- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
هل يسير تنظيم «الإخوان المسلمين» إلى الانهيار داخلياً؟
يعتبر تنظيم «الإخوان المسلمين» بمصر من التنظيمات الفكرية والسياسية التي تميزت في علاقتها بالأنظمة الحاكمة، بثنائية المد والجزر. إذ وبعد الإطاحة بالنظام الملكي الدستوري المصري عام 1952 على يد جمال عبد الناصر ورفاقه، نجحت «الجماعة» في ترسيخ موقعها على الساحة السياسية آنذاك باعتبارها التنظيم الإسلامي الأكثر برغماتية. وقد واجهت «الجماعة» نوبات متقطعة من القمع التي استمرت لمدة ثلاثين عاماً إلى أن جاءت حقبة حسني مبارك؛ ليحقق «الإخوان» صعودهم الكبير، حيث فضل التنظيم نهج سياسة المهادنة مع الدولة في ظل تصاعد عنف الجماعات الإسلامية خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، الشيء الذي مهد لـ «الجماعة» طريق المشاركة في جميع الاستحقاقات الانتخابية، من انتخابات نقابية، ومجالس محلية وبرلمانية طوال سنوات حكم مبارك، حيث حافظت «الجماعة» على نشاطها الحركي أكثر من إنتاجها الفكري، فبقيت بذلك محافظة على عمومية أفكارها دون الدخول في تفاصيل حول قضية دور المرأة في المجتمع، وقضايا الفن والسياسة والعلاقات الخارجية، وكذلك مسألة الأقباط، فأصبحت «الجماعة» بذلك بمثابة بوتقة سياسية للإسلاميين بكافة أطيافهم، من قبيل: السلفيين، والأزهريين، ومجموعة حزب الوسط.
وعلى الرغم من غموض أهداف التنظيم، الا انه نجح في تحقيق صعود سياسي والوصول الى سدة الحكم في عام 2012. لكن هذا الصعود لم يصاحبه تغيير فكري واضح، واستمرت القيادات التاريخية مهيمنة على الصفوف الأولى لـ «الجماعة» مثل: خيرت الشاطر، ومهدي عاكف، ومحمود عزت، وإبراهيم منير، ومحمود حسين، ومحمود غزلان، ومحمد مرسي. ونتيجة لذلك، قصرت «الجماعة» عن إدراك موقعها الجديد؛ كقوة حكم تحتاج لمراجعات فكرية تقربها أكثر من جمهور الطبقة الوسطى، إذ لم تتقبل هذه القيادات التاريخية لـ «الجماعة» دعوات الإصلاح الداخلية من قبل الشباب، وسارعت إلى فصل الشباب الإصلاحي من تيار عبد المنعم أبو الفتوح ـ المرشح الرئاسي الإسلامي الأسبق، الحاصل على أربعة ملايين صوت. وقد ألقت هذه القيادات التاريخية بكامل ثقلها خلف التيار السلفي، وذلك من خلال تكوين مظلة فقهية سلفية تسمى: "الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح"، وكانت تضم جماعة «الإخوان المسلمين» إلى جانب مجموعات سلفية أكثر تشدداً، مع دعم كامل من النائب القوي لمرشد «الجماعة» ـ رجل الأعمال خيرت الشاطر.
وقد أسفر التدخل العسكري الذى جاء عقب المظاهرات الشعبية المناهضة للرئيس مرسي عن اعتقال وسجن العديد ممن يمثلون المنبع الفكري الأهم لـ «الجماعة» منهم مرشد «الإخوان» الحالي محمد بديع، ومرشد «الإخوان» السابق مهدي عاكف، ونائب المرشد خيرت الشاطر، ورئيس الجمهورية محمد مرسي، ورئيس البرلمان السابق سعد الكتاني، ومحمد البلتاجي، وعصام العريان، وحلمي الجزار، والعديد من القيادات «الإخوانية» التي برزت بقوة في الساحة السياسية بعد اندلاع ثورة يناير. أما من نجوا من الاعتقال فقد تفرقوا هاربين بين قطر وتركيا، ونذكر منهم: النائب الأول للجماعة محمود عزت، والأمين العام محمود حسين، والمتحدث الرسمي السابق محمود غزلان، الذي تم القبض عليه مؤخراً، ومدير مكتب لندن إبراهيم منير. وتكمن قيمة هذه المجموعة المتفرقة بالخارج في امتلاكها لملف العلاقات الخارجية، ومصادر التمويل الخاصة بـ «الإخوان»، الشيء الذي يعطيها أفضلية لقيادة التنظيم.
ونتيجة لموجات السجن والاعتقال، لم تعد القيادة التاريخية لـ «الجماعة» في موقع الصدارة وتراجعت شعبيتها، حيث تصدت لها فعلياً قيادات ثورية تضم لجان الشباب والطلاب والإعلام والحراك الجماهيري. وازدادت وضعية التنظيم تأزماً مع تصاعد حدة التضييق الخارجي؛ من السعودية والإمارات، التي ضغطت على الحكومة البريطانية لكي تصدر إعلاناً يعتبر تنظيم «الإخوان المسلمين» جماعة إرهابية، وتمهيداً لحظر أنشطتها داخل لندن، حيث تتواجد "رابطة «الإخوان المسلمين» الدولية" بقيادة القيادي «الإخواني» الشهير إبراهيم منير.
