- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2647
هل سيقرّب «حزب العمال الكردستاني» وتنظيم «الدولة الإسلامية» المسافة بين تركيا وروسيا؟
في 29 حزيران/يونيو، أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين مكالمة هاتفية بهدف تهدئة التوترات الثنائية المتأزّمة. وجاء الاتصال، الذي تم ترتيبه مسبقاً والذي يُقال أنه دام حوالى نصف الساعة، بعد يومين من قيام أردوغان بتوجيه رسالة عبّر فيها عن أسفه على إسقاط الطائرة العسكرية الروسية التي خرقت المجال الجوي التركي من سوريا في تشرين الثاني/نوفمبر 2015. وقد جاءت المحادثة أيضاً في أعقاب الهجوم الذي وقع في 28 حزيران/يونيو والذي يُشتبه أن يكون قد نفّذه انتحاريون من روسيا وأوزبكستان وقيرغيزستان في مطار "أتاتورك" في اسطنبول، والذي أسفر عن مقتل 45 شخصاً وإصابة 250 آخرين بجروح. ونظراً إلى ازدياد الهجمات الإرهابية على الأراضي التركية هذا العام، يبدو أنّ تحسين العلاقات مع موسكو أمراً أساسياً، فيما تقيس أنقرة ردّها العسكري ضدّ الجناة، لا سيما الاستيلاء المحتمل على ممرّ أعزاز-جرابلس في سوريا.
الخلفية
تدهورت العلاقات الثنائية منذ حادثة إسقاط الطائرة في تشرين الثاني/نوفمبر. ففي ذلك الوقت، كانت موسكو تدّعي أن الطائرة لم تخرق أبداً المجال الجوي التركي وسمّت قرار إطلاق النار على الطائرة استفزازاً. ومن جهتها كانت تركيا غاضبة بالفعل من عمليات الخرق المتكررة لمجالها الجوي، مع أن الحافز الأقوى لعملية الإسقاط كان الغارات الروسية المتكررة ضد القوات التركمانية السورية التي تدعمها أنقرة والتي تحارب نظام بشار الأسد.
ولاحقاً، حظّر بوتين الواردات التركية وباشر باتخاذ مجموعة من الإجراءات لمعاقبة أردوغان على قراره ولتخويف أنقرة لكي توقف دعمها للثوار المناهضين للأسد. فعلى سبيل المثال، واجهت تركيا منذ ذلك الحين عدداً من الاعتداءات السيبرانية الضخمة، سبّب أحدها انقطاعات متكررة في التيار الكهربائي في جميع أنحاء البلاد في آذار/مارس؛ وقد ربط بعض المسؤولين الأتراك شخصياً تلك الهجمات على مواقع الإنترنت بروسيا. كما نشر الكرملين فرقاً إضافية في أرمينيا وأقام نظام دفاع جوي في سوريا، فأحاط جيّداً بتركيا من ثلاث جهات مع الأخذ بعين الاعتبار الوجود العسكري الروسي المستمر في شبه جزيرة القرم. وبالإضافة إلى ذلك، بدأت موسكو بتزويد الأسلحة إلى «حزب الاتحاد الديمقراطي» في سوريا، وهو مجموعة لها منظمة شقيقة هي «حزب العمال الكردستاني» التي تحارب القوات الحكومية في تركيا.
وما أثار حقّاً ردود فعل الكرملين في الأشهر الأخيرة كان الاستخدام المتزايد للأسلحة المضادة للطائرات من قبل الثوار السوريين - والتي زوّدتهم بها على الأرجح بلدان الخليج العربي عبر تركيا - من أجل إسقاط طائرات نظام الأسد في 13 آذار/مارس و5 نيسان/أبريل و23 نيسان/أبريل. فبعد أيام من الهجوم الأخير، وجّه المسؤول الروسي سميون باغداساروف تهديدَا مفاده أنّ موسكو تستطيع تزويد «حزب العمال الكردستاني» - الذي صنّفته واشنطن وحلف "الناتو" على أنه منظمة إرهابية - بأسلحة مماثلة. وفي 13 أيار/مايو، نشر هذا الحزب شريطاً مصوّراً عن أحد مقاتليه وهو يُسقط مروحية "كوبرا" تركية بواسطة "نظام الدفاع الجوي المحمول على الكتف "9K38 - إيغلا" ". والمثير للاهتمام أنّ السلاح بدا في الشريط المصوّر على أنه نموذج مصنوع للاستخدام المحلي الروسي، وليس نموذج تصديرٍ بيعَ إلى النظام السوري، الذي تعرّض مخزونه من "أنظمة الدفاع الجوي المحمولة" إلى غارات متكررة خلال الثورة. وقد أثارت هذه النقطة تساؤلات حول ما إذا كانت موسكو قد تابعت ذلك من خلال تهديد باغداسوروف.
