- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
حاجتنا إلى النفط باقية لعقود مقبلة - و"أوبك" بحاجة إلى السعر المرتفع
Also published in "ذي هيل"
بينما تناقش الأطراف الفاعلة الكبرى في الكارتل أهدافها الإنتاجية المستقبلية، يزداد قلق القادة الغربيين من تضرر السياسة النفطية بسبب رغبة موسكو في تحقيق النصر في أوكرانيا ومعاقبة الدول المؤيدة لكييف.
كانت الحادثة التي مرت مرور الكرام هذا الأسبوع هي، أو بالأحرى كانت يجب أن تكون، اجتماع "أوبك بلس" الذي ضم ممثلين عن كبرى الدول المصدرة للنفط في العالم في لقاء افتراضي في الأول من شباط/فبراير، ومن المتوقع أن لا يأتي هذا الاجتماع بأي تغيير في معدلات الإنتاج التي تعتمدها هذه الدول. وربما تغيرت النظرة المطمئنة المتوقعة من هذا الاجتماع يوم الاثنين عندما أعلن الكرملين أن الرئيس فلاديمير بوتين أجرى اتصالاً هاتفياً مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان "لمناقشة التعاون داخل المجموعة... من أجل الحفاظ على استقرار أسعار النفط". وأياً كانت دوافع بوتين، فمن غير المرجح أن تكون خيرية بقدر "الحفاظ على استقرار الأسعار".
وكان من المفترض أن يمثّل اجتماع الأربعاء تأكيداً على أن أسعار النفط مطابقة تقريباً لما تريده المنظمة، المكونة من "أوبك" بقيادة السعودية والدول غير الأعضاء في "أوبك" بقيادة روسيا. فقد كان سعر خام برنت المتداول على نطاق واسع في منتصف نطاق 80 دولاراً للبرميل يوم الاثنين، مدعوماً بشكل أساسي بخفض الإنتاج خلال العام الماضي بمقدار قياسي بلغ مليونَي برميل يومياً. ويقوم الموقف السعودي، اليوم وآنذاك، على أن المملكة تتخذ قرارات الإنتاج بناءً على أسباب اقتصادية. غير أن المشككين يولون أهمية أكبر للحجة القائلة بأن الأمير محمد بن سلمان يحتاج إلى أسعار مرتفعة لتمويل إنفاقه الطموح على البنى التحتية، ومن بينها المدن المستقبلية مثل نيوم التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار.
أما من ناحية بوتين، فمن غير المرجح أن تكون دوافعه - أياً كانت - نابعة من رغبة في فعل الخير مثل "الحفاظ على استقرار أسعار النفط". فالانتصار في الحرب في أوكرانيا وربما الاستيلاء على البلاد بأكملها، فضلاً عن معاقبة الغرب لمعارضته وإرساله كميات أكبر وأفضل من الأسلحة إلى أوكرانيا، هي بالتأكيد دوافع تتصدر جدول أعمال بوتين. وبالفعل كان المقال الرئيسي في الصفحة الأولى من صحيفة "وول ستريت جورنال" يوم الاثنين ثاقب البصيرة إذ حذر من أن "الدول الغربية الداعمة لأوكرانيا تخشى من أن الوقت يصب لصالح روسيا".
ومرة أخرى، ربما يكون الزعيم السعودي الأمير محمد بن سلمان قد شوّه سمعته لدى الولايات المتحدة وأوروبا، علماً بأن التقارير السعودية حاولت تلطيف نظرة الكرملين المحرّفة، قائلة إن بوتين هو الذي بادر بالاتصال وأن الزعيمين "بحثا في العلاقات الثنائية... وتمت مناقشة عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك".
وحتى الآن، لم تقُم وسائل الإعلام الأمريكية بتحويل عودة أسعار البنزين المرتفعة إلى حدث صحفي، ولكن مع بلوغ سعر البرميل 85 دولاراً، عادت أسعار الضخ في محطات الوقود في الولايات المتحدة للارتفاع مجدداً. والواقع أن كاتب هذا المقال، الذي قد يُعتبر ساذجاً لأنه يحتاج إلى شراء وقود من الدرجة الممتازة في مقاطعة كولومبيا، دفع الأسبوع الماضي أكثر من 5 دولارات للغالون الواحد.
في المستقبل، ربما سنظل بحاجة إلى الوقود الهيدروكربوني على مدى عقود متعددة. ففي التقرير السنوي الأخير الذي أصدرته شركة "بي بي" بعنوان "توقعات الطاقة"، توقعت أن يكون هدف الوصول إلى صافي انبعاثات صفري من الكربون بحلول عام 2050 بعيد المنال. وربما يكون الخبر السار الوحيد حول الغزو الروسي لأوكرانيا هو أن البُلْدان التي تسعى إلى ضمان أمن الطاقة تتعرض لضغوط لكي تستثمر في مصادر الطاقة المتجددة خلال العقد المقبل، وهي نقطة اعترفت بها مقالة "فاينانشال تايمز" حين ذكرت: " شركة «بي بي» تقلص توقعاتها الطويلة الأجل للوقود الأحفوري".
وفي ظل السيناريو الأكثر طموحاً، تتوقع شركة "بي بي" أن تنخفض مستويات إنتاج النفط الحالية من قرابة 100 مليون برميل يومياً إلى 20 مليون برميل يومياً بحلول عام 2050. ولكن حتى في ظل هذا التوقع، تشير "فاينانشال تايمز" إلى أن الاستثمار في إنتاج النفط والغاز الطبيعي سيكون مطلوباً على مدى السنوات الثلاثين المقبلة.
وفي حين ليس من المؤكد ما إذا كان بوتين سيشهد على ذلك في المستقبل، إلا أن الأمير محمد بن سلمان قد يكون موجوداً. وتحرص شركة "بي بي" بجدٍّ وعن وجه حق على عدم التطرق إلى سيناريوهات الأسعار، غير أن السعوديين سيحتاجون إلى الإيرادات لسنوات عديدة. ولكن دعونا أولاً نجتاز عام 2023.
سايمون هندرسون هو "زميل بيكر" ومدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن.