- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
هل حان الوقت للتعامل بقسوة مع روسيا؟
Also published in "ناشيونال إنترست"
إذا أرادت واشنطن أن يتصرف بوتين بشكل مختلف، فعليها أن تظهر قدراً أقل من النفور من المخاطر، سواء في مناطق النزاع الواقعة في أوكرانيا أو في الشرق الأوسط مثل سوريا والعراق.
أظهر المؤتمر الصحفي الماراثوني الأخير للرئيس جو بايدن مرة أخرى أنه والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدثان لغتين مختلفتين: فبايدن يتحدث عن تجنب النزاع، بينما يتحدث بوتين عن الإكراه.
وبينما قال بايدن إن توغلاً روسياً محدوداً في أوكرانيا سيثير بشكلٍ أساسي جدلاً بين أعضاء حلف "الناتو" حول كيفية الرد، حدّد بوتين جدول الأعمال من خلال نقل عدد كبير من القوات والمعدات العسكرية من أماكن بعيدة مثل الحدود الروسية مع كوريا الشمالية لمواجهة أوكرانيا. وأوضح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عبارات الرئيس الأمريكي لتعزيز قوة الردع قائلاً: "نحن نبذل قصارى جهدنا لنوضح لروسيا أنّها... ستلاقي رداً سريعاً وجدياً وموحداً على أي شكل من أشكال الاعتداء الروسي الموجه نحو أوكرانيا". وحتى في الوقت الذي تأمل فيه الولايات المتحدة في الردع، إلّا أنّه عبر التهديدات الآن بفرض عقوبات وعمليات النشر المحتملة في أوروبا، يعمل بوتين على إجبار وفرض الرد على أهدافه. وفي غضون ذلك، ينتظر العالم ليرى ما سيفعله بوتين بينما يجعل روسيا مركز الاهتمام. فلم يكن دائماً حريصاً على المواجهة العلنية. وحين استولى بوتين على شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في آذار/مارس 2014، فعل ذلك تحت غطاء إنكار الرجال الذين لا يحملون أي شارة ويستغلون بهدوء الفوضى في السياسة الأوكرانية. والآن، يطوّق بوتين أوكرانيا على مرأى ومسمع من العالم، في وقت أصحبت فيه أوكرانيا أكثر تركيزاً وقوّاتها العسكرية في وضع أفضل بكثير مما كانت عليه عام 2014. ويهدّد الكرملين بوقاحة النظام العالمي الليبرالي بشن حرب، ويدّعي في الوقت نفسه أنّ الغرب وليس موسكو هو المتعنّت.
كيف وصلنا إلى هذه الحالة؟ قبل فترة طويلة من [الاستيلاء على] شبه جزيرة القرم، كان بوتين يشعر بالاستياء مما كان يعتبره إذلالاً غربياً لروسيا التي أصبحت ضعيفة في التسعينيات، وكان يخفي رغبةً في تغيير هذا الواقع. إن إدراكه للضعف الغربي جعله واثقاً بشكل متزايد، لا سيما حين يرى النفور الجماعي للولايات المتحدة من المخاطر. ولأسباب مفهومة، تُفضل واشنطن الحوار على المواجهة. وهذا ما يفعله بوتين أيضاً، لكنه يختار صياغة عمله باستخدام الإكراه مسبقاً.
لقد أوضحت إدارة بايدن بحكمة أنّها لن تلبي مطالب بوتين العلنية بالسماح لروسيا بتحديد البلدان التي يمكن أن تكون أعضاء في حلف "الناتو"، أو الدول التي يمكن أن تحصل على دعم عسكري غربي، وعلى حد تعبير بلينكن، تهدد الإدارة الأمريكية بعواقب "وخيمة" إذا اجتاحت روسيا أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، تقدّم فرصة الانخراط في حوار بشأن ما قد يشكل مخاوف أمنية روسية وأوروبية متوازية.