وفي مقابل هذا الحصار الخارجي، تصاعد الخلاف داخل «الجماعة» بين رؤية القيادات التاريخية الممثلة في القائم بأعمال المرشد العام محمود عزت، والأمين العام محمود حسين، ورئيس لجنة الإدارة العليا لـ «الإخوان» داخل مصر محمد عبد الرحمن، في مقابل قيادات الحراك الثوري داخل التنظيم، والمشكلة من مسؤول التربية وعضو مكتب الإرشاد محمد طه وهدان، والمتحدث الرسمي محمد منتصر، ومسؤول مكتب «الإخوان» المصريين بالخارج أحمد عبد الرحمن. ومع إعادة هيكلة التنظيم من خلال انتخاب قيادات جديدة لأقسام «الجماعة» الجغرافية السبعة (القاهرة، وسط الدلتا، الإسكندرية، الدقهلية، الشرقية، شمال وجنوب الصعيد)، فإن كلا الفريقين لم يتمكنا من حسم الصراع التنظيمي داخل «الجماعة»، نظراً لاستمرار محمود عزت قائماً بأعمال مرشد «الجماعة»، ومحمد عبد الرحمن رئيساً للجنة الإدارة العليا لـ «الإخوان»، بمعنى هيمنتهما على قمة الهرم التنظيمي، مع دعم مسؤولي قطاع الدقهلية وكذلك قطاع الشرقية لهما، ولباقي القيادات التاريخية، ضد القيادات الثورية الجديدة لـ «الجماعة».
هكذا يبدو الوضع التنظيمي والفكري للإخوان، منقسماً، فهناك مجموعة يقودها القائم بأعمال المرشد محمود عزت، وأمين عام «الجماعة» محمود حسين، ورئيس رابطة «الإخوان المسلمين» الدولية إبراهيم منير، ومحمد عبد الرحمن رئيس لجنة الإدارة العليا الداخلية لـ «الجماعة». وتمتلك هذه المجموعة ـ كما أشرنا سابقاً ـ ملفات العلاقات الخارجية والتمويل، وتتواجد منافذها الإعلامية في بريطانيا وتركيا. وتخوض حرباً لاستعادة جماعة «الإخوان المسلمين» من المنفلتين "الثوريين" الذين يتبنون العنف كخيار مركزي في تعاملهم مع النظام المصري الحالي منذ 3 تموز/يوليو 2013؛ وتتلقى هذه المجموعة دعماً من قطر وتركيا، اللتان تسعيان لإعادة إدماج «الجماعة» في المجال العام في مصر. ويزداد هذا السعي قوة من خلال موقف بريطانيا الأخير الذي طالب تنظيم «الإخوان» بإجراء مراجعات فكرية، حتى لا يتم إدراجه في قائمة الجماعات الإرهابية.
وهناك أيضاً مجموعة أخرى معارضة يقودها محمد منتصر المتحدث الرسمي لـ «الجماعة»، وأحمد عبد الرحمن رئيس مكتب «الإخوان» المصريين بالخارج، فهي تعتمد على لجان الطلاب والشباب والحراك الجماهيري، والتي أدارت حراك «الجماعة» ضد النظام المصري في أعقاب 3 تموز/يوليو 2013. وهناك تأكيدات على تبني هذه المجموعة لخيار العنف ضد النظام الحاكم ومؤسساته، انتقاماً لما حدث للتنظيم من اعتقالات وقتل، حيث تعرضت تلك المجموعة إلى ضغط خارجي من القيادات التاريخية بإيقاف الدعم المالي، إلى جانب ضغط داخلي بانحياز قيادات «الإخوان» في محافظتي الدقهلية والشرقية إلى القيادات التاريخية. ويعتبر إعلان محمود حسين وإبراهيم منير حول ضرورة انتهاج الوسائل السلمية في التغيير، بداية لسحب الشرعية من أي حراك يخوضه «إخوان» الداخل ضد النظام السياسي، الشيء الذي يضعهم بين المطرقة والسندان.
وبهذا أصبح تنظيم «الإخوان المسلمين» منشطراً إلى تنظيمين برؤيتين متقابلتين، وكل منهما يحارب الآخر، كما أصبحت الأوضاع الخارجية المقترنة باصطفاف الدول السنية بقيادة السعودية، وبتواجد مصر وقطر وتركيا ضد إيران، تُضَيِّقُ الحصار على «الإخوان» كـ جماعة؛ من أجل ثنيها عن خيار العنف في مواجهه الدولة بعد عامين من الاحتجاجات التي كلفت هذا «الإخوان» الكثير من الاعتقالات والتضييق الأمني. وتظل حظوظ القيادات التاريخية لـ «الجماعة» بقياده القائم بأعمال المرشد محمود عزت، هي الأكثر واقعية من فرص قيادات الحراك الثوري، نظراً للظروف الإقليمية المحيطة. وتلك النتيجة المتوقعة ستؤدي حتماً الي خروج مجموعات شباب «الإخوان» التي تتبنى العنف وتدشينها لمجموعات تتمحور أدبيتها حول العنف المسلح ضد النظام. وليس من المتوقع أن يكون تنظيم «الإخوان» في المستقبل القريب قادراً علي أن يمثل تهديداً جماهيرياً للنظام السياسي بعد أن فقد مركزيته كالتنظيم الاسلامي الأهم في الشرق الأوسط ومصر، واضمحلال قاعدته التنظيمية، والصراع على مراكزه القيادية، ورمادية أفكار وأدبيات «الجماعة». ولا يعني ذلك التراجع لتنظيم «الإخوان»، أن «الجماعة» سترث تنظيم إسلامي آخر، وإنما هو تراجع عام لحظوظ التيار الاسلامي بعد معركته الصفرية مع المؤسسة العسكرية في مصر.
محمد سليمان، مهندس ومحلل سياسي مصري.
"منتدى فكرة"