- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
حرب الجميع ضد تركيا
في السنوات الثلاث الماضية شهدت تركيا خمسة من أسوأ الهجمات الإرهابية الست في تاريخها، أسفرت عن مقتل 250 شخصاً على الأقل وجرح أكثر من 800 شخص، وكانت جميعها تداعيات للحرب في سوريا. وبالتالي، لم يعد السؤال الآن حول إمكانية حصول هجوم آخر بل حول توقيت هذا الهجوم. وفي الواقع، شن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») يوم السبت هجوماً على اسطنبول أسفر عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة 36 آخرين.
ويُنظر إلى سياسة أنقرة تجاه سوريا بشكل سيء لدرجة تدفع جميع الأطراف الرئيسية في الصراع إلى كرهها، بدءً من نظام الأسد مروراً بروسيا ووصولاً إلى تنظيم «الدولة الإسلامية»، و «حزب الاتحاد الديمقراطي» و «حزب العمال الكردستاني» التابع لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» في تركيا. وبالتالي، فإن محاربة أربعة أعداء في الوقت ذاته قد يجر تركيا إلى الخراب.
إن نظام الأسد، الذي حاولت أنقرة عبثاً الإطاحة به منذ عام 2011، متصل بالفعل بتفجير الريحانية الذي وقع في أيار/ مايو 2013 وقُتل فيه 52 شخصاً. فقد تم تنفيذ ذلك الهجوم من قبل أتراك متصلون بالوحدات الاستخباراتية للأسد.
وفي الوقت نفسه، وفيما انزعجت روسيا من سياسة تركيا تجاه الأسد وشعرت بالغضب من إسقاط تركيا لإحدى طائراتها العسكرية في تشرين الثاني/ نوفمبر، قامت بتقديم الدعم الكامل لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» من أجل هزيمة الثوار المناهضين للأسد في سوريا والمدعومين من أنقرة. في المقابل، قصفت تركيا مواقع «حزب الاتحاد الديمقراطي». بيد، يواصل الحزب فرض سيطرته على مساحات واسعة من الأراضي شمال سوريا، بما فيها روج آفا، الأمر الذي يغضب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
منذ انهيار محادثات السلام مع حكومة أنقرة الصيف الماضي، شن «حزب العمال الكردستاني» عدداً من الهجمات في الداخل التركي، بما في ذلك تفجير 17 شباط/ فبراير في أنقرة أسفر عن مقتل 30 شخصاً. وفي هذا السياق، أعلن تنظيم «صقور حرية كردستان»، فرع تابع لـ «حزب العمال الكردستاني»، مسؤوليته عن ذلك التفجير. ومن جهتها، ردت الحكومة من خلال السعي وراء معاقل «حزب العمال الكردستاني» في مدن واقعة جنوب شرق تركيا، وإغلاق أحياء بأكملها لمدة أسابيع على أمل سحق قاعدة «حزب العمال الكردستاني».
إن حرب أنقرة مع «حزب العمال الكردستاني» هي معركة انتقامية لن تؤدي سوى إلى التصعيد. ففي كل مرة تستهدف الحكومة «حزب العمال الكردستاني»، يضرب الحزب هدفاً غرب تركيا، كما فعل في التفجير الأخير في أنقرة.
ومع ذلك، لا يشكل «حزب العمال الكردستاني» أكبر المخاوف التركية. إذ على أنقرة أن تواجه أيضاً تنظيم «الدولة الإسلامية». فبعد أن وافقت تركيا في تشرين الأول/ أكتوبر 2014 على التعاون مع الولايات المتحدة ضد هذه الجماعة، شن تنظيم «داعش» ثلاث هجمات كبيرة على تركيا. وقبل تفجير نهاية الأسبوع المنصرم، شُن هجوم في تشرين الأول/ أكتوبر 2015 في أنقرة أسفر عن مقتل 102 شخص. وفي 12 كانون الثاني/ يناير شُن هجوم آخر على اسطنبول أسفر عن مقتل 13 سائحاً ألمانياً.
