في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، تم إطلاق صاروخ مضاد للسفن من الساحل اليمني أدى إلى إلحاق أضرار جسيمة بسفينة "سويفت-2" عالية السرعة، التي كانت سابقاً ملك البحرية الأمريكية وتم بيعها لدولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2015 وتستخدمها الآن شركة الجرافات البحرية الوطنية في الإمارات كسفينة مهبط للقوات ومركز للخدمات اللوجستية. ويُعتبر هذا الحادث - الأخير في سلسلة هجمات شنها المتمردون الحوثيون الذين تدعمهم إيران على السفن في مضيق باب المندب الذي يشكل ممراً استراتيجياً يربط قناة السويس والبحر الأحمر بالمحيط الهندي. وقد أدى الحادث إلى نشر ثلاث سفن حربية أمريكية في المنطقة، علماً بأنه قد تدعو الحاجة إلى اتخاذ تدابير إضافية للحد تماماً من هذا التهديد.
تحليل الهجوم
ادعى تنظيم «أنصار الله» - الذراع العسكري لحركة الحوثيين في اليمن - إطلاق عدة صواريخ على سفينة "سويفت"، وقام بنشر شريط فيديو عن الهجوم عبر قناته التلفزيونية "المسيرة". ويبدأ الشريط بلقطةٍ لسفينة "سويفت" تم تصويرها من سفينة أخرى اثناء ساعات النهار، تلتها لقطات ليلية من مسافة قريبة لانفجار هائل أعقبه لهيب نار، مما أشار الى أن أحد المراكب الشراعية أو القوارب السريعة التابعة للحوثيين كان قد تعقّب السفينة لبعض الوقت وربما قدم البيانات اللازمة لاستهدافها. وكما هو الحال مع الضربات الصاروخية الحوثية السابقة، يُفترض أن المهاجمين شنوا ضربتهم أثناء الليل لتجنب انكشاف أمرهم.
وفي 3 تشرين الأول/ أكتوبر، صرّح مسؤولون أمريكيون مجهولي الهوية لشبكة "فوكس نيوز" بأن سفينة "سويفت" قد استُهدفت من مسافة قريبة بواسطة أربعة صواريخ مزودة من قبل إيران تطلق من على الكتف، ولكن هذه التصريحات تتعارض مع اللقطات المؤكدة التي بثتها "المسيرة" ومع بعد السفينة عن الشاطئ. ووفقاً لـ "تقرير المخاطر القطرية" الصادر عن مجموعة "جينز" [للمعلومات]، توقفت السفينة عن إرسال إشارات التعرف الآلي الخاصة بها بعد منتصف الليل ببضع ثوانٍ وهي على بعد 15.5 ميل تقريباً عن ساحل المخا، أي 38 ميلاً إلى الشمال من باب المندب. وتفتقر الصواريخ التي تطلق من على الكتف إلى القدرة اللازمة لبلوغ النطاق الذي استهدفه هذا الهجوم، كما أن الصواريخ غير الموجهة ذات المدى الأبعد ربما تفتقر إلى الدقة.
وبالتالي، فإن السيناريو الأكثر احتمالاً هو وقوع الهجوم بصواريخ مضادة للسفن وموجهة بالرادار. وفي الواقع، هناك أوجه تشابه بين هذا الحادث والهجوم الصاروخي الذي شنه «حزب الله» في تموز/ يوليو 2006 على فرقاطة "سعر 5 كورفيت" - سفينة البحرية الإسرائيلية من طراز "حانيت". ويبدو أن الحزب اللبناني استخدم في ذلك الهجوم صواريخ "سي-802" المضادة للسفن التي حصل عليها من إيران (أو الصواريخ الصينية "سي إس إس- إن-8 سكاد" أو النسخة الإيرانية التي أعيد تصميمها وتعرف بصواريخ "نور").
وما يكشف الكثير في هذا السياق هو أن الفيديو الذي بثته "المسيرة" عن الهجوم على سفينة "سويفت" يُظهر محركاً معززاً يسقط بعيداً عن الصاروخ بعد إطلاقه، بما يتسق مع فرضية استخدام صواريخ "سي-802". وقد شوهدت صور مماثلة في تشرين الأول/ أكتوبر 2015 عندما ادعى الحوثيون بأنهم شنوا هجمات بالصواريخ المضادة للسفن ضد سفن إماراتية وسعودية. ويشير ذلك إلى أن «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني ربما كان قد زوّد المتمردين وحلفائهم، أي "قيادة الدفاع الصاروخي للقوة الاحتياطية الاستراتيجية" اليمنية، بصواريخ متقدمة مضادة للسفن، تماماً كما فعلت طهران قبل عقد من الزمن عندما زودت «حزب الله» بمثل هذه الصواريخ.
