- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2789
هل تحتاج مصر إلى اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة؟
خلال الزيارة التى قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤخراً إلى الولايات المتحدة، شدّد على الوضع الاقتصادي السيئ فى بلاده، من بين أولويات اخرى، والحاجة المقابلة للمساعدة الأمريكية فى تحقيق الاستقرار في الاقتصاد. ولتحقيق هذه الغاية، دعا السيسي ومختلف الوفود التي انضمت إليه إلى إحياء الشراكات التجارية مع الولايات المتحدة، بما فيها احتمال توسيع اتفاق التجارة الحرّة بين الولايات المتحدة ومصر.
وفي المحادثات الثنائية حول هذا الموضوع، التي من المحتمل أن تجري في موعد قريب، يجب على الولايات المتحدة أن تؤكد على أهمية "المناطق الصناعية المؤهلة"، التي تشير إلى المواقع الصناعية في مصر التي تستفيد من اتفاقات التجارة الحرّة مع إسرائيل. وبالفعل، سيتعيّن على مصر زيادة إمكانيات هذه المناطق الصناعية المؤهلة إلى أقصى حدّ ممكن. وفي حين تشكّل الأقمشة الجزء الأكبر من المنتجات المصرية التي تدخل الولايات المتحدة اليوم، يمكن إضافة مجموعة من السلع الجديدة إلى القائمة إذا استفادت مصر من "المناطق الصناعية المؤهلة" بشكل كامل. غير أن المصريين لم يكونوا مستعدين لاتخاذ مثل هذه الخطوة بسبب المخاوف التي تساورهم إزاء توطيد العلاقات بين الشركات المصرية والإسرائيلية.
وللوهلة الأولى، قد ينظر المصريون إلى اتفاق التجارة الحرّة كخيار أكثر جاذبية من مجرد تعزيز استخدام "المناطق الصناعية المؤهلة". وبالفعل، من شأن مثل هذا الاتفاق أن يزيد قدرة الأسواق المصرية على دخول السوق الأمريكي الأكبر حجماً، مما يعزز صادراتها. غير أن تحليلاً أكثر دقة يُظهر أن نحو 45 في المائة من الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة تمر أساساً عبر "المناطق الصناعية المؤهلة"، في حين يتمّ تأمين الصادرات الأخرى عبر وسائل بديلة. والأهم من ذلك، أنه من أجل الوفاء بشروط اتفاق التجارة الحرّة، سيتعين على مصر إجراء تعديلات مكلفة لأن البنية التحتية المؤسسية للبلاد غير مهيأة لها. وعلى سبيل المقارنة، ففيما يتعلق بمنشأ المنتجات، تسمح القواعد المرنة لـ "المناطق الصناعية المؤهلة" بواردات سخية من الأقمشة، بما فيها الملابس الجاهزة، فضلاً عن السلع الأخرى.
ووفقاً لأحدث الإحصاءات الصادرة عن موقع "مكتب الممثل التجاري الأمريكي" على شبكة الإنترنت، بلغت الصادرات المصرية إلى السوق الأمريكية ما مجموعه 1.6 مليار دولار في عام 2013. وبصرف النظر عن الأقمشة والملابس الجاهزة الخاضعة للمعاملة التفضيلية في "المناطق الصناعية المؤهلة - التي تشكل نسبة الـ 45 في المائة المذكورة آنفاً - تشمل الصادرات الرئيسية الأخرى النفط والحديد والصلب. وتتمتع هذه المنتجات أيضاً بإمكانية الوصول إلى التجارة الحرّة أو لديها ترتيبات خاصة لدخول السوق. فضلاً عن ذلك، يوفر برنامج التجارة الأمريكي الذي يُعرف باسم "نظام التفضيل العمومي" بدلات إعفاء من الرسوم الجمركية [لبعض] السلع المؤهلة مثل المجوهرات والمنتجات الزراعية والمواد الكيميائية والمعادن والرخام والسجاد، على الرغم من أن هذه النسبة لا تمثل سوى 4.8 في المائة من إجمالي الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة.
عقبات أمام اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة ومصر
استناداً إلى السلع التي تحظى بمعاملة تفضيلية حالية فقط - سواء من خلال "المناطق الصناعية المؤهلة" (الأقمشة في الوقت الحاضر) أو "نظام التفضيل العمومي" (مثل المنتجات الغذائية أو المفروشات المنزلية) أو طبيعة التصدير (مثل النفط) - من الواضح أنه لا يجدر بالولايات المتحدة التوقيع على اتفاقية تجارة حرّة مع مصر. فآليات التجارة المفتوحة قائمة أساساً. وعلاوةً على ذلك، تشير الديناميات المصرية الداخلية إلى أن مصر ستعجز عن تلبية الشروط الأمريكية التي يتطلّبها مثل هذا الاتفاق، المنتشر في حوالي خمسة مجالات.
