- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3437
حركة الجهاد التونسية بعد عشر سنوات على العفو عن السجناء
في السنوات العشر منذ الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي، مرّت الحركة الجهادية في البلاد بمراحل مختلفة وهي الآن في أكبر فترة هدوء منذ الثورة، على الأقل من حيث الهجمات الإرهابية. ولن تتصدر القضايا الأمنية أجندة تونس في عام 2021، لكن العدد الهائل من المواطنين الذين تم تجنيدهم في صفوف الجهاديين على مدى العقد الماضي يشير إلى أن التداعيات ستظل محسوسة لسنوات قادمة.
في 19 شباط/فبراير 2011، أعلنت تونس عفواً عاماً عن السجناء بعد الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي، مما سمح بعودة 1200 جهادي إلى الشوارع لتنظيم صفوفهم. ومن بين أولئك الأفراد 300 عنصر حاربوا سابقاً في أفغانستان والجزائر والعراق والصومال واليمن.
وفي السنوات العشر منذ ذلك الحين، مرّت الحركة الجهادية في البلاد بمراحل مختلفة وهي الآن في أكبر فترة هدوء منذ الثورة، على الأقل من حيث الهجمات الإرهابية. ويعكس الوضع الراهن حالة الحركة في حقبة ما قبل الثورة بطرق أخرى أيضاً، إذ يتواجد معظم مقاتليها على جبهات أجنبية، ويتّخذ معظم المخططين للهجمات في صفوفها من الغرب مقراً لهم، كما أن أعضاءها مسجونون في عدة دول. أما الفرق الرئيسي الآن فهو أن أعداد المنضمّين إليها أصبح أكبر بكثير. وعلى الرغم من الإنجازات الكبرى التي حققتها الحكومة ضدّ الجهاديين على مدى السنوات الخمس الماضية، إلا أنها لا تزال تواجه تحديات هائلة تتعلق بإصلاح قطاع الأمن والسلطة القضائية ونظام السجون ومشاكل الحوكمة - وقد يقوّض أي من هذه المجالات قدرة البلاد على منع عودة التهديدات الأمنية الخطيرة التي واجهتها من عام 2011 إلى عام 2016.
التطور منذ الثورة
بعد العفو، نفّذ الجهاديون الذين أُطلق سراحهم ما كان يخططون له في السجن منذ عام 2006، وهو: إنشاء جماعة جديدة تسمى "أنصار الشريعة في تونس". وبسبب انعدام شرعية الحكومة الانتقالية في ذلك الوقت، ركزت معظم السلطات على إعداد البلاد للانتخابات، لذا كان أمام «أنصار الشريعة في تونس» مجال كبير للعمل من دون أن تخضع للكثير من الرقابة. وقد منح هذا الأمر أعضاء الجماعة فرصة التواصل مع الجهاديين في ليبيا والاحتجاج دفاعاً عن حقوق زملائهم من المقاتلين التونسيين في السجون العراقية، في حين استولوا بالقوة على 400 مسجد في جميع أنحاء تونس وبدأوا بمضايقة الفنانين والناشطين والسياسيين العلمانيين.
وحظيت جماعة «أنصار الشريعة في تونس» بحرية عمل أكبر بعد الانتخابات، مما جعل حزب "النهضة" الإسلامي يفوز برئاسة البرلمان الجديد. وقد تعاطف الحزب مع «أنصار الشريعة» نظراً إلى تجاربه الخاصة مع عمليات القمع التي تعرّض لها خلال العقود السابقة. كما اعتقد بسذاجة أنه يمكن استمالة هذه الجماعة إلى النظام الديمقراطي الجديد - على الرغم من أن الديمقراطية محرمة في الإيديولوجيا الجهادية. وبالتالي، سُمح لـ «أنصار الشريعة في تونس» بتنظيم أكثر من 900 فعالية بين عاميْ 2011 و 2013، شملت محاضرات دينية ومنتديات دعوة وتسيير قافلات خيرية.
ومع ذلك، حتى عندما زعمت الجماعة أنها تفضل نهج الدعوة أولاً، شارك أعضاؤها بشكل غير رسمي في أنشطة الحسبة ودعموا جناحاً عسكرياً سرياً درّب أفراداً في ليبيا. وفي أعقاب الهجوم على السفارة الأمريكية في عام 2012 واغتيال سياسيين يساريين في عام 2013، بدأ حزب "النهضة" في قمع أنشطة «أنصار الشريعة في تونس» وسط ضغوط من المعارضة السياسية ومخاوف بشأن مكانته الخاصة. وبحلول آب/أغسطس 2013، صنّفت الحكومة الجماعة منظمة إرهابية.
