- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3975
هل العلويون مهددون في سوريا؟
في الوقت الذي يبدي الغربيون فيه مخاوفهم بشأن استيلاء الإسلاميين على السلطة في دمشق، فإن طريقة تعامل العرب السنة مع القاعدة العلوية الأوسع لعائلة الأسد ستقدم رؤية ثاقبة حول الموقف الحقيقي للحكومة الناشئة من قضايا التسامح الديني والعدالة الانتقالية وبناء الدولة.
على مدى أكثر من نصف قرن، ارتبط مصير العلويين في سوريا بأبناء دينهم ورعاتهم في عائلة الأسد. وفي عام 2011، مكنهم تضامنهم مع نظام بشار الأسد من قمع التمرد والحفاظ على حكمه المتداع حتى تدخلت روسيا في عام 2015. لكن بحلول تشرين الثاني/نوفمبر 2024، كانت الطائفة العلوية قد استُنزفت بعد ثلاثة عشر عامًا من الصراع، حيث فقدت ثلث مقاتليها الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والخمسين عامًا في المعارك.
كانت النتائج حتمية: عندما قادت "هيئة تحرير الشام" فصائل المعارضة الأخرى في هجومها الكاسح قبل بضعة أسابيع، لم يُبدِ الفصيل العلوي في الجيش مقاومة تُذكر. أما حمص، المدينة التي يقطنها العلويون بنسبة كبيرة، فقد قاومت لبضعة أيام فقط. ثم استولت هيئة تحرير الشام على المنطقة الساحلية، التي تعد معقل الطائفة العلوية، لكنها لم تبدِ أي مقاومة رغم التوقعات التي أشارت إلى احتمال تشكيلها جيبًا دفاعيًا لحماية العلويين الفارين من أعمال انتقامية محتملة من قبل السلطات الإسلامية الجديدة في سوريا.
من ضحايا إلى جلادين: هل تعود الكرة؟
غالباً ما تُصنف العقيدة العلوية على أنها نسخة مبتدعة من الإسلام الشيعي، مع اعتقاد أساسي بعقيدة التناسخ (انتقال الأرواح) التي ترفضها السلطات الإسلامية الأرثوذكسية في الطائفتين الشيعية الاثني عشرية والسنية. كما أن معظم العقيدة العلوية يتألف من مزيج مستمد من الديانات التوحيدية الكبرى (بما فيها الإسلام) والزرادشتية، إضافةً إلى أن الكثير من طقوسها سرية وغامضة، مما جعلها موضع ارتياب كبير على مر القرون. حتى أن عالم الدين الإسلامي الشهير ابن تيمية دعا إلى القضاء على هذه الطائفة.
لم يُعترف بالعلويين كمسلمين رسميًا حتى عام 1932، عندما أصدر مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني فتوى تهدف إلى تقويض النفوذ الاستعماري الفرنسي في سوريا، إذ أنشأت فرنسا دولةً علوية صغيرة على الساحل عام 1920، على غرار النموذج اللبناني، وكان الهدف منها أن تكون ملاذًا للعلويين من الاضطهاد السني المُتصوَّر. وقد وفرت فتوى الحسيني للعلويين ضمانات بالمساواة في سوريا المستقلة التي يهيمن عليها السنة. لكن هذا الحكم الظرفي فشل في إقناع الكثيرين من الأغلبية السنية بأن العلويين ليسوا "زنادقة".
لم تتحسن الظروف الاجتماعية للعلويين إلا مع صعود "حزب البعث" في عام 1963- ولاسيما بعد تولي حافظ الأسد السلطة في عام 1970 وتعيينهم بشكل منهجي في مناصب رئيسية في الجيش والمخابرات ووزارات الدولة. ومن خلال القضاء على زعماء العشائر الذين تمردوا على سلطته، جعل الأسد من الطائفة العلوية كيانًا موحدًا. كما استُخدم العلويون في حملات القمع التي شنها النظام، بما في ذلك مذبحة حماة عام 1982 عندما قمع الأسد تمرداً قاده الإخوان المسلمون، مما أسفر عن مقتل 30 ألف شخص. وواصل بشار نجل حافظ هذه الاستراتيجية لسنوات، ثم جعل من العلويين ركيزة لسياساته في مكافحة التمرد بعد عام 2011. وردًا على هذا التاريخ الطويل من الانتهاكات، يُرجح أن العديد من عناصر القيادة السنية الجديدة في دمشق وأتباعها يحملون إرثًا من العداء الديني والاجتماعي للعلويين بشكل عام. وقد تواجه الطائفة خطر العقاب الجماعي، بما في ذلك العلويين الذين عارضوا الأسد ولم يدعموه.
