- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3820
هجمات الحوثيين على السفن تؤثر على طرق التجارة في البحر الأحمر
بدأت شركات رائدة في القطاع بتحويل مسار بعض السفن المرتبطة بإسرائيل والإعراب عن قلقها بشأن الهجمات المتزايدة، ولكن يمكن أن تتكشف تداعيات اقتصادية أوسع نطاقاً بكثير إذا تصاعد نشاط الحوثيين المعادي للشحن أو استمر إلى أجل غير مسمى.
وفقاً للبيانات البحرية الأخيرة، دفعت هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر، لا سيما تلك المرتبطة بإسرائيل، ببعض الشركات إلى تحويل مسار سفنها بعيداً عن قناة السويس ومضيق باب المندب الاستراتيجي. فقد شوهدت هذه السفن وهي تسلك طريقاً أطول حول رأس الرجاء الصالح للوصول إلى أوروبا وآسيا، مما يزيد من وقت عبورها. وعلى الرغم من احتواء الهجمات الصادرة من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن حتى الآن، إلّا أن خطر حدوث تعطيل كبير للتجارة العالمية سيبقى مرتفعاً طالما يتم استهداف السفن التجارية التي تديرها شركات من جنسيات مختلفة.
الهجمات قبل حرب غزة وبعدها
لقد تزايد التهديد اللاحق بالأمن البحري المحلي خلال السنوات القليلة الماضية، وتسببت الحرب بين "حماس" وإسرائيل في مفاقمته. وسابقاً، استهدف الحوثيون السفن المرتبطة بالدول المشاركة في حرب التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. على سبيل المثال، في عام 2018 صبوا تركيزهم على ناقلات النفط الخام التابعة لشركة "البحري"، وهي الشركة الوطنية السعودية للنقل البحري، وهاجموا السفن خلال إبحارها عبر مضيق باب المندب وهي في طريقها إلى البحر الأحمر وقناة السويس أو خلال عودتها منهما. ورداً على ذلك، علّقت وزارة الطاقة السعودية شحنات النفط عبر المضيق لاثني عشر يوماً تقريباً (وهي مدة غير كافية على ما يبدو لدفع شركات الشحن إلى سلوك طرق بديلة، علماً أنها قد تفعل ذلك إذا زادت مدة التعطيل).
وتركز موجة الهجمات الحالية بشكل أكبر على السفن ذات العلاقات الإسرائيلية، ولكن حتى هذه الظاهرة ليست جديدة. فبين عام 2021 وأوائل عام 2023، استهدفت هجمات بالطائرات بدون طيار نُسبت إلى إيران بعض السفن المرتبطة بالجهات الإسرائيلية، بما في ذلك في بحر العرب بالقرب من عُمان. لكن حرب غزة رفعت من مستوى هذه التهديدات، إذ يستخدم الحوثيون أساليب جديدة لاستهداف السفن التجارية. (ستتم تغطية التحليل التفصيلي لهذه الأساليب وأنظمة الأسلحة المرتبطة بها في تقرير سياسي منفصل).
وفي خطاب ألقاه زعيم الحركة عبد الملك الحوثي في 14 تشرين الثاني/نوفمبر، حذّر قائلاً: "عيوننا مفتوحة من أجل الرصد الدائم والبحث عن أي سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر، وباب المندب على وجه التحديد، وما يحاذي المياه الإقليمية اليمنية". وبعد خمسة أيام، استخدمت قوات الحوثي طائرة هليكوبتر للصعود على متن حاملة المركبات "غالكسي ليدر" (رقم تسجيل السفينة 9237307) - المملوكة لشركة "راي شيبينغ ليميتد" ومقرها إسرائيل - والاستيلاء عليها أثناء عبورها البحر الأحمر من تركيا في طريقها إلى الهند. ووفقاً لبيانات موقع "تانكرتراكرز.كوم" TankerTrackers.com، تم نقل السفينة المختطفة أولاً إلى ميناء الحديدة اليمني، ثم إلى منطقة أبعد شمالاً. وحتى تاريخ كتابة هذه السطور، لا تزال السفينة في اليمن مع طاقمها.
