حين تتحدث الهيئة "التنسيقية" في غياب «عصائب أهل الحق»
يبدو أن "الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية" هي تجمّع غير متماسك لثلاث ميليشيات عراقية بارزة هي «كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق» و«حركة النجباء». وفي أيار/مايو، أظهرت الأدلة أن «عصائب أهل الحق» استُثنيت -على الأقل مؤقتاً - من بعض أنشطة "التنسيقية"، وربما يدلّ ذلك على وجود انقسامات أوسع نطاقاً بين قادة الميليشيات وأهدافهم.
غطّت [نشرات] "الأضواء الكاشفة للميليشيات" سابقاً الديناميكيات الداخلية في "الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية" ("التنسيقية"). وفي شباط/فبراير، أشرنا إلى إقرار «حركة النجباء» بأنها عضو في الهيئة، وإلى دور الهيئة في الهجمات ضد قوات التحالف. وفي أيار/مايو، أظهرت الأدلة أن «عصائب أهل الحق» استُثنيت (على الأقل مؤقتاً) من بعض أنشطة "التنسيقية"، وربما يدلّ ذلك على [وجود] انقسامات أوسع نطاقاً بين قادة الميليشيات وأهدافهم.
ولطالما بدا أن "التنسيقية" هي - في أفضل الأحوال - تجمّع غير متماسك إلى حد كبير لثلاث ميليشيات عراقية بارزة هي «كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق» و«حركة النجباء». وبرز هذا التجمّع في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2020، عندما أصدرت الهيئة (المجهولة الهوية آنذاك) بياناً لإعلان هدنة مشروطة ومنح "القوات الأجنبية فرصة مشروطة... لإعداد جدول زمني محدود ومحدد" لسحب قواتها من العراق. ومنذ ذلك الحين، بدأت الميليشيات الأم بالإدعاء بعضويتها في "التنسيقية"، ومشاركتها في الكيان التنسيقي، وتأكيد سيطرتها على الخلايا التي تنفّذ عمليات بالصواريخ والقنابل. وقد سعى قادة مثل قيس الخزعلي، الأمين العام لـ «عصائب أهل الحق»، إلى إثبات مكانته في الهيئة (أو قيادته لها). ونتيجةً لذلك، من الصعب تبرير استبعاد «عصائب أهل الحق» من حدث مهم نظمته "التنسيقية" في الأسبوع الثالث من أيار/مايو لسبب غير رفض الجماعات المتنافسة حضورها.
الإعداد لوقفة احتجاجية
في 18 أيار/مايو، نشرت مختلف المنصات التابعة لـ"المقاومة"، بما فيها "كاف" (الشكل 1)، الجناح الإعلامي الرسمي لـ «كتائب حزب الله»، دعوة إلى الاحتجاج دعماً للفصائل الفلسطينية التي تقاتل في غزة. وكان من المقرر أن تحدث الاحتجاجات في 20 أيار/مايو في بغداد. وجاء في الدعوة: "تحت شعار الأقصى، رمز مقاومتنا، تدعوكم حركتا المقاومة الإسلامية «كتائب حزب الله» و«حركة النجباء» إلى وقفة تضامنية نصرةً للأقصى المبارك، والقُدس الشريف، والشعب الفلسطينيّ المقاوم والمدافع عن المقدّسات، وهي رسالة دعم وتأييد منا، الشعب العراقيّ، برفض أشكال الاحتلال والتطبيع كافّة". وكانت الرسالة من توقيع "اللجنة التحضيرية المشتركة".
كما تمّ تداول نسخة أخرى من الدعوة (التي لم تذكر «كتائب حزب الله» أو «حركة النجباء») على القنوات الدعائية التابعة للميليشيات (الشكل 2)، مفادها: "تحت شعار الأقصى، رمز مقاومتنا، تنظم "المقاومة الإسلامية في العراق" وقفة احتجاجية تضامناً مع الشعب الفلسطيني العظيم يوم الخميس 20/5/2021 عند الساعة الخامسة من بعد الظهر... والمقاومة الإسلامية تدعوكم جميعاً إلى [المشاركة]".
وكانت الحسابات الدعائية المرتبطة بـ «كتائب حزب الله» قد قامت في الأساس بمشاركة الدعوة الأولى (التي أشارت إلى أن الوقفة الاحتجاجية هي بقيادة «كتائب حزب الله» و«حركة النجباء»)، في حين أن الحسابات المتحالفة عموماً بشكل أكبر مع «حركة النجباء» فضّلت على ما يبدو النسخة التي تشير إلى "المقاومة الإسلامية" (وكما هو مذكور في النشرات السابقة لـ "الأضواء الكاشفة للميليشيات"، من الممكن أن تفضل «حركة النجباء» تجنب اهتمام وسائل الإعلام).
