- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3821
في مرمى النيران في باب المندب: القدرات العسكرية للحوثيين وخيارات الرد الأمريكية
يستخدم الحوثيون مجموعة واسعة من الأسلحة والتكتيكات لتصعيد إخلالهم بالأمن البحري الإقليمي، وفرض حظر بحري انتقائي ضد السفن الإسرائيلية التي تسعى إلى المرور عبر مضيق باب المندب وتهديد السفن الحربية الأمريكية التي تظهر لحمايتها.
نظراً للعلاقات الوثيقة التي تربط الحوثيين في اليمن بالنظام الإيراني، وعدائهم التقليدي للولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية، فليس من المستغرب أن يحفل تاريخهم بتهديد حرية الملاحة عبر مضيق باب المندب. فبدءَ من إرغام الرياض على وقف حركة الناقلات في عام 2018 إلى إرسال السفن المرتبطة بإسرائيل في مسارات مكلفة حول أفريقيا خلال الأسابيع القليلة الماضية، تمكن الحوثيون من ممارسة نفوذ غير متناسب على الحسابات الأمنية في البحر الأحمر من خلال استخدامهم مجموعة من أنظمة الأسلحة الإيرانية والمحلية الصنع.
عمليات الحوثيين خلال الحرب بين "حماس" وإسرائيل
في 10 تشرين الأول/أكتوبر، أي بعد ثلاثة أيام فقط من اندلاع حرب غزة، هدد الحوثيون بإطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة على إسرائيل بالتنسيق مع "محور المقاومة" الذي يدور في فلك إيران إذا تدخلت الولايات المتحدة في النزاع. وبعد تسعة أيام، بدأوا بإطلاق وابلٍ من الطائرات الهجومية المسيّرة وصواريخ كروز أحادية الاتجاه على إسرائيل، وكان معظمها يستهدف ميناء إيلات في جنوب البلاد (ولكن تم اعتراض جميع الضربات). وتكررت هذه الهجمات كل بضعة أيام حتى 31 أكتوبر/تشرين الأول، عندما صعّد الحوثيون عملياتهم بإطلاقهم صاروخ باليستي متوسط المدى نحجت إسرائيل باعتراضه بنظام الدفاع "آرو-2".
وتقع مدينة إيلات على بُعد أكثر من 1800 كيلومتر من قاعدة الصواريخ الحوثية المعروفة بالقرب من صنعاء وحوالي 1600 كيلومتر من أقرب منطقة يسيطرون عليها، مما يثير تساؤلات حول مدى وصول أسلحة الحوثيين. وفي أيلول/سبتمبر، استعرضت الحركة صاروخها الباليستي الجديد "طوفان"، والذي يبدو مطابقاً للصاروخ الإيراني "قدر-H" و"قدر-F" (أقصى مداهما 1650 و1948 كيلومتراً، على التوالي). في 9 تشرين الثاني/نوفمبر، استخدمت إسرائيل صاروخ "آرو-3" لإسقاط صاروخ باليستي فوق البحر الأحمر، وهو الأول من نوعه بالنسبة لصاروخ اعتراضي أكثر قدرة.
وبعد الفشل المتكرر في اختراق الدفاعات الإسرائيلية، غيّر الحوثيون تكتيكاتهم. ففي 16 تشرين الثاني/نوفمبر، أعلنوا عن إطلاق حملة منع دخول فعلية إلى أن تُنهي إسرائيل غزوها لغزة، محذرين من أن باب المندب والمياه المحيطة به سيتم إغلاقها أمام السفن المرتبطة بإسرائيل وأي سفن حربية تحميها بشكل مباشر أو غير مباشر. وفي 19 تشرين الثاني/نوفمبر، هبطت مجموعة من الحوثيين على متن حاملة المركبات "جالاكسي ليدر" المملوكة لإسرائيل ويديرها طاقم ياباني، باستخدامهم طائرة هليكوبتر، وقادوا السفينة وطاقمها الرهائن إلى مرسى شمال الحديدة (لمزيد من المعلومات حول هذه الحادثة، انظر المرصد السياسي 3820). وفي 25 تشرين الثاني/نوفمبر، استهدف الحوثيون سفينة الحاويات المرتبطة بإسرائيل «"سي إم أي" "سي جي إم" "سايمي"» (CMA CGM Symi) في المحيط الهندي باستخدامهم طائرة مسيّرة هجومية أحادية الاتجاه.