ومن المتوقع أن تبدأ القيادة الجديدة بتطهير الجيش والبيروقراطية المدنية. وبالفعل، يمكن رؤية بوادر ذلك بعد أن بدأ المتمردون في السيطرة على الأراضي مع تقدمهم نحو العاصمة. ففي ظل حكم الأسد، كان أكثر من 80 في المئة من العلويين يعملون لصالح الدولة، حيث شكلوا معظم ضباط الجيش والمخابرات، ومعظم كبار الإداريين في الحكومة، ومعظم المديرين في الصناعات العامة. خلال الحرب الأهلية، حصلت زوجات وأبناء القتلى من الجنود العلويين على وظائف عامة للتعويض عن خسائرهم، مما أدى إلى تضخم أعداد الذين يعتمدون على الدولة وعائلة الأسد في معيشتهم.
وقد استخدم زعيم "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني (المعروف أيضًا باسم أحمد الشرع) استراتيجية مماثلة منذ فترة إشرافه على معقل الهيئة في محافظة إدلب - ولكن لصالح السنة المتعاطفين معه وليس العلويين. وتحت ذريعة تنفيذ عملية "اجتثاث البعث" داخل الجيش والحكومة، من المرجح أنه سيشرع في عملية "اجتثاث العلويين". وهذا يعني أنه سيتعين على المنطقة الساحلية العلوية أن تعيد اكتشاف قدراتها كملاذ أمن. ومن المرجح أن يشعر العديد من العلويين الذين يعيشون في دمشق وحمص والمناطق الداخلية المحيطة بها بأنهم مضطرون للعودة إلى منازلهم هناك - تلك العقارات التي أقاموها ليس فقط كملاذ لقضاء العطلات، بل كضمان للمستقبل. أما إذا بقوا في مناطق أخرى من سوريا، فقد تصبح حياتهم صعبة، بل وخطيرة للغاية في ظل عودة النازحين السنة، الذين قد يسعون للانتقام.
وفي نهاية المطاف، شهدت المناطق المختلطة بين حمص وحماة العديد من أسوأ المجازر الطائفية التي ارتكبها النظام خلال الحرب، حيث تسببت القوات التي يقودها العلويون في نزوح عدد كبير من السنة باتجاه إدلب ولبنان وتركيا. كما قام المقاتلون العلويون شبه العسكريون بنهب المنازل على طول الطريق؛ حتى أنه في طرطوس ظهر سوق لبيع الممتلكات المسروقة أطلق عليه اسم "سوق السنة". وقد تم إخلاء مناطق سنية بأكملها من السكان وتدميرها، مثل باب العامر في حمص والقصير وقلعة الحصن على سفوح القلعة الصليبية الشهيرة. وبالطبع، عانت بلدات علوية من مصير مماثل على يد الإسلاميين السنة في أماكن مثل العريمة (اللاذقية) في آب/أغسطس 2013 والزارة (حمص) في أيار/مايو 2016. وفي كلتا الحالتين، كانت "جبهة النصرة" - السلف المباشر لـ "هيئة تحرير الشام" متورطة في مذبحة المدنيين العلويين.