ربما ستنجح هذه السياسة، وسوف ينتهز بوتين استعداد الولايات المتحدة للتحدث عن عمليات نشر الصواريخ والتدريبات كوسيلة لادّعاء النجاح والتراجع عن تهديداته. وتكمن المشكلة في أنّه طالما يرى أن النفور من المخاطر بدلاً من الاستعداد لها هو الذي يوجّه السياسات الأمريكية، فسيواصل نهجه الإكراهي بشكلٍ عام. ولا يشكّل ذلك محصولاً حديثاً، فقد تصرّفت إدارتا كلا الحزبين على نحوٍ أقنعَ بوتين بضعف الولايات المتحدة. وفي الواقع لم تؤدِّ الطريقة التي انسحبت فيها الولايات المتحدة من أفغانستان سوى إلى تعزيز سلسلة من الردود الأمريكية المحدودة على حربه في جورجيا (واستمرار التواجد في أبخازيا)؛ واستيلائه على القرم؛ وترويجه للصراع في شرق أوكرانيا، بما في ذلك الامتناع الأوّلي للولايات المتحدة عن تزويد أوكرانيا بالأسلحة، وبعد توفيرها، عدم السماح بنشرها بعد ذلك؛ وتدخّله العسكري في سوريا، وتكرّر الإخلال بالوعود المقدمة لواشنطن بنزع فتيل ذلك الصراع، وتمكينه للجرائم الحربية لنظام الأسد. ويُضاف إلى ذلك عدم تحرك الولايات المتحدة بشأن خطها الأحمر في سوريا، وردودها غير المتواترة والمحدودة للغاية على هجمات الميليشيات الشيعية على قواتها وتواجدها في العراق وسوريا. صحيح أنّ مقتل قائد «فيلق القدس» الإيراني قاسم سليماني قد بعث على ما يبدو رسالة مختلفة، لكنه شكّل بوضوح إجراءً لم يحدث سوى لمرة واحدة.
لكي نكون منصفين، قد يكون كل واحد من هذه القرارات التي اتخذتها الإدارات الأمريكية المختلفة منطقية ومعقولة بشكل انفرادي، لكنّها أقنعت بوتين بشكل تراكمي بأنه ليس لديه الكثير ليخافه من الانخراط في الإكراه، وربما يكسب الكثير. وفي حالة موقفه الإكراهي تجاه أوكرانيا، لا يقتصر الأمر على تحديد ما سيكون مسموحاً به لأوكرانيا، بل في الإشارة دولياً إلى أنه يحدد الآن قواعد اللعبة على الصعيد العالمي.
وعندما يتعلق الأمر بأوكرانيا، هناك ما يدعو للسخرية: فرغم كل هذا التبجح المخيف، فمن غير المرجح أن يريد بوتين حرباً تقليدية شاملة مع أوكرانيا. فالشعب الروسي أكثر نفوراً من الضحايا مما كان عليه في الماضي، وستكون الحرب الشاملة مكلفة من حيث الدماء والثروات. ويدرك بوتين على الأرجح أن الأوكرانيين سيقاتلون بكل قواهم. وحتى لو وضعت روسيا السكين على حناجرهم، سيختارون الغرب. (ولسوء الحظ، لا يمنعه أي من ذلك من الاستيلاء على جزء استراتيجي من أوكرانيا عبر منع وصولها إلى البحر الأسود أو شق ممر إلى كالينينغراد، أو ضم دونباس رسمياً).
وفي النهاية، إذا أردنا أن يتصرّف بوتين بشكل مختلف، فعلى الولايات المتحدة أن تحدّ أيضاً من إظهار النفور من المخاطر. ويراقب بوتين سلوك واشنطن في كل حَدب وصَوْب، وليس فقط في أوروبا. نعم، على الولايات المتحدة المباشرة بالمحادثات حول انضمام السويد وفنلندا إلى حلف "الناتو"، وتناوب المزيد من القوات في بولندا وليتوانيا. لكن ربما حان الوقت أيضاً للرد بقوة أكبر على التهديدات التي تواجه القوات الأمريكية في سوريا والعراق. وربما على واشنطن أن توضح للإيرانيين أنّ المفاوضات ستتوقف إذا لم يكونوا مستعدين للتحدث معها مباشرةً في فيينا، وأن واشنطن ستعد خيارات بديلة للرد إذا لم يضعوا حداً للتقدم المستمر في برنامجهم النووي - وهي خيارات ستعرّض ذلك البرنامج للخطر. وربما في الوقت الذي يثير فيه استخدام أوكرانيا للطائرات التركية بدون طيار قلق الروس، فقد حان الوقت لرؤية ما يمكن للولايات المتحدة فعله بصورة أكثر مع تركيا.
قد يجادل البعض بأن هذه الإجراءات يمكن أن تزيد من مخاطر الصراع - وقد يكونون على حق. فللأسف، هذه هي النقطة الأساسية مع بوتين.
دينس روس هو مستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن. آنا بورشيفسكايا هي زميلة أقدم في المعهد حيث تركز على سياسة روسيا تجاه الشرق الأوسط.