الأسباب التي دعت تركيا إلى تهدئة الموقف
روسيا هي عدو تركيا التاريخي اللدود، لذلك فإن عودتها كخصم لا تُقلق أردوغان فحسب، بل أيضاً المجتمع الأوسع الذي يتألّف من واضعي السياسات الخارجية في أنقرة. ويبدو أن هذا القلق هو الذي دفع إلى توجيه الرسالة الأخيرة التي عبّر فيها الرئيس التركي عن أسفه [لوقوع حادث إسقاط الطائرة].
ولأردوغان أيضاً أسبابه الخاصة للتصالح مع موسكو. فإذا كان الكرملين يزوّد الأسلحة إلى «حزب العمال الكردستاني» أم لا، يهدد الدعم العسكري الروسي لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» بعرقلة جدول أعمال أردوغان السياسي المحلي. فوفقاً للدستور التركي، هو رسمياً رئيس الدولة وليس رئيس الحكومة، وكان عليه ترك «حزب العدالة والتنمية» الحاكم بموجب القانون بعد أن أصبح رئيساً عام 2014. ويأمل الآن بالفوز في استفتاء شعبي حول التعديلات الدستورية التي اقترحها، أو ببناء أغلبية ساحقة من «حزب العدالة والتنمية» في انتخابات نيابية فورية - وسيسمح له أي من التطورين بجعل تركيا نظاماً تنفيذياً مع رئيس متحزّب، الأمر الذي يعزز سلطته. لكن يبدو أن نسبة التصويت التي حصل عليها «حزب العدالة والتنمية» بلغت حدها الأقصى في انتخابات 2011 و2015، لذلك فإن أي من الاستراتيجيتين ستتطلب من أردوغان بناء قاعدة حزبه. وتحقيقاً لهذه الغاية، يتّجه نظره نحو ناخبين من «حزب الحركة القومية» اليميني، إذ يعتقد أن الانتصار العسكري ضد «حزب العمال الكردستاني» سيضم بعضاً منهم إلى أكناف «حزب العدالة والتنمية» ويُكسبه عدداً كافياً من الأصوات ليتوصل إلى الفوز في الاستفتاء أو إلى الأغلبية الساحقة النيابية.
ومن أجل إلحاق الهزيمة بـ «حزب العمال الكردستاني» ، يعلم أردوغان أنه عليه فك الارتباط بين روسيا والأكراد، ولذلك يأتي سعيه لتطبيع العلاقات مع بوتين. وسيَلقى في جهده هذا دعم مجتمع السياسات غير الحزبي في تركيا، من بينهم العلمانيين والقوات العسكرية التركية التي كانت من خصومه سابقاً.
التسرع للسيطرة على ممر إعزاز-جرابلس
إن فك الارتباط بين روسيا والأكراد لن يسمح لأردوغان بهزيمة «حزب العمال الكردستاني» في البلاد فحسب، بل أيضاً بتقويض المكاسب الكردية في سوريا. فعلى مدى العامين الماضيين، وحّد «حزب الاتحاد الديمقراطي» مقاطعتيْ الجزيرة وكوباني في شمال شرق سوريا إلى منطقة معلنة تُدعى "روج آفا" أو "كردستان السورية". ويتركز هدف الجماعة في تحقيق الحكم الذاتي للأكراد وتحويل "روج آفا" إلى مسرح محوري للعمليات التي تدعمها الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».
وتحقيقاً لهذه الغاية، يسعى «حزب الاتحاد الديمقراطي» إلى ربط الجزيرة وكوباني بمقاطعة عفرين في الشمالي الغربي من أراضيه. فهذه المقاطعة، المعزولة بين المحافظات التركية إلى الغرب والشمال بالإضافة إلى مناطق سورية خاضعة لسيطرة الثوار العرب السنة وتنظيم «الدولة الإسلامية» إلى الشرق والجنوب، كافحت لتبقى صامدة خلال الحرب. وعندما سعى نظام الأسد مؤخراً إلى إغلاق خط مارع شمال حلب وشرق عفرين، أفادت بعض التقارير أن روسيا قدمت الأسلحة والدعم الجوي إلى مقاتلين من «حزب الاتحاد الديمقراطي» مقرّهم في عفرين، مما ساعد الجماعة على إحراز مكاسب في المنطقة على حساب الثوار الذين تدعمهم تركيا. ولم تقم موسكو بهذه الخطوة لدعم الأسد فحسب، بل أيضاً لإثارة حفيظة أردوغان. حتى أن روسيا سمحت لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» بإنشاء مكتب في موسكو، بالإضافة إلى خريطة تُظهر "روج آفا" التي تمتد على 450 ميلاً (حوالي 700 كلم) على طول حدود تركيا مع سوريا.
