- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
جون كيري يفتقد إلى ورقة مهمة في محادثاته مع روسيا بشأن سوريا
بعد لقائه مع الرئيس فلاديمير بوتين على هامش قمة مجموعة العشرين، أوعز الرئيس أوباما إلى وزير خارجيته جون كيري بمضاعفة الجهود الرامية إلى التفاوض بشأن "وقف الأعمال العدائية" في سوريا. وكان الوزير كيري يحاول التفاوض مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في هذا الشأن منذ العام الماضي لكن مساعيه باءت بالفشل [حتى الأيام الأخيرة].
وفي المقابل، تمكّن آخرون من التوصّل إلى اتفاقات مع روسيا، وفي بعض الأحيان رغم خلافات قائمة منذ فترة طويلة. وفي هذا الإطار، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو موسكو أكثر من مرة من أجل التوصّل إلى آلية لتجنّب تضارب المصالح العسكرية في سوريا، محقّقاً نجاحاً ظاهرياً. كذلك، توصّل الرئيس بوتين وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى اتفاق لوضع سقف محتمل لإنتاج النفط، رغم موقفهما المختلف حيال سوريا والمسائل الإقليمية الأخرى. وحتى تركيا، التي بدت علاقتها مع روسيا متوترة بشكل خطير بعد أن أسقطت القوات التركية مقاتلة روسية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، نجحت في عكس مسار التدابير العقابية المتبادلة التي أعقبت تلك الحادثة .
وفي كل حالة من الحالات أعلاه، كان الطرفان بحاجة إلى شيء ما من بعضهما البعض وتمكّنا من وضع الخلافات جانباً من أجل التوصّل إلى تسوية محدودة. وعليه، [كان] يتوجّب على الوزير كيري قبل اجتماعه [الأخير] مع نظيره الروسي التفكير في الأسباب التي حالت دون توصّل البلديْن إلى تسويات مماثلة.
إن ما تريده الولايات المتحدة من روسيا واضحاً. فواشنطن ترغب في تنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة والسماح بفترة انتقالية على الصعيد السياسي. وقد صرّح الرئيس أوباما بأنه "لولا وجود الروس، لعجز الأسد ونظامه عن الاستمرار في هجومه". كما تريد الولايات المتحدة من روسيا تجنُّب استهداف المتمردين المدعومين من قبلها فضلاً عن القوات الأمريكية.
أما ما تريده روسيا من الولايات المتحدة فهو أقلّ وضوحاً. ويبدو أن هدف موسكو في سوريا، أولاً وقبل كل شيء، يتجلّى في دعم نظام بشار الأسد. ورغم قول إدارة أوباما إنه لا بدّ من رحيل الأسد، لا تقوم الولايات المتحدة بالكثير لتحقيق هذه الغاية. وحتى إن كان هدف روسيا الحقيقي، كما تدّعي، هو محاربة الإرهاب، إلا أن الجزء الأكبر من الجهود العسكرية الأمريكية في سوريا مخصّص بالفعل لهذا الأمر.
لذلك، لا بدّ من أن تكمن أهداف روسيا الحقيقية في ما يخصّ المحادثات في مكان آخر. فقد أشارت افتتاحية نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" يوم الخميس المنصرم إلى أن موسكو قد تسعى إلى الاستفادة من المحادثات بشأن سوريا لضمان رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة عليها بسبب أعمالها في أوكرانيا. ومع ذلك، فمن المحتمل أن يسعى الرئيس بوتين أيضاً إلى تحقيق نصر على الجبهتيْن بدلاً من المقايضة بينهما. وقد تسعى روسيا أيضاً إلى إبقاء الآمال الأمريكية بالتوصّل إلى اتفاق قائمة لتجنُّب اعتماد أوباما سياسة أكثر تشدّداً. أو قد تَعتبر ببساطة أن المحادثات هي وسيلة لتسليط الضوء على مكانة روسيا كقوة عظمى يتحتم على الولايات المتحدة التعامل معها لحلّ مسائل حيوية، ولإذلال واشنطن.
وتتلخّص أي مفاوضات في مقارنة بسيطة بالنسبة إلى الأطراف المشاركة فيها: قيمة الاتفاق المعروض مقابل قيمة البديل الأكثر احتمالاً للتوصل إلى اتفاق. ولكسر الجمود، يحتاج أحد الجانبين أو الاثنان معاً إما إلى تلطيف شروط عرضهما أو محاولة تعقيد بدائل الطرف الآخر. وفي هذا الإطار، أوضح الرئيس أوباما أنه غير مستعدّ لاتّخاذ خطوات من شأنها أن تساهم في التقاط موسكو أنفاسها، سواء عبر إقامة "مناطق آمنة" أو استهداف نظام الأسد. لذلك لم يكن أمام الوزير كيري الكثير من الخيارات سوى تلطيف موقف الولايات المتحدة على أمل أن تلتقط روسيا الطعم.
من جهة أخرى، اتّخذت روسيا المقاربة الأكثر فعاليةً إن لم نقل الأكثر قساوةً، ألا وهي دعم موقفها الدبلوماسي بقوة محدودة لتعقيد الخيارات الأمريكية. وإذا استمرت هذه الدينامية، فإن النتائج الأكثر ترجيحاً قد تتمثّل باتفاق يؤدّي إلى مزيد من التنازلات في الموقف الأمريكي بشأن سوريا أو عدم التوصل إلى اتفاق على الإطلاق. وإذا كان الرئيس أوباما يرغب في تغيير هذا الواقع، يحتاج جون كيري إلى أن يأتي بشئ إلى موسكو "أو [يوجه تهديداً]" إليها.
مايكل سينغ هو زميل "لين سوينغ" الأقدم والمدير الإداري في معهد واشنطن. وقد نُشرت هذه المقالة في الأصل من على مدونة "ثينك تانك" على موقع الـ "وول ستريت جورنال".
"وول ستريت جورنال"