مواد لدعم «حزب الله»"، فضلاً عن تلقّيهما "تدريبياً عسكرياً من «حزب الله»".
وفي إطار العقوبات المعلنة هذا الأسبوع، كشفت الولايات المتحدة أيضاً عن استخدام طهران لمنظمة إجرامية عابرة للحدود مقرها في إيران لدعم قواتها العسكرية أو «الحرس الثوري الإسلامي» في تطوير وصيانة وانتاج معدات عسكرية مثل الطائرات بدون طيار. وجاءت هذه التصنيفات في أعقاب تأكيد إدارة ترامب أن إيران تلتزم بشكل عام بالاتفاق النووي الإيراني، مما يُظهر الكيفية التي التزمت بموجبها إيران بهذا الاتفاق فيما يخص القضايا النووية، ولكنها تواصل الانخراط في سلوك غير مشروع، لا سيما تلك الأعمال التي قام بها «الحرس الثوري الإسلامي».
وفي التقييم الذي أجراه قائد "القيادة المركزية الأمريكية" الجنرال جوزيف فوتل، ذكر أن إيران أصبحت "أكثر عدوانيةً في سلوكها منذ إبرام الاتفاق النووي [الإيراني]". وبدوره، أدلى المدير السابق للاستخبارات الوطنية الأمريكية جيمس كلابر بتصريحات مماثلة في أوائل هذا العام قائلاً، إن "إيران و«حزب الله» لا يزالان يطرحان تهديداً مستمراً لمصالح الولايات المتحدة وشركائها في جميع أنحاء العالم".
ولا بدّ من النظر إلى لجوء طهران إلى "الإنتربول" في مسألة تفجير مبنى "آميا" على ما هو: الثعلب يتحايل للتلاعب بالتحقيق في بيت الدجاج الذي غزاه. إذا أرادت إيران المساعدة في التحقيق في تفجير مبنى "الجمعية التعاضدية اليهودية الأرجنتينية"، فيجب أن تسلم الإيرانيين المتهمين بالجريمة إلى المحققين الأرجنتينيين. وأي تصرف آخر ليس سوى خطب جوفاء.
ماثيو ليفيت هو زميل "فرومر- ويكسلر" ومدير برنامج "ستاين" للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن.
"ذي هيل"