- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3743
جولة الإعادة الرئاسية في تركيا: ما هي التوقعات لـ 28 أيار/مايو وما بعده؟
تناقش مجموعة من الصحفيين والباحثين الآثار على السياسة العامة للسيناريوهات المختلفة التي قد تظهر من الجولة الأخيرة من الانتخابات التركية.
"في 25 أيار/مايو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسياً افتراضياً مع إلسين بويرازلار، وإيمري بيكر، وحميرة باموق، وسونر چاغاپتاي. وبويرازلار هي كاتبة وصحفية رفيعة المستوى لشؤون وسائل الإعلام الدولية. وبيكر هو مدير أوروبا في "مجموعة أوراسيا". وباموق هي مراسلة بارزة لشؤون السياسة الخارجية في وكالة "رويترز". وچاغاپتاي هو زميل "باير فاميلي" ومدير "برنامج الأبحاث التركية" في المعهد. وفيما يلي ملخص لملاحظاتهم".
إلسين بويرازلار
على الرغم من أن الشعب التركي عبّر عن رغبة قوية في التغيير في الفترة التي سبقت الانتخابات هذا الشهر، إلّا أن كتلة الرئيس رجب طيب أردوغان كانت واثقة جداً من فوزها. وقدّمت المعارضة أداءً جيداً في الجولة الأولى، لكن عبادة شخصية أردوغان دفعت الكثير من الناخبين إلى اعتباره المرشح الوحيد القادر على بناء تركيا أفضل، على الرغم من اعترافهم بوجود مشاكل في البلاد.
وبطبيعة الحال، لا تزال نتائج ما قبل الجولة الحاسمة في 28 أيار/مايو تشكل تحذيراً لأردوغان وحزبه، "حزب العدالة والتنمية"، الذي حصد أدنى نسبة من التأييد منذ انتخابات عام 2002 التي أوصلته إلى السلطة. فللمرة الأولى منذ عشرين عاماً من حكم أردوغان، قدمت المعارضة بديلاً منظماً وفرصة للتغيير الإيجابي، ولكن أردوغان استغل بالكامل الاستقطاب الشديد في المجتمع ونفوذه القوي في قطاعات القضاء والمالية والإعلام. على سبيل المثال، ردد غالباً أنصار "حزب العدالة والتنمية" الذين قابلتهم في الشارع نقاط حديثه حرفياً، مثل "دعم المعارضة سيؤدي إلى وصول جماعات إرهابية مثل «حزب العمال الكردستاني» إلى السلطة".
وفي غضون ذلك، قاد مرشح المعارضة كمال قلجدار أوغلي حملة مختلفة تماماً منذ الجولة الأولى من التصويت. في حين كان في السابق إيجابياً وشمولياً، فهو الآن يردد بعض المشاعر المعادية للاجئين ويحتضن بعض القوميين المتطرفين.
إن السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه الآن هو ما إذا كانت تركيا ستعود إلى نظام الضوابط والموازين الديمقراطية القديم أم ستصبح دولة حزبية قائمة على حكم رجل واحد مثل روسيا أو الصين. ولكن من المؤكد أن الحريات الأساسية ستتراجع، وأن الجماعات المحرومة مثل النساء و"مجتمع الميم" ستتعرض للتهديد على نطاق واسع. وعلى المدى الطويل، تشير الاستطلاعات إلى أن ما يصل إلى 75 في المائة من الشباب الأتراك يريدون مغادرة البلاد، حتى الذين ينتمون إلى أسر مؤيدة لـ"حزب العدالة والتنمية". ويبدو أن هجرة العقول آخذة في الازدياد أيضاً، بحيث أعرب العديد من الأطباء والمهندسين والعاملين في الوظائف الإدارية عن رغبتهم في العيش في الخارج.
إيمري بيكر
توضح نتائج الجولة الأولى أن سياسات الهوية هيمنت على الانتخابات. وعلى الرغم من أن تركيا تواجه أخطر المشاكل الاقتصادية منذ عام 2001، إلا أن التغطية المحرَّفة للحملة حرصت على تسليط الضوء على قضايا ثانوية مثل الإرهاب والقيم الأسرية وحقوق "مجتمع الميم". وعلى الرغم من نجاح المعارضة في توطيد كتلتها، إلّا أنها فشلت في الحصول على أصوات إضافية من الأحزاب المحافظة وأحزاب يمين الوسط التي تشكل ما بين 60 إلى 65 في المائة من الناخبين.
