- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3526
حالة التحقيق؟ «المحكمة الجنائية الدولية» و "الوضع في فلسطين"
تنذر التفاصيل القانونية للأحكام الأولية الأخيرة بالصعوبات التي من المحتمل أن تواجهها «المحكمة الجنائية الدولية» أثناء تحقيقها في المشهد الإسرائيلي الفلسطيني، مما يسلط الضوء على المعضلة الأوسع المتمثلة في جلب الصراعات السياسية إلى قاعة المحكمة.
على مدار عام 2020، تداولت «المحكمة الجنائية الدولية» في لاهاي في كيفية الرد على الأسئلة القانونية المحيطة بالتحقيقات المحتملة في "الوضع في فلسطين". وعلى وجه التحديد، طلبت المدعية العامة لـ «المحكمة الجنائية الدولية» في ذلك الوقت، فاتو بنسودة من «المحكمة» تأكيد نطاق ولايتها القضائية في هذه المسألة والمنطقة التي قد تمارس عليها تلك الولاية القضائية. فوفقاً للمادة 19(1) من "نظام روما الأساسي" - المعاهدة التي أنشأت «المحكمة الجنائية الدولية» - فإن المحكمة ملزمة بالفعل بضمان امتلاكها للسلطة القضائية للتحقيق في حالة معينة. وقد طلبت المدعية العامة توضيحاً بناءً على "القضايا القانونية والوقائعية الفريدة والمتنازع عليها بشدة" المرتبطة بمسألة ما إذا كان يجب اعتبار "فلسطين" دولة، كونها طرف في «المحكمة الجنائية الدولية»
وتم النظر في الموضوع من قبل "الدائرة التمهيدية الأولى بـ «المحكمة الجنائية الدولية»"، والتي تتألف من ثلاثة قضاة. وفي حكم الأغلبية الصادر في 5 شباط/فبراير 2021، رأت "الدائرة" أن «المحكمة الجنائية الدولية» تملك اختصاصاً في هذه الحالة، وأن المنطقة المعنية تشمل غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. وفي 3 آذار/مارس، أكدت بنسودة أن مكتبها فتح تحقيقاً في القضية.
ومن المفهوم أن القضايا قيد النظر تشمل حرب غزة عام 2014، وسياسة الاستيطان الإسرائيلية، والاشتباكات الحدودية مع غزة في الفترة 2018-2019. ويمكن أيضاً تضمين الأحداث المرتبطة بأعمال العنف في أيار/مايو 2021. وليست جميع المزاعم متعلقة بالأعمال الإسرائيلية. على سبيل المثال، في طلبها الأولي لإصدار حكم بشأن اختصاص «المحكمة»، أشارت المدعية العامة إلى أن لديها "أساساً معقولاً للاعتقاد بأن «حماس» وجماعات فلسطينية مسلحة ارتكبت جرائم حرب "تعمّد فيها توجيه هجمات ضد المدنيين والمواقع المدنية، واستخدام الأشخاص المحميين كدروع، والتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية"، من بين أمور أخرى.
التحكيم الأولي
توصلت "الدائرة التمهيدية الأولى بـ «المحكمة الجنائية الدولية» إلى ثلاثة استنتاجات في حكمها الصادر في 5 شباط/فبراير:
- أن "فلسطين دولة طرف" في "نظام روما الأساسي"؛
- أن «المحكمة الجنائية الدولية» تملك ولاية قضائية إقليمية عليها؛
- أن هذه الولاية القضائية "تمتد إلى الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، وبالتحديد غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية"
وعارض القاضي بيتر كوفاتش الاستنتاجَين الأخيرين في رأي مخالف جزئياً، بينما أيّد القاضي مارك بيرين دي بريشامبو جميع الاستنتاجات الثلاثة ولكنه أضاف رأياً مستقلاً جزئياً بشأن سؤال إجرائي حول صلاحية المدعي العام في طلب حكم أولي.
وفقاً للمادة 12 (2) (أ) من "نظام روما الأساسي"، تتمتع «المحكمة الجنائية الدولية» بالولاية القضائية إذا كانت الدولة "التي وقع في إقليمها السلوك قيد البحث" طرفاً في "نظام روما الأساسي" أو إذا قبلت بممارسة «المحكمة» اختصاصها بموجب إعلان. وفي حين جادل بعض أصدقاء «المحكمة» قبل المداولات بأن الدولة الفلسطينية ليست مكتملة عموماً، وأن قرار "الجمعية العامة للأمم المتحدة" رقم 67/19 - وهو الإجراء الذي اتُخذ في كانون الأول/ديسمبر 2012 والمتعلق بمنح "فلسطين وضع دولة مراقب غير عضو" في الأمم المتحدة - لا يُلزم المنظمة الدولية أو أعضاء «المحكمة الجنائية الدولية» الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ومع ذلك، شدّد القضاة الثلاثة على تمييز أساسي، تمثّل بـ : تركيزهم على تطبيق "نظام روما الأساسي"، وليس على المسألة الأوسع المتمثلة في الدولة الفلسطينية بموجب القانون الدولي. ومن ثم، خلصوا إلى أن العضوية الفلسطينية "كدولة طرف" في «المحكمة الجنائية الدولية» قد تم الحصول عليها بشكل قانوني، مع التأكيد على أن هذا الاستنتاج ليس له أي تأثير على المسألة الأوسع نطاقاً المتعلقة بالدولة. وفي هذا الصدد، أشاروا إلى رأيين استشاريين سابقين لـ «محكمة العدل الدولية»، هما: "العواقب القانونية لبناء جدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة" (2004) و "التوافق مع القانون الدولي لإعلان الاستقلال من جانب واحد فيما يتعلق بكوسوفو" (2010).
