- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2674
هل يجب بالفعل اعتبار قوات «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» 'ميليشيات جيّدة'؟
من بين الميليشيات الشيعية المتعددة التي تشكل «الحشد الشعبي» - الشبكة الأم التي تضم «وحدات الحشد الشعبي» التي تعترف بها رسمياً الحكومة العراقية - يمكن اعتبار بعض منها "جيّدة" من ناحية كونها قوات تتحلى بشعور أكبر من الوطنية ولا تنخرط في نشاطات جهادية وعلاقاتها مع إيران متوترة أو محدودة بشكل أو بآخر. وغالباً ما تم تصنيف «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» («المجلس الأعلى» أو «المجلس») والجماعات الحليفة له بـ "الحشد الجيّد" بحجة أنّها أفضل من العديد من الوحدات الجهادية الشيعية المتطرفة الخاضعة لسيطرة إيران بصورة علنية والعاملة في العراق. ومع ذلك، تشير التحليلات الأكثر دقة بشأن عدد من الميليشيات التي تقع تحت مظلة «المجلس الأعلى» إلى ضرورة إعادة النظر في هذه الفرضية.
تطوّر «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي»
تأسست المنظمة التي أصبحت تُعرف باسم «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» في الأصل في أوائل ثمانينيات القرن الماضي على يد مجموعة من المنفيين الشيعة العراقيين. وكانت هذه الجماعة، التي أنشئت في إيران تحت وصاية طهران، تُعرَف آنذاك باسم «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق». وفي عام 1982، شكلت جناحاً عسكرياً يدعى «فيلق بدر».
وبعد غزو قوات الائتلاف للعراق واحتلالها البلاد في عام 2003، تمكن أعضاء «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق» من العودة إلى بلادهم. وفي شهر آب/أغسطس من ذلك العام، تم اغتيال مؤسس المجلس وزعيمه لفترة طويلة محمد باقر الحكيم، فخلفه في الحكم أخوه عبدالعزيز الحكيم. وفي عام 2007، غيّرت الجماعة اسمها إلى «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي»، ويعود ذلك جزئياً إلى رغبة الجماعة في النأي بنفسها عن إيران.
وبعد وفاة عبدالعزيز الحكيم في عام 2009، خلفه ابنه عمّار الحكيم الذي أصبح منذ ذلك الحين زعيم «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي». وخلال فترة قيادته، انتهج «المجلس» مواقف انتخابية واجتماعية أكثر تماشياً مع [سياسات] رجال الدين التقليديين النافذين مثل آية الله علي السيستاني. ومع ذلك، نشأ انشقاق داخلي نتيجة معارضة الحكيم لبعض السياسات الإيرانية وحرصه على إبقاء «المجلس الأعلى» في منأى عن عقيدة "ولاية الفقيه"، الذي يمنح السلطة الكاملة للمرشد الأعلى الايراني؛ وقد تفاقم ذلك الموقف بعد إعلان طهران عن دعمها لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. وفي عام 2012، دفع ذلك الانشقاق بـ «فيلق بدر» التابع لـ «المجلس الأعلى» تحت قيادة هادي العامري إلى الانفصال وتشكيل مجموعة إصلاحية جديدة باسم «منظمة بدر»، وهي جماعة سياسية تضم ميليشيات من أشد أنصار إيران. وبعد ذلك، حاول الحكيم إعادة تشكيل «المجلس الأعلى» بحيث يشكل فصيل ينادي بوطنية عراقية شيعية التوجّه تمثّل الطبقة الوسطى.
في عام 2014، عندما اجتاح تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») مدينة الموصل وسيطر عليها ومع تقدّمه بوتيرة سريعة باتجاه أقسام أخرى من العراق، عمد «المجلس الأعلى»، وكرد فعل على ذلك، إلى تشكيل ميليشيا خاصة به باسم «سرايا عاشوراء». وتشمل هذه القوة عدداً من المقاتلين السابقين في «فيلق بدر» وتحرص بانتظام على استعراض أسلحتها التي تلقتها من إيران. ومع ذلك، لم تُشهر «سرايا عاشوراء» ولا «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» علناً بالقيادة الإيرانية الدينية أو تعلن عن تأييدها للجهود التي تدعمها إيران والرامية إلى إرسال الجهاديين الشيعة إلى سوريا.
