"حكومة المقاومة" العراقية ترغم مناصراً بارزاً لحقوق مجتمع الميم-عين على مغادرة بغداد
تتجه الحكومة العراقية التي تسمي نفسها "حكومة المقاومة" نحو قمع حرية التعبير وأساليب العيش البديلة التي تعارضها "المقاومة".
في الثاني من شباط/فبراير 2023، اضطر جعفر عبد الكريم، مقدم برنامج "جعفر توك" وفريقه إلى مغادرة بغداد في غضون مهلة قصيرة بسبب مخاوف أمنية. ويشتهر برنامج "جعفر توك" الذي يعرضه التلفزيون الألماني "دويتشه فيله" (صوت ألمانيا) بتغطية المواضيع التي تُعتبر حساسة في العراق والمنطقة ككل، على غرار حقوق المثليين، والمتحولين جنسياً، والعنف القائم على النوع الاجتماعي وانعدام المساواة بين الجنسين.
وذكر التلفزيون الألماني أن جعفر عبد الكريم تلقى تهديدات بالاعتقال من قبل الحكومة العراقية. فوفقاً لـ "دويتشه فيله"، قام ممثلون عن وزارة الداخلية العراقية بزيارة جعفر في الفندق الذي ينزل فيه في بغداد وأبلغوه بأنه ممنوع من تصوير برنامجه إلا إذا حصل على تصريح خاص من "هيئة الإعلام والاتصالات" العراقية. وكان من المقرر تصوير حلقة في 3 شباط/فبراير في "متنزه الزوراء" وسط بغداد وقد زعمت "دويتشه فيله" أنها حصلت على تصريح مسبقاً وفق الإجراءات النظامية.
تجدر الإشارة إلى أن "هيئة الإعلام والاتصالات" هي مؤسسة مستقلة تأسست بموجب الدستور العراقي لتنظيم قطاع الإعلام عملاً بـ "المادة 38" من الدستور التي تضمن "حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل بما لا يخل بالنظام العام والآداب". وفي عام 2022، حاولت "عصائب أهل الحق"، الجماعة المصنفة على لائحة الإرهاب الأمريكية، وفصائل أخرى من "الإطار التنسيقي" السيطرة على مجلس خبراء الإعلام في "هيئة الإعلام والاتصالات" الذي كان مستقلاً سابقاً. وتمّت إعادة الرئيس السابق المخلوع لـ "الهيئة" علي حسين المؤيد، الذي هو من أقارب زعيم "تيار الحكمة" عمار الحكيم، لرئاسة "هيئة الإعلام والاتصالات" ويحظى الآن بدعم عضو جديد في مجلس المفوضين في "الهيئة" ينتمي إلى "عصائب أهل الحق" (محمود الربيعي). ووردت أنباء غير مؤكدة عن تعيين أمطار رحيم المياحي من "منظمة بدر" كعضوة في مجلس المفوضين. كما حرص ائتلاف "دولة القانون" الذي يرأسه نوري المالكي على ضمان مقعد له في مجلس الإدارة المكوّن من ستة أعضاء من خلال تأمين مقعد لمحمد الحمد، وهو شخص مقرب من المالكي. وكان الحمد المدير العام لقناة "آفاق" الفضائية. كما أنه نائب رئيس "اتحاد الإذاعات والتلفزيونات العراقية"، التابع لمؤسسة "اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية" الإيرانية. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2020، تم تصنيف "اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية" على أنه منظمة إرهابية إلى جانب كيانات إيرانية أخرى من قبل "مكتب مراقبة الأصول الأجنبية" التابع لوزارة الخزانة الأمريكية على خلفية حصول هذه الكيانات على بيانات تسجيل الناخبين الأمريكيين من أجل التأثير على الانتخابات الأمريكية وإثارة الاضطرابات فيها. وبالتالي، أصبحت الجهات الرئيسية في "الإطار التنسيقي" تسيطر على أغلبية مقاعد "هيئة الإعلام والاتصالات".
تجدر الملاحظة أن "هيئة الإعلام والاتصالات" زادت أنشطتها منذ عام 2022 لإسكات معارضي "المقاومة" من خلال فرض قيود على القنوات الإعلامية العراقية ومقدمي البرنامج العاملين فيها والسيطرة عليها. فعلى سبيل المثال، في 17 حزيران/يونيو 2022، منعت "الهيئة" القنوات العراقية من استضافة اسماعيل مصبح الوائلي (ناقد سياسي عراقي بارز للقاضي فائق زيدان ولرجال السياسة ضمن المقاومة). وكان الوائلي قد أشار إلى أن "المحكمة الاتحادية العراقية العليا" تتبع التوجيهات الإيرانية، وهي تهمة يعتبرها زيدان حساسة بشكل خاص (الشكل 1).
"المقاومة" تلجأ أكثر فأكثر إلى حرب القانون ضد الشخصيات الإعلامية
على مدى سنوات، تقوم وسائل الإعلام التابعة لـ"المقاومة" بانتقاد برنامج "جعفر توك" باعتباره مناهضاً للثقافة العراقية ويروّج "للسلوكيات غير الطبيعية" التي تُعتبر مضرة بالمجتمع العراقي. وعلى الرغم من أن الكثير من العراقيين الذين لا ينتمون إلى "المقاومة" ولا يدعمونها ينتقدون أيضاً البرنامج، فإن الميليشيات هي التي تقود الحملة الحالية ضد العرض، وضد مقدمه وكافة المواضيع المتعلقة بمجتمع الميم-عين التي غالباً ما يناقشها البرنامج. وفي 8 كانون الأول/ديسمبر 2022، رفع محام يدعى أحمد شهيد مرهون دعوى قضائية في إحدى المحاكم العراقية ضد جعفر عبد الكريم، طالباً من القضاء إصدار قرار يمنعه من دخول العراق (الشكل 2).
وفي 22 كانون الأول/ديسمبر 2022، رفع مرهون دعوى مشتركة مع صحفي مشهور تابع لـ"المقاومة" يدعى سرمد سلام لفته ضد أحمد البشير، الناقد السياسي الذي يُعرض برنامجه أيضاً على قناة "دويتشه فيله" (الشكل 3).
تجدر الإشارة إلى أن سرمد سلام لفته هو صحفي تابع لـ"المقاومة"عمل لصالح اللجنة الإعلامية في "المركز الثقافي الإسلامي" التابع لـ"منظمة بدر" (الشكل 4).
وفي 10 كانون الثاني/يناير 2023، وصف علي التركي، أحد كبار النواب من "عصائب أهل الحق"، حكومة السوداني بقيادة "الإطار التنسيقي" بأنها "حكومة مقاومة"، مضيفاً أن "المقاومة أصبحت تمثل وجهة النظر الرسمية للعراق، وهي من تدير دفّة الأمور اليوم". ولم يبادر أي من المسؤولين في الحكومة العراقية إلى تصحيح هذا التصريح أو حتى وصف الأمين العام لحركة "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بأنه مجرد "مدير عام".
ويبدو أن "المقاومة" ترفع درجة سيطرتها ورقابتها على المجال الإعلامي، ولا سيما عبر سعيها إلى إسكات المنتقدين الذين يكشفون التشويه والفساد الذي تمارسه إيران و"المقاومة" في الفروع القضائية والتنفيذية والتشريعية للحكومة. وتزيد "المقاومة" بشكل خاص وتيرة استعمال حرب القانون ضد البرامج التلفزيونية والإذاعية ومقدميها.