واعتبر قرار الأغلبية أن الاستنتاجات المذكورة أعلاه كافية لإثبات اختصاص «المحكمة الجنائية الدولية» في هذه الحالة، مستشهداً بالمادة 21 (1) (أ) من "نظام روما الأساسي" التي تنص على أن "تطبّق «المحكمة الجنائية الدولية» في المقام الأول «نظام [روما] الأساسي»، وأركان الجرائم والقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات الخاصة بـ «المحكمة»". ومع ذلك، نفّذ القاضي المخالف جزئياً الفقرة 1 (ب) من تلك المادة، التي توجّه «المحكمة» بأن تطبق، "في المقام الثاني، عند الاقتضاء، المعاهدات الواجبة التطبيق ومبادئ وقواعد القانون الدولي، والتي تشمل المبادئ الراسخة في القانون الدولي للنزاع المسلح". وأشار على وجه الخصوص إلى أن قرارات "الجمعية العامة للأمم المتحدة" ليست ملزمة في طبيعتها، وأن "اتفاقيات أوسلو"، في الوضع الحالي، هي أدوات للقانون الدولي تحدد اختصاصات السلطات الإسرائيلية والفلسطينية. ووفقاً له، فإن هذه العناصر تشهد بأن الدولة الفلسطينية الكاملة لم تتحقق (وهي نقطة يوضحها من خلال تضمين ملاحق للبيانات الفلسطينية وتلك الخاصة بالأمم المتحدة حول هذا الموضوع).
أما بالنسبة إلى الحكم القاضي بأن نطاق اختصاص «المحكمة الجنائية الدولية» في هذه المسألة يشمل غزة والضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية)، فقد اقتصر قرار الأغلبية على الإشارة إلى القرار 67/19 والحق في تقرير المصير. في المقابل، رأى القاضي المخالف جزئياً أن اختصاص «المحكمة الجنائية الدولية» يخضع لأوجه التمييز المنصوص عليها في "اتفاقية أوسلو 2" (أي المناطق "أ"/"ب" مقابل المنطقة "ج" مقابل القدس الشرقية)؛ الإسرائيليون مقابل غير الإسرائيليين باعتبارهم مرتكبي الجرائم المزعومة). ووفقاً له، فاعتماداً على مكان وقوع الجريمة المزعومة والمتهم بارتكابها، أو التوصل إلى اتفاق خاص مع إسرائيل (وفقاً للمادة 87 (5) (أ) من "نظام روما الأساسي") أو الحصول على موافقة إسرائيلية بشأن اختصاص «المحكمة الجنائية الدولية» (وفقاً للمادة 12 (3)) هي أمر مفيد أو ضروري من أجل التحقيق.
عدم وجود ضمان بأنه سيتم المضي قدماً في الملاحقات القضائية
أبلغت بنسودة قرارها برسالة وجّهتها إلى إسرائيل و"السلطة الفلسطينية"، مما أتاح لهما خيار طلب التأجيل إذا كانت التحقيقات أو الملاحقات القضائية المحلية المتعلقة بالقضايا المعنية جارية. وردّت إسرائيل بأنها لا تعتبر بأنه تم ارتكاب جرائم حرب وأعادت التأكيد على موقفها بأن «المحكمة الجنائية الدولية» ليس لها اختصاص.
ولا يعني قرار بنسودة بالضرورة أن المسؤولين السياسيين والعسكريين من الجانب الإسرائيلي أو الفلسطيني سيجدون أنفسهم في قفص الاتهام في لاهاي. فـ "نظام روما الأساسي" يفسح المجال أمام «المحكمة» للامتناع عن اتخاذ الإجراءات القضائية إذا كان ذلك لا يُعتبر "في مصلحة العدالة"، أو حتى لإعادة النظر في قرار أولي لإجراء تحقيق بناءً على معلومات جديدة. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن المحامي البريطاني كريم خان حل محل بنسودة كمدعي عام لـ «المحكمة الجنائية الدولية» في 16 حزيران/يونيو.
