- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3888
"حزب الله" يهدد قبرص: القدرات والنوايا والتداعيات المحتملة
إذا اتسع نطاق الصراع بين "حزب الله" وإسرائيل، فقد يستخدم الحزب ترسانته الكبيرة من الصواريخ والطائرات المسيّرة لمهاجمة كل من قبرص، والوجود العسكري الحليف المتمركز هناك، ومجموعة واسعة من أصول الشحن والطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط.
عندما ألقى زعيم "حزب الله" حسن نصر الله خطاباً في الأسبوع الماضي في احتفال تأبيني لقائد كبير قتلته إسرائيل، كانت تصريحاته جديرة بالملاحظة بسبب لهجتها التهديدية الاستثنائية وتركيزها على شرق البحر الأبيض المتوسط. وكان أبرز ما ذكره في خطاب 19 حزيران/يونيو هو تهديده بضرب قبرص إذا سمحت لإسرائيل باستخدام القواعد الجوية أو غيرها من المنشآت العسكرية المتواجدة في الجزيرة عند خوض أي حرب مستقبلية في لبنان - ويمكن فهم سبب تركيز وسائل الإعلام على هذه النقطة، نظراً إلى مكانة تلك الجمهورية كدولة عضو في "الاتحاد الأوروبي". ومع ذلك، وعلى القدر نفسه من الأهمية، أشار إلى أن "حزب الله" سيهاجم أهدافاً تابعة لإسرائيل في البحر المتوسط - وهو سيناريو يمكن أن يعرّض سفن الدول الأخرى وأصولها للخطر.
ووفقاً لنصر الله، فإن إسرائيل هي أساساً كيان "مبتلى في البحر الأحمر وبحر العرب"، في إشارةٍ إلى الهجمات البحرية المستمرة التي تشنها ميليشيا إقليمية أخرى مدعومة من إيران، وهي الحوثيين اليمنيين. وتابع قائلاً: "لكن أن يَفتح (الكيان) حرباً مع لبنان، موضوع البحر الأبيض المتوسط يصبح مختلفاً تماماً". ولا يُعرَف بالضبط ما قد يفعله "حزب الله" - فخلال حرب عام 2006 في لبنان، فاجأ الحزب إسرائيل عبر ضرب الطراد البحري "هانيت" بواسطة صاروخ مضاد للسفن أثناء قيامه بدورية في البحر بالقرب من بيروت، مما أسفر عن مقتل عدد كبير من أفراد الطاقم. وإذا اندلعت أي حرب مستقبلية، سيعمد "حزب الله" على الأرجح وكحدٍ أدنى إلى استهداف السفن العسكرية والتجارية الإسرائيلية في شرق البحر المتوسط، بالإضافة إلى منشآت الغاز الطبيعي البحرية التي تعود بالأرباح على البلاد. كما قد تطال التهديدات دولاً أخرى، بدءً من السفن الأجنبية التي ترسو في الموانئ الإسرائيلية، ووصولاً إلى سفن "البحرية الأمريكية" المنتشرة للمساعدة في الدفاع عن البلاد ضد الهجمات الصاروخية المنطلقة من لبنان أو إيران.
لماذا قبرص؟
لم يكن تهديد نصر الله لقبرص عشوائياً، إذ حافظت الجزيرة منذ فترة طويلة على علاقات وثيقة مع إسرائيل، الأمر الذي أثار غضب "حزب الله". وفي السنوات الأخيرة، استضافت قبرص عدة تدريبات مشتركة في مجال الدفاع الجوي ومناورات سنوية للقوات الخاصة مع إسرائيل ركزت على التهديدات المحتملة من "حزب الله" وإيران. كما اتهم الحزب (زوراً) القوات العسكرية البريطانية بإطلاق صواريخ دفاع جوي من قواعدها في قبرص لمواجهة الطائرات المسيّرة التي أُطلقت على إسرائيل خلال الهجوم الإيراني الكبير في 13 نيسان/أبريل. وعلى جبهة مكافحة الإرهاب، وجّهت محكمة قبرصية لائحة اتهام إلى لبناني مشتبه به يحمل جواز سفر سويدي في عام 2013، بتهمة التخطيط لشن هجوم ضد المصالح الإسرائيلية نيابةً عن "حزب الله".
ينبغي أيضاً النظر إلى تهديد نصر الله في سياق تصريحات إيران ووكلائها في زمن الحرب حول تعطيل ممرات الشحن الحيوية إلى إسرائيل عبر شرق البحر المتوسط. ففي الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، دعا المرشد الأعلى علي خامنئي إلى بذل جهد إسلامي مشترك لمنع وصول شحنات النفط والمواد الغذائية إلى إسرائيل رداً على حرب غزة. ومنذ ذلك الحين، بدأ الحوثيون والميليشيات الشيعية العراقية وأعضاء آخرون ينتمون إلى ما يسمى بـ "محور المقاومة" التابع لطهران بتهديد الموانئ والسفن الإسرائيلية وشن الهجمات في اتجاهها. على سبيل المثال، يُعتقد أن عدداً كبيراً من الطائرات المسيّرة التي أطلقتها الميليشيات العراقية والتي أُسقِطت فوق مرتفعات الجولان كانت متجهة إلى ميناء حيفا.
