- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3084
حملة الانتخابات الإسرائيلية: سرد لوجهة نظر الفريقين المتنافسين
في 21 شباط/فبراير، أعلن حزبان وسطيان رئيسيان في إسرائيل - هما فصيل "مناعة لإسرائيل" بزعامة بيني غانتس وحزب "ييش عتيد" (هناك مستقبل) برئاسة يائير لابيد - عن اندماجهما، مما زاد من الشعور بأن الانتخابات الإسرائيلية متعددة الأحزاب المشهورة في انقساماتها، ستكون هذه المرة سباقاً بين حزبين، بالإضافة إلى أحزاب أخرى هامشية. ويجمع الحزب المشترك الجديد، تحت اسم "أزرق أبيض" في إشارة وطنية إلى علم إسرائيل، ثلاثة رؤساء أركان جيش سابقين للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل، وهم: غانتس وموشيه يعالون وغابي أشكنازي. وعلاوة على ذلك، تحتدم المنافسة بين غانتس ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حول من هو الأنسب لقيادة البلاد، وهذا تحدٍ لم يواجهه هذا الأخير في أي من الانتخابات الثلاثة الأخيرة التي فاز بها.
وقد تؤدي هذه التطورات إلى قلب الخطة الأصلية لنتنياهو رأساً على عقب، والتي يبدو أنها ترتكز على منح غانتس حقيبة رفيعة المستوى في حكومته إذا ما فاز حزب "الليكود" في انتخابات 9 نيسان/أبريل. والآن بعد أن رأى الحزب الوسطي نفسه كمنافس حقيقي لحزب "الليكود"، من المرجح أن يقوم كل من لابيد ويعالون بالضغط على غانتس لكي يعلن عن عدم انضمامه إلى حكومة نتنياهو إذا ما فاز رئيس الوزراء مرة أخرى. ولزيادة الطين بلة، قد يوصي المدّعي العام أفيشاي ماندلبليت بتوجيه اتهامات بالفساد ضد نتنياهو في الأسبوع المقبل.
سرد حزب "أزرق أبيض": نتنياهو هو مقسِّم
من المرجح أن يحاول غانتس وحلفاءه الجدد جعل الانتخابات استفتاءً على قيادة نتنياهو. فانتقادهم الأساسي هو أنه يحرّض الإسرائيليين ضد بعضهم البعض لكي يحقق مكاسب إنتخابية قصوى، مع إعطائه الأولوية لقاعدته ولبقائه السياسي الشخصي فوق وحدة البلاد. ويبدو أنهم يأملون أن يؤدي الحماس الشعبي المتعلق باندماجهم إلى توليد شعور بالزخم الذي من شأنه أن ينمو إذا أعلن ماندلبليت أنه بدأ عملية الاتهام بأي من تُهم الفساد المختلفة الموجهة ضد نتنياهو.
وبما أن هذا السرد سيعفي إلى حد كبير حزب "أزرق أبيض" من تركيز برنامجه على قضايا السلام المتعلقة بالفلسطينيين، فقد يأمل الحزب في جذب بعض المرشحين على الأقل من الذين يميلون إلى اليمين إلى قائمة الكنيست التي يقترحها (في النظام البرلماني الإسرائيلي، يتم التصويت لصالح الأحزاب، وليس الأفراد). ويمكن لهذا المزيج المحتمل الذي يتألف من قائمة مختلطة من المرشحين، وقادة أحزاب ذوي مؤهلات أمنية رئيسية، وتركيز مواضيعي على الوحدة، أن يستقطب شريحة رئيسية من الناخبين الإسرائيليين، ألا وهي: "اليمين غير المتطرف". ووفقاً لـ "معهد الديمقراطية الإسرائيلي"، فإن 63٪ من الأغلبية اليهودية في البلاد تعرّف نفسها حالياً على أنها متموضعة في مكان ما على الجانب الأيمن من الطيف السياسي، لذلك هناك العديد من الأصوات التي يمكن الحصول عليها في هذا الجانب.
