- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3666
هل يتم كسب الوقت في بغداد؟ ما يمكن توقعه من حكومة السوداني
قد تخفف القوات المعادية والفاسدة المحتشدة وراء السوداني من أنشطتها المناوئة للولايات المتحدة، لمجرد إعادة تأكيد سلطتها في الداخل، لذلك يجب أن تحرص واشنطن على أن تكون فترة شهر العسل التي تمضيها الحكومة العراقية الجديدة قصيرة، وأن تجد سبيلاً لتجاوز الوضع إذا لزم الأمر لمساعدة الشعب العراقي.
في 27 تشرين الأول/أكتوبر، منح مجلس النواب العراقي الثقة لحكومة محمد شياع السوداني، مما أضفى الطابع الرسمي على حكومة جديدة تشبه إلى حدٍ كبيرٍ الحكومة التي تغلغلت فيها الميليشيات والتي أُطيح بها في عام 2020 بعد شهور من الاحتجاجات الجماهيرية والقمع الوحشي. وقد وصف العديد من المراقبين هذه النتيجة بأنها أهون الشرين بعد العنف والخلل السياسيين اللذين سادا خلال مأزق العام الماضي. ومع ذلك نظراً لداعميها وبنيتها، قد تتيح هذه الحكومة الجديدة ببساطة وعلى أتمّ وجه سيطرة الفصائل السياسية الشيعية الأكثر عرضةً للانجرار وراء إيران - لا سيما في غياب جهات فاعلة موازنة مثل مقتدى الصدر وبرهم صالح ومصطفى الكاظمي.
وقد رحبت إدارة بايدن بصعود السوداني، وخلُصت إلى أن أفضل مسار في الوقت الحالي هو بدء العلاقة بشكل ودي. وهنأ المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس رئيس الوزراء الجديد، وأشار إلى "إننا نتطلع إلى العمل معه ومع حكومته في نطاق مصالحنا المشتركة" - وهو شعور رددته السفيرة الأمريكية في بغداد ألينا رومانوسكي. وقد يردّ السوداني وداعموه على هذه المعاملة بالمثل في البداية، ولو فقط لأنهم يعتقدون أن العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة يمكن أن تكون محفوفة بالمخاطر في سياق البيئة الحالية المليئة بالتحديات الداخلية والإقليمية القوية. ومع ذلك، يكمن الخطر الاستراتيجي هنا بالذات، فإذا تمسكت واشنطن ببساطة بموقفها خلال هذا الهدوء التكتيكي المفترض في الأعمال والخطابات المناهضة للولايات المتحدة، فقد يمنح ذلك عناصر الميليشيات الذين تحولوا إلى سياسيين وقتاً كافياً لإعادة ترسيخ جذورهم في المؤسسات الأساسية التي تتكوّن منها الدولة العراقية.
ما الذي تحت الغطاء
نظرياً، تم تشكيل حكومة السوداني، كهيئة توافقية تطال مختلف الأعراق والطوائف. لكن من الناحية العملية، تسيطر عليها الأحزاب الشيعية التي انتظرت إلى أن دبرت تعددية حاكمة في مجلس النواب قبل دعوة الأحزاب السنية والكردية للمشاركة. ويتضمن برنامجها السياسي قائمة طويلة من المبادرات المتعلقة بالسياسات التي تبدو مفيدة، إلا أن البرنامج يفتقر إلى تدابير المساءلة المرتبطة بالفشل. وبدلاً من ذلك، تبدو الحكومة الجديدة مصممة خصيصاً لتعزيز الاتجاهات المناهضة للديمقراطية، متجاهلة إرادة ملايين العراقيين الذين انتفضوا في عام 2019 ضد نظام قائم على تقسيم موارد الدولة والسلطة بين شبكات المحسوبية الطائفية.