كما تم تهديد سفن "القوات البحرية الأمريكية". ففي 26 تشرين الثاني/نوفمبر، عندما أحبطت المدمرة "يو إس إس ميسون" محاولةً للاستيلاء على ناقلة المواد الكيماوية "سنترال بارك" التي يملكها إسرائيليون في خليج عدن على بُعد 100 كيلومتر قبالة الساحل اليمني، أفادت بعض التقارير أن الحوثيين أطلقوا صاروخين باليستيين على السفينة الحربية، سقطا وتناثرا على بُعد نحو 16 كيلومتراً. وعلى الرغم من أن السلطات الأمريكية أعلنت أن الصاروخين لم يهدفا إلى التسبب في أي ضرر للسفينة "ميسون"، إلا أن الهجمات الصاروخية الباليستية المضادة للسفن أصبحت حقيقة واقعة في منطقة باب المندب. وفي 4 كانون الأول/ديسمبر، سقطت قذيفة أخرى بالقرب من ناقلة البضائع السائبة المملوكة لبريطانيا "يونيتي إكسبلورر". إن الواقع بأن هذه الصواريخ المضادة للسفن لم تضرب بعد سفينة متحركة يمكن أن ينبع من عدم كفاية التدريب أو الخبرة أو البيانات الاستخباراتية أو الدقة.
الدور الإيراني المحتمل
يتوقع العديد من المراقبين أن تتدخل إيران قريباً لتحسين عمليات الاستهداف التي يقوم بها الحوثيون، سواء من خلال تبادل المعلومات الاستخبارية في الوقت المناسب أو من خلال تعديل أنظمة الملاحة الصاروخية الخاصة بالحركة. وقد تزوّدهم طهران أيضاً النسخة الانتحارية للطائرة المسيرة "شاهد-136" التي تم تطويرها مؤخراً برأس باحث كهروضوئي، مما يجعلها ذخيرة تسكع حقيقية قادرة على البحث عن هدف متحرك ومهاجمته بدقة. ولم يُعرف بعد عن امتلاك الحوثيين لهذه القدرة.
ويبدو أيضاً أن إيران ساعدت الحركة على توسيع مدى وصولها في البحر الأحمر. ويسيطر الحوثيون على محافظة الحديدة، التي تشمل معظم ساحل اليمن على البحر الأحمر وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، التي تتعامل مع حوالي 70 بالمائة من واردات البلاد والمساعدات الخارجية. ومع ذلك، تسيطر الحكومة المعترف بها دولياً على أجزاء من محافظة تعز بالقرب من مضيق باب المندب، فضلاً عن الساحل الطويل لخليج عدن. ومن أجل استعراض قوتها جنوباً، يتعين على القوات البحرية الحوثية إما الإبحار عبر المضيق المزدحم (الذي بالكاد يخضع للمراقبة) أو استخدام "السفن الأم" الموجودة أساساً في خليج عدن.
وفي الماضي، أبقى الجيش الإيراني على سفينة الأسلحة والتجسس "سافيز" شمال مضيق باب المندب مباشرةً، لكنها تعرضت لأضرار بالغة في نيسان/أبريل 2021 بسبب ما قيل إنها ضربة بطائرة إسرائيلية مسيّرة أو ضربة صاروخية. ومنذ ذلك الحين، عززت "القوات البحرية لجمهورية إيران الإسلامية" تواجدها في المنطقة بحجة "مكافحة القرصنة وجمع المعلومات الاستخباراتية" في المنطقة، حيث تعمل الفرقاطة "ألبرز" حالياً في البحر الأحمر والفرقاطة "جمران" في خليج عدن.
قدرات الإنكار البحري
منذ عام 2015، وخاصة منذ وقف إطلاق النار مع السعودية، زاد الحوثيون إلى حدٍ كبيرٍ من قدراتهم على منع دخول المنطقة من خلال قيام إيران بتزويدهم بمعظم هذه القدرات. وفي بعض الحالات، حصلوا على منظومات أسلحة كاملة أو لوازم أسلحة لتجميعها في اليمن، وفي حالاتٍ أخرى، قدّمت إيران الخبرة التكنولوجية والمعدات إما لتعديل أسلحة الحوثيين الموجودة أو إنتاج تصميمات إيرانية محلياً باستخدام مكونات وتجميعات مهربة.