سرد حزب "الليكود": التغيير مجازفة كبيرة
لا شك أنّ نتنياهو يفهم جاذبية هذه الاستراتيجية الناشئة التي يتبعها حزب "أزرق أبيض". إذ تكمن النجاحات السابقة لرئيس الوزراء في قدرته الغريبة على وصف كل انتخابات على أنها تفويض من أجل التصدي للأخطار التي تهدد أمن إسرائيل، حيث يصف نفسه باعتباره الوصي الأكبر على البلاد. ومع ذلك، من المرجح أن تؤدي تركيبة حزب "أزرق أبيض" التي تتألف من ثلاثة رؤساء أركان جيش سابقين إلى إبطال مفعول هذا التكتيك، الأمر الذي قد يساعد سرد "المقسِّم" الذي يتبعه الحزب الجديد على أن يصبح في الواجهة. وعلاوة على ذلك، من المحتمل أن يؤدي إعلان الاتهام الأولي ضد نتنياهو إلى قيام مجموعة من النقّاد بالتساؤل فيما إذا كانت الأصول السياسية السابقة المنقطعة النظير لحزب "الليكود" قد أصبحت فجأة عائقاً له.
وحتى الآن، تُظهر استطلاعات الرأي التي أجريت مباشرة بعد دمج ["مناعة لإسرائيل" و "ييش عتيد" وتشكيل قائمة] "أزرق وأبيض" أن "الليكود" متأخر في السباق الانتخابي وذلك للمرة الأولى (فوفقاً لاستطلاع صحيفة "يديعوت أحرونوت" حصلت قائمة "أزرق أبيض" على 36 مقعداً مقابل 30 مقعداً لحزب "الليكود" في الكنيست المؤلّف من 120 مقعداً). ولكنّ في انتخابات سابقة نجح نتنياهو في التقدم عندما كان متأخراً في استطلاعات الرأي ويَعلم أن هذه الديناميكية قد تعمل لصالحه. وبشكل عام، يثق الناخبون الإسرائيليون الذين يميلون إلى اليمين بأن الأمر سينتهي بتحقيق نتنياهو فوزاً عاماً في الانتخابات، مما سيقنع الكثيرين بأن لديهم ميزة استخدام أصواتهم لجعل أحزاب أخرى تجتاز العتبة البرلمانية. وبالرغم من ذلك، عندما يكون نتنياهو متأخراً، يتأثر هؤلاء الناس بسرعة بحجته بأن رهانات الخسارة مرتفعة للغاية، وأن عليهم التصويت لصالح "الليكود" لضمان نجاحه.
وفي الواقع، إذا تعلّمنا شيئاً من انتخابات عام 2015، فهو أنّ نتنياهو يصبّ كامل ثقله على اليمين عندما يكون متأخراً، على أمل جذب ناخبي الجناح اليميني المنضمين إلى أحزاب يمينية أخرى إلى جانبه. فقد استخدم تكتيكات "التخويف" في تلك الحملة، وحذّر اليهود من أنّ عليهم التصويت في الانتخابات لأن العرب الإسرائيليين سيخرجون للتصويت بأعداد كبيرة. وقد فعل الأمر ذاته هذا الأسبوع مباشرةً بعد الإعلان عن [تأسيس] "أزرق أبيض"، محذراً من أن الأحزاب العربية- الإسرائيلية قد ترجّح كفة الميزان في الانتخابات. وفي الوقت نفسه، اتخذ خطوة غير عادية تتمثل في تنظيم تحالف يدمج أحزاب يمينية خارج "الليكود" ويضم تلميذ الحاخام "مئير كاهانا"، أحد مروجي الكراهية المتطرفين الذي مُنع من المشاركة في الكنيست عام 1981. ووعد نتنياهو أيضاً بمنح حقيبة التعليم في الحكومة المقبلة لعضو من الحزب ذاته.
وباختصار، لا يقوم أسلوب حملة نتنياهو على المطالبة بإجراء استفتاء شعبي بشأن نهج سياسي معين، بل على إثارة الشكوك الكافية حول خصومه وحول النوايا الفلسطينية تجاه إسرائيل. ومن المرجح أن يشدد على مثل هذه الهجمات في المستقبل، لذلك فإن الشهرين المقبلين سيكونان اختباراً لجدية الخطاب أو ما إذا كان ذلك مجرد كلام أجوف.
وعلى الجبهة الفلسطينية، عطّل نتنياهو بالفعل مسألة ما إذا كانت مفاوضات السلام حكيمة أم لا. فقد أقنع هو ومستشاروه جزءاً كبيراً من الجمهور الإسرائيلي بأن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ليس شريكاً مخلصاً، وصوّر أي شخص يضغط من أجل السلام في البيئة الحالية على أنه ساذج. وكان هذا السرد قوياً جداً بحيث لم يشعر غانتس أو لابيد بأنه من مصلحتهم إدراج ناصِرة السلام تسيبي ليفني إلى قائمتهما، مما دفعها إلى الإعلان مؤخراً عن تركها السياسة.
