تمثل الهجمات الإرهابية التي شنتها "حماس" ضد إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر نقطة تحول ينبغي أن تسلط الضوء على الحقائق التي كثيراً ما يتم التغاضي عنها حول الشرق الأوسط وترغم صناع القرار في الولايات المتحدة على إعادة التفكير في المفاهيم المسبقة حول المنطقة ودور الولايات المتحدة ومصالحها فيها.
قبل اثنين وعشرين عاماً، كانت الهجمات المدمرة في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر2001 بمثابة لحظة حاسمة ومؤثرة في فهم الولايات المتحدة للتهديد الذي يشكله الإرهاب الإسلامي المتطرف. وقد وحّد ذلك اليوم الأمة الأمريكية وغيّر سياساتها واستراتيجياتها تجاه الشرق الأوسط.
ويشكل الهجوم الإرهابي الذي نفذته حركة "حماس" ضد إسرائيل في نهاية الأسبوع الماضي، والذي خلّف أكثر من 1200 قتيل، أو ما يقرب من ثلاثة عشر ضعفاً من عدد ضحايا أحداث 11 أيلول/سبتمبر مقارنة بعدد سكان إسرائيل، نقطة تحوّل أخرى من هذا القبيل. وينبغي لها أيضاً أن تسلط الضوء على الحقائق التي غالباً ما يتم التغاضي عنها حول الشرق الأوسط، وترغم المسؤولين الأمريكيين على إعادة التفكير في المفاهيم المسبقة حول المنطقة ودور الولايات المتحدة ومصالحها فيها.
وهنا، فإن إعادة التفكير لا ترجع إلى النطاق والجرأة والهمجية الفردية التي اتسم بها هجوم "حماس" على المجتمعات المدنية في جنوب إسرائيل فحسب، أو إلى واقع تشكيلها الهجوم الأكثر أهمية ضد الأمريكيين على أراض أجنبية خلال ربع قرن من الزمن، أو التناقض بين الاستجابة المتعاطفة والداعمة للحكومات الغربية/الديمقراطية والاستجابة الملتبسة بشكل صادم لمعظم حكومات الشرق الأوسط؛ بل لأن الهجمات تؤكد حقائق لم يعد من الممكن التغاضي عنها، وهي:
- إن واقع مواجهة الولايات تحديات استراتيجية عاجلة في مختلف أنحاء العالم لا تعني أنها تمتلك رفاهية التعثر في العمل الحيوي المتمثل في حماية مصالحها في الشرق الأوسط، لأسباب ليس أقلها أن موارد المنطقة ومركزيتها الجغرافية تؤثر على المنافسة العالمية الطويلة الأمد. وسواء أرادت الولايات المتحدة ذلك أم لا، فإن الشرق الأوسط يتطلب منها الاهتمام والتركيز المستمرين.
- إن كل التقدم نحو السلام العربي الإسرائيلي كان مبنيّاً على تصوّرات حول القوة الإسرائيلية والأمريكية وقوة الردع، والتي يؤدي تآكلها إلى جعل السلام أقل احتمالاً ويدعو إلى الاستفزاز والمغامرة من جانب أعداء السلام. إن استعادة تلك التصوّرات عن القوة وقوة الردع هذه تشكل شرطاً أساسياً للعودة النهائية، والضرورية، إلى صنع السلام العربي الإسرائيلي. وينبغي أن يشمل ذلك الجهود على المستوى الإقليمي، حيث سيكون التوصل إلى اتفاق سلام سعودي-إسرائيلي بمثابة رد رائع على الإرهاب الإسلامي العدمي الذي ظهر في نهاية الأسبوع الماضي، وعلى المستوى الثنائي، حيث لا يوجد بديل للدبلوماسية الإسرائيلية-الفلسطينية، مهما بدت هذه العملية بعيدة المنال اليوم.
- حركة "حماس" ليست مجرد حزب سياسي له "جناح عسكري"، يعتبر سيطرته على غزة إنجازاً عظيماً له. لقد وصلت الحركة إلى السلطة من خلال انقلاب عنيف، وكان الدافع وراء ذلك هو إيديولوجية جهادية مشوّهة فرضتها الحركة على أهل غزة، الذين لا ينبغي مساواتهم بـ "حماس". فـ "حماس" منظمة إرهابية ملتزمة بتدمير الدولة اليهودية. وفي الواقع أن الهجمات المروّعة التي وقعت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر كانت بمثابة تذكير بأن معركة إسرائيل المستمرة منذ عقود من أجل البقاء، داخل أي حدود، لم تنته بعد، على الرغم من التقدم الكبير الذي تم إحرازه نحو السلام الإقليمي.
