- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2737
هل تكون إدلب الهدف التالي للأسد بعد حلب؟
ملاحظة: اضغط على الصور للوصول إلى الإصدارات العالية الدقة.
على الرغم من أنه سيتسغرق الجيش السوري عدة أيام للحد من الجيوب الأخيرة للمقاومة في حلب، إلا أن سقوط المدينة الكامل بات وشيكاً. ويشكّل انتصار النظام ضربة قاضية للمعارضة، على الأقل من ناحية عدم قدرة المتمردين على الإدعاء بعد الآن بأنهم يمثلون بديلاً سياسياً وعسكرياً لحكومة بشار الأسد. كما أن النتيجة ستقوّي الجيش وحلفائه من خلال إطلاق العنان لأعداد كبيرة من الجنود والمدفعية والقدرات الجوية الروسية، بهدف شنّ الهجوم التالي وتوفير حماية أفضل لمناطق النظام القائمة على حد سواء. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما إذا كانت الضربات ستتركز على إدلب أو الرقة أو دير الزور. وتتطلب الإجابة على هذا السؤال نظرة أعمق إلى الإستراتيجية العسكرية والعوامل الجيوسياسية.
استهداف معقل المتمردين في إدلب
بعدما استعاد الجيش السوري السيطرة على حلب، سيحاول على الأرجح توسيع رقعة الأراضي الخاضعة له باتجاه غرب المدينة، حيث أن الخطوط الأمامية للمتمردين لا تبعد سوى مئات قليلة من الأمتار عن أقرب الأحياء الموالية للنظام. وقد أقام النظام خطاً دفاعياً قوياً حول حلب، لكنه ليس محصناً ضد هجوم جديد تحت قيادة «جبهة فتح الشام»، الفرع السوري لتنظيم «القاعدة» المعروف سابقاً باسم «جبهة النصرة». وكانت الجماعة قد نجحت في كسر الحصار بشكل مؤقت خلال آب/أغسطس من خلال العمليات التي نفّذتها من معقلها في إدلب، ثم هددت الأحياء الموالية في حلب مجدداً خلال تشرين الأول/أكتوبر.
ولهذه الأسباب وغيرها، سيشكّل استهداف إدلب على الأرجح الأولوية الرئيسية التالية بالنسبة للجيش. فهذه المحافظة تضمّ أقوى تجمّع للمتمردين وأكثرهم نفوذاً؛ ووفقاً لـ "معهد دراسات الحرب"، تفتخر بأنها تضم أكثر من 50 ألف مقاتل تجمّعوا مجدداً تحت مظلة تنظيم «جيش الفتح» وبقيادة «جبهة فتح الشام». كما سيتمتع هجوم النظام من الغرب بميزة حماية حماة من قوات المتمردين المتواجدة على بُعد عشرة كيلومترات فقط إلى الشمال من تلك المدينة.
وفي الوقت نفسه، قد تحاول قوات النظام في المنطقة الساحلية استعادة السيطرة على مدينة جسر الشغور التي كانت قد خسرتها مع إدلب في ربيع عام 2015 بعد معارك ضارية مع «جبهة فتح الشام» وحلفائها. وتُعد جسر الشغور النقطة الأساسية للدفاع عن معاقل النظام العلوية والقواعد العسكرية الروسية على الساحل.
إبقاء تنظيم «القاعدة» بعيداً عن الجيوب الشيعية
ليس هناك شك في أن إيران والميليشيات الشيعية تحت رعايتها، يصرون من ناحيتهم على إنهاء حصار الفوعة وكفريا، حيث يرزح سكان هاتين المنطقتين الشيعيتين البالغ عددهم20,000 نسمة تحت حصار المتمردين منذ آذار/مارس 2015.
وكان الدفاع عن البلدات الشيعية في شمال سوريا الحجة الأقوى التي استعملها «حزب الله» لإقناع مؤيديه في لبنان بأن التزامه بالحرب له ما يبرره. ولم يوفّر الحزب جهداً لحماية الفوعة وكفريا. كما أنه يستغل الوضع في هذه الجيوب المطوقة لتبرير الحصار، المُدان دولياً، الذي يفرضه على الزبداني ومضايا قرب دمشق. ويبدو أن «حزب الله» أبرم اتفاقاً مع المتمردين: إذا حدث أي شيء آخر للمدن الشيعية، عندها ستنال المدينتين السنيتين المحاصرتين عقاباً مناسباً. إلا أن هذا الاتفاق لا يزال هشاً بشكل متزايد. وإذا أصبح أي هجوم ضد إدلب وشيكاً فور سقوط شرق حلب، قد تحاول «جبهة فتح الشام» الاستيلاء على الفوعة وكفريا، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى وقوع مجازر وأخذ الرهائن بغض النظر عن النتائج الانتقامية المحتملة لمضايا والزبداني.
