- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3466
حرب إيران وإسرائيل غير المعلنة في البحر (الجزء الأول): مخططات تمويل «الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله»
ينبع التصعيد البحري الأخير بين إسرائيل وإيران بشكل أساسي من الجهود الإيرانية لتمويل «حزب الله»، مما يؤكد الترابط المالي بين الميليشيا اللبنانية وطهران والنظام السوري.
في ضوء الأخبار التي تصدرت مؤخراً عناوين الصحف عن الهجمات الانتقامية التي تبادلتها إسرائيل وإيران ضد مصالح الشحن الخاصة بكلٍّ منهما، يبدو أن البلدان يخوضان صراعاً بحرياً في المنطقة الرمادية. ومع ذلك، فإن عملية تهريب النفط التي هي في صلب الأزمة لا تتعلق بالتهرب بشكل كبير من العقوبات الإيرانية، بل بتأمين الأموال لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني ووكلائه في الخارج، وأبرزهم «حزب الله». وعندما كشفت الإجراءات الأمريكية عن مخططات تمويل سابقة مقرها العراق، لجأ «الحرس الثوري» إلى تهريب النفط إلى مناطق أبعد كمخطط تمويل غير مشروع قائم على التجارة، مما سمح له بتمويل «حزب الله» وتسليحه مع تحقيق المنفعة أيضاً إلى نظام الأسد في سوريا. ويحلل الجزء الأول من هذه السلسلة من المرصد السياسي كيفية عمل هذه المخططات وكيف سعت الولايات المتحدة وإسرائيل لمواجهتها؛ وسيقيّم الجزء الثاني الجوانب العسكرية للحرب الجارية غير المعلنة في البحر.
الحاجة إلى مسارات تمويل جديدة
لسنوات، تعترض البحرية الإسرائيلية سفن شحن تحمل أسلحة لجماعات مسلحة تدعمها إيران مثل «حماس» و«حزب الله». وفي عام 2017، زادت إسرائيل بشكل كبير من وتيرة هذه العمليات كجزء من "حملتها بين الحروب" الأوسع نطاقاً، وهو جهد عسكري في المنطقة الرمادية سعى إلى تعطيل الحشد العسكري الإيراني في سوريا دون إشعال حرب إقليمية. ومن عام 2017 حتى صيف 2020، أفادت بعض التقارير أن القوات الإسرائيلية نفذت حوالي 1000 غارة جوية في سوريا، واستمرت هذه العمليات منذ ذلك الحين، مما أدى إلى تعقيد جهود «الحرس الثوري» لإرسال الأموال والأسلحة إلى «حزب الله» عبر الرحلات الجوية من طهران إلى دمشق.
كما وضعت إيران خططاً لتمويل «حزب الله» عبر المصارف والشركات العاملة في العراق. وفي أيار/مايو 2018، اتخذت وزارة الخزانة الأمريكية خطوة كبيرة نحو تعطيل هذه الخطط من خلال إدراج محافظ "البنك المركزي الإيراني" ولي الله سيف ومسؤول آخر داخل المؤسسة على قائمة العقوبات. كما تم إدراج اسم الرئيس التنفيذي لـ "مصرف البلاد الإسلامي" في العراق، إلى جانب مسؤول بارز في «حزب الله» يدعى محمد قصير على لائحة العقوبات. ووفقاً لمسؤولي وزارة الخزانة، كان قصير بمثابة "قناة أساسية" لإيصال الأموال من «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري» إلى «حزب الله». وعند انكشاف أمر القنوات المصرفية العراقية، انتقلت تلك القتوات إلى مخطط تمويل قائم على التجارة يشمل النفط الإيراني.
دور «حزب الله» في شبكة تهريب النفط
في أيلول/سبتمبر 2019، أشار تقرير لوزارة الخزانة الأمريكية إلى أن إيران نقلت نفطاً "بقيمة مئات ملايين الدولارات أو أكثر" عبر شبكة شحن غير مشروعة خلال العام الذي سبق. وقام كل من «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري» و«حزب الله» بتوجيه الشبكة، بما يعود بالفائدة على كلا المنظمتين وعلى نظام الأسد أيضاً. وأفادت بعض التقارير إن هذه الشبكة هي التي حفّزت حملة التعطيل البحري التي تقوم بها إسرائيل.
في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، وبعد ستة أشهر من اتخاذ إجراءات ضد "البنك المركزي الإيراني" و"مصرف البلاد الإسلامي" في العراق، كشفت وزارة الخزانة الأمريكية عن مخطط تمويل إيراني معقّد يشمل قصير وعناصر أخرى في «حزب الله». ومن خلال عمل مسؤولي «الحزب» مع عملاء إيرانيين وشركات روسية و"مصرف سوريا المركزي"، سهّلوا شحن ملايين البراميل من النفط الإيراني إلى نظام الأسد. وبعد ذلك سهل النظام تحويل مئات ملايين الدولارات إلى «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري»، والذي بدوره أرسل الأموال إلى «حزب الله» و«حماس». وفي رسالة إلى مسؤول كبير في "البنك المركزي الإيراني"، أكد قصير (يُعرف باسم "السيد فادي" في الوثيقة) وشريك سوري مقرّب استلامهما 63 مليون دولار.
ووفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية، يرأس قصير أيضاً "الوحدة 108" في «حزب الله»، وهي "الوحدة المسؤولة عن تسهيل نقل الأسلحة والتكنولوجيا وأنواع الدعم الأخرى من سوريا إلى لبنان". وخلال شباط/فبراير 2019، ظهر قصير كمدوّن ملاحظات في صور ومقاطع فيديو عن الزيارة السرية التي قام بها الرئيس بشار الأسد إلى طهران لعقد اجتماعات مع الرئيس الإيراني حسن روحاني والمرشد الأعلى علي خامنئي.
ووفقاً لبعض التقارير، تم اختيار قصير بعناية للمشاركة في تلك الزيارة من قبل قائد «الحرس الثوري» الراحل قاسم سليماني، الذي وفقاً لوسائل الإعلام كان دوره في جهود التهريب مكثفاً قبل وفاته العام الماضي. ووفقاً للتصريحات التي أدلى بها النائب الأول لرئيس الجمهورية الإيرانية إسحاق جهانغيري لوسائل إعلام إيرانية، كان سليماني شخصياً مسؤولاً عن بيع كمية غير معلنة من النفط الخام تحت إشراف "المجلس الأعلى للأمن القومي" الإيراني، وغالباً ما استخدم أساليب "مبتكرة" و "عالية المخاطر". وفي مرحلة ما، زعم جهانغيري أن سليماني كان القناة الوحيدة لبيع النفط الإيراني.
وأدار سليماني هذا المخطط بمساعدة قصير، الذي اعتمد بدوره على زمرة من عناصر «حزب الله». وكان أحد هؤلاء العملاء محمد قاسم البزال، الذي استخدم شبكة من الشركات - من بينها "مجموعة تلاقي"، وشركة "حقول البحرية"، و"نغم الحياة" و"توافق" وشركة "ألوميكس" ("ALUMIX") - من أجل "تمويل وتنسيق وإخفاء" شحنات النفط غير المشروعة.
وفي أيلول/سبتمبر 2019، استهدفت وزارة الخزانة الأمريكية عدة أطراف في هذه الشبكة لتهريب النفط، من بينها "مجموعة تلاقي". وتبيّن أن محمد قصير ومحمد البزال وشركاتهما اضطلعوا بدور بارز في الشبكة المكشوفة، إلى جانب علي قصير، ابن شقيق محمد. واتخذ علي قصير من طهران مقراً له، وعمل ممثلاً لـ «حزب الله» في إيران وشغل منصب المدير الإداري لـ "مجموعة تلاقي". وبهذه الصفة، وفقاً لوثائق الحكومة الأمريكية، كلّف السفن "بتسليم شحنات للشبكة الإرهابية بناءً على توجيهات «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري»". على سبيل المثال، لعب دوراً محورياً في حادثة الناقلة "أدريان داريا 1" عام 2019 حيث عمل مع آخرين على تمويل هذه الشحنة غير المشروعة من النفط الإيراني إلى سوريا وتسهيلها وسط اعتراضات غربية. كما مثّل شركة "حقول ش.م.ل. اوف شور" التي مقرها في لبنان في المفاوضات بشأن إمداداتها من الخام الإيراني إلى سوريا.
وفي نهاية المطاف، أشرف وزير النفط الإيراني السابق والمسؤول في «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري» رستم قاسمي على هذه الشبكة المترامية الأطراف من عملاء «حزب الله» وشركات الواجهة، وهو يرأس أيضاً "لجنة تطوير العلاقات الاقتصادية الإيرانية السورية". وبالإضافة إلى العناصر المذكورة أعلاه، اعتمد قاسمي أيضاً على ابنه مرتضى لوضع اللمسات الأخيرة على عقود النفط غير المشروعة، بما فيها بعض العقود التي حاولوا جعلها كقادمة من العراق بدلاً من إيران. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2020، نشر "برنامج المكافآت من أجل العدالة" الأمريكي مكافأة قدرها 10 ملايين دولار للحصول على معلومات حول الشبكة.
الخاتمة
منذ سنوات، يقوم «حزب الله» بدور فعال في مساعدة «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري» وشبكته الدولية من التجار على التحايل على العقوبات وشحن المنتجات النفطية مباشرةً من إيران إلى سوريا. لذلك لا ينبغي أن تكون جهود إسرائيل لتعطيل مثل هذه الشحنات مفاجأة - خاصة بعد منتصف عام 2018، عندما أصبحت هذه الشحنات وسيلة طهران الأساسية لتمويل «حزب الله»، وفي بعض الحالات شملت الأسلحة أيضاً.
ويقيناً، أن الجهود البحرية التي قامت بها إسرائيل ليست واسعة النطاق مثل حملتها الجوية في سوريا، التي قللت بشكل كبير من قدرة إيران على إرسال أسلحة إلى «حزب الله» براً عبر البوكمال. ويبدو أن هدف هذه الجهود البحرية هو إعاقة شحنات النفط الإيراني وليس شلها، ربما بسبب ضعف ممرات الشحن الإسرائيلية عبر بحر العرب. ومع ذلك، تسببت الإجراءات البحرية الإسرائيلية بتأخيرات حرمت النظام السوري من واردات البنزين ومنعت وصول الأموال النقدية، والأسلحة، ومعدات إنتاج الصواريخ إلى «حزب الله». وتؤكد هذه الحوادث، أكثر من أي شيء آخر، تزايد الاعتماد المالي المتبادل بين إيران وسوريا و«حزب الله».
ماثيو ليفيت هو زميل "فرومر- ويكسلر" ومدير برنامج "راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب" في معهد واشنطن، ومصمم "الخريطة التفاعلية للأنشطة العالمية لـ «حزب الله» اللبناني".