- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3715
«حزب الله» يتسلل إلى إسرائيل (الجزء الأول): خطوة أخرى نحو تغيير قواعد اللعبة
على الرغم من أن حادث تسلل عميل إرهابي من لبنان إلى إسرائيل يمثل تصعيداً كبيراً، إلا أنه يُعدّ أيضاً استمراراً لنمط من السلوك قائماً منذ فترة طويلة يهدف إلى إعادة تشكيل التفاهمات غير الرسمية القائمة منذ حرب عام 2006.
في وقت سابق من هذا الشهر، تسلل عميل إرهابي من لبنان إلى إسرائيل باختراقه "الخط الأزرق" الذي رسمته الأمم المتحدة ومتجنباً الدوريات الحدودية وأنظمة الكشف عن بُعد. وبعد أن قطع مسافة ستين كيلومتراً جنوباً باتجاه مفترق "مجيدو"، قام بزرع عبوة ناسفة متطورة من النوع الذي يستخدمه «حزب الله» عادةً، مما أدى إلى إصابة مواطن عربي إسرائيلي بجروح خطيرة عند تفجيرها. ثم استقل سيارة عابرة بينما كانت قوات الأمن تشنّ عملية مطاردة. وعندما أوقفت السلطات السيارة بالقرب من بلدة يعراه الحدودية، خرج السائق منها لكن الإرهابي رفض الإذعان. وحيث كان متسلحاً بحزام ناسف وأسلحة أخرى، سرعان ما قُتل رمياً بالرصاص.
ولم تنشر السلطات الإسرائيلية بعد النتائج التي توصلت إليها بشأن هوية المشتبه فيه، إلا أن الجيش وجهاز مخابرات الـ "شاباك" مقتنعان بأنه كان ينفذ عملية من قبل «حزب الله»، في حين أعلنت جماعة غير معروفة سابقاً تطلق على نفسها اسم "قوات الجليل - الذئاب المنفردة" مسؤوليتها عن الهجوم عبر منصة "تلغرام"، كما نشرت صوراً لمواقع إسرائيلية مختلفة ولمسؤولين إسرائيليين مرفقة بعبارة "الأهداف التالية". ومع ذلك، يبدو أن السلطات تجد في هذا الادعاء دعاية تهدف إلى تحويل الأنظار عن دور «حزب الله». ففي النهاية، هناك القليل الذي يمرّ عبر الحدود دون موافقة الحزب، كما أن نوع الجهاز المستخدم في الهجوم مرتبط بـ «حزب الله» وليس بالجماعات الفلسطينية.
ولعل الأهم من ذلك أن هذه الحادثة هي الأخيرة ضمن سلسلة طويلة من مساعي «حزب الله» المتزايدة لتغيير التفاهمات والخطوط الحمراء التي تحكم صراعه مع إسرائيل. ويركز الجزء الأول من هذا المرصد السياسي على هذه المساعي لإعادة صياغة قواعد اللعبة، بينما سيعمد الجزء الثاني إلى تقييم حسابات إسرائيل وخيارات ردها.
تحريك الأهداف
عندما نشر «حزب الله» الجزء الأكبر من قواته للدفاع عن نظام الأسد خلال الحرب الأهلية في سوريا، كان يسعى لكسب الوقت فيما يتعلق بقتاله ضد إسرائيل. وكان ذلك يعني التركيز على مشاريع طويلة الأجل من شأنها تحسين قدرته على مهاجمة إسرائيل في وقت لاحق، كالاستثمار في أنفاق الهجوم عبر الحدود واستيراد صواريخ دقيقة التوجيه وتطويرها. وأمضى «حزب الله» سنوات طويلة وأنفق مبالغ كبيرة على المشروع الأول، حيث قام ببناء الأنفاق التي كشفتها إسرائيل في كانون الأول/ديسمبر 2018 ودمرتها على مدار الأشهر القليلة التي أعقبت ذلك. ولا يزال المشروع الثاني يشكل اليوم تهديداً، على الرغم من الجهود التي بذلتها إسرائيل لمنع عمليات نقل الصواريخ عبر سوريا والكشف علناً عن منشآت الصواريخ العاملة في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان في لبنان.