التوجه نحو الرقة عن طريق "سد الثورة"؟
يتمثّل سيناريو آخر محتمل بعد سقوط حلب في هجوم يشنّه النظام باتجاه وادي الفرات، بدءاً من استعادة الأراضي بين القاعدة الجوية في كويرس و"بحيرة الأسد". وإلى جانب وقف تقدّم المتمردين الموالين لتركيا في الجنوب، يبدو أن الأسد وحلفاءه لا يزالون يعتزمون الاستيلاء على الرقة من تنظيم «الدولة الإسلامية» في مرحلة ما. وبغية تحقيق هذا الهدف، سيحتاجون إلى إعادة فرض السيطرة على "سدّ الثورة" على نهر الفرات. ويوفر هذا السد إمدادات الطاقة لمحافظات الرقة وحلب ودير الزور. وحتى الأهم من ذلك، يوفّر مياه الريّ لثلاثة أرباع الأراضي الزراعية في محافظة الرقة. لذلك، فمن يسيطر على المياه يسيطر على السكان المحليين.
وتجدر الملاحظة أن والد بشار، حافظ الأسد، أدرك هذا المبدأ بشكل جيد عندما أطلق عملية بناء السدّ في أواخر ستينيات القرن الماضي كمشروع مواز لـ "سد أسوان" على نهر النيل. ولم يفعل ذلك لأسباب اقتصادية بقدر ما فعل ذلك من أجل السيطرة السياسية على قبائل الفرات.
إنقاذ دير الزور من تنظيم «الدولة الإسلامية»
بإمكان النظام أيضاً استخدام الموارد التي حررها الانتصار في حلب لإعادة فتح الطريق من تدمر إلى دير الزور. وقد أشار مصدر غير رسمي في الجيش السوري إلى أنه سيكون هناك حوالي 30 ألف جندي متاحاً قريباً، رغم أن هذا العدد قد يكون مبالغاً فيه - علماً بأن حلف "الناتو" ومصادر روسية قدّرت أن يكون النظام قادراً على نشر ما بين 20 و25 ألف جندي فقط "خارج مناطق الخطوط الأمامية". بغض النظر عما ستؤول إليه الأمور، لن يكون تدفق القوات من حلب كافياً لشن عدد من الهجمات الكبيرة في الوقت نفسه، أو ربما حتى لحماية الأراضي التي يسيطر عليها النظام حالياً.
فعلى سبيل المثال، يحاصر تنظيم «الدولة الإسلامية» نصف مدينة دير الزور الخاضعة لسيطرة النظام منذ أيار/مايو 2015، حين سقطت تدمر للمرة الأولى وتمّ قطع الطريق المؤدّي إلى دمشق. ويتمّ تزويد قوات الجيش المحلي والمدنيين المحاصرين هناك الذي يناهز عددهم 100 ألف شخص بالإمدادات جواً في الوقت الراهن، لكن شريان الحياة هذا يزداد خطورةً بسبب الهجمات المتكررة التي ينفّذها تنظيم «الدولة الإسلامية» على مطار المدينة. كما أن الانتكاسة الأحدث في تدمر - التي استولى عليها النظام في وقت سابق من هذا العام، لكيّ يرى تنظيم «الدولة الإسلامية» يعيد السيطرة عليها هذا الشهر بعد أن تم سحب قوات الجيش الهامة من أجل الحملة على حلب - هي دليل إضافي على هشاشة الوضع بالنسبة لقوات الأسد في المنطقة. وحتى مع ذلك، قد يكون إخراج الجماعة من وسط سوريا أكثر سهولة الآن نظراً إلى أن قوات تنظيم «الدولة الإسلامية» محاصرة على كافة الجبهات، لا سيما في شمال العراق.
