- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3717
«حزب الله» يتسلل إلى إسرائيل (الجزء الثاني): الردود المحتملة
على إسرائيل أن تتحرك بسرعة على جبهات متعددة لتُظهِر لـ «حزب الله» أنها لن تتحاشى التصعيد، خاصة إذا استمر التنظيم في اختبارها.
في أعقاب مقتل منفذ الهجوم الإرهابي في بلدة مجيدو الإسرائيلية الأسبوع الماضي اتضح أمران: أولاً، أنه تم تجنب هجوم أكبر بكثير (كما يناقش لاحقاً في هذا المقال)، وثانياً، من المحتمل أن «حزب الله» كان على علم بما سيحدث وربما وافق على العملية، هذا إن لم يكن هو مَن نَفذها. إلا أن هذا الأمر الأخير مقلق للغاية لأنه يشير إلى استعداد قادة «حزب الله» للمجازفة والتوجه نحو تصعيد حقيقي مع إسرائيل، حتى لو أدركوا أن هذه المجازفة بسيطة. وكما نوقش في الجزء الأول من هذا المرصد السياسي، يشكّل الهجوم دليلاً واضحاً آخر على أن «حزب الله» قد غيّر قواعد اللعبة. ولذلك يتعيّن على صانعي القرار الإسرائيليين أن يوضحوا من جديد خطوطهم الحمراء، وبالقوة إذا لزم الأمر.
دور «حزب الله» في الهجوم
لم يتم حتى الآن نشر الكثير من التفاصيل حول الهجوم أو هوية الجاني، في حين أن كل ما صدر عن جيش الدفاع الإسرائيلي ووكالة الأمن الإسرائيلية هو بعض المعلومات عن السلاح المستخدم (متفجر شبيه بلغم أرضي) والمسار العام الذي سلكه الإرهابي. ومع ذلك، تتوجه معظم أصابع الاتهام نحو «حزب الله» نظراً لسيطرته الأمنية القوية على جنوب لبنان، وخاصة على طول الحدود مع إسرائيل.
وصحيح أن «حزب الله» ليس الجهة الوحيدة المشتبه في تورطها في مثل هذا الهجوم عبر الحدود. على سبيل المثال، رسخت حركة "حماس" جذورها في الساحة اللبنانية في السنوات الأخيرة وقامت ببناء قدرات عسكرية وضمّ مقاتلين محليين إلى صفوفها. أما الجاني المحتمل الآخر فهو إيران التي تحاول باستمرار إيجاد المزيد من السبل لتنفيذ هجمات ضد إسرائيل من الشمال. ولكن حتى لو كانت «حماس» أو إيران أو جهات أخرى متورطة، فلن تتمكن من تنفيذ مثل هذه العملية من دون موافقة «حزب الله».
وبالفعل، أحضرت ظروف هجوم مجيدو إلى أذهان الكثيرين في إسرائيل عملية إرهابية أخرى نفذها «حزب الله» في عام 2002، عندما أرسل إرهابيين فلسطينيين عبر الحدود الشمالية لقتل إسرائيليين بالقرب من كيبوتس ماتزوفا. وفي ذلك الوقت، كان الحزب يأمل على الأرجح في أن استخدام الفلسطينيين قد يخفي ضلوعه في الهجوم. ولكن من الصعب اليوم على «حزب الله» أن يخفي آثاره بالنظر إلى أن الإرهابي كان قد عبَر حدوده الخاضعة لحراسة مشددة حاملاً متفجرات متطورة، ومستخدماً سلّماً لتجاوز الحاجز الأمني الإسرائيلي، وهو الأسلوب نفسه الذي اعتمده مهاجمو عام 2002.
خيارات الرد الإسرائيلي
لا شك في أن تحليل المخاطر الذي أجراه «حزب الله» قائم على ما يجري داخل إسرائيل حالياً، من تزايد الانقسامات الاجتماعية إلى خطة الحكومة للإصلاح القضائي التي جوبهت باحتجاج شديد. وباعتبار أن الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، يراقب السياسة الإسرائيلية عن كثب ويجيد تحليلها، فربما ظّن أن الوقت أصبح مناسباً الآن لتحريك الأهداف وإثارة التحدي على الجبهة الأمنية.
وعلى الجانب الإسرائيلي، كان الحفاظ على الهدوء على الحدود الشمالية أولوية قصوى لإسرائيل في السنوات الأخيرة. فلم يكن المسؤولون يريدون اندلاع حرب مع «حزب الله»، ولذلك حدّوا كثيراً من أنشطة الجيش الإسرائيلي في لبنان، لا سيما تلك التي تستهدف الحزب. وحتى عندما أظهر الحزب أنه على استعداد لاختبار الخطوط الحمراء الإسرائيلية، وعلى الأخص في شهر تموز/يوليو الماضي عندما أرسل طائرات بدون طيار نحو حقل غاز كاريش، وهو موقع مهم استراتيجياً، أسقطت إسرائيل الطائرة لكنها لم تتخذ خطوات أخرى قد تؤدي إلى تصعيد الموقف (على سبيل المثال، استهداف قواعد الطائرات المسيّرة التابعة لـ «حزب الله» في لبنان).