وفي كانون الثاني/يناير، أكدت الحكومة القبرصية حيادها وعدم انخراطها في أي عمليات عسكرية أجنبية بعد أن شاركت بعض الطائرات التي انطلقت من القاعدة البريطانية في "أكروتيري" في توجيه ضربات مضادة ضد الحوثيين. ووفقاً لـ "معاهدة إقامة جمهورية قبرص" لعام 1960، لا تخضع أنشطة القواعد البريطانية ذات السيادة لسيطرة الحكومة القبرصية على أراضيها - ومع ذلك، فهي ملزَمة بالمساعدة على ضمان أمن تلك المنشآت. كما تُلزِم المعاهدة اليونان وتركيا بـ"التشاور والتعاون في الدفاع المشترك" عن قبرص. وعلى نحوٍ مماثلٍ، ومن الناحية الفنية، قد تستلزم عضوية هذه الجزيرة في "الاتحاد الأوروبي" انضمام دول أعضاء أخرى إلى الدفاع عنها إذا تعرّضت لهجوم.
وفي الوقت الحاضر، لا تتمتع قبرص وجوارها بالحماية من خلال شبكة دفاع جوي وصاروخي قوية ومتعددة الطبقات. ووفقاً لبعض التقارير، توصلت الحكومة إلى اتفاق مبدئي في عام 2022 لشراء أنظمة "القبة الحديدية" من إسرائيل، مع أنه من غير الواضح ما إذا كان سيتم تسليمها ومتى. وبالتالي، قد تكون الجزيرة عرضةً لصواريخ "حزب الله" في ظل عدم نشر مدمرات الصواريخ الموجهة البريطانية أو التابعة لـ"حلف شمال الأطلسي". يجب أن يكون هذا السيناريو مقلقاً بشكلٍ خاصٍ لواشنطن نظراً للوجود العسكري الكبير للحلفاء في قبرص، والذي يضم بضعة آلافٍ من القوات البريطانية، وأكثر من مائة من أفراد "القوات الجوية الأمريكية"، ومفرزة طائرات مراقبة من طراز "يو-2" (U-2) من "سرب الاستطلاع الاستكشافي الأول". ووفقاً لوسائل الإعلام المختلفة، شاركت قاعدة "أكروتيري" على نطاقٍ واسعٍ في تسهيل عملية النقل الجوي للإمدادات العسكرية إلى إسرائيل خلال حرب غزة.
قدرات "حزب الله" ونواياه
أمام "حزب الله" مجموعة من الخيارات التي يمكن أن تدعم تهديد نصر الله. ويُعتقَد أن الحزب يمتلك ترسانة كبيرة من صواريخ أرض-أرض عالية الدقة، معظمها من عائلة "فاتح" المصنوعة في إيران، ويتراوح مداها بين 250 و 1000 كيلومتر، وتحمل رأساً حربياً شديد الانفجار وزنه 450 كيلوغراماً. ومن المحتمل أيضاً أن تمتلك صواريخ باليستية وصواريخ كروز مضادة للسفن مماثلة من حيث الجودة والكمية لتلك التي استخدمها الحوثيون ضد السفن الدولية في منطقة البحر الأحمر منذ تشرين الثاني/نوفمبر، بما فيها صاروخ "ياخونت" الروسي المتقدم جداً، وهو سلاح أسرع من الصوت يصل مداه إلى 300 كيلومتر.
لذلك، لن يواجه "حزب الله" مشكلة كبيرة في استهداف قاعدة "أكروتيري" الجوية البريطانية، أو رادار المراقبة فوق الأفق "بلوتو 2" (PLUTO II) القريب منها، أو رادار "ترودوس" ومحطة الإشارات المخصصة لجمع المعلومات الاستخبارية. وبإمكان صواريخ "فاتح" أن تصل إلى هذه الأهداف إما من المناطق الساحلية الجبلية في لبنان (على بُعد نحو 250 كيلومتراً)، أو من أقصى الشرق مثل بعلبك في وادي البقاع، مما يمنح "حزب الله" مرونة كبيرة لحماية قاذفاته من الضربات المضادة. كما يمتلك الحزب مخزوناً كبيراً من الطائرات المسيّرة الهجومية ذات الاتجاه الواحد التي يمكنها بلوغ أهدافٍ تقع في مختلف أنحاء الجزيرة، بدءً من السفن الراسية ووصولاً إلى المنشآت الداخلية.