وكان أحد آثار حملة القمع في الساحة المحلية هو إقدام «أنصار الشريعة» على زيادة تجنيد المقاتلين لإرسالهم إلى الخارج. وفي نهاية المطاف، ذهب إجمالي 3 آلاف تونسي تقريباً إلى العراق وسوريا، في حين توجّه ما يصل إلى 1500 إلى ليبيا (من بينهم بعض العائدين من سوريا). ونظراً إلى الخبرة التي اكتسبها التونسيون مع «أنصار الشريعة»، فقد أصبحوا مكوناً أساسياً داخل «جبهة النصرة» - الفرع السوري التابع لتنظيم «القاعدة» - ولاحقاً ضمن الدعوة والمجالات الإدارية في تنظيم «الدولة الإسلامية». كما ساعد بعض الأعضاء على التخطيط والتوجيه والتدريب لتنفيذ العمليات الخارجية لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في أوروبا وتونس.
وبالفعل، شهدت تونس عدة هجمات جهادية واسعة النطاق بدءاً من عام 2015، بما فيها إطلاق النار في "متحف باردو" في العاصمة التونسية، وعلى شاطئ سوسة، وتفجير حافلة تابعة للحرس الرئاسي، إلى جانب هجمات أصغر حجماً بأسلوب المتمردين في الجبال القريبة من الحدود الجزائرية، وخاصة في ولاية القصرين. كما منح وجود تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي يزداد قوة في ليبيا الجهاديين فرصة أخرى لاختراق الحدود الوطنية كما فعلوا في العراق وسوريا. غير أن قوات الأمن التونسية والمقاومة المحلية أحبطت محاولتهم عام 2016 للاستيلاء على مدينة بنقردان وربطها بصبراتة وغيرها من المجتمعات على طول الحدود في ليبيا.
ومن نواح كثيرة، شكّل ذلك نقطة تحوّل في القتال. فقد مكّن الأسلوب الذكي في مكافحة التمرد وجهود إنفاذ القانون تونس من إضعاف الحركة الجهادية تدريجياً، بدءاً باستهداف الخلايا النائمة المحلية لتنظيم «القاعدة» وتلك المرتبطة بـ تنظيم «الدولة الإسلامية» وصولاً إلى مواجهة أعمال التمرد الأقل حدّة في الجبال بالقرب من الحدود الجزائرية. ومنذ نيسان/أبريل 2019، وجدت الحكومة نفسها في موقع الهجوم بدلاً من الدفاع، إذ منعت بنجاح دون تمكّن الجهاديين من إعادة بناء قدراتهم كما فعلوا بطرق مختلفة من عام 2011 ولغاية 2016.
الوضع في عام 2020، التوقعات لعام 2021
استمر النشاط الجهادي في الجبال بالقرب من الجزائر في التدهور في عام 2020، إذ تأكّد مقتل خمسة قياديين إضافيين من تنظيم «الدولة الإسلامية»: باسم الغنيمي، ومحمد حبيب حاجي، وحافظ رحيمي، وناظم الذيبي، ومحمد ونيس بن محمد الحاج. وعلى الأرجح، لا يزال أكثر من 12 مقاتلاً من تنظيم «الدولة الإسلامية» مختبئين في الجبال. وفي المقابل، لم يُقتل أي من قادة «كتيبة عقبة بن نافع»، الفرع التونسي التابع لتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، خلال العام الماضي، مما يشير إلى أن حوالي أربعين من أعضائه لا يزالون ناشطين في الجبال. ثم مجدداً لم يعلن هذا الفرع مسؤوليته عن أي هجوم منذ نيسان/أبريل 2019، ويشير ذلك إلى أن الجماعة هي أصغر من التقديرات السابقة للحكومة، أو أن أعضاءها لم يعودوا قادرين على التواصل مع الشبكة الإعلامية لتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» في الجزائر.
