- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
هجوم إرهابي في أنقرة: عهد جديد من السياسة الكردية تجاه تركيا؟
استهدف الهجوم الإرهابي الذي ضرب أنقرة يوم الأربعاء بقنبلة قاتلة ضباطاً في الجيش خارج الخدمة العسكرية؛ وتُذكِّر طريقة تنفيذالهجوم هجمات سابقة مماثلة شنها «حزب العمال الكردستاني». وقد اتهمت تركيا «حزب الاتحاد الديمقراطي» في سوريا، الذي يدور في فلك «حزب العمال الكردستاني»، وكذلك الجناح العسكري في «حزب الاتحاد الديمقراطي» و«قوات الحماية الشعبية» بتنفيذ الهجوم. وقد نفى «حزب الاتحاد الديمقراطي»أي علاقة له أو لـ «قوات الحماية الشعبية» بالتفجير.
ومن جهة أخرى، ألمح «حزب العمال الكردستاني» إلى مسؤوليته عن الهجوم. إذ قال زعيم الحزب جميل بيك لـ "وكالة فرات للأنباء": "يمكن النظر إلى الهجوم في أنقرة على أنه ... انتقامنا".
وإذا كان «حزب الاتحاد الديمقراطي» يقف في الواقع وراء هذا الهجوم، فإن ذلك يمكن أن يشير إلى بداية عهد مقلق للغاية من السياسة الكردية تجاه تركيا. أولاً، من شأن هجوم كهذا أن يشير إلى الرابط المتزايد بين المشكلة الكردية الخاصة بتركيا والحرب في سوريا، والعكس بالعكس. فتركيا تحارب حالياً «حزب العمال الكردستاني» داخل أراضيها. أما في سوريا فيسيطر «حزب الاتحاد الديمقراطي» الذي يدور في فلك «حزب العمال الكردستاني»، على أراضي في الداخل السوري على طول الحدود التركية.
المساعدة الروسية للأكراد
في الآونة الأخيرة، استفاد كلاً من «حزب الاتحاد الديمقراطي» و «قوات الحماية الشعبية» من الضربات الجوية الروسية، لتوسيع رقعة انتشارهما في سوريا على حساب جماعات الثوار السورية الأخرى المدعومة من تركيا. وقد أغضب ذلك أنقرة إلى درجة أنها باشرت بقصف الأراضي السورية الي تقع تحت سيطرة «حزب الاتحاد الديمقراطي»، الأمر الذي يمكن أن يُعتبر بأنه كان الدافع وراء الهجوم الذي طال أنقرة مؤخراً.
وإذا كان «حزب الاتحاد الديمقراطي» هو الذي يقف وراء الهجوم الذي وقع يوم الأربعاء، فإن ذلك يعتبر بمثابة إشارة إلى أن الحركات الكردية في تركيا وسوريا تقترب من بعضها البعض أكثر فأكثر: فتركيا تحارب «حزب العمال الكردستاني» وتقصف مواقع «حزب الاتحاد الديمقراطي» في سوريا، الذي يدور في فلك «حزب العمال الكردستاني»، لذلك قرر «حزب الاتحاد الديمقراطي» التصعيد في تركيا من خلال فتح "جبهة ثانية" بشكل فعال ضد أنقرة.
وفي إطار الرد على الهجوم المروّع الذي وقع يوم الأربعاء، من المرجح أن تشن تركيا معركة بكامل قوتها ضد «حزب العمال الكردستاني» في تركيا وضد «حزب الاتحاد الديمقراطي» في سوريا. وفي هذا الصدد، يمكن لـ "حزب العدالة والتنمية" الذي يتزعمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يعتمد على دعم شعبي قوي في حملته ضد «حزب العمال الكردستاني» و «حزب الاتحاد الديمقراطي» نظراً إلى طبيعة الهجوم الذي هز أنقرة.
يُذكر أن الجيش التركي معروف بأنه أقل ميلاً إلى المغامرة في السياسة الخارجية من سياسيي البلاد، وكان يقاوم حتى الآن فكرة التصعيد الكامل ضد «حزب الاتحاد الديمقراطي» في سوريا. أما الآن، فسيضطر إلى العمل على نحو أوثق مع حملة الحكومة في سوريا.