التأثير على عمليات دولة "الإمارات"
تم تصميم "سويفت" لتكون سفينة لوجستية عالية السرعة، ومن شأن هيكلها المصنوع من الألمنيوم خفيف الوزن أن يتشوه ويحترق بسهولة تحت تأثير الحرارة والصدمة الناجمتين عن رأس حربي لصاروخ كبير مضاد للسفن مثل تلك التي تحملها صواريخ "سي-802". وكما شهدنا في الكوارث السابقة، فإن شيوع استخدام الألومنيوم في تصنيع الهياكل والتراكيب الفوقية يمكن أن يعيق بشكل كبير جهود التحكم بالأضرار. وتُظهر الصور أضراراً جسيمة لحقت بسفينة "سويفت"، والتي ربما تكون قد بلغت خسارة تامة للهيكل. ومن المرجح أن تكون الضحايا/الإصابات مرتفعة في صفوف طاقم السفينة الذي ربما تراوح عدد أفراده بين 17 و35 غالبيتهم من المتعاقدين غير الإماراتيين. وقد أشار المسؤولون الإماراتيون إلى أن السفينة كانت تنقل أيضاً جرحى يمنيين. وقد تم سحب السفينة المتضررة إلى القاعدة البحرية الرئيسية الجديدة للإمارات في مدينة عصب بإريتريا التي تقع على بعد 25 ميلاً [من الحادث].
منذ صيف عام 2015، قدمت سفينة "سويفت" الدعم اللوجستي للعمليات الإماراتية في اليمن وقامت برحلات متواصلة بين مدن عصب وعدن والمكلا. وبالتالي فإن خسارة هذه السفينة يترك فجوة كبيرة في قدرة الإمارات العربية المتحدة على توفير الدعم، وهي فجوة لا يمكن ردمها تماماً من خلال سفينتَي الإنزال اللتين يبلغ طول كل منهما 80 متراً وسفن الإنزال الأخرى الأصغر التي تمتلكها دولة الإمارات. ومن المرجح أن تبدأ الإمارات بتشغيل المزيد من السفن التجارية المستأجرة والمخصصة لنقل المركبات الآلية على غرار تلك التي تتنقل بالفعل بين عصب وعدن والمكلا والقاعدة البحرية الإماراتية في الفجيرة على خليج عُمان. كما يمكن على المدى الطويل أن تسرع في إبرام عقد لتسليم "سفن دعم عالية السرعة" جديدة من شركة "أوستال" الأسترالية لبناء السفن التي تصنع قوارب تم تطويرها من إطار مماثل لسفينة "سويفت".
ومن جانبهم، قد يقوم الحوثيون بمحاولات إضافية للتصدي للحرية التي يتمتع بها الائتلاف الخليجي في تنفيذ العمليات في البحر الأحمر وباب المندب. فالهجوم على سفينة "سويفت" هو هجومهم الصاروخي الرابع على الأقل كما يدعون ضد سفينة تابعة للتحالف منذ بدء الأعمال العدائية. وفي العام الماضي، زعموا أنهم شنوا هجمات بحرية ضد السفينة الحربية الإماراتية "بينونة" وسفينة "ينبع" لإعادة التموين التابعة للبحرية الملكية السعودية من طراز "ديورنس" في 7 و10 تشرين الأول/ أكتوبر. وعلى غرار تلك السفن، لم تكن سفينة "سويفت" مجهزة بأنظمة دفاع ضد الصواريخ قريبة المدى وقادرة على اعتراض أي صاروخ مضاد للسفن، ولعل غيرها من سفن الإمدادات الإماراتية والسفن التجارية المستأجرة معرضة للخطر على نحو مماثل.
وقد تمتد الهجمات أيضاً لتطال المواقع التي تستخدمها قوات التحالف على الشاطئ. ففي 19 أيلول/ سبتمبر، أفادت بعض التقارير أن السفن الإماراتية الراسية في ميناء عصب تعرضت لهجوم بقذائف هاون أُطلقت من قارب صغير. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن الحوثيين أو غيرهم من الأطراف الفاعلة قد نفذوا غارة برمائية على المطار الجوي الإماراتي في عصب في الليلة نفسها.