وعلى الرغم من أن مرض فيروس كورونا ("كوفيد-19") جعل من الصعب معرفة مدى قوة وخطورة شنّ هجمات من قبل هذه الجماعات وغيرها ذات الصلة، إلا أن مساراتها التي سبقت الوباء تشير إلى أن تراجع عدد الهجمات قد يكون مؤشراً على ضعف أوسع نطاقاً. ومن شأن الأشهر القادمة أن تقدّم صورة أوضح مع تلقّي التونسيين للّقاح وعودة الأمور إلى طبيعتها نوعاً ما.
ومع ذلك، ففي الوقت نفسه، ازداد عدد الاعتقالات المتعلقة بالجهاديين، ولم توفّر وزارة الداخلية التونسية سوى القليل من الشفافية بشأن التفاصيل وراء هذه الاعتقالات. هل هؤلاء مجرمون جدد أم أفراد سبق اعتقالهم لتنفيذهم أنشطة جهادية؟
على أيّ حال، فإن عدد القضايا التي أحيلت إلى المحكمة - والتي شملت في بعض الأحيان عدة أفراد - تراجع من جديد. ويعزى السبب على الأرجح إلى الوباء، ولكن قد يكون نابعاً أيضاً من التدهور المقلق للمؤسسات التي يعتقد الكثير من التونسيين أنه مستمر منذ عدة سنوات، بدءاً من تقلّص سيادة القانون إلى توقف التقدّم المحرز خلال الفترة التي أعقبت الثورة مباشرة. وما إن ينحسر الجزء الأسوأ من وباء كورونا، على واشنطن حث وزارة العدل التونسية على إحالة القضايا إلى المحكمة بشكل أسرع، مما قد يساعد على استعادة الثقة بسيادة القانون، وتقديم المزيد من الجهاديين إلى العدالة، وضمان عدم إثقال كاهل النظام.
وينبع مصدر قلق آخر بشأن هذا السجل القضائي من التقرير الصادر في آذار/مارس 2020 عن "المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب" والذي وثّق انتهاكات متواصلة لحقوق الإنسان في مراكز الاحتجاز التونسية. وهنا أيضاً، على وزارة الخارجية الأمريكية التدخل، وحثّ البلاد على وقف مثل هذه الممارسات نظراً لتأثيرها السلبي على شرعية الحكومة محلياً وفي الخارج.
أما بالنسبة للتحدي المتمثل في إعادة المواطنين التونسيين المرتبطين بتنظيم «الدولة الإسلامية» وأُسَرهم إلى بلادهم، فلم يتمّ إحراز الكثير من التقدّم باستثناء عودة 6 أطفال كانوا محتجزين في ليبيا. ولا يزال نحو 50 طفلاً إضافياً في ليبيا و200 طفل في سوريا، علماً بأن معظمهم وُلد في الخارج. ومع ذلك، فإن عدد التونسيين الراشدين المحتجزين في هذين البلدين غير معروف.
ويقيناً، من غير المرجح أن تحتل القضايا الأمنية الأولوية ضمن أجندة تونس في عام 2021 نظراً إلى القضايا الأخرى التي تشغل الدولة، بدءاً من التداعيات الاقتصادية للوباء، مروراً بعدم الاستقرار المستمر في البرلمان، ووصولاً إلى الخلاف مع الرئيس قيس سعيد. ومع ذلك، حتى عندما أصبح تذليل المشاكل الأمنية الفورية أسهل في السنوات الأخيرة، فإن العدد الهائل من التونسيين المجندين في صفوف الجهاديين على مدى العقد الماضي يشير إلى أن تداعيات هذا الأمر ستستمر لسنوات أخرى، إذ يقضي الأفراد عقوباتهم بالسجن، أو يعيدون تنظيم صفوفهم في خارج البلاد، أو يخططون لهجمات محلياً. ولهذا السبب، يُعتبر تنفيذ الإصلاحات المذكورة أعلاه أساسياً عاجلاً وليس آجلاً. ودفعت مشاكل الحوكمة السابقة العديد من التونسيين للانضمام إلى مشاريع بناء الدولة التي قدمها كل من «أنصار الشريعة في تونس» و تنظيم «الدولة الإسلامية»، ومن شأن الهفوات المستمرة أن تمنح الحركة الجهادية محفزاً في المستقبل - بغض النظر عن مدى إضعافها في الآونة الأخيرة.
هارون زيلين هو زميل "ريتشارد بورو" في معهد واشنطن.