وفيما يتعلق بشبكة «الحشد الشعبي»، أدلى الحكيم وغيره من ممثلي «المجلس الأعلى»، في البداية، بتصريحات تضفي الشرعية على «وحدات الحشد الشعبي»، إلا أنهم ما انفكوا العمل ضد تلك الوحدات منذ ذلك الحين. فعلى سبيل المثال، نادى الحكيم في ربيع عام 2015 بضرورة قيام بغداد بخفض رواتب 30 ألف مقاتل من «وحدات الحشد الشعبي». وقد ازدادت حدة التوتر في أيار/مايو من ذلك العام، عندما قامت «كتائب حزب الله» - المُدرجة من قبل الولايات المتحدة [كمنظمة إرهابية] وتشكل إحدى وكلاء إيران الأكثر ولاءً - بمداهمة مقرّ «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» في البصرة.
الوكلاء الإيرانيون في تحالف «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي»
على الرغم من العلاقات المتوترة بين الحكيم وبعض وكلاء إيران، حافظ «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» على صلات عميقة مع باقي الجماعات المدعومة من إيران. وفي عام 2014، تأسست كتلة "المواطن" البرلمانية بقيادة «المجلس الأعلى» وشملت ما يقرب من 20 مجموعة مختلفة، بعضها تحافظ على روابط وثيقة مع إيران.
انقر على الرسم البياني لعرض نسخة أكثر دقة.
في عام 2011 تأسست «حركة الجهاد والبناء» كإحدى الجماعات الحليفة والمقربة من «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» ولها ممثلون في كل من البرلمان العراقي والمنظمة الأم غير الرسمية التي تعمل تحت مظلتها ميليشيات «المجلس الأعلى». ويشغل عضو البرلمان حسن الساري، منصب الأمين العام للجماعة، وكان سابقاً قائد «حركة حزب الله في العراق» وعضواً في مجلس الشورى التابع لـ «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق». وتحت قيادته، قاتلت «حركة حزب الله في العراق» قوات صدام حسين في منطقة الأهوار في جنوب العراق؛ وكانت عائلة الساري تعيش في إيران في ذلك الوقت. وفي الآونة الأخيرة، دعا الساري إلى دعم الوجود الإيراني المسلّح في العراق وعارض بكل حماس العمليات العسكرية الأمريكية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».
في عام 2014، التمس الحكيم مساعدة «حركة الجهاد والبناء» من أجل تجنيد أعضاء لميليشيا، عُرفت لاحقاً بمنظمة «سرايا الجهاد» التابعة لـ «حركة الجهاد والبناء». ومع ذلك، أظهرت هذه الجماعة استعداداً أكبر شأناً بأشواط للاستجابة لمطالب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي. وبالرغم من رسائل آية الله السيستاني المعارضة لسياسة نشر الجهاديين الشيعة على الأراضي السورية، أرسلت «حركة الجهاد والبناء» العديد من المقاتلين إلى ذلك البلد بناءً على طلب طهران. ومن بين أولئك المقاتلين صالح جبر البخاتي، نائب الأمين العام لـ «سرايا الجهاد» الذي قُتِل في معركة الفلوجة في حزيران/يونيو 2016. وسابقاً، شارك البخاتي في معارك في سوريا والتُقِطت صور له في العراق وهو يناقش خطط المعارك مع قاسم سليماني، قائد «قوة القدس» التابعة لـ «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» («الحرس الثوري») الإيراني.
وربطت بعض المصادر ميليشيا ثانية تابعة لـ «حركة الجهاد والبناء» - هي «لواء المنتظر» - بإيران. ووفقاً لبرقية دبلوماسية أمريكية من عام 2007 سربها موقع "ويكيليكس"، يُرجح أن الأمين العام للميليشيا المعروف باسم داغر الموسوي، وهو شخصية بارزة في «حركة الجهاد والبناء» وعضو برلماني سابق، كان أيضاً ضابطاً برتبة عميد في «قوة القدس» التابعة لـ «الحرس الثوري». كذلك، أشارت البرقية المذكورة التي تُسنَد بعض ادعاءاتها إلى مصادر الاستخبارات الأمريكية إلى وجود ميليشيا أخرى تابعة لـ «حركة الجهاد والبناء» بقيادة الموسوي هي «حركة سيد الشهداء»، بقولها: "يتلقى الأعضاء الرواتب والأوامر من [«قوة القدس» التابعة لـ «الحرس الثوري» [... وتتولى [«حركة سيد الشهداء»] جمع المعلومات الاستخبارية وتهريب الأسلحة الفتاكة وتنفيذ عمليات عسكرية محدودة بتوجيه إيراني".