التداعيات على سياسة الولايات المتحدة
يعتبر مضيق باب المندب ضرورياً للاقتصاد العالمي. ففي عام 2015، تم نقل أكثر من 4.7 مليون برميل نفط يومياً عبر الممر المائي المزدحم، كما أنه يشكل طريقاً هاماً نحو الخليج للسفن التجارية وللبحرية الأمريكية على حدٍّ سواء. ولذلك لطالما كان ضمان الوصول إلى المشاعات العالمية مندرجاً ضمن مهام البحرية الأمريكية، وهذا أمر أعاد التأكيد عليه قائد العمليات البحرية الأدميرال جون ريتشاردسون في تقريره الصادر في كانون الثاني/ يناير تحت عنوان "تصميم للمحافظة على التفوق البحري". وهذا الهجوم على سفينة "سويفت" فضلاً عن الهجمات العشرة الأخرى المزعومة من قبل الحوثيين تهدد هذا المضيق الحيوي، وباستطاعة صواريخ "سي-802" التي يمتلكونها اجتياز عرض البحر الأحمر بالكامل أيضاً.
لدى الولايات المتحدة مصلحة كبيرة في صدّ ما قد يكون محاولة إيرانية لإبعاد دولة الإمارات العربية المتحدة وغيرها من دول التحالف الخليجي عن السواحل اليمنية. وربما تأمل طهران أيضاً توسيع نطاق الحرب ليشمل ممرات الملاحة الدولية وأراضٍ أجنبية مثل إريتريا. فتجريد التحالف من قدرته على المناورة على طول الساحل اليمني وتوفير الإمدادات للقوات بحراً قد يعرقل بشدة جهود الحرب. ويمكن لهذه الحملة من الحظر البحري أن تعيد فتح الطرق التي تستخدمها إيران لإعادة تموين الحوثيين وأن تطيل حربهم ضد الحكومة اليمنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. وفي الوقت الذي أصبحت فيه الاستفزازات البحرية الإيرانية في مضيق هرمز أكثر تكراراً - بما يناهز الضعفين عن معدل العام السابق - يمكن لواشنطن أن تعرب عن دعمها لحرية الملاحة الآمنة من خلال برنامج دوريات قوي في منطقة باب المندب والبحر الأحمر.
وتحقيقاً لهذه الغاية، نشرت البحرية ثلاث سفن في هذ النقطة الساخنة في وقت سابق من هذا الأسبوع، هي: مدمرات الصواريخ الموجهة "يو إس إس ميسون"، والمدمرة "يو إس إس نيتز"، وسفينة النقل البرمائية "يو إس إس بونس". إن مدمرات الصواريخ الموجهة من هذا النوع محصنة جيداً ضد الهجمات المضادة للسفن ومسلحة بنظام "فالانكس الصاروخي" وبمجموعة "آي أن/ إس إل كيو-32 (في 3)" المخصصة للحرب الإلكترونية والمستخدمة للتشويش الفعلي وبالصواريخ الموجهة من طراز "ستاندارد" لاعتراض الصواريخ المتجهة للداخل ذات المدى الأبعد. وطالما يستمر هذا الانتشار، ستكون هذه السفن قادرة على رصد التهديدات وحماية عمليات الشحن والرد على الهجمات وفق الحاجة. وإذا ما تم شن المزيد من الهجمات المضادة للسفن، من المرجح أن تبدأ البحرية بمرافقة السفن عبر المضيق بطريقة مماثلة لـ "عملية المسعى النشط"، وهي حملة مرافقة أطلقها "حلف شمال الأطسي" ("الناتو") وأدت إلى تحسين الوضع الأمني ضد الإرهاب وإلى انخفاض أسعار التأمين البحري في مضيق جبل طارق منذ الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر.
يجب على واشنطن وشركائها الدوليين النظر في مساعدة الحكومة اليمنية المدعومة من الأمم المتحدة على فرض سيطرتها التامة على كامل ساحل البلاد على البحر الأحمر، ربما عن طريق تقديم المعلومات الاستخباراتية والدعم البحري ومساعدة الإمارات العربية المتحدة على إبدال سفينة "سويفت" بغيرها (وقد اشترى الإماراتيون في الأصل السفينة من شركة جرف أسترالية لأنه لم يكن من الممكن إعارتهم سفينة أمريكية). وبما أن نصف هذا الساحل يقع بالفعل تحت سيطرة التحالف، فمن شأن استكمال المهمة أن يقضي على التهديد الحوثي ضد السفن بسهولة أكبر من النهج الدفاعي البحت.
الكسندر ميلو هو محلل أمني رائد في شركة "هورايزن كلاينت آكسس" للخدمات الاستشارية للطاقة. كوماندر جيرمي فوغان هو ضابط في البحرية الأمريكية وزميل "الجهاز التنفيذي الاتحادي" في معهد واشنطن الذي أكمل عمليات نشر متعددة في الخليج. مايكل نايتس هو زميل "ليفر" في المعهد. الآراء المعرب عنها هنا هي آراء الكتاب ولا تعكس بالضرورة السياسة الرسمية أو موقف البحرية الأمريكية، أو وزارة الدفاع الأمريكية، أو حكومة الولايات المتحدة.