ولم يحقق فصيل المعارضة الرئيسي، "حزب الشعب الجمهوري"، أي مكاسب عملية من خلال تحالفه مع "حزب السعادة الإسلامي" وسياسيين سابقين في "حزب العدالة والتنمية"، مثل أحمد داود أوغلو (حالياً مع "حزب المستقبل" أو "جيلسيك") وعلي باباجان (حالياً مع "حزب الديمقراطية والتقدم" أو DEVA). وكذلك، شهد الفصيل القومي المتحالف مع "حزب الشعب الجمهوري"، "الحزب الجيد"، خسائر ضئيلة في صفوف قاعدته. وستزيد سياسات الاستقطاب السائدة من صعوبة الحفاظ على كتلة معارضة مشتركة في معرض الاستعداد للانتخابات المحلية في آذار/مارس المقبل.
ومع توجه أردوغان نحو ولاية ثالثة على الأرجح، سيشكل الاقتصاد أكبر عقبة سيواجهها في المستقبل، من بينها أعلى معدل تضخم منذ سنوات ومعدلات بطالة مرتفعة بشدة. ولكنه قد يشعر بأن انتصاره أمّن له غطاءً كافياً بحيث سيبقى في البداية ملتزماً بسياساته الاقتصادية. ويمكن أن يعكس هذا القرار أيضاً هدفه الطويل الأمد المتمثل في جعل تركيا أكثر استقلالاً عن الأسواق المالية الغربية، جزئياً من خلال بناء علاقات اقتصادية أقوى مع روسيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. ولحسن حظ أردوغان، من المفترض أن تكون معدلات السياحة المرتفعة المتوقعة قادرة على الحفاظ على الاقتصاد التركي عائماً هذا الصيف. ولكن مع برودة الطقس وزيادة واردات الغاز الطبيعي وإعادة فتح المدارس، من الضروري إحداث تحول اقتصادي لدعم احتياجات الناس وإدارة المدفوعات الخارجية.
أما بالنسبة إلى علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي، فمن غير المرجح أن تتغير إذا فاز أردوغان مجدداً. ويعني ذلك عدم تحديث "الاتحاد الجمركي" لعام 1995 وعدم تحرير تأشيرة السفر للأتراك إلى الاتحاد الأوروبي. وعلى نطاق أوسع، سيستمر الغرب في رؤية أردوغان كشريك صعب بل مهم للمصالح الاستراتيجية.
حميرة باموق
على الرغم من أن النتيجة لم تُحسم بعد، إلّا أن أردوغان حقق تقدماً مريحاً بعد حصوله على أكثر من 49 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى. وإذا فاز في الجولة الحاسمة، سيتوجب على قادة المعارضة التعامل مع الحكم القومي الناشئ في تركيا وإعادة النظر في استراتيجيتهم الأمنية الضعيفة المتعلقة بالانتخابات.
لسوء الحظ، شهدت هذه الانتخابات أيضاً بروز سردية ما بعد الحقيقة. على سبيل المثال، في وقت سابق من هذا الأسبوع، اعترف أردوغان بأن حملته عرضت في أحد التجمعات لقطات مزيفة لمقاتلين من "حزب العمال الكردستاني" وهم يهتفون لخصمه، مضيفاً أن ذلك غير مهم بما أن الفيديو مزيف. كما نجح في إقناع الكثير من الناس بأن الدمار الذي أحدثه زلزال هذا العام كان تدبيراً إلهياً وأن الله وحده يستطيع إصلاحه. وكذلك، لا يعتبره الكثيرون من الناخبين المسؤول عن انهيار الليرة التركية.
وبغض النظر عن نتائج الجولة الحاسمة، ستظل قضية انضمام السويد إلى "حلف شمال الأطلسي" ("الناتو") أولوية رئيسية للعلاقات الأمريكية التركية قبل انعقاد القمة المقبلة للحلف في تموز/يوليو. وكما أكد مسؤولو الولايات المتحدة و"الناتو" منذ بداية الحرب في أوكرانيا، فإن عدم قبول السويد في الحلف سيبعث رسالة سيئة بشأن الوحدة عبر الأطلسي. وعلى الرغم من أن صانعي السياسات الأمريكيين يعتقدون أن تحقيق هذا الهدف سيكون أكثر سهولة إذا فاز كيليتشدار أوغلو بالانتخابات، إلا أنهم يأملون أيضاً في أن يتوصل أردوغان إلى القرار ذاته بحلول تموز/يوليو. وفي الحالتين، سيمنح قبول السويد في الحلف إدارة الرئيس بايدن المزيد من الأدلة للضغط باتجاه المزيد من عمليات بيع طائرات "أف-16" إلى تركيا. ولكن من دون هذا التنازل، من غير المرجح أن يوافق الكونغرس الأمريكي على أي مبيعات.