ونتيجة لذلك، بإمكان الحوثيين تعطيل حرية الملاحة بشكل انتقائي حول مضيق باب المندب باستخدامهم مجموعة من القدرات والتكتيكات التي تم استخدام بعضها في الهجمات الأخيرة، على سبيل المثال:
- الألغام الملتصقة
- عمليات الصعود على متن السفن والاستيلاء عليها باستخدام القوارب الصغيرة و/أو المروحيات
- هجمات الطوربيدات المأهولة أو الموجهة عن بُعد بواسطة غواصين مدربين تدريباً خاصاً
- إطلاق صواريخ قصيرة المدى من الزوارق السريعة
- الطائرات الهجومية المسيّرة الاحادية الاتجاهٍ مثل "شهاب" و"قاصف" و"ويد"
- صواريخ "كروز" متنوعة مضادة للسفن قد يصل مداها من 80 إلى 300 كيلومتر، من بينها صواريخ "صياد" و"سجيل"
- الصواريخ الباليستية المضادة للسفن، والتي توفر مدى أطول (يصل إلى 300 كيلومتر) ولكنها تتطلب معلومات استخباراتية عن الاستهداف في الوقت المناسب توفرها الطائرات بدون طيار أو السفن أو القوات الشريكة (على سبيل المثال، الطائرات المسيّرة الإيرانية أو الأصول البحرية في المنطقة).
في عام 2022، زعم الحوثيون أيضاً أنهم يملكون صاروخاً باليستياً مضاداً للسفن يُدعى "تنكيل" يصل مداه إلى 500 كيلومتر، ويشبه إلى حدٍ كبيرٍ صاروخ "رعد 500" الإيراني. غير أن النماذج المعروضة في العرض العسكري الذي أقيم في 21 أيلول/سبتمبر 2023 في صنعاء بدت وكأنها مجسمّات بالحجم الطبيعي. وتبيّن أن صاروخ "حاطم" الباليستي الجديد (المشابه لصاروخ "خيبر شكن" الإيراني، والذي يبلغ مداه المزعوم 1450 كيلومتراً) هو أيضاً مجسّم بالحجم الطبيعي، مما يشير إلى أن الحوثيين كانوا يحاولون إبراز قدرة على توجيه ضربات دقيقة أبعد مدى بشكل ملحوظ عما يمتلكونه فعلياً من أسلحة قابلة على الوصول إلى مسافات بعيدة.
وبِغَضّ النظر عن الصواريخ المزيفة، يبدو أن الحد الأقصى الحالي لمدى وصول صواريخ الحوثيين المضادة للسفن يبلغ 300 كيلومتر إذا أُطلِقت من أراضيهم. ويعني ذلك أن أي سفينة تقترب من مضيق باب المندب قادمة من خليج عدن يمكن أن تتعرض للتهديد بصاروخ يتم إطلاقه من أقصى شمال البلاد وداخلها مثل ذمار، في حين يمكن استهداف أي سفينة تَستخدم "ممر العبور الأمني البحري" بأسلحة يتم التحكم بها من صنعاء (انظر أدناه لمزيد من المعلومات حول هذا الممر).
وتُمثّل الطائرات المسيّرة الهجومية الأحادية الاتجاه تهديداً أبعد مدى، وإن كان يسبب قدراً أقل من الدمار. أما الطراز الحوثي الوحيد المعروف الذي يمكنه استهداف سفينة متحركة، فهو طائرة "شهاب" المشتقة من عائلة "صماد". ويُعتقَد أن هذه الطائرة المسيّرة المجهزة برأسٍ باحثٍ للتوجيه الطرفي الكهربائي البصري (في ضوء النهار فقط على ما يبدو) يتراوح مداها الأقصى بين 600 و1200 كيلومتر، بينما تحمل رأساً حربياً صغيراً نسبياً يبلغ وزنه نحو 40 كيلوغراماً.
التوصيات
يُعتبَر تحقيق الأمن في باب المندب والمياه المحيطة به أساسياً لضمان مرور السفن التجارية دون عوائق عبر المنطقة، بما في ذلك خليج عدن، الذي هو أحد أكثر ممرات الشحن ازدحاماً في العالَم. وبهدف حماية التجارة الدولية ومجموعة كبيرة من المصالح الإقليمية الأخرى، يتعيّن على الولايات المتحدة اتخاذ الخطوات الآتية:
- النظر في استهداف مواقع إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة، ومواقع الرادار الساحلية، ومواقع تخزين الأسلحة ذات الصلة التابعة للحوثيين كرسالة للحركة مفادها أنه لن يتم التسامح مع أعمالهم الأخيرة. وعلى الرغم من أن هجماتهم لم تحقق نتائج تُذكَر حتى الآن، إلا أنهم قد يحققون نجاحاً كبيراً في نهاية المطاف إذا سُمح لهم بمواصلة نهج المحاولة والخطأ الظاهر الذي يعتمدونه. وعندما أطلق الحوثيون صواريخ مضادة للسفن على سفن "القوات البحرية الأمريكية" في تشرين الأول/أكتوبر 2016، قصفت الولايات المتحدة عدة مواقع رادار ساحلية بصواريخ "كروز" من طراز "توماهوك"، وبدا أن ذلك أوقف الحوثيين عن تنفيذ عمليات إطلاق إضافية في ذلك الوقت.