وتعرضت سفينتين تجاريتين أخريين والتي أفادت بعض التقارير عن صلاتهما الإسرائيلية لهجوم في 24 و26 تشرين الثاني/نوفمبر، وكانت إحداها في المحيط الهندي والأخرى في البحر الأحمر، ولم يتم الإبلاغ عن أضرار خطيرة في الحالتين. ففي حادثة 26 تشرين الثاني/نوفمبر، أطلقت ناقلة الكيماويات "سنترال بارك" (رقم تسجيل السفينة 9725823) نداء استغاثة في البحر الأحمر، طالبة تدخل السفينة الأمريكية "يو إس إس ميسون". ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان ذلك هجوم قراصنة أم هجوماً حوثياً. ولكن بعد الحادثة، تم إطلاق صاروخ واحد على الأقل من أراضي الحوثيين باتجاه سفينة "ميسون".
في 3 كانون الأول/ديسمبر، قصفت قوات الحوثيين بشكل مباشر سفينتين على الأقل في جنوب البحر الأحمر باستخدام الصواريخ والطائرات بدون طيار، وهما ناقلة بضائع ضخمة وسفينة حاويات. وزعم الحوثيون أن السفينتين إسرائيليتان، بينما نفى الجيش الإسرائيلي هذا الارتباط. وتدير شركة "يونيتي ماريتايم" ومقرها بريطانيا إحدى السفينتين، وهي "يونيتي إكسبلورر" (رقم تسجيل السفينة 9726035)، ووفقاً لأحد التقارير، يضم المسؤولون عن الشركة دان ديفيد أونغار، وهو مقيم في إسرائيل وابن أحد أقطاب الشحن الإسرائيليين. وكما هي الحال في الحوادث السابقة، لم تكن السفينتان المستهدفتان تبحران من إسرائيل وإليها في يوم الهجمات، بناءً على بيانات "مارين ترافيك".
التأثير على التجارة المرتبطة بإسرائيل
تشير ردود الفعل الأولية لشركات التأمين البحري وشركات الشحن إلى أن هجمات الحوثيين الأخيرة تؤثر على عملية صنع القرار في القطاع بشأن السفن ذات الروابط الإسرائيلية. وفي الشهر الماضي، أفادت التقارير أن شركة إدارة المخاطر "أمبري" نصحت أصحاب السفن بالتحقق مما إذا كانت سفنهم مملوكة أو مُدارة من قبل شركات لديها روابط إسرائيلية في العام الماضي. لكن تتبع التفاصيل الإدارية لسفينة معينة ليس عملية سلسة دائماً، وقد لا تكون السفينة ذات الروابط الإسرائيلية بالضرورة مسجلة في إسرائيل أو ترفع العلم الإسرائيلي أو يتم تشغيلها من قبل جهة إسرائيلية طوال الوقت.
وفي حالة "غالكسي ليدر" مثلاً، تفيد بيانات "قائمة لويدز الاستخباراتية" أن السفينة ترفع علم جزر البهاما، بينما يقع مقر الشركة المالكة المسجلة، "غالكسي ماريتايم المحدودة"، في جزيرة مان. وفي يوم اختطاف السفينة، تم استئجارها وإدارتها من قبل مجموعة "نيبون يوشن كابوشيكي كايشا" اليابانية. وفي قطاع الشحن، تسمح أنظمة التسجيل المفتوحة للمالكين بتسجيل السفن في بلدان غير بلدانهم - وهو أمر غالباً ما يفعلونه لتجنب الضرائب وتقليل العقبات التنظيمية. وبالتالي، ليس من السهل دائماً تتبع الملكية الكاملة للسفينة من دون تفاصيل حول المالك المستفيد، والمالك المسجل، والمشغل التجاري، والمشغل الخارجي، وبيانات أخرى.
وكان استخدام الحوثيين لطائرة هليكوبتر للصعود على متن سفينة "غالكسي ليدر" مقلقاً بشكل خاص لبعض شركات التأمين. فقد أشارت التقارير الأولية إلى أن السفن التابعة لإسرائيل ستُفرض عليها على الأرجح أسعار تأمين أعلى إذا مارست أنشطتها التجارية في الخليج العربي والبحر الأحمر، اللذين يُعتبران الآن مناطق أكثر عرضة للخطر.