- أظهرت "حماس" في وحشيتها، أنها في نفس فئة جماعات مثل تنظيمي "القاعدة" و "الدولة الإسلامية"، باستثناء كَوْن "حماس" مرتبطة بشبكة أوسع نطاقاً تتأثر مجموعاتها المشاركة بإيران أو أن الجمهورية الإسلامية تسيطر عليها بدرجات متفاوتة. وتشمل هذه الشبكة "حزب الله" اللبناني، وحركة «الجهاد الإسلامي في فلسطين»، ونظام الأسد في سوريا، وحركة الحوثيين في اليمن، ومعظم الميليشيات الشيعية في العراق، التي تشكل مجتمعة تهديداً متعدد الأوجه للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
- قد تكون فترات الهدوء الظاهري في الشرق الأوسط وهمية، ولا ينبغي أن يُساء تفسيرها على أنها استقرار دائم، وهو ما يتطلب الردع والقوة للحفاظ على هذا الاستقرار. ويمكن أن تكون هذه الفترات مجرد فترات هدوء تستغلها إيران ووكلاؤها للتحضير للمرحلة التالية من الصراع. وبناءً على ذلك، لا ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها أن يعتبروا الهدوء بمثابة إنجاز كبير في حد ذاته، أو أن ينفقوا أصولاً كبيرة لمجرد الحفاظ عليه.
- إن هزيمة شبكة التهديد التي تقودها إيران، وفي الوقت نفسه منع طهران من تحقيق قدرة نووية عسكرية، يتطلب التزاماً لا يتزعزع. ولا يمكن أن يكون ذلك مجرد هدف بلاغي؛ فهو يستحق ما لا يقل عن مستوى الجهد والاهتمام والموارد الممنوحة للحملة التي شُنت لهزيمة تنظيم "القاعدة" قبل عقدين من الزمن والحملة اللاحقة لضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم "الدولة الإسلامية".
- وفي هذا الجهد، يُعتبر التعاون مع الشركاء المحليين أمراً بالغ الأهمية. ومع ذلك، فإن فشل العديد من الحلفاء العرب (إلى جانب آخرين في جميع أنحاء العالم) في إدانة "حماس" بسبب استهدافها للمدنيين، أو ذبح الأطفال، أو احتجاز الرهائن، يسلط الضوء على الانقسام العميق والمستمر في مواجهة الإرهاب، وهي فجوة لم تتمكن عقود من الشراكة مع الولايات المتحدة من سدها. وتُشكل معالجة هذا الأمر بشكل صريح ومباشر على المستوى الحكومي ومستوى المجتمع المدني أولويّة ملحّة.
- تُعتبر هذه مهمة معقدة، إذا ما أخذناها معاً، حيث ستشمل جميع جوانب القوة الوطنية الأمريكية، أي الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية والأيديولوجية، على مدى فترة طويلة من الزمن. ولن يأتي النجاح بسرعة أو بسهولة. وفي معرض ذلك، تُعتبر الخلافات حول الإستراتيجية والتكتيكات والقرارات العملياتية مشروعة ومرحب بها، بل وضرورية لتجنب تكرار أخطاء الماضي وتجنب أنواع جديدة من الأخطاء في المستقبل. ولكن الأهداف الأساسية واضحة، والفشل في تحقيقها من شأنه أن يهدد المصالح الأمريكية الحيوية، من بينها أمن إسرائيل، وتعزيز السلام العربي الإسرائيلي (والذي يشمل السلام الفلسطيني الإسرائيلي)، والسعي إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي.
وباعتبارنا خبراء ومحللين وممارسين للسياسات، والعديد منا يتمتعون بخبرة الخدمة الفخرية في الإدارتين الأمريكيتين الديمقراطية والجمهورية على حد سواء، فإننا نؤمن بأن الاعتراف بهذه الحقائق ينبغي أن يشكل الأساس للمقاربة الأمريكية في التعامل مع الشرق الأوسط. وهناك الكثير من العمل الذي يتعين علينا القيام به للبناء على هذه الأفكار وتزويد زعماء الولايات المتحدة بالمشورة السليمة بشأن التحديات المقبلة.
تم التصديق عليها من قبل:
المدير التنفيذي - زمالة "سيغال"
رئيس كرسي "هوارد بيركوفيتش" لشؤون سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط
زميل "ويليام ديفيدسون" المتميز
مستشار
"برنامج إيروين ليفي فاميلي" حول "العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل"
المدير الإداري
زميل أقدم في زمالة "لين- سويغ"
المدير المؤقت لـ "برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر" حول "منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط"
"زميل مورنينغستار" الأقدم
مدير البحوث
يمثلون كبار الباحثين في معهد واشنطن