وفي الآونة الأخيرة، ومع عودة الغالبية العظمى من قوات «حزب الله» إلى لبنان، كان الحزب يطمح إلى استعادة مصداقيته بصفته "المقاومة" - وإن كان ذلك بطريقة تقلل من احتمالية حدوث رد عسكري إسرائيلي واسع النطاق. وفي الفترة التي سبقت حرب عام 2006 أخطأ الأمين العام للحزب حسن نصر الله في تقدير ردّ إسرائيل على اختطاف جنودها عبر الحدود. ومع ذلك، فوفقاً لمحللين إسرائيليين، يعتقد الآن أن بإمكانه التنبؤ بسلوك العدو بمزيد من الدقة، الأمر الذي دفعه إلى زيادة حدة لهجته والموافقة على سلسلة من الإجراءات الأكثر عدائية على مدى السنوات الثلاث الماضية.
سابقاً، كان التفاهم غير الخطي يتمثل بعدم قيام «حزب الله» بمهاجمة إسرائيل طالما كانت عمليات القوات الإسرائيلية تقتصر على استهداف شحنات أسلحته في سوريا - ولن يتم تجاوز الخطوط الحمراء للحزب إلا إذا قامت إسرائيل بقصف أهداف على الأراضي اللبنانية أو بقتل عناصر تابعة له في أي بلد. على سبيل المثال، في 1 أيلول/سبتمبر 2019، أطلق «حزب الله» صواريخ مضادة للدبابات على سيارة إسعاف عسكرية إسرائيلية كانت تمرّ بين المجتمعات الحدودية في أفيفيم وييرون، في ردّ واضح على هجومين إسرائيليين، تمثل الأول بقصف جوي أدّى إلى مقتل عنصرين من «حزب الله» في سوريا، والثاني بهجوم طائرة بدون طيار في بيروت استهدف خلاطاً للوقود يُستخدم لصناعة الصواريخ دقيقة التوجيه.
لكن في الوقت نفسه، بدأ «حزب الله» باتخاذ خطوات لتغيير قواعد اللعبة. فبعد غارة الطائرة المسيّرة في بيروت عام 2019، تعهد نصر الله باستهداف طائرات الاستطلاع الإسرائيلية في سماء لبنان - سواء كانت قد شاركت في الهجمات أم لا. وبحلول شباط/فبراير 2022 كان يتفاخر بأن قدرات «حزب الله» المضادة للطيران أرغمت إسرائيل على الحد بشكل كبير من تحليق طائراتها المسيّرة فوق جنوب لبنان والامتناع عن إطلاق مثل تلك الطائرات فوق وادي البقاع طوال أشهر. ويبدو أن بعض هذه المزاعم حظيت بتأكيد قائد سلاح الجو الإسرائيلي، عميكام نوركين، في نيسان/أبريل، الذي اعترف بالدفاعات الجوية العدائية لـ «حزب الله»، وأشار إلى أن الحزب كاد أن يُسقط طائرة إسرائيلية مسيّرة في عام 2021، ووصف ما نجم عن ذلك من تقليص رحلات التحليق الجوي لجمع المعلومات الاستخباراتية، وخلص إلى أنه "لم يعد لدى إسرائيل الحرية الكاملة في التصرف في لبنان".
وبالمثل، خلال الخطاب نفسه الذي ألقاه نصر الله في آب/أغسطس 2019 وهدد فيه بإسقاط الطائرات الإسرائيلية المسيّرة، حذر الجنود الإسرائيليين المتمركزين على طول الحدود للبقاء على أهبة الاستعداد بقوله "بدءاً من اليوم، قفوا على رجل ونصف وانتظروا ردّنا". وفي تموز/يوليو 2020، أفادت التقارير أن الجيش أحبط هجوماً لعناصر مسلحين من «حزب الله» دخلوا الأراضي الإسرائيلية.
ولكن سرعان ما أدى انفجار مرفأ بيروت في آب/أغسطس 2020 إلى صرف انتباه «حزب الله» عن التوترات المتصاعدة (على الأقل فيما يتخطى زيادة نقاط المراقبة التابعة له على طول "الخط الأزرق")، لكن خطاب التهديد عاد مجدداً في عام 2021. فعندما أرسلت إيران شحنة من الوقود إلى لبنان في آب/أغسطس، حذر نصر الله علناً من أن أي هجوم على الناقلة سيعتبر هجوماً على الأراضي اللبنانية وبالتالي سيؤدي إلى قيام «حزب الله» بالرد على ذلك - وهو تصريح محفوف بالمخاطر وسط تصعيد متبادل بين إسرائيل وإيران ضد مصالح الشحن الخاصة ببعضهما البعض.
