- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
هل ستتمكن إيطاليا من جعل ترامب يهتم بإصلاح ليبيا؟
تُرجمت هذه المقالة بعد اجتماع رئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني مع الرئيس الأمريكي ترامب في الـ 20 من نيسان/أبريل.
يضطلع القادة الأجانب بدور مهم في تعليم الرئيس دونالد ترامب السياسة الخارجية. ومن الواضح أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس الصيني شي جين بينغ والأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ قد أثروا على مواقف ترامب من النزاع الاسرائيلي الفلسطيني وسوريا وكوريا الشمالية وحلف "الناتو". وقد حذروه جميعهم من التحولات الجذرية في السياسة ومن الواضح أنه أصغى ملياً إليهم.
[لقد منحت] زيارة رئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني إلى واشنطن في العشرين من نيسان/أبريل فرصة أخرى لترامب للاستماع لنصيحة حليف حول قضية هامة لم يتناولها البيت الأبيض علناً بعد، وهي ليبيا. [وقد يكون] جنتيلوني قد حقق إنجازاً هاماً إذا تمكّن من جعل ترامب ينضم إلى إيطاليا في دعمها لـ "حكومة الوفاق الوطني" في ليبيا ولعملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة. كما سُيعتبر هذا الأمر سياسة حكيمة بالنسبة للولايات المتحدة.
وفي حين أن ليبيا لن تتصدر أبداً جدول أعمال الولايات المتحدة، إلّا أنّ إيطاليا توليها الأولوية في سياستها الخارجية نظراً لأن مصالحها القومية الحيوية معرضة للخطر في تلك البلاد، بدءً من أزمة الهجرة وانتهاءً بأمن الطاقة. لذلك [ربما حاول] جنتيلوني أولاً إقناع ترامب بأن ليبيا ليست مهمة لأوروبا فحسب، بل للولايات المتحدة أيضاً، أو لدافعي الضرائب الأمريكيين، كما قال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون. [وربما تم] إطلاع ترامب على الأسباب التي تجعل من الحل السياسي، وليس من الغارات الجوية الدورية، السبيل الوحيد الدائم للحد من وجود تنظيم «الدولة الإسلامية» والجهاديين في ليبيا، الذي يهدد منطقة البحر الأبيض المتوسط بأكملها. وسيتطلب تحقيق هذا الأمر إشراك الدبلوماسية الأمريكية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا يجب على ترامب أن يهتم بمثل هذا الأمر على الإطلاق؟ في الواقع، يمكنه أن يستشهد بليبيا في خطاباته كدليل دامغ على "إخفاقات" السياسة الخارجية للرئيس باراك أوباما.
في العام الماضي، تلقّى تنظيم «الدولة الإسلامية» هزيمة كبيرة في ليبيا عندما [نجحت] القوات المحلية، بمساعدة القوة الجوية الأمريكية، بدفع الجهاديين إلى الخروج من ملاذهم الآمن في سرت. وتراجع تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى الصحراء الجنوبية الشاسعة في ليبيا، لكنه لا يزال يشكل تهديداً. وينتعش تنظيم «الدولة الإسلامية» في أماكن غير خاضعة لسيطرة الحكومة وسيعزز [مركزه] إذا استمرت المعركة بين الفصيلين الرئيسيين في ليبيا - أي أولئك الذين يؤيدون الآن "حكومة الوفاق الوطني" التي تدعمها الأمم المتحدة في طرابلس ومصراتة، وأولئك في شرق ليبيا الذين يدعمون الجنرال خليفة حفتر، الذي يرفض الاعتراف بحكومة الوحدة. ويُحدث هذا الصراع السياسي المستمر فراغاً أمنياً يستغله تنظيم «الدولة الإسلامية» [لتحقيق أهدافه].
ومنذ أكثر من عام، يحاول رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مارتن كوبلر، أن يوحّد كافة الأطراف تحت راية سياسية واحدة. وقد حالت جهوده دون انفجار العنف الداخلي الذي شهدته ليبيا في عام 2015، ولكن الجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاق سياسي دائم قد توقفت عند بعض القضايا البالغة الأهمية، وخاصة الدور المحتمل لحفتر. وكلّما طال أمد الجمود، كلما زادت فرصة البروز المجدد لتنظيم «الدولة الإسلامية»، الأمر الذي من شأنه أن يهدد المصالح والقوات الأمريكية في المنطقة. وقد حذّر قائد القوات الأمريكية في أفريقيا ("أفريكوم") الجنرال توماس والدهاوزر من مثل هذا السيناريو في معرض إدلائه بشهادته مؤخراً في مجلس الشيوخ الأمريكي.
وبالإضافة إلى ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن جنتيلوني في موقع جيد [ربما] سمح له أن يشرح لترامب بإسهاب إلى أي مدى استخدمت القوى الإقليمية وروسيا الأشهر القليلة الماضية كفرصة للتقدم في سعيها إلى تحقيق مصالحها الضيّقة في ليبيا. وتنظر مصر وروسيا والإمارات العربية المتحدة بعين الريبة والتحفظ إلى سير عملية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وكما يظهر من جميع النواحي تعتبر هذه الدول أن دعم حفتر هو أفضل السبل لاستعادة الاستقرار في ليبيا. وتخشى هذه الدول أن تؤدي عملية بعثة الأمم المتحدة إلى تعزيز القوات غير المستحبة في ليبيا، مما سيضع كافة الأطراف تقريباً في فئة واحدة (أي في خانة الإسلاميين).