أولاً، يسعى المستثمرون الأمريكيون إلى تحقيق الكفاءة، وليس فقط إلى بيئات إنتاج منخفضة التكلفة. وعلى الرغم من تكاليف الإنتاج الرخيصة نسبياً، لا تحتل مصر مرتبة عالية في إنتاجية عمالها، وقد بلغت المبيعات الكلية لـ "المناطق الصناعية المؤهلة" 30 في المائة. وتُعتبر المخاطر عنصراً ثانياً. فاستناداً إلى تقرير أعدّه "البنك الدولي" نظر بموجبه في أفضلية بيئات الأعمال الوطنية، احتلت مصر المرتبة 131 بين 189 بلداً. ومن ثم، فإن الجمع بين المطالب الأمريكية المفرطة ومناخ الأعمال الضعيف من شأنه أن ينذر بالتنفيذ الضعيف لأي اتفاق، مما يثبط الأمريكيين عن الدخول في اتفاق. أما العقبة الثالثة فتنطوي على عدم قدرة المصريين على إنفاذ قوانين العمل في خمسة مجالات، على النحو الذي وضعته "منظمة العمل الدولية" التابعة للأمم المتحدة، وهي: الحق في تكوين الجمعيات، والحق في التنظيم والمساومة الجماعية، وحظر العمل القسري، والحد الأدنى لسن العمل، وظروف العمل المقبولة. وكلما جلست الولايات المتحدة على طاولة المفاوضات مع مصر، يجب أن تكون حساسة بشكل خاص فيما يتعلق بمعايير العمل، مع الأخذ في الاعتبار أن الكونغرس الأمريكي قد يرفض إبرام اتفاق تجارة حرّة يُبنى على هذا الأساس.
ويتعلق مبعث القلق الرابع، كما هو الحال بالنسبة للثاني، بالتنفيذ. فإلى أن تم إبرام "اتفاقية التجارة الحرّة لأمريكا الشمالية" ("نافتا") في عام 1994، ركّزت اتفاقات التجارة الحرّة على الاستثمار الأجنبي المباشر. غير أنه مع إبرام اتفاقية "نافتا"، بدأت اتفاقات التجارة الإقليمية للولايات المتحدة تعتمد تعريفاً أوسع نطاقاً للتجارة، مركزّة بشكل إضافي على تدفقات المحافظ والديون الخاصة وقضايا الديون السيادية والملكية الفكرية. ومن شأن المتطلبات التشريعية والتنفيذية المتعددة المرتبطة بهذه المكونات أن تضغط على الحكومة المصرية، مما يحول دون امتثالها لالتزاماتها.
ويمثّل الالتزام المصري المتزعزع بمتطلبات حقوق الملكية الفكرية في الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، مبعث القلق الخامس بشأن اتفاقية تجارة حرة محتملة. وعلى الرغم من أن مصر راجعت في القانون رقم 82، الذي سُنّ في عام 2002، الإطار القانوني لحقوق الملكية الفكرية وقدرتها على تطبيقها، إلا أن البلاد لا تزال متخلفة كثيراً عن العديد من البلدان، سواء في العالم العربي أو على الصعيد العالمي. وفي آخر تقرير "خاص 301" أعده الممثل التجاري الأمريكي، الذي يركّز على البلدان التي تعاني عجزاً في حماية حقوق الملكية الفكرية، لا تزال مصر على قائمة المراقبة. وبالمثل، فإن "تقرير التنافسية العالمي 2016-2017" الصادر عن "المنتدى الاقتصادي العالمي" قد صنّف مصر في المرتبة 124 من أصل 138 بلداً من حيث حماية حقوق الملكية الفكرية.
الاستنتاجات
حتى إذا اتخذت مصر، من الناحية النظرية، كافة الخطوات الضرورية لمعالجة الاعتراضات الأمريكية المحتملة المحيطة [بإبرام] اتفاق التجارة الحرّة، يجب أن ينظر المرء في التحول في الرأي العام الأمريكي المعارض لاتفاقات التجارة الحرّة، كما يتجلى بشكل واضح في الحملة الرئاسية لعام 2016. فقد احتج المرشح الرئاسي آنذاك دونالد ترامب على اتفاقات التجارة وجنى المنافع السياسية لذلك. ومن الناحية العملية، بإمكان أي اتفاق مع مصر أن يكون رهينة للمساومة على التعديلات على الاتفاقات القائمة مثل اتفاقية "نافتا".
ونظراً إلى العديد من العوامل التي تقف في طريق إبرام اتفاق تجاري أمريكي-مصري، كما هو مبين هنا، يجب على الولايات المتحدة بدلاً من ذلك أن تحث المصريين على الاستثمار بشكل أكبر في "المناطق الصناعية المؤهلة". وقد يشمل أحد التنازلات المحتملة إلى القاهرة خفض نسبة المشاركة الإسرائيلية، وهو طلب مصري قائم منذ فترة طويلة. ومع ذلك، فعند طرح مثل هذا الحل التوفيقي، لا بدّ أن يوضح المسؤولون الأمريكيون أن مصر يجب أن تكون شريكاً واقعياً وعملياً وبناءً في "المنطقة الصناعية المؤهلة" بالنسبة لإسرائيل. وبالفعل، لن يتحسن التعاون الاقتصادي من دون تعزيز التواصل الاجتماعي بين القطاعات الخاصة المعنية [في البلدين]. وثمة سابقة لمثل هذه الروابط المعززة، التي ازدهرت لفترة وجيزة بعد إبرام اتفاق "المنطقة الصناعية المؤهلة" بين مصر وإسرائيل الذي تم التفاوض بشأنه تحت رعاية الولايات المتحدة في عام 2004.
هيثم حسنين هو زميل "غليزر" في معهد واشنطن.