وفي تموز/يوليو 2022، رفع نصر الله سقف التحدي بتهديده استهداف منصات الغاز الطبيعي البحرية الإسرائيلية إذا باشرت إسرائيل باستخراج الغاز من حقل كاريش قبل التوصل إلى اتفاق حدودي بحري مع لبنان. وبعد ذلك بوقت قصير، أُسقطت ثلاث طائرات مسيّرة تابعة لـ «حزب الله» كانت في طريقها إلى منصة كاريش. وعلى الرغم من أن التحقيقات اللاحقة أشارت إلى أنها لم تكون مسلحة، إلا أن الرسالة كانت واضحة؛ فقد حذر نصر الله من أن هذه الطائرات المسيّرة هي "مجرد البداية" وتعهد بخوض حرب بشأن مسـألة الغاز إذا لزم الأمر. وتابع «حزب الله» ذلك بـ فيديو دعائي يظهر لقطات بطائرة بدون طيار لحقل كاريش يتم استهدافه بسلاح ما على ما يبدو.
وكان استعداد نصر الله للمخاطرة بمواجهة إسرائيل مدفوعاً جزئياً بالضغوط الاقتصادية والسياسية المحلية - ولا شك أنه استمتع بفرصة إخبار الشعب اللبناني بأن أسلحة «حزب الله» قد وفرت حماية لنقل النفط من إيران وأمّنت التوصل إلى اتفاق أفضل حول الحدود البحرية وحقل الغاز. ومع ذلك، بدا أنه يعتقد أيضاً أنه من غير المرجح أن ترد إسرائيل على تهديداته بطريقة جادة نظراً لترسانة «حزب الله» من الصواريخ الدقيقة وأنظمة الدفاع الجوي الكبيرة، بل قدّر أن إسرائيل ستقلص رحلات طائراتها المسيّرة وستمتنع عن مهاجمة شحنة النفط الإيرانية، وستؤجل استخراج الغاز إلى أن يتم إبرام الاتفاقية البحرية - وفي كل حالة كان تقييمه صحيحاً. إلا أن السؤال الذي يتداوله محللو الاستخبارات الإسرائيليون الآن هو ما إذا كانت هذه السلسلة من التقييمات الدقيقة قد شجعت نصر الله على القيام بمخاطر أكبر.
سوء التقدير نتيجته التصعيد
في 6 آذار/مارس، أي قبل أسبوع من تفجير مجيدو، ادّعى نصر الله أن «حزب الله» قد قيّد حرية إسرائيل في التصرف لمهاجمة الحزب، من خلال استعادة عملية "توازن الردع". وفي إشارة إلى الاضطرابات السياسية المستمرة في البلاد، أعلن أن إسرائيل على شفا حرب أهلية، وخلص إلى أن "جميع المؤشرات تشير إلى نهاية" الدولة اليهودية.
وبالإضافة إلى التفجير، شهد هذا الشهر تقارير متزايدة عن مضايقات عبر الحدود ضد الإسرائيليين، مثل توجيه أشعة الليزر على السائقين والمنازل، وإطلاق انفجارات مدوية على الحدود اللبنانية، وصب مياه الصرف الصحي باتجاه البلدات الإسرائيلية. كما عطّل «حزب الله» الجهود الإسرائيلية لتعزيز الحاجز الأمني في عدد من المواقع على طول "الخط الأزرق".
وتشير هذه العدائية المتسللة - إلى جانب إحساس نصرالله بردع إسرائيل وإضعاف موقفها العسكري - إلى أن «حزب الله» سيستمر في محاولة تحريك الأهداف. ومن الجانب الإسرائيلي، تعهد وزير الدفاع، يوآف غالانت، بأن "المسؤول عن الهجوم سيندم على فعلته. سنجد المكان والزمان المناسبين وسنضربهم". ويمكن أن يتأثر القرار بشأن هذا الرد ليس بالاعتبارات الأمنية فحسب، بل بتشكيلة الحكومة المتشددة ورغبتها في تخفيف حدة الأزمة الداخلية في إسرائيل أيضاً. بعبارة أخرى، توفر عوامل متعددة على كلا الجانبين فرصاً كبيرة لسوء التقدير والتصعيد غير المقصود.
ماثيو ليفيت هو "زميل فرومر ويكسلر" ومدير "برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب" في معهد واشنطن، ومصمم أداة الخريطة التفاعلية التابعة للمعهد، والتي تغطي أنشطة «حزب الله» في جميع أنحاء العالم.