وبعد الهجوم المروّع على مطار إسطنبول وقبل عمليات تنظيم «الدولة الإسلامية» عبر الحدود، يتزايد الضغط على أنقرة لاتخاذ إجراء عسكري ضد المنظمة الإرهابية. ونظراً إلى سياسة أردوغان القائمة على الزعامة والرجل القوي، من غير المرجح أن يدع تنظيم «الدولة الإسلامية» يفلت من الهجوم. وكانت تركيا ناشطة بالفعل ضد قوات تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، وخاصةً في الممر الطويل بين أعزاز وجرابلس. فهناك، يعمل الثوار الذين تدعمهم أنقرة مع الولايات المتحدة لنزع السيطرة من التنظيم، من خلال الضغط على الممر من طرفه الغربي بالقرب من أعزاز ومارع. وفي الوقت نفسه، تضغط «وحدات حماية الشعب» المدعومة من قبل الولايات المتحدة، على الممر من الجهة الشرقية قرب بلدة منبج - وهذه «الوحدات» هي ميليشيا تسير في خط «حزب الاتحاد الديمقراطي» و«قوات سوريا الديمقراطية»
ومن شأن الغزو التركي المباشر إلى داخل الممر أن يسمح لأنقرة بتكثيف حملتها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» أكثر فأكثر، وسيرحب الأتراك بأي اقتراح مماثل في أعقاب هجوم اسطنبول. فقد شكلت المنطقة في الماضي محطّ أنظار كطريق غير شرعية للمقاتلين الأجانب الذين يعبرون تركيا للانضمام إلى تنظيم «الدولة الإسلامية»، ومن المرجح أن حملة القمع التي تقوم بها أنقرة ضد الأنشطة عبر الحدود خلال العام الماضي هي التي حرّضت الحملة الإرهابية التي تشنها الجماعة ضد المدن التركية.
إن التدخل ضد خلية تنظيم «الدولة الإسلامية» قرب منبج، سيخدم أيضاً إحدى المصالح التركية الأخرى وهي: إيقاف خطط «حزب العمال الكردستاني» و «حزب الاتحاد الديمقراطي». ففي حين تعتبر أنقرة بوضوح أن تنظيم «الدولة الإسلامية» يشكل خطراً، ما زالت تنظر إلى «حزب العمال الكردستاني» بالطريقة نفسها لا بل بشكل أقسى. ولكن على الرغم من الإنذارات التركية الطويلة المدى حول السماح لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» / «وحدات حماية الشعب» بعبور نهر الفرات، حصل أكراد سوريا على الضوء الأخضر من واشنطن للقيام بذلك، خاصةً من أجل الهجوم على منبج. وغالباً ما قال مسؤولو «حزب الاتحاد الديمقراطي» أن إغلاق جيب منبج سيساعدهم على توحيد مقاطعات كوباني- الجزيرة وعفرين. لكن من خلال إحكام السيطرة على الجزء الغربي من ممر أعزاز-جرابلس، قد تستبق تركيا أي خطط كردية من هذا القبيل.
ما الذي ستحصل عليه روسيا
المشكلة الكامنة في هذا السيناريو هي أن تركيا لا تستطيع فعلياً إرسال الجنود إلى سوريا من دون موافقة روسيا، خاصةً بسبب حادثة إسقاط الطائرة في تشرين الثاني/نوفمبر، والتي أعقبها إعلان موسكو أن شمال سوريا هي منطقة حظر جوي بحكم الواقع. وسبق أن أنشأت روسيا مكان دفاع جوي في هذه المنطقة، مشيرةً إلى أنها مستعدة لقصف أي طائرة تركية أو قوات برية تدخل شمال غرب سوريا.
قد يكون بوتين قد فهم رسالة أردوغان الأخيرة على أنها تمهيد للتعاون التركي الروسي في سوريا. لكن سيتطلب المزيد إذا كان على موسكو أن تسمح لتركيا بدخول ممر أعزاز-جرابلس وإيقاف دعمها لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» - ومن المرجح جداً أن يتعيّن على أنقرة الموافقة أولاً على تخفيف دعمها الخاص للثوار المناهضين للأسد الذين يحاربون في محافظتي حلب وإدلب.
ومن جانبها، سترحّب الولايات المتحدة بتحسين العلاقات بين بوتين وأردوغان. ومثل هذا التطور سيساعد الحملة الشاملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، كما سيسهّل المفاوضات السياسية الجارية حالياً بين نظام الأسد والمعارضة.
وفي أعقاب المكالمة الهاتفية بين أردوغان وبوتين الأسبوع الماضي، رفع بوتين بعض القيود الخاصة بالسفر إلى تركيا، مشيراً إلى أن موسكو قد تكون مستعدة لتخفيف القيود المفروضة على السياحة التركية التي تواجه المصاعب بسبب الهجمات الإرهابية. إلا أن عودة العلاقة الثنائية إلى طبيعتها أمراً مستبعداً - فما زال بوتين يطلب من أردوغان اعتذاراً كاملاً قبل أن يحدث ذلك. وإذا أرادت تركيا معاقبة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، وإعاقة تقدّم الأكراد، وهزيمة «حزب العمال الكردستاني» في البلاد، قد تقرر اتخاذ ما يلزم من الخطوات لاسترضاء موسكو.
أندرو تابلر هو زميل "مارتن جي. غروس" في برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن. سونر چاغاپتاي هو زميل "باير فاميلي" ومدير برنامج الأبحاث التركية في المعهد.