التداعيات السياسية
عند تقييم ما قد يحدث بعد ذلك، سيتعين على المسؤولين الأجانب أن يأخذوا بعين الاعتبار أن العقيدة العلوية تختلف بشكل حاد عن العقيدة السلفية التي تتبناها السلطات السورية الجديدة. فمن نواحٍ عملية عديدة، يختلف نمط الحياة العلوي عن أسلوب الحياة الذي قد يقدمه الجولاني و"هيئة تحرير الشام" وعناصر الإسلام السياسي السنية الأخرى الآن - وهو تباين لا يظهر في إدلب فحسب، بل في جميع أنحاء المناطق السنية المحافظة التي كانت تشكل جزءًا كبيرًا من البلاد قبل الحرب. ففي الماضي، كانت سلطة الدولة توفر للأقليات الحماية في هذه المناطق، لكن السؤال المطروح الآن هو: هل ستكون الحكومة المقبلة على استعداد لضمان الوجود الآمن للعلويين في سوريا؟ وهل ستكون قادرة على تطبيق هذا الضمان؟
في المقابل، قد تشكل السياسات الحكومية الجديدة بحد ذاتها تهديدًا لأسلوب حياة العلويين. على سبيل المثال، هل ستُفرض قيود دينية جديدة مثل إلزامية النقاب في مدن مثل طرطوس واللاذقية؟ هل سيتم حظر استهلاك وإنتاج الكحول؟ ما هو مصير الأضرحة العلوية المنتشرة في المناطق الريفية والتي تُعد أماكن للعبادة الشعبية؟ في الواقع، دفع تدمير أحد الأضرحة العلوية في حلب في 25 كانون الأول/ديسمبر آلاف العلويين إلى النزول في شوارع حمص، واللاذقية، وجبلة، وطرطوس. وأخيراً، هل ستطلق وزارة الشؤون الدينية الجديدة خطة لبناء المساجد في المجتمعات العلوية "ووضعها على المسار الصحيح؟ والجدير بالذكر أن العثمانيين قد جربوا مثل هذا المسار في القرن التاسع عشر بعد أن سارعت الإرساليات البروتستانتية الأمريكية إلى تحويل العلويين إلى المسيحية بسرعة، بفضل فقر العلويين وثروة البعثات البروتستانتية. وفي المقابل أغلقت السلطات العثمانية المدارس والكنائس الإنجيلية وطردت المبشرين، وأجبرت معظم العلويين على العودة إلى عقيدتهم القديمة. إلا أن محاولات توجيههم إلى المذهب السني باءت بالفشل.
وحتى الآن، أكدت هيئة تحرير الشام باستمرار أن العلويين سيكونون جزءًا من سوريا الجديدة، وأنه لن تكون هناك أعمال انتقامية ضدهم، وأن المتورطين في جرائم نظام الأسد سيحاسبون عبر النظام القضائي وليس عبر الاقتصاص منهم. كما يعقد مسؤولو الهيئة اجتماعات مع ممثلي العلويين المحليين. وقد صرح الجولاني نفسه مرارًا وتكرارًا أن الهيئة لن تفرض قيودًا شرعية على الأقليات. وفي الوقت نفسه، أنشأت السلطات الجديدة مراكز مصالحة حيث يمكن لأفراد القوات المسلحة التابعة للنظام السابق تسجيل أنفسهم وتسليم أسلحتهم - وهي خطوة أساسية في أي عملية عفو. ونأمل ألا يكون ذلك مقدمة لاعتقالهم الجماعي في نهاية المطاف أو تصفيتهم بشكل سري بمجرد نزع سلاحهم.
وترتبط جهود المصالحة هذه أيضًا بمسألة العدالة الانتقالية الأوسع نطاقًا للعلويين وغيرهم من اتباع الأسد الذين ارتكبوا الفظائع ضد السنة كجزء مما أسماه النظام "مكافحة التمرد". فالعلويون الذين وصفهم الجغرافي الفرنسي جاك ويولرسه في عام 1940 بأنهم "منسيون من قبل التاريخ"، يجدون أنفسهم الآن في قلب أحد أكثر الفصول دموية في تاريخ سوريا. وكما ذُكر أعلاه، قد يتعرضون لعقاب جماعي نتيجة لذلك، وهو ما قد يرقى إلى مستوى التطهير العرقي.
بل أن فكرة انسحاب العلويين من أجزاء أخرى من سوريا بالكامل وإقامة جيب متماسك على الساحل قد لا تكون ممكنة. وقد تم دراسة هذه الفكرة في مراحل مختلفة في الماضي لكنها لم تتحقق أبداً بسبب عوامل داخلية وخارجية مختلفة. والأهم من ذلك أن سادة دمشق الجدد لن يتخلوا أبداً عن المنفذ البحري الوحيد للبلاد لهذا الغرض فقط.
وفي الوقت الذي يشكك فيه الغربيون في استيلاء هيئة تحرير الشام على دمشق، فإن تعامل الهيئة مع العلويين سيوفر مؤشرات ملموسة عن موقفها الحقيقي من التسامح الديني والعدالة الانتقالية وبناء الدولة. كما ينبغي أن تكون المساعدات الإنسانية والعلاقات الدبلوماسية مع الحكومة المقبلة مشروطة بضمان المساواة في الحقوق للأقليات، وإلا فإن سوريا قد تصبح مرة أخرى نقطة ساخنة لإراقة الدماء الطائفية التي لا نهاية لها.