وفي الأساس، انتصر الشيعة في الحرب العرقية الطائفية. وكانت الانقسامات الداخلية بينهم هي التي عثّرت تشكيل الحكومة في العام الماضي، حيث فاز الصدر في الانتخابات لكنه استسلم في النهاية للخصوم المدعومين من إيران. فبعد فشل هؤلاء في صناديق الاقتراع، تكاتفوا معاً بفعالية فتاكة ضمن ما يُسمى بـ"الإطار التنسيقي". وفقدت الجماعات الكردية والسنية أهميتها من خلال تنفيذ عدد كبير من المناورات العسكرية والقانونية والسياسية، ناهيك عن الانقسامات الداخلية. وقد تم الآن ضم القلة من المعتدلين المنتخبين أو تهميشهم.
علاوةً على ذلك، يفتقر رئيس الوزراء محمد السوداني على غرار سلفَيه إلى مجموعة برلمانية خاصة به من الناخبين. ولا عجب إذاً أن "الإطار التنسيقي" فرض أغلبية تعييناته الوزارية. ويعزز هذا الأمر توجهاً عراقياً أخذ يتطور منذ فترة طويلة، وبموجبه تبتعد العناصر السياسية الفاعلة والقوية عن الأضواء والمساءلة الناتجة عن رئاسة الحكومة بشكل مباشر لصالح الحُكم من خلال البيروقراطيين. على سبيل المثال، يتمتع الوزراء الأكراد والسنة الذين تم اختيارهم في الحكومة الجديدة بتأثير سياسي ضئيل في مجتمعاتهم. والشخصية السنية البارزة الوحيدة التي احتفظت بمنصب سياسي بارز هو رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي. وفي الواقع، يفضل القادة الشيعة مثل نوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي وفالح الفياض تحريك الدمى بإتقان، على نحوٍ يشبه كثيراً ما فعله الصدر على مر السنين.
ما الذي يمكن توقعه؟
بصرف النظر عن غياب الصدر، فإن القوى الكامنة وراء حكومة السوداني هي نفسها التي دعمت حكومة عادل عبد المهدي بين عامَي 2018 و 2020. لذلك فمن المنطقي الافتراض بأن أهدافها الأساسية لم تتغير، وهي السيطرة على الدولة، وتطوير «قوات الحشد الشعبي» كمؤسسة موازية للجيش الوطني، وتقريب العراق من إيران (والذي من شأنه أيضاً تسهيل إقامة روابط أوثق مع الصين وروسيا). وفي الحقيقة، يعكس برنامج الحكومة الناشئة برئاسة السوداني بعض هذه النوايا، حيث يَعِد بـ "دعم قدرات «قوات الحشد الشعبي» وتطويرها وبناء مؤسساتها" بدلاً من دمجها ضمن القوات العسكرية الأوسع نطاقاً - وهي مقاربة محتملة قد تكون كارثية بالنظر إلى أن ميليشيات «الحشد الشعبي» أصبحت المصدر الأساسي لعدم الاستقرار في البلاد. وحتى في تلك الحالات التي أكد فيها القادة العراقيون على ممارسة سلطة أكبر وخالفوا النفوذ الأجنبي، فقد أساءوا استخدام هذه الاستقلالية إلى حدٍ كبير.
ومع ذلك، قد تكون تكتيكات الحكومة الجديدة أقل عدوانية وتسرعاً في البداية، ويرجع ذلك جزئياً إلى سياسات القوى الداخلية والديناميكيات الإقليمية، وأيضاً بسبب سمعة السوداني كمسؤول نظيف الكف ويتمتع بالقدرة (وإن لديه طموحات سياسية كبيرة). وعلى الرغم من أن مجلس وزرائه ومكتبه الشخصي يضمان العديد من الوزراء الذين فرضتهم الكيانات المصنفة من قبل الحكومة الأمريكية كإرهابية وفاسدة، فقد اختار بنفسه وزيرَي الداخلية والمالية كمنصبين رئيسيين من أجل طمأنة واشنطن على الأقل جزئياً. وبغض النظر عما يفعله السوداني، فقد لا تكون الميليشيات في عجلة من أمرها لاستئناف الهجمات على الأهداف الأمريكية. وقد تقرر هي وداعميها أيضاً تخفيف حملة الضغط على «إقليم كردستان» من أجل إبقاء الأكراد في الحكومة، وربما حتى تقديم عروض ومبادرات لهم بشأن حقوق النفط والنزاع الإقليمي في سنجار.