كما شَرَع مستشارو نتنياهو بتحذير الناخبين من أنه في حال فوز حزب "أزرق أبيض" من دون التوصل إلى اقتراح [لصفقة] كبرى للسلام في الأشهر المقبلة، فسيميل غانتس وحلفاؤه إلى الحد بصورة أحادية الجانب من الأنشطة الاستيطانية خارج الحاجز الأمني. ويقدّر أنّ حوالى 85 في المائة من المستوطنين الإسرائيليين يعيشون داخل الحاجز، بينما يعيش حوالي 99 في المائة من فلسطينيي الضفة الغربية خارجه، مما دفع الكثير من المراقبين الإسرائيليين والأجانب إلى المطالبة في الماضي بوضع مثل هذه الحدود [على الاستيطان خارج الحاجز الأمني]. ومع ذلك، يجادل "الليكود" بأنّ ذلك سيكون بمثابة منح الفلسطينيين شيئاً بالمجان.
ونظراً لتعقّد هذه المسألة والتداعيات السياسية المحتملة، فقد تجنّب كل من غانتس ولابيد أي من المقترحات المتعلقة بالضفة الغربية التي تشبه اقتراح فك الارتباط من غزة عام 2005، على الرغم من الفوارق الأمنية الرئيسية بين المنطقتين (على سبيل المثال، الانتشار العسكري الإسرائيلي المستمر في الضفة الغربية). فمن الناحية النظرية، يمكنهما الحفاظ على هذا النهج الآمن من أجل اجتذاب "اليمين المرن"، والتزام الصمت حول مقترحاتهما المرجوة لتحسين الوضع الفلسطيني عبر اتخاذ خطوات ثنائية وأحادية الجانب. بيد، قد يفتح ذلك خطاً آخر لحزب "الليكود" لشن هجوم ضد "أزرق أبيض"، يتمثّل بكون الفصيل غامض جداً أو يقوم بإخفاء أجندته الحقيقية.
ومن المفارقات أنّ نتنياهو قد يجهر في سجله حول انخراط إسرائيل مع الدول العربية، حتى في الوقت الذي يعمل فيه على إعاقة إمكانية التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. وكانت صورته الأخيرة مع الزعماء العرب في وارسو بمثابة تذكير للناخبين بأن تواصله مع مثل هذه الدول لم يكن عديم الجدوى.
وأخيراً، من المرجح أن يعتمد نتنياهو على الحسابات السياسية لكي تصب في مصلحته. [ففي تاريخ الانتخابات الإسرائيلية] لم يحصل أي حزب بمفرده مطلقاً على أغلبية واحد وستين مقعداً لكي يشكل حكومة دون إقامة تحالفات. ولا يخلو من الدلالة أنّ التقدّم الأوّلي لفصيل "أبيض أزرق" في الاستطلاعات [الحالية] لا يترجَم إلى حدوث تحوّل كبير في كتل الناخبين من يمين الوسط والوسط، حيث لا يزال الجناح اليميني متقدم بفارق ضئيل. بالإضافة إلى ذلك، هناك تباين هيكلي في السياسة الإسرائيلية. فبإمكان كتلة يمين الوسط أن تجذب الناخبين المتدينين المتطرفين من خلال تحالفها مع الأحزاب المبتعدة أكثر باتجاه اليمين، لكن يسار الوسط لا يمكنه أن يجذب الكثير من الناخبين العرب الإسرائيليين الذين هم أكثر ميلاً إلى اليسار- ويعود ذلك جزئياً إلى أنّ الأحزاب العربية تتحفّظ عن الانضمام إلى ائتلاف ما، وكذلك لأنّ أحزاب يسار الوسط تخشى أن تؤدي الأحزاب العربية إلى إبعاد الناخبين اليهود.
وفي النهاية، من غير الواضح أي من سردَي المنافسة سيسود. فقد تزايدت التكهنات حول إعلان ماندلبليت الذي يلوح في الأفق. ومهما كانت النتيجة التي سيخلص إليها، فإن الأيام القادمة قد تُعطي دفعة كبيرة لجانب واحد أو لآخر.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير "برنامج العلاقات العربية - الإسرائيلية" في معهد واشنطن، والمؤلف المشارك (مع دينيس روس) للكتاب القادم "كن قوياً وذو شجاعة جيدة: كيف عمل قادة إسرائيل الأكثر أهمية على تحديد مصيرها" (PublicAffairs/Hachette، 2019).