[ربما] أصغى ترامب بإمعان إلى تحليل جنتيلوني القاضي بأن دعم حفتر وحده هو/يشكل صيغة لحرب أهلية متجددة. ونظراً لتصريحات حفتر المناهضة للإسلاميين التي تستهدف غرب ليبيا بفظاظة مطلقة، فإن النهج القائم فقط على دعم حفتر في ليبيا يُعتبر ساماً سياسياً. ومن شأن وجهة نظر جنتيلوني أن تؤكد من جديد صحة التقييمات في صفوف قسم كبير من أوساط الحكومة الأمريكية وتستفيد من واقع كون الأصوات الخارجية دائماً ما تبدو أكثر إلحاحاً بالنسبة لترامب من التحليلات الداخلية.
أولاً، [ربما] استطاع جنتيلوني أن يقول لترامب أن لديه فرصة لتولي زمام الأمور في ليبيا. فمن خلال وقوف ترامب إلى جانب جنتيلوني في المكتب البيضاوي أو في مؤتمر صحفي وتصريحه بأن الحل الوحيد لليبيا يمر عبر العملية السياسية التي تسهّلها الأمم المتحدة، [ربما] تمكّن من الإدلاء ببيان من شأنه أن يساهم في ردع حفتر من القيام بحملة عسكرية طالما نوقشت كثيراً وتستهدف طرابلس. ومن شأن ذلك أن يبرهن للجهات الخارجية الداعمة لحفتر بأن الولايات المتحدة لم تفقد اهتمامها بليبيا.
ثانياً، [ربما] سعى جنتيلوني إلى الحصول على مساعدة الولايات المتحدة في تحديد دور توفيقي لحفتر من شأنه أن يحافظ على دور "حكومة الوفاق الوطني" المعترف بها من قبل مجلس الأمن الدولي وتم تأكيد هذا الاعتراف من قبل وزراء الخارجية في مجموعة الدول السبع [في اجتماعهم] في مدينة لوكا في إيطاليا في وقت سابق من هذا الشهر. لقد تم تقديم الكثير من التنازلات المعقولة، إلا أن حفتر يستمر في المفاضلة والتهديد بالعمل العسكري. ولن يُحرَز أي تقدم إلا إذا لم يعد أمام حفتر أي خيار خارجي. والآن وبعد انتهاء الانتخابات الأمريكية، يمكن للدبلوماسية الأمريكية التوصل إلى توافق يتم بموجبه تقاسم السلطة في ليبيا. ويعني ذلك إجراء محادثات صريحة مع الحكومتين الإماراتية والمصرية. وإذا لم يزداد تقارب دولة الإمارات ومصر مع الولايات المتحدة، ستبقى روسيا مطلقة اليدين في إعاقة أي محاولة لاحتواء الطموحات العسكرية لحفتر، أو أسوأ من ذلك، في إنشاء قناة دعم مادي مباشر لمساندة حفتر بالأعتدة، على غرار ما تقوم به في أوكرانيا.
ثالثاً، [كانت] أمام جنتيلوني مهمة شاقة في إقناع ترامب بأنه يتعين على المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، الإضطلاع بدور في تعزيز "حكومة الوفاق الوطني" لكي تحكم ليبيا. وقال بعض المسؤولين الأمريكيين أن التحالف المناهض لتنظيم «الدولة الإسلامية» لا يخدم بناء الوطن أو إعادة إعماره. إلا أن إنهاء جهود الولايات المتحدة لدعم "حكومة الوفاق الوطني" بدلاً من توسيعها سيضمن استمرار الصراع الأهلي، حيث سيستمر حفتر في اعتقاده أن ثمة مواطن ضعف كثيرة في غرب ليبيا. ولا يزال تنفيذ ميزانية "حكومة الوفاق الوطني" وتقديمها للخدمات يسيران بشكل متعثر وهما بأمس الحاجة إلى تسريع وتيرتهما. هذا وتترنح المشاريع الرامية إلى تحقيق الاستقرار التي تم التخطيط لها بدقة في سرت بعد طرد تنظيم «الدولة الإسلامية» - كإزالة الألغام وإعادة تنشيط المساعدة في الحوكمة للمدينة المحاصرة - مما سيفتح الباب للمزيد من عدم الاستقرار. وهذا هو خطر التراجع عن مشاريع المساعدة الأمريكية الهامة والمحدودة نسبياً في عام 2017.
لا بد من الإشارة إلى أن هذه المهام ليست سهلة، ولكن ترامب حظي بفرصة أخرى [ربما] سنحت له اتخاذ خطوة قوية باتجاه حل صراع مستمر بالغ الأهمية إذا كان قد استمع عن كثب إلى حلفاء الولايات المتحدة، واعترف بوجهات نظرهم، وصرّح بشكل واضح وصريح أنه يدعم حكومة الوحدة في ليبيا وعملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة. وفي أقلّ الحالات، سيساهم ذلك في ردع المفسدين مثل تنظيم «الدولة الإسلامية» وروسيا كي لا يوسعوا نطاق نفوذهم في تلك البلاد التي مزقتها الحرب.
بين فيشمان، هو مساعد باحث سابق في معهد واشنطن، وعمل مديراً لشؤون شمال أفريقيا في "مجلس الأمن القومي" في الفترة 2011 - 2013.
"فورين بوليسي"