وبالإضافة إلى ذلك، شارك الموسوي بصورة منتظمة في مراسم تشييع أقيمت في العراق للجهاديين الشيعة الذين قُتلوا في سوريا منذ عام 2013، وظهر في العديد من المناسبات مع أمين عام «منظمة بدر»، هادي العامري. وقد نشرت حركة «لواء المنتظر» قواتها إلى جانب «منظمة بدر» في معركة جرف الصخر التي جرت في خريف عام 2014. وفي الآونة الأخيرة، عقد الموسوي عدداً من الاجتماعات العامة مع أبو مهدي المهندس المصنَّف كعنصر إرهابي من قبل الولايات المتحدة والمشتبه به على أنه قائد في «الحرس الثوري» الذي تزعم سابقاً «فيلق بدر» وكان شخصية بارزة ساهمت إسهاماً كبيراً في تشكيل «كتائب حزب الله». وعلى الرغم من هذه الروابط ، هنّأ الحكيم، الموسوي بصورة علنية في حزيران/يونيو 2016 على دوره في معركة الفلوجة.
المتشددون الطائفيون
هناك عنصر جدلي آخر داخل تحالف «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي»، يتمثّل في النزعة الطائفية الصريحة، والعنيفة في بعض الأحيان التي أظهرها بعض القادة، وأبرزهم جلال الدين الصغير، إمام في "جامع براثا" في بغداد وعضو سابق في مجلس الشورى التابع لـ «المجلس الأعلى» الذي يشغل حالياً منصب أمين عام ميليشيا «سرايا أنصار العقيدة». وفي عام 2007، داهمت القوات العراقية "جامع براثا" بسبب الاتهامات التي أكدت استخدام ذلك الجامع كقاعدة لفرق الموت الشيعية التي استهدفت السنة. وفي عام 2008، اتخذ الصغير موقفاً حازماً ضد اعتراف بغداد بجماعات "الصحوة" السنية القبائلية التي حاربت بنجاح تنظيم «القاعدة في العراق» - سلف تنظيم «الدولة الإسلامية». وفي عام 2012، كان الصغير في محور جدل آخر عندما أهان الأكراد العراقيين.
وفي أواخر عام 2013، بدأ «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» يغيّر ظهوره الإعلامي من خلال اتباعه خطوط [سياسية] أكثر اعتدالاً، وتهميشه شخصيات مثل الصغير. ومع ذلك، ظل الصغير يحتفظ بدور استشاري في القضايا المتعلقة بالقيادة الدينية والسياسية داخل «المجلس الأعلى» وشكّل جهاز سياسي وميليشياوي خاص به. وفي الوقت نفسه، وبينما كان الجهاديون الشيعة العراقيون يتدفقون إلى داخل سوريا، أطلق الصغير تصريحات علنية تدعم أولئك العناصر، وحتى قام بزيارة مستشفى إيراني في كانون الثاني/يناير 2014 لمواساة المقاتلين الجرحى. وعند الإعلان عن تشكيل «سرايا أنصار العقيدة» في ذلك الوقت، تم وصف تلك الجماعة على أنها تقاتل في سوريا، وليس في العراق.
كيف ينسجم «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» مع سياسة الولايات المتحدة؟
مع استمرار الولايات المتحدة في تشكيل تحالفات مع مختلف «وحدات الحشد الشعبي»، لا بدّ للإدارة الأمريكية أن تعتمد نهجاً دقيقاً وحذراً، يتمثّل في عدم اعتبار الميليشيات نفسها وعناصرها التشكيلية ككيان موحَّد. وبمعنى آخر، عليها توخي الحذر عند التعامل مع «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» وأن تدرك بأن هناك حدوداً للتعاون. ففي ظل الضغوط الخارجية التي تواجهها مجموعة المظلة الأم وعدم قدرتها على بسط السيطرة الكاملة على العديد من مجموعاتها الحليفة، تمرّ هذه المنظمة الأم اليوم بمرحلة معقدة، لاسيما مع محاولتها اللعب على جميع الأطراف والتطرّق إلى العديد من المصالح المتنافسة في كثير من الأحيان.
وفي الوقت نفسه، يعني ذلك أن هناك بعض الفرص في متناول الولايات المتحدة قد تساعدها في التأثير في مواقف «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» إزاء إيران وعملائها من الشيعة العراقيين، ولذلك، لا بد من مواصلة جهود التعاون مع «المجلس الأعلى». ومن هذا المنطلق، تستحق إدارة أوباما الثناء لإشادتها بالإجراءات الإصلاحية التي اتخذها الحكيم ومساعيه الرامية إلى صد التنامي الجامح لنفوذ «وحدات الحشد الشعبي» التي تهيمن عليها إيران. ومع ذلك، لا ينبغي تجاهل سياسة «المجلس الأعلى» القائمة على التعاون الوثيق مع الجهات الفاعلة الطائفية بشكل متطرف والمجموعات المناهضة بشدة للولايات المتحدة الخاضعة لسيطرة إيران.
فيليب سميث هو باحث في جامعة ماريلاند، ورئيس تحرير المدونة "موكب «حزب الله»"، ومؤلف تقرير معهد واشنطن "الجهاد الشيعي في سوريا وآثاره الإقليمية".