فضلاً عن ذلك، يبدو أن قرار الأغلبية الصادر عن "الدائرة التمهيدية الأولى بـ «المحكمة الجنائية الدولية»" قد أقرّ بأن «المحكمة» قد تواجه عقبات عند محاولتها ممارسة ولايتها القضائية في هذه الحالة، لافتاً إلى أن "استنتاجات «الدائرة» تتعلق بالمرحلة الراهنة من إجراءات الدعوى". وإذا صدرت أوامر توقيف أو استدعاء للمثول أمام «المحكمة» في وقت لاحق من العملية، أو إذا تم تقديم اعتراضات من قبل دولة أو مشتبه به، فإن "«الدائرة» ستكون مخولة للنظر في المزيد من مسائل الاختصاص القضائي التي قد تنشأ في ذلك الوقت". لذلك لم يتم استبعاد التطورات الجديدة - وهو عامل بارز في السياق السياسي حيث أدت حكومتين جديدتين هذا العام اليمين الدستورية في كل من إسرائيل والولايات المتحدة.
الإجراءات القانونية في سياق سياسي
يشهد عالمنا اليوم حالات كثيرة من القضايا المثيرة للجدل بشأن كيان الدول والسيادة المتنازع عليها، كما أن المعايير المنصوص عليها في القانون الدولي بهذا الصدد ليست قاطعة بصوة دائمة. وفي حين أن "نظام روما الأساسي" هو وثيقة قانونية مصممة لمكافحة أسوأ الجرائم الدولية، فإن إشاراته إلى كيان الدولة والأمم المتحدة تزيد من مخاطر استيراد النزاعات السياسية إلى قاعة «المحكمة».
بالإضافة إلى ذلك، حالما تتخذ «المحكمة الجنائية الدولية» موقفاً بشأن القضايا المماثلة على النحو المطلوب، فإن مجموعتين من أحكام "نظام روما الأساسي" ستوجه «المحكمة» في اتجاهين معاكسين. فمن جهة، من المنطقي أن تنظر «المحكمة الجنائية الدولية» في كيان له وضع متنازع عليه كدولة لأغراض تنفيذ الإجراءات وإقامة العدل. ومن جهة أخرى، يستند اختصاص «المحكمة الجنائية الدولية» إلى مبدأ التكامل المنصوص عليه في المادة الأولى والأحكام الأخرى لـ "نظام روما الأساسي": أي، إذا تمت محاكمة الجرائم المزعومة بشكل كافٍ على المستوى الوطني (أو ما شابه)، فلا تتخذ «المحكمة الجنائية الدولية» أي إجراء. وهذه الصلاحية من الملاحقة القضائية على وجه التحديد، وفقاً لـ "اتفاقات أوسلو"، هي ما تفتقر إليه "السلطة الفلسطينية" فيما يتعلق بمعظم الأمور الخاضعة للتدقيق هنا، باستثناء جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبتها «حماس» والجماعات الفلسطينية الأخرى.
بعبارة أخرى، تم إنشاء «المحكمة الجنائية الدولية» بتطلعاتٍ عالمية، ومع ذلك لم يتم منحها الولاية القضائية العالمية، وبالتالي يتوقف عملها على عضويتها (ما لم تتم إحالة حالة [معينة] إلى «المحكمة» من قبل مجلس الأمن الدولي، كما حدث مع ليبيا ودارفور). وحالياً، هناك عضوان فقط من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن والذي كل منهما أيضاً طرف في "نظام روما الأساسي"، وأن الدول قد رفضت في كثير من الأحيان التحقيقات الدولية في أفعالها. على سبيل المثال، أنهت روسيا والفلبين مشاركتهما في «المحكمة الجنائية الدولية» بعد تحقيقات أولية بشأن مسؤوليهما.
وتدرك «المحكمة الجنائية الدولية» جيداً هذا السياق السياسي العالمي، كما يتّضح من أحد الأسئلة الأولى التي أثيرت في حكم "الدائرة التمهيدية الأولى بـ «المحكمة الجنائية الدولية»" الصادر في 5 شباط/فبراير: "هل القضية المطروحة سياسية ومن ثم فهي غير قابلة لنظر «المحكمة»؟". وأجاب القضاة بالنفي على هذا السؤال، ويمكن اعتبار محاولتهم لفصل الشق القانوني عن الشق السياسي جهداً شجاعاً في الدور القضائي المطلوب منهم تأديته. ومع ذلك، فمن المحتمل أيضاً أن يواجهوا صعوبات كبيرة تؤدي إلى إبطال هذا الجهد. وسواء كان المرء يعتقد أنه يجب أن يُعهد إلى «المحكمة الجنائية الدولية» الهدف المتمثل بمنع أسوأ الجرائم الدولية أم لا، فمن الأهمية بمكان الإقرار بأن الادعاءات المرفوعة إلى «المحكمة» غالباً ما يتم تقديمها في سياق خلافات سياسية معقدة لا يمكن للعدالة الجنائية الدولية معالجتها لوحدها.
الدكتور ألكسندر لونجاروف هو زميل زائر في برنامج القانون الدولي والأوروبي في جامعة "Vrije Universiteit Brussel" ومسؤول سابق في "اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية". وهذا المرصد السياسي يعبّر عن آرائه فقط ولا يعكس بأي شكل من الأشكال رأي اللجنة المذكورة أعلاه أو "الاتحاد الأوروبي"، الذي لا يمكن تحميله المسؤولية عن أي استخدام لإسمه.