وقد يكون مستوى النهب في الحكومة الجديدة أقل لصوصياً من الناحية الاقتصادية أيضاً، حتى لو كان سبب ذلك هو مجرد التصدي لأخطر تهديدين يواجهانها وهما: الغضب الشعبي والصدر. فبإمكان السوداني الاستثمار في الخدمات والوظائف العامة، لا سيما في المحافظات ذات الأغلبية الشيعية في الجنوب. وبفضل أسعار النفط المرتفعة والجهود المنسقة لمنع الحكومة السابقة من إقرار الميزانية، هناك حوالي 85 مليار دولار في خزائن العراق في انتظار إنفاقها. ولا عجب إذاً أن السوداني جعل إقرار الميزانية على رأس أولوياته. وقد يؤدي ضخ السيولة الناتج عن ذلك إلى تنعم الحكومة الجديدة ببعض الهدوء المكتسب، وربما حسن النية، مع إحياء خطط عبد المهدي المتمثلة في تعميق العلاقات مع الصين أيضاً. وفي نهاية المطاف، ستكون سلسلة العقود الحكومية نعمةً للقوى القوية التي تقف وراء السوداني.
وتُعتبر مسألة الانتخابات المبكرة أحد العوامل المحتملة ذات الأثر المجهول، حيث لا تزال غير محسومة. فقد وعدت الحكومة الجديدة بإجرائها، لكن ليس قبل تعديل قانون الانتخابات. وبناءً على ذلك، سيبذل "الإطار التنسيقي" كل ما في وسعه من أجل صياغة جهود الحملة التشريعية بشكل يضر بالصدر، الذي فقد قدرته على مواجهة هذه المكائد بعد انسحاب أعضائه من مجلس النواب. وإلى جانب أموال الميزانية الجاهزة للاستغلال و«قوات الحشد الشعبي» الممكَّنة، قد تتيح هذه الجهود للحكومة جعل الانتخابات المبكرة تقتصر على المستوى المحلي أو على مستوى المحافظات أو تجنبها تماماً.
باختصار، لا يصب الوقت في صالح الصدر. فعلى الرغم من إمكاناته كشخصية عظيمة من المعارضة، يتقلص الدعم الشعبي القوي الذي يحظى به، ويشعر شركاؤه الأكراد والسنة السابقون بخيبة أملٍ منه. وتُعتبَر المعضلة التي يواجهها شائكة: فإذا رفع صوته الآن، فقد يسمح لخصومه بتوحيد هدفهم لمواجهته؛ وإذا انتظر إلى أن يخفت وهج الحكومة الجديدة، فقد يكون قد فات الأوان.
توصيات في مجال السياسة العامة
عندما تولت إدارة بايدن مقاليد السُلطة، كانت العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق على وشك الانقطاع. وكانت نظرة إدارة ترامب إلى البلاد يتخللها العامل الإيراني بشكل أساسي، مما دفع واشنطن في كثير من الأحيان إلى المحاربة من أجل إنهاء خلافاتها مع طهران على الأراضي العراقية. وخفف فريق بايدن من حدة هذه التوترات ووعد بالتعامل مع بغداد على حدة، لكن سرعان ما أصبح هذا الفصل يشكل السياسة الأمريكية الفعلية في حد ذاتها، بدلاً من أن يكون مجرد تمهيد مؤقت لدفع مجموعة جديدة من المبادرات في العراق. وبعد انتخابات العام الماضي أوقفت الإدارة الأمريكية انخراطها إلى حدٍ كبيرٍ ، وبدا أنها راضية طالما بقي العراق بعيداً عن عناوين الأخبار وسط تحديات جيوسياسية رئيسية أخرى. وعندما حاولت واشنطن لاحقاً أن تبذل جهداً للّحاق بالركب من خلال القيام بزيارات رفيعة المستوى و[التفاوض] على مذكرة تفاهم مع البيشمركة الكردية، كان الوقت قد فات.