وعلى نحو غير عادي، تجاهلت الحسابات المرتبطة بـ «عصائب أهل الحق» وإلى حد كبير الحملة الترويجية للحدث، ولم يرد أي ذكر لمشاركة «العصائب» فيه في أي مرحلة.
يوم الاحتجاج
جرت الوقفة الاحتجاجية كما كان مخططاً لها في تمام الساعة الخامسة من بعد الظهر بتوقيت بغداد في 20 أيار/مايو. وفي خلال الحدث، تلا نصر الشمري (المتحدث باسم «حركة النجباء») بياناً، في حين وقف محمد محي (المتحدث باسم «كتائب حزب الله») خلفه. وتمّ التعريف عن النص على أنه "بيان "الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية"، وختم الشمري بالعبارة نفسها. وغطت قناة "النجباء الفضائية" التابعة لـ «حركة النجباء» الاحتجاج وأطلقت على الحدث تسمية "احتجاج الهيئة التنسيقية للمقاومة في العراق تضامناً مع الشعب الفلسطيني في بغداد" (الشكل 3).
كما أشارت قناة "الاتجاه" التابعة لـ «كتائب حزب الله» إلى البيان باعتباره يعود إلى "التنسيقية" (الشكل 4). باختصار، يبدو أن «كتائب حزب الله» و«حركة النجباء» توليا إدارة الحدث بالكامل ولكن مع الإشارة طوال الوقت إلى أنه من تنظيم "التنسيقية".
وكما كان عليه الحال خلال الفترة التي سبقت الحدث، لم يولِ كل من الدعاة عبر الإنترنت وحسابات وسائل الإعلام، التابعين لـ «عصائب أهل الحق» الكثير من الاهتمام لهذا اليوم، على الرغم من كونه حدثاً كان ليحظى عادةً بالكثير من التعليقات المهمة عبر وسائل إعلام "المقاومة".
أما وكالة "صابرين نيوز" (المشار إليها سابقاً على أنها مرتبطة بـ «عصائب أهل الحق»)، فقد غطت الحدث إلى حدّ ما. وفي رسالتها الأولى عن الوقفة الاحتجاجية في الساعة 16:50، نشرت صورة للحدث مع عبارة "بغداد الآن! (الشكل 5)".
وفي الساعة 17:13، ردّت القناة على تعليقها الأولي واصفةً الوقفة الاحتجاجية بأنها حدث من تنظيم «كتائب حزب الله» و«حركة النجباء» (الشكل 6).
ولم تذكر "صابرين نيوز" الهيئة "التنسيقية". وبعد ذلك، في الساعة 18:07، نشر الحساب صورة أخرى للحشود مع عبارة "بحضور حشد غفير، تحدثت الجماهير العراقية بصراحة اليوم من شارع فلسطين في [بغداد] في العراق [دعماً] لفلسطين وغزة". ومجدداً، لم يتم ذكر "التنسيقية"، رغم الإشارة إليها علانية على حسابات «كتائب حزب الله» و«حركة النجباء» وعلى لسان قادتها المشاركين في الحدث. وربما تكون "صابرين نيوز" قد غطت الحدث (وإن كان ذلك بصورة محدودة) بسبب حجمها وأهميتها كوسيلة إعلامية تابعة للميليشيا، ولكن يبدو أن قنوات أخرى لـ «عصائب أهل الحق» تجاهلت الحدث تماماً.
تحليل
لا شكّ في أن «عصائب أهل الحق» كانت على دراية بتنظيم وقفة احتجاجية في بغداد تتعلق بالصراع في غزة (وهو موضوع مهم للميليشيات العراقية) وترافقها تغطية إعلامية كبيرة. وعلى الأرجح فإن عدم مشاركة «العصائب» في الحدث وعدم اهتمامها بتغطيته يحملان في طياتهما أهدافاً ومعاني كثيرة. وتجدر الملاحظة في هذا السياق أن قيس الخزعلي سعى سابقاً إلى إظهار قيادته لـ"المقاومة" العراقية. وفي هذه الحالة، ربما يكون قد جعل زعمه بالقيادة ملموساً من خلال النأي بالنفس بدلاً من مشاركة الأضواء. أو ربما قد تمّ استبعاده عن الحدث. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه: مَن الفريق الذي تنكر للآخر؟