- إعادة تصنيف حركة الحوثيين كـ"منظمة إرهابية أجنبية"، وفرض المزيد من العقوبات الأمريكية، والضغط على هيئات "الأمم المتحدة" ذات الصلة لإعلان أنشطة الحوثيين في المياه الدولية أعمالاً إرهابية بحرية وفقاً لـ "اتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية" لعام 1988.
- زيادة الدعم لـ"مصلحة خفر السواحل" اليمنية التي تديرها الحكومة المعترف بها دولياً. بمساعدة الهيئات البريطانية والأممية ذات الصلة، بإمكان الولايات المتحدة توفير تدريب أفضل وسفن مجهَّزة بشكلٍ أفضل وتتمتع بقدرات دفاعية أكثر فعالية، فضلاً عن تحسين قدرات جمع المعلومات الاستخباراتية ومشاركتها لكي تتمكن من القيام بأدوار موسّعة تتجاوز أمن السواحل والموانئ. وفي آذار/مارس، اجتمع وفد أمريكي مع كبار ممثلي "مصلحة خفر السواحل" في اليمن، وناقش معهم الفرص المستقبلية لتعميق التعاون البحري الثنائي والمتعدد الأطراف ضمن إطار "القوات البحرية المشتركة"، والتي تشمل اليمن ضمن أعضائها. ومن شأن توسيع نطاق هذه الاتصالات أن يساعد في تنسيق جهود الأمن البحري الإقليمي، وتعزيز قدرة الشركاء وقابلية التشغيل المتبادل، وملء الفراغات الأمنية في مختلف الممرات المائية الإقليمية.
- وضع أصول الاستطلاع الاستراتيجية والتكتيكية الأمريكية في موقعٍ أقرب من المنطقة (وفي بعض الحالات داخلها) لتحسين الوعي بشأن قدرات الحوثيين وأنشطتهم المتعلقة بالصواريخ والطائرات المسيّرة. بعد استئناف حرب غزة على نطاقٍ واسعٍ (في أعقاب فترة وقف إطلاق النار)، من المرجح أن تطلب إيران من شركائها الحوثيين تصعيد جهودهم الحركية في مرحلةٍ ما من خلال استهداف الأصول البحرية الأمريكية مباشرةً. وستكون الأهداف المفترضة من هذه الإجراءات ذات شقين: رفع تكلفة الحفاظ على وجود عسكري أمريكي نشط في المنطقة، وزيادة الضغط الأمريكي على إسرائيل لتنفيذ وقف إطلاق النار إلى أجلٍ غير مسمى.
- إنشاء فرقة عمل بحرية دولية ذات قيادة موحدة وصلاحيات موسعة لحماية حركة الشحن كافة في البحر الأحمر والمياه المحيطة. ينبغي تفويض هذا الكيان بالانخراط بقوة في العمل القتالي الدفاعي عند الضرورة، لردع إيران ووكلائها عن تنفيذ المزيد من الأنشطة المزعزِعة للاستقرار.
- مراقبة القوات البحرية الإيرانية (كل من "القوات البحرية لجمهورية إيران الإسلامية" و"القوات البحرية للحرس الثوري الإسلامي") عن كثب بحثاً عن أي علامة تشير إلى نشر المزيد من وحداتها السطحية وطائراتها المسيّرة البعيدة المدى في منطقة باب المندب، لتسهيل تحقيق الدقة في عمليات الاستهداف الحوثية بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ. يجب أن تكون القوات الأمريكية وقوات التحالف مستعدة لإحباط مثل هذه الأنشطة عند الضرورة.
- إقناع الجهات مثل "القوات البحرية المشتركة" و"التحالف الدولي لأمن وحماية حرية الملاحة البحرية" وذراعه المعني بالعمليات، أي "قوة التحالف المشتركة" ("سنتنل")، بإنشاء قدرة شبكية للدفاع الجوي والصاروخي في البحر. قد يشبه هذا الجهد إقدام "القوات البحرية المشتركة" في عام 2017 على إنشاء "ممر العبور الأمني البحري"، الذي يجمع بين أربعة ممرات شحن متواجدة ومعترف بها دولياً في المنطقة، ويمكّن الشركاء من تركيز تواجدهم البحري وجهود المراقبة بشكلٍ أفضل.
فرزين نديمي هو زميل أقدم في معهد واشنطن ومؤلف دراسته الأخيرة "الجيل القادم من الصواريخ الباليستية الإيرانية".