- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
في ظل اتفاق أو في غيابه، ستبقى إيران تشكل تهديداً نووياً
حتى مع بقاء العديد من النقاط التي لا بد من تحديدها، فإن التوافق على الإطار المبدئي الذي تحاول مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» إبرامه مع إيران سيمثل تقدماً نحو تقييد البرنامج النووي الإيراني. ومع ذلك، فإن ادّعاء إدارة الرئيس الأمريكي أوباما بأن أي اتفاق يتم التوصل إليه في النهاية سيقطع كافة الطرق التي تسمح لإيران بالوصول إلى سلاح نووي إيراني، هو ادعاء يحمل بالتأكيد في طياته عامل المبالغة. ففي أحسن الأحوال، ستضع الصفقة عوائق فيما يخص مدة الاتفاق ولكنها لن تقدم الكثير بعد ذلك. وفي تلك المرحلة، سيتوجب على الإدارة الأمريكية ومن سيخلفها توضيح أنه إذا ما سعت إيران إلى تجاوز العتبة النووية وإنتاج يورانيوم مخصب - أو إعداد الأسلحة النووية - فإن ذلك سيدفع بالولايات المتحدة إلى استخدام القوة. ولكن في تلك الحالة، سوف تعمل واشنطن على منع الإيرانيين من ترجمة بنيتهم التحتية النووية الكبيرة إلى سلاح نووي، وليس على تفكيك البرنامج.
ويجدر بالذكر أن الاتفاق الذي لا تزال الإدارة الأمريكية تطمح إلى وضع اللمسات الأخيرة عليه مع الإيرانيين بحلول الثاني من نيسان/أبريل لا يعكس الهدف الذي كانت واشنطن تأمل في تحقيقه خلال فترة طويلة من ولاية أوباما الأولى. ففي تلك المرحلة، عندما كنتُ أخدم في الإدارة، كمنَ هدفنا في تحويل طابع البرنامج النووي الإيراني بحيث أن القصد السلمي لقدرات إيران يتم إظهاره بوضوح إلى المجتمع الدولي. وكان ذلك يعني حتماً أنه لا يمكن لإيران امتلاك بنية تحتية نووية كبيرة. وإذا سُمح [لها] بالتخصيب، فيتعيّن أن يكون مقيداً للغاية ويقتصر على كميات صغيرة للأغراض البحثية أو لإنتاج النظائر الطبية. وإذا أرادت إيران امتلاك مفاعلات نووية إضافية لتوليد الكهرباء، تتلقى وقودها من بنوك الوقود الدولية، ويتم إرسال الوقود المستهلك إلى خارج البلاد، بشكل مشابه إلى حد كبير لوضع مفاعل بوشهر حالياً. وبالمثل، يكون مخزون اليورانيوم المخصب في البلاد، الذي قد يسعى الإيرانيون خلسة إلى تنقيته ليصل إلى المستوى المطلوب للأسلحة، ضئيلاً أو معدوماً. كما وأن الإسئلة المتعلقة بـ "الأبعاد العسكرية المحتملة للبرنامج النووي الإيراني" - وهي عبارة ملطّفة لجهود إيران لصناعة سلاح نووي - كان قد تم أيضاً الإجابة عليها بشكل مرضٍ.
وفي مرحلة ما، غيّرت إدارة أوباما من هدفها، فتحول من كونه قائماً على تحويل البرنامج النووي الإيراني إلى كونه يكمن في التأكد من عدم حصول إيران على فترة لتجاوز العتبة النووية تقل عن عام واحد. يُذكر أن الهدف الأول كان ينبع من تصميم الولايات المتحدة على الضغط على إيران لتغيير نيتها حول المتابعة في خيار امتلاك سلاح نووي أو على الأقل الحفاظ على هذا الخيار. أما الهدف الثاني فيعكس بوضوح حكماً مختلفاً تماماً وهو: أن واشنطن لم تتمكن من تغيير النوايا الإيرانية، لذا احتاجت بدلاً من ذلك إلى التركيز على تقييد قدراتها.
من المؤكد أنه عندما تتحدث الولايات المتحدة عن فترة لتجاوز العتبة النووية تبلغ عاماً واحداً، فهي توافق على الفكرة بأن إيران ستتمتع بالوسائل والبنى التحتية لإنتاج أسلحة نووية وأن واشنطن تحاول تطوير العوائق التي تحول دون قيام طهران بذلك، حتى بينما تضع واشنطن أيضاً مؤشرات تنذر الولايات المتحدة بأي جهد إيراني من هذا القبيل.
ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية توصلت أثناء المفاوضات إلى استنتاج بأنه لا يمكنها من الناحية الدبلوماسية إعادة البنية التحتية النووية الإيرانية إلى وضعها السابق بأي شكل له مغزى، بعد أن واجهت عدم رغبة طهران في تفكيك أي من منشآتها النووية. لكن قد يكون بإمكان واشنطن أن تنجح دبلوماسياً باحتواء البرنامج النووي الإيراني، وفرض قيود عليه ومنع نموه على مدى السنوات الخمسة عشر المقبلة. بالإضافة إلى ذلك، بإمكان الولايات المتحدة أن تقيم خلال ذلك الوقت ما يكفي من الشفافية لمعرفة ما إذا كان الإيرانيون يعملون نحو الوصول إلى إنتاج قنبلة - وما إذا كان الوعي الإيراني حول ذلك سيردعهم عن السعي إلى مثل هذه القدرة. ويبدو أن الرئيس ووزير الخارجية والمفاوضين الرئيسيين الأمريكيين لا يرون بدائل أخرى يمكن أن تعد بنتيجة تكون بالجودة نفسها. وفي الواقع، قد تؤدي زيادة العقوبات إلى الضغط على الإيرانيين ولكنها لن تتمكن من أن توقف تسارع برنامجهم النووي في حال فشل الدبلوماسية. وقد يترك ذلك خياراً وحيداً وهو استخدام القوة، بكل عواقبه غير المقصودة، والذي لا تحبذه الإدارة الأمريكية كثيراً، لاسيما إذا كان باستطاعة واشنطن كبح الإيرانيين عبر وسائل أخرى.
ولكن إذا كان مقياس المفاوضات حالياً يتمحور حول فترة تجاوز العتبة النووية، فستحتاج الإدارة الأمريكية أن تظهر، وبشكل مقنع، أن نظام التحقق سيكون واسع النطاق وقادراً على اكتشاف كل ما يفعله الإيرانيون والوقت الذي يفعلون به ذلك. وفي الواقع، لا تعتمد فترة تجاوز العتبة النووية، التي تمتد على عام واحد، على عدد أجهزة الطرد المركزي ونوعها ونتاجها ومخزون اليورانيوم المخصب فقط - وكلها عوامل يمكن احتسابها - ولكن أيضاً على قدرة الإدارة الأميركية على اكتشاف اللحظة التي يبدأ فيها الإيرانيون بالتسلل من القيود المفروضة عليهم أو الخروج عنها أو تخطيها.
إلى جانب ذلك، بالنسبة لأولئك الذين يعتبرون أن سنة واحدة ليست بالكافية لأنه حتى لو تم اكتشاف انتهاك ما، فهو لا يضمن الرد عليه، وسيتوجب على الإدارة تفسير السبب الذي يبرر أن هذا الاتفاق لن يعمل مثل الاتفاقيات الأخرى للحد من الأسلحة، حيث أن الأسئلة المتعلقة بعدم الامتثال غرقت تاريخياً في مناقشات لا نهاية لها. فكيف سترد واشنطن في حال اكتشافها أي انتهاك، وخاصة إذا كان خطيراً؟ وهل ستضمن آلية الرد حزماً سريعاً؟ وماذا لو لم يوافق الروس وآخرين أو أصرّوا على أن هناك حاجة إلى نقاش طويل مع الإيرانيين؟ وكيف يمكن للولايات المتحدة أن تتأكد من ألا تغيّر الانتهاكات الصغيرة خط الأساس وتقلّص فترة تجاوز العتبة النووية؟ وفي ظل أي ظرف من الظروف يمكن لواشنطن أن تتخذ خطوات لوحدها من جانب واحد؟
إذا افترضنا أنه تم التوصل إلى اتفاق بحلول الثاني من نيسان/أبريل، قد تكون الإدارة الأمريكية على حق في اعتبارها أن هذا أفضل الحلول الممكنة، وأنه أفضل من البدائل الأخرى. وبطبيعة الحال، هذا لا يجعل منه اتفاقاً جيداً. فحتى اتفاق سيء قد يكون أفضل من البدائل الأخرى المتاحة، ولكن إذا كانت الإدارة الأمريكية تريد أن تثبت أن الاتفاق النهائي مقبولاً، سيتوجب عليها أن تظهر أنه أدى إلى الحد الأدنى من النتائج التي كانت تأمل بها واشنطن من قبل، أي: أن تمتد فترة تجاوز العتبة النووية على عام واحد على الأقل، وألا يتمكن الإيرانيون من منع المفتشين من الدخول إلى أي موقع، بما في ذلك المواقع الموجودة في المنشآت العسكرية أو التابعة لـ «الحرس الثوري»، وأن الاتفاق توقع مجموعة كاملة من الانتهاكات الإيرانية المختلفة، ولن يتم انتظار الآخرين للرد عليها. وفي الواقع، إذا أرادت الولايات المتحدة ردع انتهاكات الإيرانيين، لا بد لهم من أن يدركوا مسبقاً العواقب التي قد تترتب عن ذلك وأنها ستكون عوائق وخيمة.
إن الشكوك حول اتفاق يقوم على تقييد القدرات الإيرانية، وليس على إظهار تحول في النوايا الإيرانية، هي شكوك مفهومة. لكن بدلاً من التشكيك في دوافع المشككين، من الحكمة أن تثبت الإدارة الأمريكية أن لديها إجابات مقنعة على مخاوفهم حول ضعف الصفقة المحتمل. فقد تؤدي هذه الخطوة إلى إقناع بعض المشككين بأن الاتفاق مقبول.
دينيس روس هو مستشار وزميل "وليام ديفيدسون" المميز في معهد واشنطن.
بوليتيكو