كيف ستنتقم تركيا؟
تعتبر الولايات المتحدة «حزب الاتحاد الديمقراطي» و«قوات الحماية الشعبية» حليفين مهمّين ضد ما يُسمى بـ تنظيم «الدولة الإسلامية». وبالتالي، من شبه المؤكد أن يؤدي قيام تركيا الآن بقصف مواقع «حزب الاتحاد الديمقراطي» إلى الإضرار بالعلاقات الأمريكية التركية، وهذا بالضبط ما يريد «حزب العمال الكردستاني» تحقيقه من الهجوم الذي وقع في أنقرة. وإذا قدمت أنقرة أدلة مقنعة على أن «حزب الاتحاد الديمقراطي» هو المسؤول عن الهجوم، ستجد واشنطن نفسها في وضع حرج يجبرها على الخيار ما بين أنقرة و «حزب الاتحاد الديمقراطي» كحليف رئيسي ضد ما يُسمى بـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا.
إلا أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن التصعيد التركي ضد «حزب الاتحاد الديمقراطي» سيقرّب الحزب من روسيا أكثر فأكثر. وفي هذا الإطار، يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن «حزب الاتحاد الديمقراطي» يشكل حليفاً مفيداً ضد الثوار المدعومين من تركيا والذين يهددون نظام الأسد، الذي تحاول موسكو دعمه.
والأكثر من ذلك، أن بوتين، الذي ينوي جعل روسيا قوة عظمى، يشعر بأنه يملك ما يمكن أن يبرر تصرفاته تجاه تركيا. ففي 24 تشرين الثاني/ نوفمبر، أسقطت تركيا طائرة روسية انتهكت المجال الجوي التركي. ولا يرى الرئيس الروسي أن إسقاط الطائرة يشكل حادثاً معزولاً بل محاولة من قبل تركيا للقضاء على طموحاته السامية لجعل روسيا قوة عظمى في الشرق الأوسط.
وبالفعل، فوفقاً لتقارير صحيفة "حريت" التركية، كانت روسيا قد بدأت بتزويد «حزب الاتحاد الديمقراطي» بالأسلحة في أعقاب حادث الطائرة. والآن سيقترب «حزب الاتحاد الديمقراطي» من روسيا بصورة أكثر، ومن المرجح أن يتبع «حزب العمال الكردستاني» خطاه. وحتى أن الأسلحة الروسية قد تصل في النهاية إلى أيدي «حزب العمال الكردستاني».
على شفا الهاوية
إن القضية الكردية في تركيا على وشك أن تتحول إلى مشكلة دولية تشارك فيها جميع أنواع الجهات الفاعلة الأكثر شناعة التي تشارك في الحرب الأهلية السورية. وفي النهاية يشكل ذلك نتيجة سيئة بالنسبة إلى تركيا، وإلى الأكراد أيضاً. ويمكن أن تأمل تركيا في حل المشكلة الكردية يوماً ما إذا بقيت مشكلة داخلية بحتة. أما إذا تم تدويل المسألة الكردية بدرجة كبيرة، فيمكن لأنقرة أن تنسى حل هذه المشكلة بنفسها لأنه سيكون هناك العديد من الأطراف الذين سيحاولون تقويض التقارب التركي - الكردي.
وإذا أصبح الأكراد عملاءً لروسيا في الشؤون الأمنية في المنطقة، سيكون من الصعب عليهم إفساد هذه العلاقة: إذ ستجبرهم موسكو على أن يعملوا بما يصب في مصلحة روسيا، وليس بما يصب في مصلحة الأكراد.
ومن جهتها، يجب على تركيا أن تمنع «حزب الاتحاد الديمقراطي»/ «قوات الحماية الشعبية» و «حزب العمال الكردستاني» من أن يصبحوا عملاء لروسيا. الأمر الذي يتطلب من أنقرة أن تتنفس بعمق وأن لا تتصرف بغضب، بل بحكمة.
سونر چاغاپتاي هو زميل "باير فاميلي" ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن.
"سي. إن. إن."