يجب على واشنطن أيضاً أن تراقب علاقة أردوغان بفلاديمير بوتين. فقد قوبل ميل أردوغان إلى التلاعب مع كلا الجانبين بريبة في الغرب، مما دفع بكبار المسؤولين الأمريكيين إلى زيارة تركيا بانتظام وتحذير الحكومة والشركات الخاصة من انتهاك العقوبات الروسية. وتلفت إدارة بايدن نظر أنقرة بانتظام إلى انتهاكات حقوق الإنسان والديمقراطية أيضاً. وفي الواقع، كانت العلاقات الثنائية قائمة على الصفقات وغير مستقرة لبعض الوقت، الأمر الذي لن يتغير إذا أعيد انتخاب أردوغان. ومع ذلك، ما زالت تركيا قادرة على الاضطلاع بدور قيّم في تعزيز مصالح السياسة الأمريكية، كما يتضح من صفقة الحبوب الأوكرانية الروسية.
سونر چاغاپتاي
مع أرجحية فوز أردوغان في جولة الإعادة الرئاسية، يتم إيلاء الكثير من الاهتمام لما فعله، من دون التركيز على ما فشل كيليتشدار أوغلو في فعله. فحَصْدْ كيليتشدار أوغلو لأكبر عدد من الأصوات لمرشح يساري في تاريخ تركيا هو أمر مثير للإعجاب، ولكنه في النهاية لم يهزم أردوغان. وعلى الرغم من إدراك الناخبين للمشاكل التي تَسَبب بها الرئيس الحالي، لم تلهمهم حملة كيليتشدار أوغلو غير المستقطِبة. وكان عدد كبير من الناخبين مقتنعين أيضاً بأن المعارضة مدعومة من الإرهابيين، وهي كذبة فاضحة تستمر وسائل الإعلام الموالية لأردوغان في نشرها، ولم يجدوا وقتاً لتقييم مزايا رؤيا كيليتشدار أوغلو فيما يتعلق بتركيا.
وإذا فاز أردوغان، سيحدد هامش انتصاره على الأرجح ما إذا كان سيغير نهجه نحو السياسة الاقتصادية، والسياسة الخارجية (أي الميل نحو بوتين)، وقمع الديمقراطية. وهناك ثلاثة سيناريوهات ممكنة، مرتبة من الأقل إلى الأكثر منطقية:
• أردوغان الضعيف. سيقابَل الفوز بفارق ضيق (من 1 في المائة تقريباً) باعتراض من قبل المعارضة. وعلى الرغم من أن أردوغان سيقضي على هذا التحدي، إلا أنه سيخرج من التصويت وهو يشعر بالضعف. وفي الداخل، من المرجح أن يدفعه ذلك إلى شن المزيد من حملات القمع على المعارضة مع إصراره على نموذجه الاقتصادي غير التقليدي، بناءً على اعتقاده بأنه ليس لديه مساحة سياسية كبيرة لإجراء تغييرات جوهرية. وفي الخارج، سيعتمد بصورة أكثر على بوتين من أجل تأمين المزيد من المساعدة الروسية قبل الانتخابات المحلية في عام 2024.
• أردوغان الأكثر جرأة. من وجهة نظره، سيؤدي الفوز الساحق (55 في المائة من الأصوات أو أكثر) إلى تأكيد صحة مقاربته الاقتصادية وسياسته الخارجية، بما في ذلك تجاه روسيا. وبما أنه يشعر بأن النتيجة أمنت له غطاءً، ويحظى بدعم برلمان جديد بتمثيل يميني من الثلثين، فقد يميل إلى الضغط لإقرار قوانين معادية للمرأة ومناهضة لمجتمع الميم يطالب بها بعض حلفائه في الهيئة التشريعية.
• أردوغان الهادئ. السيناريو الأكثر منطقية هو السيناريو الذي يفوز فيه بشكل مريح ولكن ليس بأغلبية ساحقة. وسيؤدي ذلك على الأرجح إلى عودة الأمور إلى مجراها، بحيث لن يشعر أردوغان بالحاجة إلى تعديل سياساته الخارجية أو الاقتصادية أو المحلية، وستظل علاقته بواشنطن قائمة بجرأة على الصفقات المتبادلة.
لقد أولى الرئيس بايدن أهمية كبيرة لتوسيع "حلف شمال الأطلسي"، وكانت الموافقة على بيع تحديث برنامج "أف-16" لتركيا الخطوة الأولى لتشجيع أردوغان على التصديق على عضوية السويد في حلف "الناتو" بعد الانتخابات. ولكن على الرغم من هذه الفرصة، من المرجح أن يرغب أردوغان في الحصول على المزيد من التنازلات قبل الانتهاء من التصديق - أي الحصول على دعوة لزيارة بايدن في واشنطن، والتزام البيت الأبيض بتمرير عملية بيع مقاتلات "أف-16" بأكملها عبر الكونغرس.
أعد هذا الملخص كل من سودي أكغوندوغدو و إريك فيلي و كولين تريسل.