ومن خلال السيطرة على محور تدمر- دير الزور، سيساهم الجيش في محاصرة الرقة، ليربط قوات النظام بـ «قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد. يُذكر أن «قوات سوريا الديمقراطية» قد نفّذت الأسبوع الماضي هجوماً على تنظيم «الدولة الإسلامية» من الشدادي، على الرغم من أن هذه العملية لم تحقّق حتى الآن الكثير من المكاسب. ومن شأن تقدّم النظام باتجاه دير الزور أن يزيد من حدّة محاربة التنظيم الأوسع نطاقاً على الصعيد الإقليمي، وربما يفتح الباب أمام نوع من التقارب بين روسيا والتحالف الدولي المناهض لـ تنظيم «الدولة الإسلامية». وكانت المحادثات السابقة التي تزعّمها المسؤولون الأمريكيون والروس قد انهارت في تشرين الأول/أكتوبر، غير أن الإدارة المقبلة للرئيس الأمريكي المنتخب ترامب قد تكون أكثر ميلاً نحو إبرام اتفاق يهدف إلى تسريع وتيرة السيطرة على الرقة - ربما إلى جانب خطوط النقاش السابقة بشأن تنسيق (أو على الأقل عدم تعارض) المساعي العسكرية ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية» مقابل سماح النظام والروس بإغاثة المدنيين ووصول المساعدات الإنسانية، والقضايا ذات الصلة. وعلى الرغم من الدعم الجوي الأمريكي المستمر وغيره من المساعدات، لا يمكن لـ «قوات سوريا الديمقراطية» تنفيذ هجوم بري خطير في الرقة بمفردها نظراً إلى تدخل تركيا في الآونة الأخيرة، والتي تشكل قواتها تهديداً هائلاً للأكراد.
أما بالنسبة لأنقرة، فيبقى هدفها هو نفسه: منع الأكراد من تحقيق وحدة الأراضي على طول الحدود الشمالية لسوريا. لذا فالحديث التركي عن أي تقدّم باتجاه الرقة ليس على الأرجح سوى ذريعة لاتخاذ خطوات من شأنها مساعدة أردوغان على تحقيق هدفه الأول.
لماذا إدلب أولاً؟
على الرغم من أن الأوضاع في دير الزور وإدلب ملحة بشكل مماثل، لا يمتلك الجيش السوري الوسائل لشن هجوميْن متزامنيْن واسعي النطاق. وفي حين أن خيار الفرات المناهض لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» سيكون أفضل بالنسبة للقوى الغربية من أي حملة على إدلب، لا يبدو أن القادة في موسكو ودمشق وطهران يعيرون أهمية كبيرة لآراء الغرب في هذه المرحلة.
ويبدو أن أكثر ما يثير قلق فلاديمير بوتين هو الحسابات التركية، حيث أن أنقرة قد تعتمد حلاً مبكراً للنزاع عبر حرمان المتمردين من دعمهم اللوجستي. ويتضح الآن أن بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد وقّعا معاهدة عدم اعتداء عندما التقيا في سانت بطرسبرغ في 9 آب/أغسطس، ما يؤكّد عملياً تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ. وكان تطبيق هذه المعاهدة المفترضة قد حصل تدريجياً. أولاً، انفصل المتمردون الموالون لتركيا عن «جبهة فتح الشام»، وسهلوا بذلك تطويق شرق حلب. وفي الوقت نفسه، احتل المتمردون نفسهم أراضي بين أعزاز وجرابلس في وقت سابق من هذا العام بدعم من الجيش التركي. ومن ثم، ما أن تمّ ضمان انتصار الجيش السوري في حلب، نفّذت تركيا هجوماً مباشراً استهدف الباب.
لذلك، إذا قرر الأسد مهاجمة محافظة إدلب كخطوة تالية، سيستفيد من الحيادية الطوعية للأتراك، الذين قد يحاولون من جانبهم الاستيلاء على منبج أو حتى على تل أبيض من الأكراد. وعبر قطع المزيد من الطرق بين الكانتونات الكردية، أي عفرين وكوباني والقامشلي، ستضع تركيا حتماً نهاية للحلم الكردي بوحدة الأراضي. وقد يكون ذلك نتيجة مرضية أيضاً للأسد (الذي رفض لفترة طويلة منح الأكراد السوريين الحكم الذاتي وفقاً للنموذج العراقي) وبوتين (الذي يَعتبر أن الأكراد على علاقة وثيقة للغاية مع واشنطن).
غير أنه ستترتّب على مواجهة تركية- كردية أوسع نطاقاً تداعيات سلبية كثيرة بالنسبة للولايات المتحدة، على غرار تعزيز موقع تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، والإضرار بمصداقية الولايات المتحدة في المنطقة، وتسليط الضوء على إحجام واشنطن الملاحظ عن حماية حلفائها. وقد تعطي هذه الاعتبارات أسباباً إضافية للمسؤولين الأمريكيين للسعي إلى إبرام تفاهم مع روسيا حول استهداف تنظيميْ «الدولة الإسلامية» و «القاعدة» وسط حماية السكان المدنيين والمتمردين المعتدلين في الوقت نفسه. كما أن النظر مجدداً في اقتراحات مختلفة لإقامة "منطقة آمنة" في شمال وجنوب سوريا قد يكون مناسباً.
فابريس بالونش، هو أستاذ مشارك ومدير الأبحاث في "جامعة ليون 2"، وزميل زائر في معهد واشنطن.