ولكن اليوم لا يمكن لإسرائيل الاكتفاء بتوجيه أصابع الاتهام وإصدار تصريحات قاسية. وربما تَسبب هجوم مجيدو في مزيد من الأضرار نظراً للمتفجرات الإضافية والأسلحة الأخرى التي كانت بحوزة الإرهابي، حتى الجهاز الوحيد الذي تم تفجيره في مجيدو كان من الممكن استخدامه بسهولة لتدمير هدف أكبر كحافلة. علاوة على ذلك، يجب الردّ على محاولة «حزب الله» الواضحة لاختبار (أو تغيير) الخطوط الحمراء للقدس في نقطة حدودية خطرة. وإذا كان نصر الله قد أساء الحكم على إسرائيل، فعلى القدس توضيح ذلك من خلال الخطوات الرئيسية التالية من حيث المبدأ:
- رفع السرية عن أكبر قدر ممكن من المعلومات الاستخباراتية من دون تعريض المصادر الحساسة للخطر، ونشر جميع الأدلة المتعلقة بتورط «حزب الله» في الهجوم وتحديد جميع الأفراد الذين شاركوا في تخطيطه وتنفيذه. وهذا من شأنه أن يُفهم هؤلاء الأفراد على أقل تقدير، بأنهم تحت مراقبة إسرائيل وقد يتعرضون للهجوم في أول فرصة ممكنة، بغض النظر عن انتماءاتهم.
- التواصل مع أي محاوِر محتمل مع «حزب الله»، لإيصال رسالة مفادها أن المزيد من المحاولات لتغيير قواعد اللعبة غير مقبولة وستواجَه بقوة ساحقة. كما يجب إيصال هذه الرسالة إلى الحكومة اللبنانية، لأن رد الجيش الإسرائيلي على الهجمات المستمرة ضد إسرائيل سيلحق ضرراً بالدولة اللبنانية، وليس بـ «حزب الله» فقط. بإمكان إسرائيل تمرير هذه الرسالة عبر مختلف المسؤولين الفرنسيين أو الإقليميين الذين يتواصلون مع بيروت وعناصر «حزب الله».
- النقطة الأخيرة والأكثر أهمية هي الاستعداد للتصعيد. للأسف، انقضت أيام الحفاظ على الهدوء في الشمال بأي ثمن، لا سيما وأن «حزب الله» لم يعدّ يؤمن بأن إسرائيل مستعدة للرد بقوة. فآخر مرة ظنّ فيها التنظيم أن إسرائيل ضعيفة كانت في عام 2006، وبالتالي أدت عملياته العابرة للحدود (على سبيل المثال، اختطاف جنود إسرائيليين) إلى حرب تسببت بدمار تركز معظمه في لبنان. لذلك إذا حاول «حزب الله» تحدي إسرائيل مجدداً، يجب أن تكون إسرائيل مستعدة لاتخاذ إجراءات قوية مثل استهداف قادة الحزب ومقره في لبنان، حتى وإن كان ذلك يخاطر بتبادل إطلاق نار مكثف أو حرب. يجب أن تشمل الاستعدادات ذات الصلة لهذا الخيار زيادة المراقبة على مسؤولي «حزب الله»، بشكل علني وسري، وربما حتى نقل بعض الوحدات العسكرية إلى الشمال. على «حزب الله» أن يعرف أن إسرائيل لم تعد تتهرب من القتال، لأن هذه قد تكون الطريقة الوحيدة لإجبار الحزب على العودة إلى قواعد اللعبة القديمة والمقبولة والابتعاد عن شفير حرب لا يبدو أنه يريدها أيضاً.
من المعلوم أن إسرائيل تصب تركيزها حالياً على كيفية التعامل مع ثلّة من المشاكل من العيار الثقيل في الداخل. ولكن بسبب انعدام هذا الاستقرار الداخلي على وجه التحديد، من المهم جداً إرسال الرسائل الصحيحة إلى الخصوم مثل «حزب الله». ومن خلال إرسال مثل هذه الرسائل، بإمكان إسرائيل أن تثبت أنها لا تزال قوة هائلة ولا ينبغي اختبارها خلال هذا الوقت.
نداف بولاك هو محاضر في "جامعة رايخمان" وزميل سابق في "برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر" في معهد واشنطن.