بالإضافة إلى ذلك، تشير البيانات الصادرة عن "مارين ترافيك" إلى أن بعض السفن التي لديها صلات إسرائيلية تتجنب البحر الأحمر منذ حادثة "غالكسي ليدر". في 16 تشرين الثاني/نوفمبر، ووفقاً لـ"قائمة لويدز الاستخباراتية"، فإن سفينة "غارديان ليدر" (رقم تسجيل السفينة 9388716)، وهي ناقلة مركبات ترفع علم جزر البهاما وترتبط بشركة "راي شيبينغ"، غادرت ميناء "لايم شابانغ" في تايلاند متجهة إلى إسبانيا. وبدلاً من الإبحار إلى أوروبا عبر قناة السويس، سلكت السفينة الطريق الأطول حول رأس الرجاء الصالح، مما يشير إلى أنها ربما غيرت مسارها في منتصف الرحلة بسبب الأخبار المقلقة القادمة من البحر الأحمر. ونظراً لسرعتها المتوسطة (من خلال تتبعها وصلت سرعتها إلى حوالي 16 عقدة اعتباراً من 27 تشرين الثاني/نوفمبر)، ستحتاج السفينة إلى حوالي واحد وثلاثين يوماً للوصول إلى ميناء مالقة الإسباني عبر رأس الرجاء الصالح، مقارنةً بحوالي تسعة عشر يوماً لو اجتازت باب المندب.
وقامت سفينة أخرى ترفع علم جزر البهاما، وهي حاملة المركبات "غلوفيس سيغما" (رقم تسجيل السفينة 9736810)، المرتبطة بشركة "راي شيبينغ"، وفقاً لقاعدة بيانات "إيكويسيس" و"قائمة لويدز الاستخباراتية"، بتغيير وجهتها هذا الأسبوع بعد مغادرتها ألمانيا. ففي 5 كانون الأول/ديسمبر، شوهدت وهي تبحر قبالة سواحل إسبانيا بينما كانت تشير إلى أنها تتجه نحو قناة السويس. لكن في اليوم نفسه، وبناءً على بيانات من "مارين ترافيك"، غيرت وجهتها إلى سنغافورة وشوهدت وهي تغير اتجاهها نحو أفريقيا بدلاً من جبل طارق، وهي تغييرات يمكن أن تعكس المخاطر في البحر الأحمر.
ومن الأمثلة الأخرى سفينة الحاويات التي ترفع علم ليبيريا "زيم باسيفيك" (رقم تسجيل السفينة 9440837)، المرتبطة بشركة "تسيم لخدمات الشحن المتكاملة" التي تتخذ من إسرائيل مقراً لها. ففي 4 كانون الأول/ديسمبر، أظهرت بيانات "مارين ترافيك" السفينة وهي تبحر حول رأس الرجاء الصالح بدلاً من البحر الأحمر وهي في طريقها من ماليزيا إلى ميناء مرسين التركي. وسبق أن أفادت الشركة أن الأحداث الأخيرة في البحر الأحمر دفعتها إلى تغيير مسار بعض سفنها.
وتؤدي فترات العبور الأطول هذه إلى تكاليف إضافية، من بينها حرق المزيد من الوقود. ويمكن أن تؤثر هذه التكاليف على البائعين والمشترين على حد سواء، وفقاً لنوع اتفاقية الشحن التي يبرمونها.
تجنب الاضطراب الأوسع نطاقاً
إذا تصاعدت هجمات الحوثيين وأدت إلى تعطيل شديد في حركة الملاحة في البحر الأحمر، سيتعرض كل من أمن الطاقة العالمي وتجارة البضائع الجافة لضربة أخرى، خصوصاً في أوروبا، التي لا تزال تتعافى من التأثير الهائل للحرب الأوكرانية. ووفقاً لـ"إدارة معلومات الطاقة الأمريكية"، زادت عمليات نقل النفط الخام المتجهة شمالاً عبر طريقين رئيسيين إلى البحر الأبيض المتوسط - قناة السويس وخط أنابيب سوميد في مصر - بأكثر من 60 في المائة خلال النصف الأول من هذا العام مقارنةً بعام 2020، مع تعافي الطلب في أوروبا والولايات المتحدة في أعقاب جائحة "كوفيد-19". كما أشارت الإدارة إلى أن العقوبات الغربية المفروضة على قطاع الطاقة الروسي دفعت أوروبا إلى استيراد المزيد من النفط من بعض المنتجين في الشرق الأوسط. على سبيل المثال، تظهر بيانات شركة "كبلر" أن العراق صدّر ما معدله 743 ألف برميل يومياً إلى أوروبا عبر قناة السويس هذا العام، مقارنةً بـ629 ألف برميل خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
وبالتالي، فبينما يبدو تأثير هجمات البحر الأحمر محدوداً حتى الآن، إلّا أنه لا يمكن تجاهل خطر التصعيد أو سوء التقدير الذي قد يتسبب بصدمات أعمق للتجارة. لذلك، تُعتبر حماية حرية الملاحة في هذا الممر المائي أساسية لأمن الطاقة والاقتصاد العالمي ككل.
نعوم ريدان هي زميلة أقدم في معهد واشنطن.