- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
«حماس» تختبر إسرائيل مجدداً
في 18 نيسان/إبريل، قام إرهابي من حركة «حماس» بأول تفجير انتحاري ضد إسرائيل منذ سنوات باستهدافه حافلة في القدس، الأمر الذي أسفر عن جرح حوالي عشرين مدنياً. وتفيد بعض التقارير أن المهاجم - عبد الحميد أبو سرور من قرية بيت جالا، البالغ من العمر تسعة عشر عاماً - لم يقم بالعملية وحده، بل كعضو في خلية تابعة لـ «حماس» في بيت لحم، التي خططت للعملية. وهذا الأسبوع، اعتقلت السلطات الإسرائيلية الأعضاء الآخرين في الخلية.
لقد كانت «حماس» تقوم بتأجيج العنف في الضفة الغربية منذ بعض الوقت، ويُعد هذا الهجوم ذروة للعديد من العمليات الفاشلة الأخرى. وتاريخياً، أسفرت هجمات «حماس» في إسرائيل عن قيام الأخيرة برد عسكري، مما يشير إلى أن قوات "جيش الدفاع الإسرائيلي" قد تشن نوع من العمليات ضد الحركة، وربما حتى في غزة. بيد، هناك عدة عوامل يمكن أن تقلل من احتمالات قيامها بمثل هذا الانتقام أو الحد من نطاقه.
ومنذ بداية موجة العنف الحالية - التي يَطلق عليها بعض السياسيين والمحللين بـ "الانتفاضة الثالثة" - سعت «حماس» إلى تنفيذ هجمات تؤدي إلى وقوع أعداد هائلة من الإصابات داخل إسرائيل لمفاقمة الاضطرابات في الضفة الغربية. ففي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، اعتقل "الشاباك" (جهاز الأمن العام الإسرائيلي) خلية تابعة لـ «حماس» كانت تخطط للقيام بهجمات بالأسلحة النارية، والتي كان من الممكن أن تؤدي إلى وقوع الكثير من الضحايا. وفي كانون الأول/ديسمبر، خططت خلية تابعة لـ «حماس» مكونة من ستة عناصر، القيام بخطف إسرائيليين بطريقة مماثلة لعملية أسر ثلاثة مراهقين وقتلهم في صيف عام 2014، ولكن "الشاباك" تمكن من القبض على أعضاء الخلية قبل تنفيذ خططهم. وفي الشهر نفسه، عمل "الجيش الإسرائيلي" والشرطة و"الشاباك" سوية للقبض على خمسة وعشرين عضواً في خلية ضخمة تابعة لـ «حماس» كانت تهدف للقيام بتفجيرات انتحارية في إسرائيل. وفي الشهر الماضي، اعتقلت قوات الأمن الفلسطينية خلية أخرى تابعة لـ «حماس» كانت تخطط للقيام بعمليات قتل [إسرائيليين] وخطفهم. بالإضافة إلى ذلك، أعلن "الجيش الإسرائيلي" أنه تم اكتشاف ما لا يقل عن أربعة مختبرات لصنع المتفجرات خلال الموجة الأخيرة من أعمال العنف.
ومن خلال مساعي الحركة لتنفيذ هجمات إرهابية من الضفة الغربية مراراً وتكراراً، تحاول «حماس» الحفاظ على أهميتها دون أخذ الكثير من المخاطر. وكما ذكر أعضاء من القيادة العسكرية والسياسية للحركة بصورة متكررة، لا يريد الكثير منهم حرباً أخرى في غزة في الوقت الحالي، لكنهم يريدون بالفعل تصعيد العنف في الضفة الغربية وداخل إسرائيل. وبهذه الطريقة، يمكن لـ «حماس» أن تزيد من شعبيتها من خلال لعبها دور "المقاومة" دون المخاطرة بحكمها في غزة، لأن الحركة تفترض أن إسرائيل ستقوم بالرد على ذلك في الضفة الغربية فقط. وهذا هو أيضاً سبب قيام «حماس» بقمع محاولات من قبل منظمات إرهابية أخرى لشن هجمات على إسرائيل من قطاع غزة. بيد، تُظهر مثل هذه الاستراتيجية أن الحركة لم تتعلم واحداً من أهم الدروس من حرب غزة عام 2014 - ألا وهو قيام غزة بالانضمام إلى الحوادث الكبرى الناشئة من الضفة الغربية على الأرجح، سواء [بعد وقوع الحوادث] مباشرة أو كنتيجة للتصعيد اللاحق.
ومن جانبها، تواجه الحكومة الإسرائيلية معضلة في الوقت الحالي. فمن ناحية، لا تريد تصعيد الموقف، ولكنها قد تريد من ناحية أخرى أن تبيّن لـ «حماس» أن تفجير حافلة مدنية يتجاوز الحدود. إن القرار حول ما إذا كانت إسرائيل ستقوم بالرد على تفجير الحافلة وكيف ستفعل ذلك سوف يعتمد على اعتبارين إلى حد كبير.
أولاً، أن الصور من الحافلة المحترقة قد أثارت ذكريات من زمن موجة التفجيرات التي وقعت بعد اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، وبالتالي، قد يريد الجمهور الإسرائيلي أن تقوم الحكومة بالرد بحزم. ولكن في الوقت نفسه، إن ضغط الرأي العام [لمواجهة عملية القدس] برد قاس ربما كان محدوداً من خلال حقيقة أن الهجوم الذي حدث يوم الاثنين لم يسفر عن وقوع ضحايا، وأن عدد قليل من الشخصيات السياسية كان قد انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول رد فعله للعملية حتى الآن.
ثانياً، لا يزال من غير الواضح مدى قرب هذه الخلية في الضفة الغربية من مسؤولي «حماس» في غزة. صحيح أن الحركة أعلنت من على مواقع التواصل الاجتماعي مسؤوليتها عن وقوع الهجوم، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنها كانت مسؤولة عن كل جانب من جوانب مخطَط العملية أو كانت تعلم بها مسبقاً. وسابقاً، أقامت «حماس» "مكتب الضفة الغربية" في قطاع غزة بزعامة عبد الرحمن غنيمات، أحد السجناء المفرج عنهم كجزء من صفقة جلعاد شاليط، الذي لديه خبرة واسعة في تنفيذ هجمات إرهابية، وذلك للإشراف على عملياتها في الضفة. كما أن مقر «حماس» في تركيا كان يقوم منذعدة سنوات بتوجيه [بعض] الهجمات في الضفة الغربية. وقد ترأس ذلك المكتب صالح العاروري - الزعيم البارز في الحركة، الذي كان قد نُفي إلى تركيا ولكنه يقيم الآن في قطر، بسبب الضغوط الإسرائيلية على أنقرة لطرده من تركيا على ما يبدو. وإذا ما وجدت إسرائيل أن أياً من هذين المكتبين قد قام بدعم الخلية التي فجرت الحافلة أو استرشادها، فستزداد احتمالات قيام الدولة اليهودية برد عسكري.
ومن المهم أيضاً الإشارة هنا أن نهاية هذا الأسبوع تصادف عطلة عيد الفصح، الأمر الذي يمكن أن يؤثر على توقيت أي رد [عسكري] مخطط له. وحتى لو اعتزمت حكومة إسرائيل القيام بعملية من نوع ما، فإنها قد تؤجل تنفيذها من أجل تجنب التصعيد المحتمل خلال الأيام المقدسة.
نداف بولاك هو زميل "ديان وجيلفورد جليزر فاونديشن" في معهد واشنطن.