وحيث شُنت خمس هجمات إرهابية خلال الأشهر الخمسة الماضية، تشير الدلائل إلى أن مكافحة الكثير من الأعداء في وقت واحد هو الذي أدى إلى هذه الموجة من الإرهاب التي تجتاح تركيا، ويشمل هؤلاء: «حزب العمال الكردستاني» حالياً، ومن ثم تنظيم «الدولة الإسلامية»، والأسد بعد ذلك، وهلم جرا. وفي الوقت نفسه، تترقب روسيا في الخلفية بدعمها «حزب الاتحاد الديمقراطي»، بل وربما «حزب العمال الكردستاني».
وعندما يتعلق الأمر بالتعامل مع عدم الاستقرار، نجت تركيا من حرب أهلية وشيكة في سبعينات القرن الماضي ومن تمرد كامل لـ «حزب العمال الكردستاني» المدعوم من سوريا وإيران في التسعينيات. إلا أن الأمور مختلفة هذه المرة. فالبلاد ليست مستعدة لمواجهة موجة مستمرة من الهجمات الإرهابية. فهي بالفعل منقسمة بشكل عميق حول حكومة «حزب العدالة والتنمية» برئاسة أردوغان.
وهذا التباعد يفوق حتى التهديد الإرهابي، فيما يلوم كل طرف الطرف الآخر في أعقاب كل تفجير. فتركيا تتمزق إرباً، فيما تكره الكتل المؤيدة والمناهضة لـ «حزب العدالة والتنمية» بعضها البعض حتى أكثر من خوفها من الإرهاب. فكل هجوم جديد يؤدي إلى حدوث شق أعمق في المجتمع التركي.
ويمكن لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» الاستفادة من هذا التباعد وتعميق الانقسام في تركيا لصرف أنقرة عن القتال في سوريا. كما قد تستغل روسيا الانقسامات في تركيا من أجل تقويض أردوغان. فبعد إسقاط الطائرة الروسية في تشرين الثاني/نوفمبر، انتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أردوغان شخصياً. وبالتالي تودّد للأتراك المعادين لأردوغان، والذين سينظر بعضهم على الأقل إلى بوتين كمنقذهم من أردوغان.
ونظراً إلى الأجندة الاستبدادية التي يتبعها أردوغان والقائمة على مراجعة دستور بلاده لكي يصبح رئيساً تنفيذياً، فستنهار تركيا - المنقسمة إلى حد كبير - في ظل التباعد الشديد الذي تغذيه الهجمات الإرهابية وبسبب تعرضها للاستغلال من قبل بوتين و تنظيم «داعش». يُذكر أن الزعيم التركي نفسه يصب الزيت على نيران الانقسام، ويشوه صورة الجماعات التي لن تصوّت له ويضيّق الخناق عليها بعنف. وتشمل هذه اليساريين والعلمانيين والاشتراكيين الديموقراطيين والليبراليين والعلويين والأكراد واليهود والأرمن والمعتدلين. فهذه استراتيجية تسمح لأردوغان ببناء ائتلاف يميني فائز على حساب الوحدة الوطنية.
إن ما تحتاج إليه تركيا هو سياسي مُوحّد لمساعدة البلاد على البقاء في وجه موجات الإرهاب وعلى تجنب تردي الأوضاع إلى فوضى لا تُحمد عقباها. يمكن لأردوغان أن يكون ذلك الرجل، وذلك فقط إذا تمكن من مقاومة إغراء تتويج نفسه رئيساً تنفيذياً. وعلى خلاف ذلك، قد يدخل التاريخ باعتباره القائد الذي حطم تركيا فيما كان يحاول أن يصبح ملكاً.
سونر چاغاپتاي هو زميل "باير فاميلي" ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن.
"وول ستريت جورنال"