وعلى غرار هجمات الحوثيين الأخيرة ضد إسرائيل، من الممكن اعتراض الغالبية العظمى من أي صواريخ وطائرات مسيّرة قد يطلقها "حزب الله" في المستقبل نحو قبرص بمساعدة سفن حربية مخصصة للدفاع الجوي والصاروخي المنسق جيداً، وطائرات مقاتلة تقوم بدوريات، ومعلومات استخبارية يتم توفيرها في الوقت المناسب - على افتراض أن هذه الأصول سبق أن تم نشرها في المنطقة. وسيتطلب التغلب على هذه الأصول وغيرها من الدفاعات البرية والبحرية الموجودة في الجزيرة عدداً كبيراً جداً من الصواريخ والطائرات المسيّرة، التي قد يتحفظ "حزب الله" عن تخصيصها خوفاً من استنفاد الترسانة التي سيستخدمها في الوقت نفسه ضد إسرائيل.
وفي الواقع، لا يتضح ما إذا كان نصر الله يرغب حقاً في متابعة خطابه الصارم ضد قبرص، لا سيما في ضوء المخاطر التي قد تؤدي إلى جر المزيد من دول "الاتحاد الأوروبي" إلى صراعٍ محتمل. ولكن حتى لو لم يكن الهجوم على الجزيرة وشيكاً، فقد يكون التهديد وحده كافياً لإبقاء قبرص على هامش أي حرب مستقبلية في لبنان.
التداعيات السياسية
يسلّط تهديد نصر الله الضوء على الاحتمال الحقيقي للغاية المتمثل في اتساع نطاق الصراع بين "حزب الله" وإسرائيل في البحر المتوسط. فإذا اندلعت الحرب على نطاقٍ أوسع، فمن المؤكد أن حركة المرور العسكرية والتجارية الإسرائيلية في البحر ستكون معرّضة للخطر نظراً للترسانة الكبيرة المضادة للسفن التي تمتلكها هذه الميليشيا وسجلها الحافل بالمفاجآت التكتيكية (على سبيل المثال، فيما يتعلق بالهجوم على طراد "هانيت" عام 2006، أفادت التقارير أن الميليشيا استغلّت أصول الرادار البحرية التابعة للجيش اللبناني من أجل استهداف السفينة). وستكون أصول الطاقة البحرية الإسرائيلية معرّضة للخطر أيضاً، بما فيها تلك التي تملكها شركة "شيفرون" (Chevron) الأمريكية. أما خارج إطار إسرائيل، فيمكن أن يتعرض الشحن التجاري في شرق البحر الأبيض المتوسط للتهديد المباشر أو لبعض التداعيات غير المرغوبة، ويشمل ذلك شحنات المساعدات الإنسانية من قبرص إلى غزة. حتى إن الحوثيين قد يشنون هجمات تضامنية على أهدافٍ تقع في هذه البحار البعيدة، نظراً لما يملكونه من صواريخ وطائرات مسيّرة انتحارية بعيدة المدى.
وقد بذلت إدارة بايدن جهوداً كبيرة لمنع المزيد من التصعيد بين إسرائيل و"حزب الله"، حيث نشرت مؤخراً مجموعة حاملة الطائرات الهجومية الأمريكية "يو إس إس أيزنهاور" (USS Eisenhower) في شرق البحر المتوسط في محاولة لردع الحزب. ويشكل الوقوف علناً إلى جانب إسرائيل وقبرص خطوة مهمة في الأزمة الراهنة. والجدير بالذكر أن خطاب نصر الله جاء بعد يومٍ واحدٍ فقط من قيام وزارة الخارجية الأمريكية باستضافة وزير خارجية قبرص، والإعلان عن بدء الحوار الاستراتيجي الأول على الإطلاق بين البلدين. وعند التخطيط لهذا الحوار، المقرر أن يبدأ قبل نهاية العام، يتعين على المسؤولين مناقشة أفضل السبل لتحقيق التوازن بين مخاوف نيقوسيا بشأن الحياد، والحاجة الملحة لمواجهة التهديدات العسكرية والإرهابية المثبتة التي يشكلها "حزب الله" وإيران في المنطقة. وبعد أن تعرّضت أوروبا الآن للتهديد المباشر من وكيل إيران في لبنان، يتعين على واشنطن أيضاً أن تحثّ "الاتحاد الأوروبي" وجميع الدول الأعضاء فيه على إدانة تهديدات "حزب الله" الوقحة وتصنيفه كمنظمة إرهابية، تماماً كما سبق أن فعلت العديد من الدول الأخرى في مختلف أنحاء العالم.
حنين غدار هي "زميلة فريدمان الأقدم" في "برنامج روبين حول السياسة العربية" التابع لمعهد واشنطن. فرزين نديمي هو زميل أقدم في المعهد. ديفيد شينكر هو "زميل أقدم في برنامج توب" ومدير "برنامج روبين" في المعهد.