ولإقناع فريق بايدن ودياً بالعودة إلى حالة تتسم بالمزيد من اللافعالية، قد توفّر الميليشيات القوية والشخصيات السياسية التي تقف وراء حكومة السوداني، الهدنة التكتيكية والهدوء السطحي اللذين ترغب فيهما واشنطن - مع منح أنفسها الوقت الكافي لإعادة بسط سيطرتها على المؤسسات العسكرية والمالية والقضائية في العراق. وعلى الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين كانوا حكماء في التعامل مع الحكومة الجديدة في وقت مبكر لئلا تعادي عناصرها افتراضياً الولايات المتحدة منذ اليوم الأول، فقد صُدم العديد من العراقيين من الدفء المحسوس والسرعة غير المقيدة التي قبلت بها واشنطن السوداني، وبالتالي القوات المعادية والفاسدة التي أوصلته إلى منصبه.
ولكي تضمن واشنطن عدم تضليلها مجدداً من قبل "الرجال اللطفاء"، من الضروري أن تراقب اللعبة باهتمام شديد، وأن تنتبه إلى أي جهود تبذلها الميليشيات أو الحلفاء للتسلل إلى الدولة وتهيئتها للاختلاس المتواصل. وبالكاد يكون العداء الصريح هو الحل، لكن من الضروري أن تتمسك إدارة بايدن بارتياب صحي تجاه السوداني، وأن تنقل توقعاتها بحزم، وأن تقيِّم أداءه ببرودة بناءً على مجموعة واضحة من المقاييس.
لقد استهانت واشنطن لفترة طويلة بما يتوافر لديها من نفوذ وأدوات في العراق. إلا أن القوى الموجودة في بغداد تدرك جيداً أن هذا النفوذ قائم، ومع ذلك فهي تعلم أنها لم تكن لتتمتع برفاهية خوض معركة سياسية لمدة عام لو لم تمنع الولايات المتحدة بنشاط ظهور تمرد آخر لتنظيم «الدولة الإسلامية». وفي الواقع، لن يُعتبَر سماح السوداني للمستشارين العسكريين الأمريكيين بالبقاء في العراق بمثابة "معروف" يسديه لواشنطن، بل العكس صحيح. ولا يزال انخراط أمريكا، وقوتها الجامعة، وحمايتها للأصول المالية العراقية توفر الأساس للشرعية الدولية التي تتوق إليها الحكومة الجديدة. واستكمالاً لهذا النوع من الترغيب، على إدارة بايدن تذكير بغداد بأنها تملك ترسانة من وسائل الترهيب لمعاقبة الفساد المستمر وغسل الأموال وانتهاكات حقوق الإنسان.
وفي الوقت نفسه، على واشنطن أن تبحث في السبل التي تعود بالنفع على الشعب العراقي بغض النظر عما إذا كانت حكومته تضبط اندفاعها إلى النهب. وقد يستلزم ذلك تحسين البرامج الأمريكية المتعلقة بالاقتصاد والمجتمع المدني التي تدعم القطاع الخاص والشباب والجهود المناخية في العراق. وقد تكون هناك حاجة للتفكير الإبتكاري في بعض هذه المبادرات. على سبيل المثال، تُدار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية من قبل جماعة «عصائب أهل الحق» التي صنفتها الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب، مما يجعل التبادلات التعليمية قضية شائكة. ويتمثل أحد الخيارات في إقامة روابط بين جامعة وجامعة وبرامج مِنَح دراسية عامة تعمل على تطوير هذا القطاع دون إشراك الوزارة. وعلى نطاق أوسع، سيتعين على البيت الأبيض أن يجعل أهدافه السياسية الشاملة بشأن العراق واضحة خشية أن تسعى الدوائر الحكومية إلى تحقيق أهداف مشتتة.
بلال وهاب هو "زميل فاغنر" في معهد واشنطن.